شبكة ذي قار
عـاجـل










عقب خروج قوات الاحتلال الأميركي من العراق مندحرة، وقف العراق على أبواب مرحلة سياسية جديدة، عنوانها اهتزاز الأرض من تحت إقدام المنظومة السياسية-الأمنية التي أفرزها الاحتلال، وبدء تكون أرضية سياسية وشعبية لإنتاج عملية سياسية جديدة، تسقط كل ما أنتجه الاحتلال وإطلاق ورشة سياسية – اقتصادية اجتماعية لإعادة تأهيل العراق على قاعدة المواطنة، وكان من شأن ذلك لو تحقق تجنيب العراق كوراث إضافية. لكن ما أن بدأت ملامح هذا التحول السياسي بالبروز معبراً عنه بالحراك الشعبي الذي نزل إلى الشارع واستوطن الميادين في العديد من المدن العراقية في استحضار لعناصر المسألة الوطنية التي تؤكد على وحدة العراق وعروبته وتعدديته السياسية في إطار الوحدة الوطنية وديموقراطية الحياة السياسية فيه، حتى استنفرت القوى المرتبطة بمشروع الاحتلال قواها مستحضرة خطاب مذهبي وطائفي، في تحريض موصوف ضد الحركة الشعبية التي رفعت شعار سلمية الحراك، رغم أن قواها المحركة كانت خارجة من مواجهة عسكرية شاملة مع قوات الاحتلال الأميركي.

إن استنفار تلك القوى التي استقدمت قواها العسكرية لضرب الحراك الشعبي في المدن التي انتفضت على الواقع السياسي السلطوي، كان موجهاً من النظام الإيراني الذي كان يحضر نفسه لملء الفراغ السياسي والعسكري والأمني الناتج عن الانسحاب الأميركي، وظناً منه أن الفرصة باتت سانحة للإمساك بكل مفاصل الحياة السياسية والاجتماعية العراقية، وهو الذي كان يعمل تحت مظلة الاحتلال الأميركي.

إن الذي أبرزته سياقات الأحداث بعد الانسحاب الأميركي، هي ان المنظومة الأمنية السياسية التي أصبحت تدار مباشرة من قبل المرجعية الإيرانية، هي في وضع أعجز من تحتوي التحولات الإيجابية، السياسية والشعبية التي أفرزها الفعل المقاوم للاحتلال، وأن هذه القوى باتت تشكل رقماً صعباً في معادلة الوضع الداخلي نظراً لمشروعية تمثيلها للتوق الوطني العراقي، ولتقديم نفسها عبر مشروع وطني جامع عابر للطوائف والمذاهب وللأثنيات. وهذا ما وجد فيه النظام الإيراني والقوى المرتبطة به، مقتلاً لمشروع الهيمنة على العراق وجعله جرماً يدور في الفلك الإيراني.

أن المشهدية التي عاشها العراق عشية الانسحاب الأميركي من العراق والحملة الدموية التي استهدفت الحراك الشعبي متظللة بخطاب مذهبي وطائفي كإجراء وقائي يحول ودون وسقوط العملية السياسية التي أفرزها الاحتلال استناداً إلى قاعدة إسقاط الأصيل يؤدي بالضرورة إلى إسقاط الوكيل تتكرر اليوم مع الحملة العسكرية التي تشنها المنظومة الأمنية – السياسية ضد الفلوجة وقبلها الرمادي وصلاح الدين وديالى متظللة بتغطية أميركية تحت عنوان مواجهة قوى الإرهاب وفي حضور مباشر للنظام الإيراني في إدارة العمليات العسكرية، تحت مسمى مشاركة ما يسمى "بالحشد الشعبي". وهو تشكل من قوى مذهبية تديره غرفة عملية إيرانية وأن ظهور قاسم سليماني في مسرح العمليات ما هو إلا إثبات بأن الدور الإيراني في العراق بات مكشوفاً إلى الحد الذي لم يعد يقيم اعتباراً لأي رد فعل، لأن النظام الإيراني يخوض معركة كسر عظم في العراق باعتباره الموقع الذي سيتحدد فيه حجم النفوذ الإيراني في المنطقة.

وهذه الاندفاعية الإيرانية بكل التزخيم السياسي والإعلامي الذي يرافقها أملته جملة عوامل :
العامل الأول ويرتبط بمعطى الوضع الداخلي العراقي، حيث تسارعت التطورات السياسية والشعبية إلى الحد الذي جعلت العملية السياسية المحمولة على الرافعة الخارجية بسنديها الأميركي والإيراني هي على حافة الانهيار، وهي إذا ما أنهارت فإن كل ما بني عليه خلال السنوات الماضية سوف ينهار، وأن الأزمة السياسية التي تعصف بأطراف ما يسمى العملية السياسية ليست إلا مؤشراً على مأزق المشروع السلطوي الذي ركبته سلطة الاحتلالين الأميركي والإيراني وبالتالي عدم قدرته على احتواء النقمة الشعبية العارمة والتي عمت كل العراق وتحت عنوان استعادة حضور القضية الوطنية العراقية في مواجهة الدور الأميركي والإيراني وخاصة الأخير.

وأما العامل الثاني فيرتبط بمشروع النظام الإيراني الذي يريد أن يوجه رسالة من خلال وضوح حضوره ودوره السياسي والعسكري والأمني، بأن تدخله المكشوف في العراق هو "عاصفة حزم" إيرانية في موقع عربي يرى فيه حديقة خلفية "لأمنه القومي" ونقطة انطلاق إلى العمق القومي العربي.

وأن حضور قاسم سليمان على رأس التحشد الميليشياوي الذي يديره ويوجهه في عمليات عسكرية إنما هي مشهدية تستحضر فيها مشهدية المالكي يوم حشد ميليشياته لاقتحام ميادين الحراك الشعبي، وفيها دلالة أوضح، بأن الحضور الإيراني المباشر هو رسالة أيضاً بأن الحضور الإيراني بات على حدود السعودية والأردن وسوريا وهو يأتي ضمن مخطط رسم خطوط الهلال الإيراني في المشرق العربي.

وأما العامل الثالث، فيرتبط بالعلاقة الأميركية – الإيرانية التي تحكمها قواعد الاتفاق لقطع الطريق على مشروع الاستنهاض الوطني والذي باتت تتوفر له كل مقومات الحضور الفاعل، من قيادة سياسية وطنية مجربة ومؤهلة لقيادة هذا المشروع الوطني، إلى برنامج سياسي يحاكي مصالح الشعب العراقي بكل فئاته وأطيافه ومكوناته إلى القوى الشعبية التي وضعت خلفها شعارات التعبئة المذهبية والطائفية واستحضرت في حراكها شعارات وطنية واجتماعية، وأن ركوب موجة هذه الحركة الشعبية ومحاولة تدجينها وتجويف مضمون خطابها الوطني سقط في ميادين المدن والأرياف التي عاشت مقاربة تجربتي الحكم الوطني وحكم العمالة والفساد والارتهان لقوى الاحتلال ومعها تحول العراق إلى دولة فاشلة.

من هنا فإن الحملة على الفلوجة وأن كانت تحت عنوان مواجهة قوى الإرهاب، إلا أنها في حقيقتها وأبعادها هي غير ذلك كلياً، لأن القوى المصنفة "إرهابية" ما هي الا نتاج الاحتلال الأميركي أولاً والرعاية الإيرانية ثانياً. وهذه القوى بما قامت وما تقوم به، إنما تتماهي مع ماتقوم به القوى المذهبية المرتبطة بالمرجعية الإيرانية، وأن كل واحدة منها تبرر وجود الأخرى.

ان تصرف الميليشيات المرتبطة بالأجهزة الإيرانية في صلاح الدين وديالا، وبغداد ومحيطها وجرف الصخر، يستحضر اليوم في الأنبار عامة والفلوجة خاصة، وذلك ليس لأن الأنبار والفلوجة خاصةهي بيئة حاضنة لما يسمى قوى إرهابية، بل لأن الفلوجة كانت عنواناً لمقاومة الاحتلال الأميركي كما كانت عنواناً لاحتضان قوى الفعل المقاوم وكل القوى التي وضعت شعار حماية عروبة العراق في صدر خطابها السياسي.

من هنا، فإن القوى التي تتحشد حول الفلوجة للي ذراع أهلها وجعلها تدفع ثمن مواقفها المقاومة والحاضنة للمقاومة ومن ثم إدخالها حزام المناطق التي تنفذ فيها عملية تغيير التركيب الديموغرافي للعراق، يجب أن يواجه بموقف وطني عراقي في ضوء خطورة ما يترتب على إسقاط الفلوجة كعنوان وطني وقومي مقاوم من نتائج كارثية على وحدة العراق الوطنية وعروبته، كما يجب أن يواجه بموقف عربي حازم، نظراً لخطورة ما يمثله الوجود الإيراني المباشر على تخوم الجزيرة العربية وبلاد الشام، وكما بموقف دولي بالنظر إلى الخطورة التي تتمثل بالجريمة الإنسانية التي ترتكب بحق شعب ومنطقة ومدينة لا ذنب لها سوى كونها مارست حقها الطبيعي في الدفاع عن نفسها ضد قوى الاحتلال.

لقد احتلوا العراق عندما استفرد فيه التحالف الدولي المتعاون مع المتكاءات الإقليمية والنتيجة التي أفرزها الاحتلال هي جريمة الحرب التي ارتكبت بحق شعب العراق. واليوم فإن العراق أمام احتلال آخر، سيكون أكثر بشاعة وأكثر فظاعة في مشهديات جرائمه إذا ما أسقطت الفلوجة، وعليه فإن الفلوجة التي جعلت المحتل الأميركي يدفع ثمن باهظاً في محاولته كسر إرادة مقاومة أبنائها، هي اليوم تقف في الخط الأمامي في مواجهة للمشروع الإيراني الشديد الخطورة على الأمن القومي العربي، وأسنادها بالموقف السياسي والإعلامي واللوجستي هو مهمة وطنية عراقية ومهمة قومية عربية ومهمة إنسانية والمدخل لوضع هذا الإسناد عبر آلياته التنفيذية، يكون عبر اعتبار المشروع الوطني الذي طرد الاحتلال الأميركي، ويتصدى لمشروع الاحتلال الإيراني هو نقطة الارتكاز العراقية التي يجب توفير الدعم السياسي والمادي له لتمكينه من ردع العدوانية الجديدة على العراق تحت ذريعة مواجهة الإرهاب وفي استحضار لكذبة فبركة العدوان بحجة امتلاك العراق لأسلحة دمار شامل وعلاقة مزعومة مع القاعدة.

إن الفلوجة كانت عنواناً وطنياً عراقياً ، في مواجهة العدوان والشعوبية، ولتكن الفلوجة عنواناً لوأد هذا المشروع الجديد الذي يستطبن عدائية شعوبية ضد العروبة، وهذا ميدان لاختبار دور عربي في العراق انطلاقاً من معركة غرب العراق.

إن انتصار العراق في معركة غربه، سيعيد معاني انتصار القادسية في شرقه وإليها يجب توجيه الأنظار.
 





الثلاثاء ٢٤ شعبــان ١٤٣٧ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٣١ / أيــار / ٢٠١٦ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب كلمة المحرر الأسبوعي لموقع طليعة لبنان نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة