شبكة ذي قار
عـاجـل










الصور التي تناقلتها وسائل الأعلام ووسائط التواصل الاجتماعي، عن الفظائع والجرائم التي ارتكبها ما يسمى "بالحشد الشعبي" في الفلوجة لا تقل فظاعة عما ارتكبتها "داعش" في بغداد وفي المناطق التي فرضت هيمنتها وسيطرتها عليها في العراق وسوريا، أن كلا الطرفين لم يكتفيا بممارستهما الإرهابية، القيام بأعمال القتل وحسب، بل كانا يتفننان بالتعذيب الجسدي والنفسي وصولاً إلى حرق الأجساد سواء في الأقفاص حيث كان الضحايا مصفدين بالسلاسل، أو برميهم بالوقود الحارق كما بينتها صور الضحايا على الطرق المتفرعة من الفلوجة. حيث أن القتل على هذه الممرات التي ظنها الناس آمنه، لم يكن من مقاتلي "داعش" الذين سجلت نسبة القتلى عندها العدد الأقل بالقياس إلى الذين قتلوا ونكل بهم من المواطنين الذين وقعوا بين "النار الداعشي" والنار الحشدي.

لقد أقدمت "داعش" على مدى أكثر من سنتين على ممارسة إرهاب منظم وحيث بسطت سلطتها كأمر واقع، ولم يقتصر هذا الإرهاب على الذين يعارضون هذا التنظيم بالموقف، بل شمل أيضاً كل الذين يعارضون السلوك الداعشي في إدارة الشؤون الحياتية والمجتمعية. والأمر نفسه ينطبق على الحشد الشعبي، إذ أن الإرهاب الذي مارسه هذا التنظيم لم ينل من "الدواعش"، بل طال ما يعتبره بيئة شعبية معارضة له وحتى ولو كانت معارضة لداعش ومشتقاتها.

هذا السلوك الإجرامي بحق البيئات الأهلية والمجتمعية والذي مورس بالتوازي بين هذه التشكيلات الطائفية والمذهبية اللابسة والملتبسة في ارتدائها الجلبات الديني، أثبتت سياقات الأحداث انها تبرر بعضها البعض في وجودها، وتكمل أعمالها بعضها البعض الآخر أيضاً.

لكن هذا السلوك "الداعشي" و"الحشدي"، ما كان ليتمادى ويستفحل حضوره ودوره، لو لم يكن محتضناً من قبل قوى دولية وإقليمية راعية له، وتريد توظيف نتائج هذا السلوك بتوفير أرضية، لتنفيذ أجندة أهداف، تلبي مصالح القوى الحاضنة وعلى حساب الأمن المجتمعي للبيئات التي ينشط فيها هذين التشكلين.

لقد أدى أشغال "الداعش" لمساحة واسعة من المشهد الإعلامي والسياسي والأمني بعيد تهاوي إدارة سلطة حكومة المالكي في العديد من النواحي والمدن العراقية، إلى استعادة الولايات المتحدة الأميركية لحضورها العسكري المباشر بحجة مواجهة قوى الإرهاب الداعشي. وفي نفس الوقت الذي كانت فيه التحضيرات اللوجستية الأميركية تنفذ مراحل الاستعادة الأميركية، صدرت الفتوى بتشكيل "الحشد الشعبي"، وإدخاله ضمن التشكيلات الرسمية، عبر إضفاء شرعية على دوره ومشاركته في العمليات الأمنية والعسكرية وبعدما تبين، أن عناصر هذا التشكيل المذهبي كان يدرج ضمن خانة القوى التي تديرها أجهزة أمنية مرتبطة مباشرة بمراكز التحكم والتوجيه الإيرانية وأن الأنفاق عليها كان من خزينة الدولة وتحت عنوان "الفضائيين"، في تدليل على الحجم الانتفاخي الوهمي لتبرير حجم المنافع المدفوعة له.

لقد أعطي لهذا التشكيل المذهبي دوراً في العمليات العسكرية في محافظة صلاح الدين وديالا وبغداد ومحيطها وأطراف بابل والحلة، وفي هذه المحافظات ارتكبت أبشع الجرائم وكلها تحت عنوان محاربة "داعش" والقوى التكفيرية. ولكن عندما تم الدخول إلى هذه المناطق ولم تعد "داعش" موجودة فيها، لم يسمح للسكان الذين خرجوا بحثاً عن ملاذات آمنة ومناطق إيواء من العودة إلى مدنهم وقراهم، بل العكس هو الذي حصل له إذ تعرض من بقي إلى القتل والتهديد والتهجير، وفيما بدا أنها سياسية ممنهجة لإفراغ هذه المناطق من سكانها واستقدام آخرين إليها في تغيير واضح للتركيب الديموغرافي، خاصة وأن عدد الذين سربوا إلى العراق من التابعية الإيرانية فاق الثلاثة ملايين. وبذلك تكاملت أعمال "داعش" التي نكلت بالسكان ومعارضيها السياسيين قبل أن تخرج منها، مع أعمال "الحشد الشعبي" الذي أكمل ما بدأته "داعش" ومشتقاتها وتحت عنوان مواجهة الإرهاب.

هذا السلوك "الداعشي" الأمني والسياسي والاجتماعي وكما السلوك الحشدي بكل مكوناته ومشتقاته أدى إلى تأجيج الشعور المذهبي والطائفي، وجعل الانشطار العمودي يزداد حدة بين المكونات المجتمعية التي تنتمي إلى تربة وطنية واحدة.

إن هذا السلوك المشيع بالتعبئة المذهبية والمغذى بمصادر إرضاع تهدف إلى تسميم الحياة العربية بالفيروس القاتل، وهو الفيروس المذهبي الطائفي، يعمل تحت مظلة حماية دولية وإقليمية وإذا كانت مظلة الحماية العسكرية قد تجسدت في توفير التغطية الجوية الأميركية للقوى التي دمرت الفلوجة وأحرقتها وقبلها الرمادي، فإن هذه المظلة هي نفسها التي تؤدي دوراً مسرحياً في ضرب "داعش" على الأرض السورية.

وعندما يكون، "الحشد الشعبي" وعلى رأسه قاسم سليماني الذي شُرع دوره بتسميته مستشاراً للحكومة العراقية لنقص "الخبرة" الاستراتيجية لديها في مكافحة ما تسميه الإرهاب يتجول تحت مظلة الغطاء الجوي الأميركي، فهذا يكشف عن تكامل الأدوار بين أميركا والنظام الإيراني في دفع مخطط تقسيم العراق وتفتيته إلى المستوى الذي يجعل هذا البلد العربي مفتقراً لمقومات وحدته الوطنية والمجتمعية، والذي لم تستطعه أميركا مباشرة ولا النظام الإيراني فعمدا إلى توفير الأرضية لنشوء الظواهر المذهبية وأبرز أسمائها الحركية "داعش" ومشتقاتها وبكل مقدمات تشكلها "والحشد الشعبي" بكل مكوناته.

من هنا، فإن "داعش" ليست في موقع النقيض السياسي لأميركا والنظام الإيراني واستطراداً العدو الصهيوني بل هي وجدت أو أوجدت لتؤدي وظيفة في إطار تنفيذ إعادة رسم خارطة المنطقة العربية على أسس مذهبية وطائفية، وهذه لا يمكنها أن تحصل إلا إذا بلغ الخطاب المذهبي مستوى عالياً من الغلو، وهذا الذي يغذيه السلوك المذهبي، بالفعل ورد الفعل، لا يمكن أن تحصل أيضاً إلا إذا ضربت ركائز المشروع الوطني الذي يحمل خطاباً قومياً ووطنياً عابراً للمذاهب والمناطق. وكلما كان هذا الخطاب واضحاً في مضمونه وعناوينه كلما اشتد الضغط عليه وجرى استهدافه.

من هنا، فإنه لم يكن من باب "العبث السياسي"، إصدار الحاكم الأميركي أولى قراراته بحل حزب البعث وحظره واجتثاثه، ومن ثم حل الجيش العراقي، باعتبار الحزب هو الأداة القادرة على توحيد العراق على أسس وطنية وهو المعبر الأصيل عن هوية شعب العراق القومية، وباعتبار الجيش هو المؤسسة الارتكازية الأهم في البنيان الوطني. وأن تتوالى الفصول بالقرارات اللاحقة التي اتخذتها السلطة التي أفرزها الاحتلال الأميركي واستقرت أخيراً في الحضن الإيراني حول هذين القرارين، فهذا يعني، أن العدوان على العراق مستمر وأن بأدوات جديدة وأنماط تعبيرية جديدة. وفي كل مرة تحت تبرير جديد.

في البدء بدا التحضير للعدوان بحجة امتلاك العراق لأسلحة دمار شامل ولعلاقة مع القاعدة واليوم يستمر العدوان تحت حجة مواجهة قوى الإرهاب.

إن هذه الحجة هي كذبة جديدة، فبركتها الأجهزة الأميركية وتلقفها النظام الإيراني. وهي مواجهة الإرهاب وخاصة الإرهاب الداعشي. علماً هذا الإرهاب هو صناعة أميركية – إيرانية كما الحشد الذي هو صناعة إيرانية. وأن هاتين الصناعتين تمدان بقطع "الغيار السياسي" من جانب العدو الصهيوني.

فكفى تضليلاً وكفى تدجيلاً والقول أن الذي يجري هو لمحاربة الإرهاب. لأن الإرهاب هو ما تتعرض له الأمة العربية عبر الحرب التي تشن عليها من المواقع الدولية لأهداف خاصة بها والتي تتلاقى مع أدوار قوى الإقليم وخاصة الدور الإيراني الذي لم يخف إطماعه، والدور التركي الذي يعود ليصطف حيث تتوفر مصالح الكيان الصهيوني، وكلهم يوظفون ما تقوم به التشكيلات المذهبية من داعش ومثيلاتها والحشد ومشتقاته في سياق المشروع الأشمل الذي يهدد الأمن القومي العربي.

ولهذا، فإن تكامل الأدوار بين القوى الدولية والإقليمية التي تعمل لإعادة تركيب نظام إقليمي يلبي مصالحها، ما كان يستطيع ضرب مخالبه وأحداث هذا التخريب المروع في الواقع المجتمعي العربي، لولا المناخات التي أوجدتها قوى الإرهاب المجتمعي والتكفير والديني وعنوانهما "داعش" و"الحشد الشعبي".

فكما الكيان الصهيوني والنظام الإيراني وعلى رأسهما أميركا هما وجهان لعملة واحدة، فإن "داعش" و"الحشد" وبكل المسميات السياسية الأخرى التي تتماهى معهما في الدور والبنية إنما هما وجهان لعملة واحدة.

وهذا ما يوجب أن تأخذ المواجهة مع هذه القوى بعداً شمولياً، لأن هذه القوى المعادية تخوض بالأساس صراعاً شمولياً ضد الأمة وأمنها القومي وهذا وحده كفيل بإعادة تصويب الصراع نحو أهدافه المركزية وهذه مسؤولية الأمة كلها وفي الطليعة منها قواها الوطنية والقومية.





الاثنين ٢٩ رمضــان ١٤٣٧ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٤ / تمــوز / ٢٠١٦ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة