شبكة ذي قار
عـاجـل










قيل أن هنالك عاملان أساسيان دفعا بريطانيا للخروج من الأتحاد الأوربي :

الأول - الخوف من تزايد موجات الهجرة إلى أوربا ومنها إلى بريطانيا .

الثاني - الوضع الأقتصادي للأتحاد الأوربي، الذي لم يجد حلولاً ناجعة لأزماته الأقتصادية المتفاقمة ( اليونان - البرتغال - أسبانيا - ايطاليا ) مثالاً.

هذان العاملان هما أساسيان وجدتهما بريطانيا مدخلاً لسياسة الخروج من الأتحاد الأوربي إضافة إلى عوامل أخرى بعيدة المدى.

بيد أن خروج بريطانيا من الأتحاد الأوربي سيكرس ( سابقة ) تدفع إلى خروج دول أوربية أخرى تبعًا لهذين السببين، ومحاولات لتأطير أوضاعها بإجراءات حمائية لأمنها القومي، فضلاً عن تداعيات أوضاعها الداخلية الأقتصادية والأجتماعية والأمنية بعيدًا عن المؤثرات الخارجية .

هذه السابقة إذا ما تحققت فأن هيكلية نظام الأتحاد الأوربي السياسية والتشريعية ومرتكزاتها الأقتصادية ستتفكك، عندها سترجع كافة الوحدات السياسية الأوربية إلى المربع الأول، سياسيًا وإقتصاديًا ونقديًا .. فيما ستبقي على علاقاتها مع نظام ( الناتو ) .

ومن مؤشرات التوجهات الجدية نحو تطبيق ( السابقة ) دعوات القوى الأوربية المختلفة إلى إجراءات إستفتائية شعبية لتقرير البقاء من عدمه في الأتحاد الأوربي .. وقبل أن نتحدث عن المستفيد حقًا من تفكك الأتحاد الأوربي على المستوى الدولي إستراتيجيًا، يتوجب أن نقف عند ما وراء قرار خروج بريطانيا من الأتحاد الأوربي الذي حظي بنسبة ( 51.9 ) بالمائة من مجمل الأستفتاء، وهي نسبة خطرة على الوضع الداخلي البريطاني .. بمعنى أن نصف الشعب البريطاني لا يرغب بالخروج من الأتحاد :

أولاً- إن بريطانيا قد أدركت بصورة مبكرة، بحكم خبرتها الأستعمارية وتحسسها الأستخباراتي ، مخاوف من ( نزوح موجات الهجرة عبر دول الأتحاد الأوربي وقوانينها النافذة إلى أراضيها ) ، ولكن ، ومع ذلك على ما يبدو، أن خلف هذه المخاوف تكمن توقعات أكثر خطورة ، يمكن تفسيرها .. بأن موجات الهجرة الناجمة عن حروب المنطقة يبدو من الصعب التكهن بوقفها، كما أنه ليس في الأفق مؤشر يوحي بوقفها، وإن واقع الحال هو مجرد سيناريوهات تأخذ شكل الصراع حتى تتبلور معالم نظام دولي على أنقاض دول المنطقة التي يراد لها تغيير ( جيو- سياساتها ) ، وجميعها مشمول وليس هنالك من إستثناءات .

والمعنى في ذلك .. أن الحروب في مناطق الشرق الأوسط، وخاصة في المنطقة العربية ( سوريا والعراق واليمن ) فضلاً عن الدول المرشحة للأنفجارات، في ضوء واقع السياسات، من الصعب التكهن بوقفها أو وضع حلول سلمية لها ، حيث تعد من أخطر الحروب التي يشهدها هذا القرن من حيث القدرة على تدمير الدول تدميراً كاملاً وتهجير الشعوب تهجيرًا شاملاً، وليس في الأفق من دلالات الأنفراج في تسويات سياسية سلمية بحسب طبيعة ( أدوات ) الصراع، الذي يختلف عن النزاعات العسكرية والحروب التقليدية، التي تندلع بين الدول وتنتهي حتمًا على طاولة المفاوضات .. ولكن مثل هذه الصراعات الجارية الآن في ساحات المنطقة، هي حروب يسيطر عليها ( نهج المليشيات المسلحة المؤدلجة ) و ( نهج القوات النظامية المسلحة ) ، إلا أن واقع ما يحصل على الأرض هو تكريس العقيدة الأولى وإنفلاتها وتمكينها على التوسع والأنتشار إلى خارج حدود الصراع، لتضرب في صيغة إرهاب، أماكن سياسية واقتصادية واجتماعية معينة وعشوائية بهدف زعزعة الأمن والأستقرار في ساحات أخرى لأغراض الضغط السياسي والأبتزاز والأشهار الأعلامي، والقدرة على تثبيت واقع الصراع كأحد أهم ديمومة الأرادة في إطالة أمد الصراع إلى مديات من الصعب التكهن بنتائجها.

ثانيًا- كما أن بريطانيا أدركت من الزاوية الأقتصادية أن بعض إقتصادات دول الأتحاد الأوربي لا شفاء لها وباتت عبءً على إقتصادها دون طائل أو نتيجة من شأنها أن تحقق معالجات تخفف أو تعالج أو تحمي أزماتها الأقتصادية .. مثل اليونان، التي بلغت مديونيتها الخارجية قرابة ( 133.06 ) مليار دولار .. ومن الصعوبة الحديث عن تأجيل دفع الفوائد أو حتى معالجة تأجيل جدولة الأقساط المترتبة على الدين العام ، فكيف يمكن والحالة هذه الحديث عن الأزمة اليونانية الخانقة في ظل الفساد المستشري في النظام الضريبي اليوناني وفي المقدمة شريحة الرأسماليين من جهة، وهيكلية النظام الأداري- البيروقراطي وضعف القدرة على معالجة الحالة الاجتماعية المتدهورة نحو مستوى الفقر من جهة اخرى .. هنا يمكن وصف الحالة بالمأزق الذي لا فكاك من إنهيار الوضع أو أن الوضع سيؤدي الى الأخلال بالأمن الأجتماعي والذي سرعان ما يتسرب الى باقي دول الأتحاد الأوربي .. وما يجري في اليونان قد يجد له صدى في البرتغال، التي هي تعيش تداعيات أوضاعها الأقتصادية والمالية والاجتماعية وانتظارها الدعم الأوربي، وكذا حال أسبانيا وايطاليا وحسب واقع الحال فيها.

إن مثل هذه الاحوال القابلة للأنفجار في المستقبل، وربما على مدى العقد القادم دون رؤية حلول في الأفق تعد من أكبر المخاوف التي تزامنت مع موجات الهجرة الواسعة النطاق القادمة من الشرق نتيجة للحروب التي بدأت ولم تتوقف لأن القائمين عليها ما يزالون في غرف العمليات مسؤولون عن إدارة الأزمات بمهنية عالية وبعقلية المنتصرين والخاسرين في الحرب الباردة.

مجلس الأمن الدولي يكاد أن يكون شبه ميت بحكم الفيتو والفيتو المزدوج، الذي يتحكم به الخاسرون الروس ورثة الأتحاد السوفياتي والصينيون ورثة نظام ( ماو تسي تونغ ) ، والذين يعتقدون بأنهم قادرين على الأمساك بخيوط السياسات الدولية، وهو الأمر الذي يجعل الوضع الدولي في غياب المؤسسة الأممية يبحث عن ركائز جديدة لنظام دولي جديد.

إن الحديث عن القطبية المتعددة الأطراف ، ربما الثلاثية ، باتت في وضع الأنهاك أو الأجهاض أو التفكك الأوربي، لأن أمريكا لا ترتاح لكتلة أوربية كبيرة مؤثرة تشكل قطبًا ، إضافة الى محاولات امريكا التوجه نحو العمق الآسيوي و ( إدارة ظهرها ) لمنطقة الشرق الأوسط وتركها على حالها بعد ان أخلت هي في أعمدة توازناتها التي أنتجت ( فراغات سياسة ) و ( فراغات أمن ) ، أدت الى حروب وحروب مؤدلجة منفلتة وغير منضبطة بقوانين الحرب في أجواء الأستباحات بإنعدام الردع القانوني الأممي والأخلاقي .. والأتجاه نحو الصين والأقتراب من أسوارها بصيغة التحذير غير المجدي لكوريا الشمالية ولحماية الجنوبية، وإعادة ترتيب الحسابات مع اليابان ربما تعيد ميزان القوى يعمل مع دولة الشمال الكورية ذات الأتجاه الأستفزازي النزق .. فيما يشاغل التوجه الأمريكي الهدوء الهندي في مسألة التوازن مع الغريم الباكستاني، وهما دولتان نوويتان، والأعلان عن منطقة الشرق الاوسط خالية من أسلحة الدمار الشامل، بعد أن أعلنت ( إسرائيل ) أنها مستعدة للتوقيع على حظر الأنتشار النووي لأول مرة، بعد أن كانت لعقود من السنين تتجاهل نداءات الوكالة الدولية للطاقة الذرية ( IAEA  ) وهو الأمر الذي يضع الملف النووي الأيراني في دائرة الوهم، طالما أن المنطقة برمتها قد خرجت عن حسابات الحقل وحسابات البندر في آن بعد خرابها.!!

إخماد النيران ليس سهلاً ، وإن الأخلال بتوازنات القوى الأقليمية أدى بالتالي إلى الأخلال بالتوازنات الدولية .. وإن تفكك الأتحاد الأوربي واحد من تلك الأزمات المرسومة .. ربما تصب في الجعبة الأمريكية، طالما أنها تعمل على أن تبقي القطب الأوحد ( العملاق بأرجل من عجين ) ، يتحكم بسياسات العالم دون خوض حروب مباشرة.!!





الاثنين ٢٢ رمضــان ١٤٣٧ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٧ / حـزيران / ٢٠١٦ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. أبا الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة