شبكة ذي قار
عـاجـل










من منا نحن الذين تابعوا إنقلاب العسكر الفاشل في تركيا ، قد تعلم من العبر التي افرزها هذا الحدث على حدود بلادنا في الوطن العربي ، وقد رفض بعضنا الإنقلاب من منطلق الدفاع عن الديمقراطية ، وإنتصرنا لتركيا في نهجها الديمقراطي ، والبعض كان متشفياً في محاولة سقوط اردوغان ، وذهب بعيداً في حقده على تجربة شعب صنعها بالعرق والدم ، وتغلب على نهج الإنقلابات العسكرية ، التي ضربت تركيا في أكثر من مرة ، كان فيها العسكر لا يخدمون الوطن بالقدر الذي كانوا يدفعون فاتورة من دعمهم للسيطرة على مقدرات الشعب .

حكم العسكر وإن كانت بعض الإنقلابات العسكرية فيها مسحة وطنية ، ولكن مكان العسكر الثكنات العسكرية وحماية الوطن ، وليس لهم الحق في ممارسة السياسة ، كما أن أي نظام سياسي يعمل على عسكرة المجتمع من خلال سيطرة الاجهزة الامنية على صناعة القرار لن يكون بعيداً عن سلطة العسكر ، مما يعني للعسكر ميدانهم بعيداً عن السياسة ، وللشعب دوره في إنتخاب من يمثله في ادارة شؤون البلاد ، فلا لسيطرة العسكر اياً كان لون بزاتهم ، سواء أكانت عسكرية أو امنية ، وحتى مدنية بعقول امنية .

كل تغيير مطلوب لمصلحة الشعب وكل تغيير لابد وأن يكون من خلال الاسلوب السلمي الديمقراطي ، احزاب سياسية ذات برامج اصلاحية ، ومن خلال قوانين إنتخابية تفرز ممثلين حقيقيين للشعب ، وارادة حرة في الإنتخاب من خلال صناديق الاقتراع ، فلاحظوا كل أحزاب تركيا إنحازت إلى الوطن ولم تنحاز إلى اردوغان،فكان خيارهم تركيا بصناديق اقتراع وبرامج حزبية ، رغم أنهم يختلفون في السياسة ، لكنهم لم يختلفوا على مصلحة الوطن .

ما من مواطن قد رفع صوته لتأييد اردوغان إلا لأنه يمثل نهجاً واسلوب وطريقة حكم، قد نختلف معه وقد نؤيده ، ولكن الرجل عمل لصالح شعبه فاحترمه الشعب، ولا يجوز أن نعمل على تقييمه من خلال مصالحنا واحلامنا ، فهذه نحن الذين نعمل على تحقيقها ، ولكن يأتي تقييمه إلى الحد الذي إنحاز فيه لمصلحة شعبه ، ومن هنا فالوقوف معه ليس لشخصه بل لنهجه ، فهاهو شعب تركيا بكل مشاربه السياسية الاسلامية والعلمانية قد هتفت لتركيا ورفعت العلم التركي ، فهل نستطيع أن نستوعب تجربة تركيا ، وننحاز إلى الديمقراطية ، ونرفض لابل نقاوم كل اسلوب يصل فيه الحاكم من خلال الدبابة والمدفع ، في الوقت نفسه نرفض أي حاكم يعمد على عسكرة المجتمع ، ولا يفهم التعامل مع قضايا المجتمع إلا من خلال الاسلوب الامني ، والعمل على قمع المواطنين ومحاربتهم حتى في لقمة عيش أبنائهم ، لأن لهم صوتاً في السياسة يختلف عن صوته ؟ .

تنحاز الشعوب الحيّة إلى أوطانها ، وتنحاز الشعوب المتخلفة إلى حكامها ، فالوطن أهم من الحاكم ، والوطن من يخلق الحاكم وليس العكس ، فما من حاكم خلق وطناً لأن الوطن أكبر من الجميع ، فهل تعي أنظمتنا السياسية أن مكمن تخلفنا أننا اختزلنا الاوطان في شخص الحاكم ، وهاهو شعب تركيا رفع علم بلاده ولم يرفع صورة اردوغان ، فمن منا يعلي من شأن الوطن ويقدم علم بلاده على صورة حاكمه ؟ .

نحن لا ننتمي لاوطان ، نحن نلتصق بحكام ومسؤولين لتحقيق مصالحنا على حساب الشعب والمصلحة العامة ، فكم منا من داس على علم البلاد ، ومزق جوازه فأكرمناه في المنصب ؟ ، وكم منا من دافع عن وطنه لكنه لم يلتصق بحاكم فعاقبناه؟، فمثل هذا النهج لا يبني وطناً ، ولا يخدم مجتمعاً ، ولا يحقق عدالة وحرية لشعوب تتعطش لممارسة حريتها ، وتلمس العدالة من حكامها .

نحن في أمس الحاجة أن نرضع من ثدي أمهاتنا مفهوم الإنتماء إلى الوطن والالتصاق بمصلحة الشعب ، وفي أمس الحاجة لمعرفة أبجديات الديمقراطية التي تفرز الحكام والمسؤولين من خلال الاختيار الحر الديمقراطي ولا نقبل بالنتائج فحسب، بل ندافع عنها بالمهج والارواح ، لأننا ندافع عن أنفسنا ، فإن اضعنا خياراتنا فقدنا أنفسنا.

تركيا الوطن وتركيا النهج هي من انتصر على إنقلاب العسكر، والقت بهم في حاوية النفايات ، كما هم الحكام الذين تأتي بهم الإنقلابات العسكرية ، أو يتم تنصيبهم بفعل الغزو والاحتلال ، تباً لحاكم يحرك دباباته في وجه الشعب ، وتباً لمحكوم يقبل بالقمع والديكتاتورية ، واهلاً ثم اهلاً بالديمقراطية حكم الشعب من خلال الشعب ، ومن خلال مفهوم التغيير السلمي الديمقراطي ، وعن طريق تبادل السلطة ليست على شاكلة واسلوب بوتن في الحكم .

dr_fraijat45@yahoo.com





الاحد ١٢ شــوال ١٤٣٧ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٧ / تمــوز / ٢٠١٦ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب الدكتور غالب الفريجات نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة