شبكة ذي قار
عـاجـل










نظام دمشق الطائفي الدموي، هو نظام ضعيف لكنه متغطرس، ولهذه الغطرسة جذور فارسية صفوية، تضع في إعتباراتها الدم والأبادة لحسم صراعاتها الداخلية والخارجية، وإذا ما جنح للتفاوض، فهو لألتقاط الأنفاس وللمراوغة والأستهلاك الداخلي والخارجي وللظهور بمظهر القادر على إدارة الصراع بإقتدار، لأنه متحضر بإمكانه الجلوس على طاولة المفاوضات .. كل هذه التوصيفات ليست عناصر كائنة في السياسة الخارجية ولا الداخلية لنظام دمشق .. كما أنه نظام، شأنه شأن نظام طهران يخضع لمعايير القوة .. فحين وصلت الثورة المسلحة على أبواب دمشق طلب الأسد النجدة من بوتين ، فيما كان الأيرانيون يعملون بصمت ويحفرون قنوات التهديم في المجتمع السوري، وخاصة في أماكن الكثافة السكانية في العاصمة دمشق - خلف الجامع الأموي وفي قلب منطقة السيدة زينب - شراء أراضي وتملك عقارات وإنشاء مصارف مشتركة وشركات وسياحة دينية كثيفة، وبتسهيلات من الأسد الأبن وليس الأب ) .. الغزو من الداخل كان كما يقول المصريون ( ميه من تحت تبن ) .!!

وحتى تسير طهران على نهج ( التقيه ) في سياستها الخارجية وكذا تعاملاتها المذهبية المؤدلجة ، لم تعلن أنها سترسل قوات عسكرية نظامية، كما فعلها بوتن، إنما اعلنت إنها تدعم النظام بالمستشاريين العسكريين وبالفنيين والخبراء، فيما كانت المليشيات الطائفية المسلحة تأخذ طريقها من طهران - بغداد - سوريا - تحت ذريعة حماية المراقد المقدسة، وهو شكل من أشكال الدفاع عن نظام على وشك السقوط تحت اقدام الشعب .

الفرق بين التدخل العسكري الروسي والتدخل العسكري الإيراني أن الأول: مؤقت ومشروط بحالة التطورات التي تلامس، ليس الساحة السورية فحسب، إنما لدواعي العقيدة العسكرية الروسية الجديدة، التي تحدثنا بشأنها خصوصًا في مقالتين نشرتا في موقع البصرة وذي قار المناضلتين، وهو الأمر الذي يمس الأمن القومي الروسي وإشكالياته تكمن في نشر الناتو لمنظومة صواريخ في ( بولندا ورومانيا والمجر والتشيك ) وهي من أعضاء ( الناتو ) ، والتي كانت من دول الأتحاد السوفياتي السابق .. أعتبرته موسكو تهديدًا لمجالها الحيوي فضلاً عن إقتراب الحلف الأطلسي من جورجيا وإشكالات أوكرانيا التعبوية والأقتصادية .. أما الثاني : وهو التدخل العسكري الإيراني، فهو ليس مؤقتًا ولا مشروطًا بتطورات الأحداث في سوريا ، إنما مخططأ إيرانيًا ثابتاً تخترق فيه منطقة المشرق العربي وتعزز أذرعها العسكرية المؤدلجة في الجنوب اللبناني ( حزب الله الأرهابي ) ، وفي سوريا ( نظام الأسد الأرهابي الطائفي ) .. وكما يرتبط الفعل العسكري الروسي في سوريا بوجه من أوجه العقيدة العسكرية الروسية، يرتبط الفعل العسكري الأيراني في سوريا بالعقيدة العسكرية التوسعية الإيراني صوب المشرق العربي .. والفرق هنا ، كما أسلفنا بين الدافعين للفعل العسكري الروسي والإيراني هو أن الأول مؤقت ومشروط بالتحولات الأستراتيجية العامة التي تحيط بصانع القرار الروسي، أما الثاني فهو دافع ثابت تقتضيه نظرة التوسع الإيرانية .. الأول : يمكن أن يلغي فعله العسكري عن طريق السياسة إذا ما تم تخفيف الضغط الغربي المستمر على مجاله الحيوي .. أما الثاني : فمن الصعب أن يلغي فعله العسكري عن طريق السياسة، لأن لا ضغط يتعرض له، لا من أمريكا ولا من ( إسرائيل ) ولا من الغرب، فهو مستمر في عناده العسكري على الرغم من الكم الهائل من قتلاه من الجنرالات والحرس والمليشيات .. والسبب ، هو إذا تراجع نظام طهران سيسقط في الداخل فورًا ، وذلك لأنه سيفقد مبرر وجوده الذي استمر أكثر من خمسة وثلاثين عامًا نظامًا تسلطيًا على رقاب الشعوب الأيرانية والذي حرمها من فرص النمو والتقدم والتطور .. سيسقط لا محالة . ولكن موسكو، إذا ما تراجعت عسكريًا ثم سياسيًا فنظامها السياسي سوف لن يسقط ، لأن تدخل روسيا العسكري وإنهاء هذا التدخل، لم يرتبط بمبرر وجود النظام الروسي .. ملالي طهران يدركون هذا المغزى العميق لتورطهم في المستنقع السوري والعراقي واليمني على وجه الخصوص والذي لا مستقبل لهم فيها أبدًا .. كما أن بوتن يدرك هو الآخر هذا المغزى العميق لتورطه في هذا المستنقع .. وإذا كانت موسكو متورطة في المستنقع السوري وقبله الأوكراني، فأن طهران متورطة في المستنقع العراقي والسوري واليمني والبحريني وفي كل الساحات التي ينشط فيه إرهاب القاعدة وإرهاب داعش على حدٍ سواء، ألم تكن إيران راعية للأرهاب .. لقد أفصح السفير الأمريكي الأسبق في العراق، وهو من صقور المحافظين الجدد في كواليس صنع القرار الأمريكي ( زلماي خليل زاد ) حين قال ( أجريت مفاوضات مع الجانب الايراني عندما عملت سفيرا في ادارة الرئيس جورج بوش بخصوص قادة تنظيم القاعدة الذين لجأوا الى ايران بعد فرارهم من افغانستان، ورفض الايرانيون تسليم قادة التنظيم الى واشنطن او اعادتهم الى الدول التي اتوا منها واختارت ايران ان تمنحهم الاقامة ) .!!

إذن .. نظام دمشق الضعيف الذي فقد شرعيته تمامًا على أرضه وبين شعبه، وهو في وضعه الحالي المزري المغلف بالغطرسة الدموية، كيف ينظر إلى موسكو وكيف ينظر إلى طهران ؟ ما هي خياراته ؟ ثم لمن يصغي أكثر لموسكو أم لطهران أم لكليهما ؟! :

1 - من المعروف، أنه لولا الدعم الإيراني لما استمر النظام السوري سوى أسابيع .. ولولا النفوذ المستشري في العراق ، ولولا التماس الجغرافي بين سوريا والعراق، والقدرة الإيرانية على الأمدادات المستمرة عبر العراق إلى سوريا، ( أسلحة وأموال ومليشيات وقوات عسكرية ) ، لما استطاع النظام على المقاومة والمطاولة .. إذن، فالعامل الجغرافي لعب دورًا كبيرًا في بقاء النظام الفاشي في دمشق.

2 - ومن المعروف أيضًا، أن طبيعة العلاقة القائمة بين طهران ودمشق تتسم بـ ( الآيديولوجية الطائفية ) ، وهو الأمر الذي جعل الدعم يأخذ منحًا قويًا لأعتبارات الأستراتيجية الفارسية، وهي ترمي إلى التمدد نحو المشرق العربي، من أجل إحكام قبضتها على مفاصل تعتقد أنها ( حيوية ) في مخططها الأستراتيجي.

3 - وعلى هذا الأساس يكتسب الدعم الأيراني طابعًا لوجستيًا تعبويًا بفعل التماس الجغرافي بين جغرافية سوريا وجغرافية العراق، التي تؤثر فيه وبقراراته إيران .. ومن هذا المنظور ترى طهران أهمية بالغة إختراق العمق الجغرافي العراقي لتأكيد وجودها الأستراتيجي على حافات البحر المتوسط، بمختلف الوسائل، ( قتل العراقيين بالجملة - تجريف منازلهم ومزارعهم ومنشآتهم - وتهجيرهم وتشريدهم حتى لو كانوا بالملايين - لأن المهم هو الأختراق من أجل الوصول إلى الهدف الفارسي ) :

4 - تستأنف إيران حاليًا مشروع حفر نفق يقطع المنطقة الجبلية بين إيران والعراق من أجل تسهيل نقل الأسلحة والجنود إلى قاعدة عسكرية إيرانية قريبة جدًا من السليمانية.

5 - باشرت إيران بإنشاء قاعدة صواريخ في منطقة جبال ( سورين ) القريبة من ناحية ( سيد صادق ) في محافظة السليمانية، فضلاً عن مطار للمروحيات العسكرية الأيرانية بإتفاق بين طهران وحزب جلال الطلباني.!!

كل هذا الجهد العسكري الأيراني خارج أراضي إيران يعد جهدًا جغرافيًا إستراتيجيًا متكاملاً مع الزخم العسكري المليشياوي العام الذي يجري في العراق الآن ، تحت مسميات مسرحية هي محاربة ( داعش ) و ( محاربة الأرهاب ) .!!

6 - تحددت خطة الحركة العسكرية الإيرانية بجغرافيا ( بعقوبة شرقًا – وتكريت وقاعدة سبايكر شمالاً – والفلوجة حتى الحبانية غربًا ) .. هذا المحور قد تم تحديده في اجتماع قد تم تسميته بـ ( خطة تأمين بغداد ) ، الذي حضره الجنرال قاسم سليماني.!!

حدد مستشار قائد الحرس الأيراني العميد ( إيرج مسجدي ) أهداف دخول قوات الحرس الايراني الى معركة الفلوجة كالآتي :

أولاً - إن مشاركة قوات الحرس الأيراني بقوة في معركة الفلوجة دفاعًا عن إيران وحدودها.!!

ثانيًا - إن من أكبر الأخطاء الاستراتيجية، محاربة العدو داخل حدود الدولة الجغرافية، ويجب أن تنقل المعركة مع الدول العربية من إيران إلى داخل حدود أراضي الدول، وتدمير قوته كاملاً حتى لا تصل التهديدات الى داخل حدود إيران.!!

هذا التفكير هو نسخة طبق الأصل من العقيدة القتالية الأسرائيلية، التي تعاني من نقص جيوبوليتيكي لا تعاني منه إيران في عمقها الدفاعي، كما أن لا أحد يهدد إيران أبدًا .. فلماذا تتبنى إيران مثل هذه العقيدة غير الضرورية للدفاع ما دامت تمتلك عمقًا إستراتيجيًا واسعًا ؟!

ثالثًا - إن دخول قوات الحرس الايراني الى معركة الفلوجة هو من أجل أن تبقى إيران مركزًا للتشيع في العالم.!!

هذا الفعل السياسي العسكري الأيراني لم يكن بمقدور إيران تنفيذه لولا القبول الأمريكي .. وهذا يعني أن أمريكا قد منحت طهران موافقتها على العبث في العراق وفي سوريا.

الأمر يختلف عن روسيا ، فليست هنالك حدود جغرافية لا مع سوريا ولا مع العراق، وتدخلها يكتسب صفة المؤقت المشروط بطبيعة القوة الفاعلة على الأرض السورية .. فموسكو قد تغير سياستها إذا ما ظهر عامل دولي يسمح بذلك خاصة ما يتعلق بـ ( أوكرانيا ) و ( أسعار النفط ) من جهة و بنشر منظومة الصواريخ بالقرب من خاصرتها الحيوية ( بولندا ورومانيا والتشيك ) من جهة ثانية.!!

7 - أما علاقات موسكو بطهران فهي علاقة ( متعة ) ومصلحة لا أكثر .. وليست علاقات آيديولوجية ولا إستراتيجية بالمعنى الحرفي للعلاقات الأستراتيجية بين الدول كالعلاقة ما بين واشنطن وتل أبيب المدعومة بمعاهدة عام 1980 ذات الطابع الأستراتيجي .. هي علاقات مخدومية أو إستخدامات أحدهما الآخر حسب دوافعه ومصالحه وأهدافه .. وقد تتقاطع أو تتصادم في لحظة متغيرات مفصلية يجب أن ترصد بدقة .

إذن .. دمشق تصغي لطهران أكثر بكثير مما تصغي لموسكو بحكم شروط العلاقات الكائنة حسبما تقدم.!!





الاحد ٢٢ شعبــان ١٤٣٧ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٩ / أيــار / ٢٠١٦ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. أبا الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة