شبكة ذي قار
عـاجـل










لاحقا" لما تناولته في الحلقة الثانية أرى من أولويات اصلاح المؤسسة الدينية التي يمكن حصرها في {{ المرجعيات الدينية ومراكز الافتاء والمجمع الفقهي }} لأنها خط الشروع الذي يبدأ منه الفعل الايجابي والنقيض وهنا لا مجال لرمي الحركة الإسـلامية الواعية المنبثقة من حقيقة الوعي الايماني بتأييد الاسـتبداد مع تأسـيسها على مئات من أمثال هذه الآيات البينات التي منها قوله تعالى * وَشَاوِرهُمْ فِي الأَمْر * - أي في الشأن ، ومن قوله تعالى * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ * - أي أصحاب الرأي والشأن منكم - ، وهم العلماء والرؤساء على ما اتفق عليه أكثر المفسرين وهم الأشراف في اصطلاح السياسيين ومما يؤيد هذا المعنى قوله تعالى * وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ - أي ما شأنه ، وحديث أميري من الملائكة جبريلأي مشاوري ، وليس بالأمر الغريب ضياع معنى , وَأُوْلِي الأَمْرِ- على كثير من الإفهام بتضليل علماء الاستبداد الذين يحرِّفون الكلم عن مواضعه ، وقد أغفلوا معنى قيد – مِنكُمْ - أي المؤمنين ، منعاً لتطرق أفكار المسلمين إلى التفكير بأن الظالمين لا يحكمونهم بما أنزل الله ثم التدرج إلى معنى آية , - * إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ * - أي التساوي، , * وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ * - أي التساوي ؛ ثم ينتقل إلى معنى آية * وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ * - ثم يستنتج عدم وجوب طاعة الظالمين وإن قال بوجوبها بعض الفقهاء الممالئين دفعاً للفتنة التي تحصد أمثالهم حصداً والأغرب من هذا جسارتهم على تضليل الإفهام في معنى { أمر } في آية * وَإِذَا أَرَدنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا * ، فإنهم لم يبالوا أن ينسبوا إلى الله الأمر بالفسق تعالى الله على ذلك علواً كبيراً والحقيقة في معنى - أمرنا - هنا أنه بمعنى أمرنا ـ بكسـر الميم أو تشــديدها ـ

أي جعلنا أمراءها مترفيها ففســـقوا فيها أي ظلموا أهلها فحق عليهم العذاب أي نزل بهم العذاب ، والأغرب من هذا وذاك أنهم جعلوا للفظة العدل معناً عرفياً وهو الحكم بمقتضى ما قاله الفقهاء حتى أصبحت لفظة العدل لا تدل على غير هذا المعنى ، مع أن العدل لغةً التسوية فالعدل بين الناس هو التســوية بينهم ، وهذا هو المراد في آية * إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ - ، وكذلك القصاص في آية * وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ * المتواردة مطلقاً ، لا المعاقبة بالمثل فقط على ما يتبادر إلى أذهان الإمراء الذين لا يعرفون للتساوي موقعاً في الدين غير الوقوف بين يدي القضاة ، وقد عدَّد الفقهاء من لا تقبل شهادتهم لسقوط عدالتهم فذكروا حتى من يأكل ماشياً في الأسواق ؛ ولكن شيطان الاستبداد أنساهم أن يفسٌّقوا الأمراء الظالمين فيردٌّوا شهاداتهم ولعل الفقهاء يُعذرون بسكوتهم هنا مع تشنيعهم على الظالمين في مواقع أُخرى ، ولكن ما عذرهم في تحويل معنى الآية * وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ * - إلى أن هذا الفرض هو فرض كفاية لا فرض عين ؟ والمراد منه سيطرة أفراد المسلمين بعضهم على بعض لإقامة فئة تسيطر على حكامهم كما اهتدت إلى ذلك الأمم الموافقة للخير فخصصت منها جماعات باسم مجالس النواب وظيفتها السيطرة والاحتساب على الإدارة العمومية { السياسية والمالية والتشريعية } فتخلَّصوا بذلك من سآمة الاستبداد أليست هذه السيطرة وهذا الاحتساب بأهم من السيطرة على الأفراد ؟ ومن يدري من أين جاء فقهاء الاستبداد بتقديس الحكام عن المسؤولية حتى أوجبوا لهم الحمد إذا عدلوا وأوجبوا الصبر عليهم إذا ظلموا ، وعدوا كل معارضة لهم بغياً يبيح دماء المعارضين ؟! -

بل اعتبر بعض المعاصرين الخارجين عن إمام عدلهم المزعوم مستحقين لحد الحرابة وهو شيء لم يقله أحد من قبل - اللهم إن المستبدين وشركاءهم قد جعلوا دينك غير الدين الذي أنزلت ، فلا حول ولا قوة إِلاَّ بك ! كذلك ما أعذر أولئك الصوفية الذين جعلتهم الإنعامات على زاوياتهم أن يقولوا {{ لا يكون الأمير الأعظم إلا ولياً من أولياء الله ، ولا يأتي أمراً إلا بإلهام من الله ، وإنه يتصرف في الأمور ظاهراً ، ويتصرف فيها قطب الغوث باطناً ! ألا سبحان الله ما أحلمة }} ! نعم ، لولا حلم الله لخسف الأرض بالعرب ؛ حيث أرسل لهم رسولاً من أنفسهم أسَّس لهم أفضل حكومة أٌسست في الناس ، جعل قاعدتها قوله { كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته } أي كل منكم سلطان عام ومسؤول عن الأمة وهذه الجملة التي هي أسمى وأبلغ ما قال مشرِّع سياسي من الأولين والآخرين ، فجاء من المنافقين من حرَّف المعنى عن ظاهره وعموميته إلى أن المسلم راع على عائلته ومسؤول عنها فقط ، كما حرَّفوا معنى الآية * وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ * - إلى ولاية الشهادة دون الولاية العامة وهكذا غيروا مفهوم اللغة ، وبدَّلوا الدين وطمسوا على العقول حتى جعلوا الناس ينسون لذة الاستقلال ، وعزَّة الحرية بل جعلوهم لا يعقلون كيف تحكم أمة نفسها بنفسها دون سلطان قاهر وكأن المسلمين لم يسمعوا بقول النبي صل الله عليه وأله و سلم {{ الناس سواسية كأسنان المشط ، فلا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى }} وهذا الحديث من أصح الأحاديث لمطابقته للحكمة ومجيئه مفسراً الآية * إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ * فإن الله جل شأنه ساوى بين عباده مؤمنين وكافرين في المكرمة بقوله * وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ * ثم جعل الأفضلية في الكرامة للمتقين فقط ومعنى التقوى ، لغة ، ليس كثرة العبادة كما صار ذلك حقيقة عرفية غرسها علماء الاستبداد القائلين في تفسير عند الله أي في الآخرة دون الدنيا بل التقوى لغةً {{ هي الاتقاء أي الابتعاد عن رذائل الأعمال احترازاً من عقوبة الله }} ، فقوله * إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ * - كقوله إن أفضل الناس أكثرهم ابتعاداً عن الآثام وسوء عواقبها ، ويظهر مما تقدم أن الحركة الإسلامية الحقه والغير مسيسة مؤسسة على أصول الحرية برفعها كل سيطرة وتحكُّم بأمرها بالعدل والمساواة والقسط والإخاء ، وبحضها على الإحسان والتحابب ، وقد جعلت أصول حكومتها الشورى الأريستوقراطية أي شورى { أهل الحل والعقد في الأمة بعقولهم لا بسيوفهم } ، وجعل أصول إدارة الأمة التشريع الديمقراطي أي الاشتراكي ، وقد مضى عهد النبي صل الله عليه وأله وسلم وعهد الخلفاء الراشدين على هذه الأصول يأتم وأكمل صورها ومن المعلوم أنه لا يوجد في الإسلامية نفوذ ديني مطلقاً في غير مسائل إقامة شعائر الدين ، ومنها القواعد العامة التشريعية التي لا تبلغ مائة قاعدة وحكم كلها من أجلِّ وأحسن ما اهتدى إليه المشرعون من قبل ومن بعد ولكن وا أسفاه على هذا الدين الحر الحكيم السهل السمح ، الظاهرة فيه آثار الرقي والتحرر من كل القيود المانعه للحياة الحرة الكريمة والمكان الانساني للإنسان في حركة الحياة الدنيوية على غيره من سوابقه الدين الذي رفع الإصر - الإصر معناه العبء والحمل الثقيل - والأغلال وأباد الميزة – الميزة هي التمايز والفئوية - ، والاستبداد الدين الذي ظلمه الجاهلون فهجروا حكمة القرآن ودفنوها في قبور الهوان ، الدين الذي فقد الأنصار الأبرار والحكماء الأخيار فسطا عليه المستبدون والمرشحون للاستبداد ،

واتخذوه وسيلة لتفريق الكلمة وتقسيم الأمة شيعاً وأحزابا" لا هثه وراء المال السحت الحرام والمنافع حتى وان كانت على حساب المظلومين المضطهدين المستضعفين وجعلوه آلة لأهوائهم السياسية فضَّيعوا مزاياه وحيَّروا أهله بالتفريع والتوسيع ، والتشديد والتشويش وإدخال ما ليس منه فيه كما فعل قبلهم أصحاب الأديان السائرة كصكوك الغفران ويقابلها مفتاح الجنه الذي قدمه خميني الى المساكين الذين الهبت مشاعرهم وهواهم الجنة ونعيمها في الحرب المفروضة على العراق 1980 – 1988 حتى جعلوه ديناً حرجاً يتوهم الناس فيه أن كل ما دوَّنه المتفننون بين دفتي كتاب ينسب لاسم إسلامي هو من الدين ، وبمقتضاها أن لا يقوى على القيام بواجباته وآدابه ومزيداته ، إِلاَّ من لا علاقة له بالحياة الدنيا ؛ بل أصبحت بمقتضاها حياة الإنسان الطويل العمر ، العاطل عن كل عمل ، لا تفي بتعلم ما هي الإسلامية عجزاً عن تمييز الصحيح من الباطل من تلك الآراء المتشعبة التي أطال أهلها فيها الجدال والمناظرة وما افترقوا إِلاَّ وكل منهم في موقفه الأول يظهر أنه ألزم خصمه الحجة وأسكته بالبرهان والحقيقة أنَّ كلاً منهم قد سكت تعباً وكلالاً من المشاغبة ومن هنا ألم يكن حقا" الدعوة الى اصلاح المؤسسة الدينية ؟ ، وثانيا" اين هم الدعاة المدعين الاتباع لمنهج ال بيت النبوة عليهم السلام والسلف الصالح والتطلع الى اقامة المجتمع الاسلامي المتنور من هذه الاشكاليات الدنيوية والأخروية ؟

يتبع بالحلقة الرابعة





الجمعة ١٩ رمضــان ١٤٣٧ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٤ / حـزيران / ٢٠١٦ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب زامـــل عبــــد نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة