شبكة ذي قار
عـاجـل










الصورة التذكارية التي جمعت الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند مع روؤساء الطوائف في لبنان على درج "قصر الصنوبر" في بيروت، تعيد التذكير بالصورة التي جمعت المفوض السامي الفرنسي مع رؤوساء الطوائف لستة وتسعين سنة خلت يوم أعلن عن قيام "دولة لبنان الكبير".
الفرق في الشكل بين المشهدين، أن الأخيرة كانت ملونة فيما الأولى كانت بالأبيض والأسود لأن التكنولوجيا لم تكن آنذاك قد توصلت إلى تقنية فرز الألوان. وأما الفرق الثاني، فإن الأخيرة توسطها رئيس الرئيسي الفرنسي، فيما الأولى توسطها المفوض السامي وكان يمارس صلاحياته بما يوزاي صلاحيات رئيس الدولة تجاه إدارة الشأن اللبناني التي عُنيت فرنسا دولة منتدبة عليه. وإذ كان الفرق الثالث يتناول عدد روؤساء الطوائف الذين زادوا حالياً عما كان قائماً آنذاك، إلا أن هذه الفروقات في الشكل لم تنسحب على المشهد ببعده الوطني.

وفي مقاربة سريعة للمشهدين الاحتفاليين يمكن التوقف عند ثلاث مسائل :
الأولى،
إن فرنسا يوم توسط مفوضها السامي الصورة التذكارية كانت دولة عظمى بمقاييس الدول المقررة في إدارة الشأن الدولي، وأما اليوم فإنها دولة باتت مفتقرة لهذه الميزة بعد التطور الذي طرأ على النظام الدولي الذي أرست معالمه بعد الحرب العالمية الثانية، ولم تعد تمتلك من التأثير سوى كونها لها حق النقض في مجلس الأمن الدولي وبهذا فإن الحضور الشخصي لممثل الدولة الفرنسية كان أقوى وأكثر تأثيراً بحضور المفوض السامي من حضور رئيس الدولة في الوقت الحاضر، وهذا يعود إلى فعالية الموقع الفرنسي في الخارطة الدولية حالياً.

الثانية : إن المندوب السامي الذي تصدر وتوسط الصورة التذكارية جاء ليدير ويشرف على إدارة الشأن السياسي اللبناني بصلاحيات كاملة فيما الرئيس الحالي جاء مستطلعاً وأن توسطه للصورة التذكارية كان احتفالياً، لأن فرنسا ليست اليوم في الموقع المقرر في ترسيم مخارج الحلول السياسية.

الثالثة : إن الحنين الفرنسي للبنان، وأن كان أحد لا يشك في صدقيته إلا أن هذا الحنين بقي مسكوناً بما تحتفظ به فرنسا في ذاكرتها السياسية ووثائقها من أن"دولة لبنان الكبير" لا تجمع شعبها وحدة مواطنة بل هو مشكل من مجموعات طوائفية. وأن علمانية الدولة الفرنسية التي ارتضاها الشعب الفرنسي ناظماً لحياته السياسية والعامة لم تسحب نفسها على الشعوب التي كانت مستعمرة من فرنسا أو واقعة تحت حمايتها وانتدابها. وبالتالي فإن المشهدية الأخيرة للصورة التذكارية بالألوان، إنما كانت استحضاراً للصورة التذكارية بالأبيض والأسود لجهة الدلالة السياسية والرؤية الفرنسية لتشكل المجتمعي اللبناني.

هذه المسائل الثلاث التي ارتسمت من خلال مشهدية لقاء قصر الصنوبر الاحتفالي، تعيد التأكيد، بأن الغرب السياسي الذي لعب دوراً في تأسيس النظام السياسي اللبناني يريد لهذا النظام أن يستمر على الأسس الطائفية التي قام عليها. والتجديد إذا ما كان مطلوباً، فإنما يجب أن يتناول تجديد الشخصية السياسية الطوائفية وليس الغاءها لمصلحة الشخصية الوطنية الجامعة والتي ينصهر في بوتقتها كل الطيف المجتمعي اللبناني.

إن أحداً لا يعترض أن يأخذ الرئيس الفرنسي صوراً تذكارية مع شخصيات لبنانية، سياسية كانت أم دينية أو غير ذلك أما وأن تؤخذ الصورة بهذا الشكل للتدليل والتأكيد، بأن لبنان يتشكل من مجموعة طوائف لكل واحدة منها شخصيتها الاعتبارية في البعد السياسي، فهذا يميط اللثام عن حقيقة الموقف الدولي من لبنان وكل من يتدخل بشؤونه من الخارج الإقليمي والدولي وهو أن نظام المحاصصة لا يخدم القوى الداخلية التي تمسك بمفاصل السلطة وحسب والتي تستميت للمحافظة عليه، بل بخدم ايضاً تلك القوى التي تتدخل في الشأن اللبناني متكئة على قوى الداخل ذات التركيب البنيوي الطائفي.

وعليه فإن الابتسامة التي ظهرت عل شفاه ووجوه رموز الصورة التذكارية، لم تقابلها ابتسامة على شفاه ووجوه اللبنانيين. لأن من اكتوى منهم بنار النظام الطائفي الذي أسس له الانتداب الفرنسي، يشوى اليوم بنار هذا النظام الذي يعيد إنتاج نفسه بعد كل أزمة بنيوية يتعرض لها لبنان. وخطورة مظهريته الأخيرة أنه يأخذ بعداً مذهبياً حاداً، بعدما فعل التدخل الدولي والإقليمي النافخ في بوق الطائفية والمذهبية فعله في الجسم اللبناني.

إن رؤوساء الطوائف الذي التقطوا الصورة التذكارية في قصر الصنوبر هم رؤوساء طوائف معترف بها لكنهم لا يمكن النظر إليهم بأنهم يمثلون الشعب في توقه السياسي بالانصهار الوطني وبالتالي فإن من يمثل لبنان وشعبه أو من يفترض فيه أن يمثله، هو من يعتبر أن الانتماء بالمواطنة هي الأساس الوطني الذي يبنى عليه، وليس الانتماء إلى الطائفة. فالطائفية هي علة البلد السياسية الأساسية، والتي في ظلها يراد لللبنانيين أن يكون رعايا في وطنهم ومواطنين في طوائفهم، وهذه لا تبني أوطاناً، ولهذا لا نبتسم مع المبتسمين في الصورة التذكارية على مدرج قصر الصنوبر ولو كانت بالألوان .





الثلاثاء ١٢ رجــب ١٤٣٧ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٩ / نيســان / ٢٠١٦ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة