شبكة ذي قار
عـاجـل










بعد أيام قليلة من ظهور قاسم سليماني قائد ما يسمى بفيلق "القدس" على شاشات التلفزة وهو يدير ويشرف على عمليات محاصرة وقصف ومحاولة اقتحام الفلوجة من قبل ما يسمى "بالحشد الشعبي" وهو تجمع ميليشياوي مرتبط بمركز التوجيه والتحكم الإيراني، أعلن إبراهيم الجعفري في إطلالة إعلامية أن الحكومة العراقية عينت سليماني مستشاراً لها، وفي محاولة مكشوفة لإضفاء "مشروعية" على حضور سليماني وإشرافه على سير العمليات العسكرية ضد الفلوجة.

هذا الإعلان من جانب أحد رموز ما يسمى بالعملية – السياسية لم يضف جديداً إلى ما هو قائم لأن سليماني وهو واحد من عشرات المسؤولين الإيرانيين الذين يسرحون ويمرحون في عرض العراق وطوله، تارة تحت ذريعة تقديم المشورة وتارة أخرى لمواكبة الأنشطة الإيرانية المتغلغلة في مفاصل إدارات الدولة وفي الواقع المجتمعي.

وقبل ظهور سليماني على تخوم الفلوجة، كان له ظهور في صلاح الدين وديالى وجرف الصخر وفي كل موقعه خاضت فيها الميليشيات التي يديرها، مجازر جماعية ضد أهالي وسكان المدن والقرى التي كانت تُقتحم بحجة تحريرها من "داعش" ومثيلاتها.

لكن ما يختلف اليوم عن السابق لجهة الأبعاد السياسية لظهوره، هو أنه سمي مستشاراً للحكومة العراقية. ومن يدرك حقيقة الدور الإيراني وتأثيراته في العراق منذ أربع سنوات، يعي جيداً أن الحكومة العراقية ليست إلا دمية تديرها الأجهزة الإيرانية، ولم يغير شيئاً استبدال العبادي بالمالكي.

وإذا كان قد جرت عملية توقيت إضفاء "مشروعية" على دور سليماني في الوقت التي ترتكب فيه جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية بحق الفلوجة، من خلال النتائج التي تترتب على سياقات هذه المعركة التي تشن ضد مدينة ماركعت يوماً لمحتل، وتجربة الاحتلال الأميركي معها نموذجاً، فلكي ترسم ملامح حدود النفوذ الإيراني.

هذا النفوذ الذي كان يتلطى سابقاً تحت "واجهات عراقية"، خرج عبر إعلان الجعفري من رمادية الدور الذي كان يبدو ملتبساً عند البعض إلى الوضوح الذي لا يرقي إليه أدنى شك. وإذا كان الشيء بالشيء يذكر، فإن عملية تعيين سليماني مستشاراً للحكومة العراقية إنما تشبه بأبعادها ومضمونها تعيين بريمر حاكماً أميركياً للعراق. وإذا كان هناك اختلاف في الشكل لجهة الموقع الذي مارس من خلاله بريمر دوره وما يمارسه سليماني، هو أن أميركا لم تخف أنها قدمت لاحتلال العراق، وأن الأمم المتحدة وصفتها بأنها سلطة احتلال، فيما سليماني عين مستشاراً، لأن النظام الإيراني يقدم نفسه من خلال المهمات الاستشارية "والمساعدة الإنسانية"، فيما الحقيقة أنه يمارس دوره الواقعي باعتباره سلطة احتلال. وعندما يقع بلد تحت الاحتلال، فإن السلطة الفعلية إنما تمارسها الدولة المحتلة عبر ممثليها وأجهزتها.

وعندما يكون المستشار هو الذي يحدد سقف الموقف السياسي، وهو الذي يوجه سير العمليات العسكرية، وهو الذي يضبط الإيقاع السلطوي، فهذا يعني أن المستشار هو صاحب القرار الفعلي في إدارة البلاد وشؤون العباد وبالتالي هو الحاكم الإداري السياسي الذي تعلو قراراته أية قرارات أخرى.

على هذا الأساس، فإن المركز الحقيقي لسليماني في إدارة الشأن العراقي وتجاه الحكومة العراقية هو كمركز الحاكم الأميركي يوم عين حاكماً إدارياً مع مجلس الحكم الانتقالي. وهذا يؤكد بأن العراق اليوم هو تحت الاحتلال الإيراني.

إن إعلان العراق بلداً محتلاً من إيران، هو التوصيف الحقيقي لواقع الأمر. وعندما يكون البلد واقع تحت الاحتلال، فإن مقاومة الاحتلال تصبح واجباً وطنياً، وهذا الحق بالمقاومة فضلاً عن كونه حق طبيعي للشعوب، فهو حق كرست مشروعيته المواثيق الدولية والتي أكدت على حق الشعوب في تقرير مصيرها، وحقها في مقاومة الاحتلال والاستعمار (قرار الجمعية العامة 1514 (د-15) 14 كانون الأول / 1960.

من هنا، فإن الشعب العراقي الذي انبثقت مقاومته الوطنية من واقعه الوطني ضد الاحتلال الأميركي، هو اليوم أمام تحدٍ جديد وأمام مهمة إضافية، إلا وهي مقاومة الاحتلال الإيراني والذي لم يكتف بالتصرف كسلطة احتلال فيما يتعلق بإدارة شؤون السلطة التي أفرزها أصلاً الاحتلال الأميركي، بل يعمد إلى تمزيق النسيج الاجتماعي وتنفيذ سياسة ممنهجة لتغيير التركيب الديموغرافي، وارتكاب مجازر جماعية بحق سكان الأرض المحتلة وهي أكثر من أن تحصى وهي موثقة بالصور والأرقام وكلها تدينها وترفضها المواثيق الدولية ومنها ما نص عليه "إعلان طهران" في 13/ أيار / 1968.

وإذا كانت أميركا حاولت من خلالها مجزرتها التي ارتكبتها بحق الفلوجة عام / 2004، لي ذراع المقاومة، فإن النظام الإيراني يعيد تكرار التجربة عله من خلال كسر إرادة هذه المدينة البطلة التي باتت رمزاً وعنواناً للمقاومة ضد المحتل، كسر إرادة الشعب العراقي الذي ينتفض ضد الفساد وضد التغول الإيراني في العراق.

لكن أن تستفرد هذه المدينة وجعلها تدفع ثمن موافقها الوطنية والقومية دون أن تحتضن قضيتها في إطار البعد الوطني العراقي والبعد العربي والبعد الإنساني، فهذه طامة كبرى ونتائجها الكارثية لن تقتصر على الفلوجة وغرب العراق وحسب بل ستطال المصير الوطني العراقي برمته كما الأمن القومي العربي عندما يصبح الوجود الإيراني ذي الطبيعة الاحتلالية على حدود الحجاز وبلاد الشام.

من هنا، فإن الانتصار للفلوجة، هو انتصار للقضية الوطنية العراقية بما هي قضية تحرير وتوحيد وهو انتصار للأمة في حماية أمنها القومي من التغول الإيراني وهو انتصار للإنسانية التي تنتهك أحكام القانون الدولي الإنساني على مرأى من العالم.

إن النظام الإيراني تقدم إلى الفلوجة، لأنه يسمع جيداً حناجر الشعب العراقي التي تصدح ضده في كل نواحي العراق وآخرها في ذي قار وشرق ميسان، وهو يريد أن يسكت هذه الأصوات التي تنادي إيران برا – برا بغداد حرة حرة، عبر تدمير المواقع المقاومة والفلوجة عنوانها.

إن الانتصار للفلوجة، هو انتصار للمقاومة الوطنية العراقية التي دحرت الاحتلال الأميركي وهو اليوم في خنادق المواجهة لدحر الاحتلال الإيراني، وعلى العرب أن ينظروا إلى إيران باعتبارها سلطة احتلال للعراق ومن لا يعتبر إيران دولة محتلة في العراق، أنما هو شريك في جريمة احتلال العراق وشريك في إسقاط هوية العراق وعروبته، وشريك في ارتكاب المجازر بحق أبنائه.

إن معركة العراق صد الاحتلال الإيراني واضحة بنفس وضوح معركته ضد الاحتلال الأميركي، وهذين الاحتلالين يكملان نتائج بعضهما البعض، والتفاهم والتحالف الأميركي – الإيراني ليس حديث العهد بل قديم، وهو يكاد يكون الثابتة الوحيدة رغم تغير الأنظمة. وقد ثبت في الوثائق الأميركية التي رفعت السرية عنها، أن الاتصالات بين أميركا والخميني تمتد لستين سنة بدأت مع كنيدي وتطورت مع كارتر وقبل أن تكشفها الوثائق التي تعهد الخميني فيها بعدم قطع النفط عن أميركا وما كشفته فضيحة "إيران غيت" وقبلها رفع الغطاء الأميركي عن الشاه واسقاطه لموافقته على قرار أوبيك وقف ضخ النفط إبان حرب تشرين.

لهذا ،فإن على الصوت الوطني العراقي ان يرتفع مدوياً ضد حرب الإبادة ضد الفلوجة، وليرتفع الصوت العربي مدوياً ضد الاحتلال الإيراني للعراق، وليتقدم العرب إلى ساحة العراق عبر دور يعتبر معركة تحرير العراق من الاحتلال الإيراني كما الاحتلال الإيراني بوابة العبور إلى مرحلة عربية جديدة عنوانها وحدة الموقف العربي في مواجهة الأخطار المحدقة بالأمن القومي العربي، وفي العراق قاعدة وطنية تؤدي دورها الوطني وهي جاهرة لاستقبال كل معطى عربي داعم للمشروع الوطني العراقي الذي تحمل لواءه قوى العقل المقاوم والذي استطاع أن يهزم المحتل الأميركي، وبإمكانه هزم المشروع الإيراني وكل قوى الترهيب السياسي والتكفير الديني إذا ما اسند ودعم باعتباره المشروع الوحيد الذي يحرر العراق ويعيد توحيده ويصون عروبته وتبقى حقيقة ثابتة لا يمكن أن تسقطها التشويهات هو أن تعيين بريمر وما اتخذه من قرارات لم يوفر بيئة آمنة للاحتلال الأميركي وأن تعيين سليماني حاكماً لن يوفر بيئة شعبية وطنية آمنة للمحتل الإيراني، فالوطنية العراقية ثبت أنها متجذرة في نفوس العراقيين، لكن هذه الوطنية بحاجة إلى حضن قومي دافيء.
 





الاربعاء ٣ رمضــان ١٤٣٧ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٨ / حـزيران / ٢٠١٦ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة