شبكة ذي قار
عـاجـل










في الحادي والعشرين من هذا الشهر ، شهر آذار بداية فصل الربيع ، تتغنى الارض بجمالها ، وتجتسي حلةجميلة لا أروع ولا أجمل لأمنا الارض ، يستبدل الناس في فصل الربيع حياتهم ، من فصل شتاء قارص ببرودته وثلوجه أحياناً ، وعواصف رعدية في أحيان أخرى ، إلى فصل ربيع بربوع بلادنا الغناء ، وجمالية الطقس ، و تجلي أنظارنا بجمالية الطبيعة التي اكتست بلون أخضر، لون السجادة الخضراء ، والوردة الحمراء ، والزهور المتفتحة ، والروائح العطرة التي وهبتنا اياها الطبيعة ، فرسمت رسومها على الطبيعة ، وأعطت للأرض أمنا ما تجود به في هذا الفصل الجميل ، ورغم استمرارية دمار الإنسان للارض وجمالها إلا أنها مازالت تجود علينا بالعطاء الوفير ، ولم تبخل علينا في ثرواتها ولا في روعة جمالها ، فحق لها أن تكون أمنا بجدارة منها نشأنا وإليها نعود ، ومن باطنها نبعث .

يوم الأم هذه السنديانة التي يستظل بها كل واحد من أفراد العائلة ، ويرتوي من حنانها الصغير والكبير ، ولا ينضب عطاؤها ، فهي الودود الولود بكل معاني الخير والعطاء ، يشكو الجميع من القيام بدورهم وواجباتهم اتجاه الآخرين باستثنائها هي ، وحدها من يعطي دون أن ينتظر، ووحدها من يجزل العطاء دون ملل ولا كلل ، هي عمود البيت، فإن سقط وتهاوى سقطت الدار على رؤوس ساكنيها ، وإن صلح ونهض ، نهض بكل من في الدار ، فصلاحها فيه سعادة وديمومة للجميع ، وخرابها ودمارها فيه خراب ودمار لكل فرد من أفراد الأسرة ، نفتقدها في كل لحظة ، فلا حياة هنية ولا حياة كريمة إلا بوجودها ، فهي بوابة العطاء في الدنيا ، وهي بوابة الجنة في الآخرة، وويل لكل من يتسابق مع الزمن فلا يلحق به ، لكسب رضاها قبل فوات الاوان ، فمن لم يكسب رضاها أودى بحياته ، ومن كسب هذا الرضى حظي بالجنة ، فكانت الجنة تحت قدميها بحسن تدبيرنا في نيل رضاها ، فالام مدرسة ينهل من عطائها كل من رضع من ثدييها ، وتربى في حضنها ، ونال عطفها وحنانها .

يوم الكرامة ، يوم سجل فيه صناديد الجيش وابطال المقاومة ملحمة بطولية ، دفاعاً عن ثرى الوطن الذي أراد الصهاينة أن يثلموا كرامته في العدوان عليه ، متوهمين أن ما سبق عدوانها من جولة في الصراع بيننا وبينهم ، قد زرع في رؤوسهم المتعفنة لوثة الغرور ، وظنوا خائبين أن في مقدورهم أن يدنسوا كرامة وطن امتشق أبناؤه سيوفهم دفاعاً عن وطن وارادة أمة ، فكانت معركة الكرامة التي هزمت فيه الارادة الصهيونية ، وانتصرت ارادة الحق والرجولة في يوم الكرامة عندما زلزلت الارض تحت أقدام الغزاة ، فكان يوماً أسوداً في حياتهم ، وكان اختبار لقدرة وارادة إنسان انغرس في هذه الارض ، ولا يقبل أن يكون بديلاً عنه يقيم عليها ، ويتنسم هباتها ، ويستنشق عطر الارض ، وتتكحل عيناه بلون دحنونها .

وفي مثل هذا اليوم فيه ضياع الحال وغزو بغداد ، بغداد وما أدراك ما بغداد، قلب العروبة النابض ، وبوابتها الشرقية التي تجرع الغزاة من الفرس المجوس كأس سم الهزيمة على يديها ، بغداد التي أنجبت القائد صانع القادسية ، وعراق المجد وصناعة التاريخ ، ففي مثل هذا اليوم الأسود اجتمع فيه كل الخونة والعملاء والأعداء ، تكالبوا جميعاً على فض بكارة بغداد العروبة على مرأى كل العربان ، الذين باعوا الذمة والضمير ، ووضعوا في أيدي كل الغزاة والطامعين كل معاول الهدم والتدمير ، فسوغوا لأنفسهم المريضة والحاقدة أن يدمروا صمود بغداد وعنفوانها ، وما قرأوا تاريخ العراق ولا فهموا سجل بغداد البطولي ، فمن يظن واهماً أن بغداد غير عصية على كل العملاء والخونة والمأجورين لا يفهم أبجدية التاريخ ، ولم يقرأ جيداً قصص البطولة التي تتغنى بها بغداد منذ نبوخذ نصر وحتى صدام حسين .

بغداد لم تسقط فهي على موعد مع الحرية والتحرير ، لأنها رضعت العروبة والارادة، وانتصبت في وجه كل الغزاة على مر التاريخ فكانت لهم بالمرصاد ، وقد داست عليهم جميعاً ونهضت شامخة كشموخ نخيلها ، قوية كقوة ارادة ابنائها القابضين على جمر المقاومة ، فهي على موعد مع التحرير ، ولا حياة لها إلا في ظلال الحرية والارادة والعزيمة ، تأبى أن يدنس شرفها حاكم وضيع ، ولا خائن جبان ، ولا أن يمتطي ظهرها من لا تكون فيه سمات الرجولة ، وهي تؤكد لابنائها أنها على العهد ، ولن تقبل بالخيانة ولا الدناءة ولا العمالة ، فالحرة لا تقبل أن تبيع شرفها ، فبغداد على مر التاريخ كانت حرة أبية .

dr_fraijat45@yahoo.com





الجمعة ١٦ جمادي الثانية ١٤٣٧ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٥ / أذار / ٢٠١٦ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب الدكتور غالب الفريجات نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة