شبكة ذي قار
عـاجـل










لم تكن السمة الوحيدة لثورة تموز هي سمة الثورة البيضاء فحسب بل هي ثورة حقيقية بكل المعاني الفكرية والفعلية للثورة لأنها ببساطة متناهية بنيت على برنامج تغيير ثوري للسلطة وللدولة وللمجتمع وتم تنفيذ برنمامجها على مدار ٣٥ سنة الى أن أجبرت على التركيز على حالة الدفاع عن النفس عام ١٩٩١ م وما تلاها من سنوات حصار عدواني ظالم مجرم وصولا الى عام الغزو والاحتلال ٢٠٠٣م حيث وصل أعداء الثورة الى قناعات نهائية بأن الغزو العسكري هو الحل الوحيد لوأدها وانهاء تأثيراتها الخلاقة في حياة وأهداف العرب . ولأنها ثورة حقيقية لا يضاهيها بسماتها وصفاتها الثورية الا النادر جدا من ثورات العرب في العصر الحديث فأنها صارت تاريخا غير قابل للانقطاع في حياة العراقيين والعرب رغم كل ما تعرضت وما زالت تتعرض له من حروب داخلية وخارجية انتهت بغزو تزعمته أميركا ومعها عشرات الدول هدفه أيقاف مسارات الثورة العراقية والعربية والانسانية .

لقد أنجزت ثورة تموز عام ١٩٦٨ تغييرا نوعيا في وعي وثقافة الانسان العراقي بشكل عام و من بين ذلك انها زرعت النهج القومي التحرري الاشتراكي في ذاته وفتحت عينه وعقله على (الانجاز) كمهمة شخصية فردية وكمهمة عامة في ان واحد بحيث صار الأنجاز هم وهدف يصارع فيه الأنسان الزمن والظروف فينتج المظهر العام للتحدي الذي طغى على الشخصية العراقية في كل مظاهر ومواقف وضرورات ووقائع التصدي لمتطلبات الحياة كلها في زمن عمر الثورة من جهة ومن جهة أخرى فقد تحول الانجاز الى حالة فردية شخصية منصهرة ومتفاعلة مع الانجاز الاجتماعي وانجازات الدولة بمعنى ان الخاص والام قد توحد في مسارات البناء والأعمار . وقدمت الثورة نماذج لا عد ولا حصر لها في حيوية القانون والنظام والتعليمات المنظمة للحياة العائلية والشخصية والجمعية التي جعلت الانسان العراقي مستعد ومنفتح للتغيير المتواصل والتعاطي البناء مع النظام كجزء من حياته الاسرية والوظيفية والوطنية .

مضت الان ١٤ عام على ذبح الثورة وتدمير مؤسسات دولتها وأغتيال قيادتها ورجالها وتهجيرهم واعتقالهم وأجتثاثهم وقطع سبل العيش عنهم وعن عوائلهم في محاولات مستميته لانهاء الحضور الاسطوري للثورة في المجتمع العراقي ,والمتمثل في رفض الاحتلال ومنتجاته الاجرامية والتدميرية للعراق بما في ذلك المنهج الطائفي والعرقي وصيغ تفتيت البلاد فما هي النتالئج ؟

أولا وقبل كل شيئ نحن لا نتحدث بلغة الاعلام التي تعتمد الزبد الطافح على السطح وتعيش انفصاما حقيقيا واغترابا عبثيا عن الواقع لأنها تخضغ خضوعا ذليلا مشينا لارادة الغزاة وتوجهاتهم المعادية للعراق ولشعبه والتي تتبنى التضليل والشيطنة والكذب والتلفيق . نحن نتحدث عن ضمير الانسان وقناعاته الراسخه في الصدور وفي العقول . نتحدث عن ما نعرفه من أغوار النفسية العراقية وطريقة تصرفها في الظروف السلمية عندما يكون هامش التعبير عن الذات الانسانية مفتوحا على مصراعيه وتلك التي تنتجها الظروف الملجئة ويجتهد فيها العراقي لحماية نفسه وأسرته ووطنه بطريقة لا يفقهها الا العراقيون فالسكوت أو التغاضي لا يعني عند العراقي أهمالا ولا خوفا بل هو الحلم بعينه , الحلم الذي يبقي الكيان العام للوطن قائما حتى تحين لحظة تكليل الكيان بغار النصر والعودة الى المسارات الحياتية الرائدة والخلاقة ثانية .

سنحدد بعض النقاط التي تثبت ان ثورة ١٧ - ٣٠ تموز ١٩٦٨ ما زالت قائمة وستعود روحها منبعثة من جديد ولن تغيب قط عن سفر العراق والعراقيين لا بل ولن تغيب حتى عن سفر الامة العربية والاسلامية كلها :

أولا: لا زال نائب رئيس مجلس قيادة ثورة البعث الاستاذ المجاهد المناضل الرفيق عزة ابراهيم يقود المعارضة العراقية للاحتلال ومنتجاته والمقاومة المسلحة الباسلة للغزو والاحتلال المركب وقد تمكن هو ورفاقه في السلاح وشركاءهم احرار العراق من طرد الجسد الامريكي الغازي وأجبر أميركا وحلفها الدولي الواسع على الهرب والحفاط على وجود اداري فقط للشريك الايراني الذي مازال ينزف في العراق وسيظل ينزف حتى الهلاك بأذن الله.

ثانيا: تمثل قيادة قطر العراق لحزب البعث العربي الأشتراكي التي يقودها القائد الشجاع عزة ابراهيم قوة وطاقة ورمزية الاستمرار التي لن تنقطع أبدا بأذن الله ومعها جبهة الجهاد والتحرير وجيش رجال الطريقة النقشبندية والقيادة العامة للقوات المسلحة البطلة.

ثالثا: ان البناء العقائدي الوطني والقومي للانسان العراقي قد نفذ عميقا في التركيبة الاجتماعية العراقية أفقيا وعموديا ومن أقصى شمال العراق الى أقصى جنوبه , في البيئة المدنية وفي البيئة العسكرية على حد سواء, فتحول هذا التأسيس والبناء الى أرث وطني يتفاعل في داخل الشخصية العراقية بطريقة ظاهرة مكشوفة صريحه معبر عنها بمواقف جهادية ونضالية أو كما أسلفنا بطريقة أخرى مدفونة في عمق الانسان ويمكن أن تظهر بأية لحظة . ان من يؤسس على ما هو ظاهر في بعض أجزاء العراق يخطئ خطأ كبيرا لان الحكمة في مواجهة العواصف لا تعني أبدا الانجراف في أتون العاصفة .

رابعا: ان ما بنته الثورة وشعبها عصي على الفناء . وحتى ما يدمر منه يبقى بعوامله التي تركها في النفوس نافذا في عمق التصرف والنقل المتتالي جيلا بعد جيل . فتأميم النفط علامة شاخصة والبرنامج النووي علامة شاخصة والحكم الذاتي للاكراد سيبقى عنوانا لانسانية البعث وعبوره المتفوق للافق الانساني المنصهر في تشكيل الامة ودحر العدوان الايراني سفر خالد والتصنيع العسكري والمدني, ما هدم منه وما ظل قائما , يتحدى الطغاة لن يغيبه جاحد أو عميل محكوم . ولن يقدر أحد على هدم قصر المؤتمرات ولا قصور الشعب ولا فنادق الرشيد والمنصور وعشتار والمريديان التي شهقت في سماء بغداد تؤثث لحضارة عراقية شعبية جماهيرية بعثية وتؤرخ لزمن لن ينقطع حتى مع هذا الكم الهائل من التبشيع والشيطنة والتزوير .

خامسا: ان جريمة غزو العراق من قبل أميركا وما أقدمت عليه من أجراءات لطمس تاريخ ومعالم انجازات ثورة ١٧ -٣٠ تموز ١٩٦٨م المجيدة سيظل يطرح الاف التساؤلات التي تؤجج مشاعر وضمائر العراقيين مهما بلغت عجلة الاعلام المضلل من ضخامة ودهاء ومكر . وسيظل الحدث حاضرا يحاكم التاريخ والازمنة المتلاحقة كل يوم . الغزو أسقط الامريكان وايران ومن معهم من دول وأحزاب وأشخاص وميليشيات في جدل منطقي وعلمي لن يتوقف الى يوم الدين . ومهما كان عدد الذين التحقوا أو الذين سيلتحقون بالغزو وملحقاته سيبقى ضئيلا بل وتافها أمام الشعب الذي مازال يتغنى بسفر الثورة .

سادسا: ان محاكمة قيادة العراق الوطنية القومية الثائرة المرتبطة بحكم سلطة الثورة وانجازاتها من قبل الغزاة وأذنابهم سيظل علامة عار فارقة في صفحة التاريخ الامريكي ومن والاه وستبقى من جهة أخرى علامة فارقة تحرك الازمنة القادمة عبر حراك الضمير الوطني والقومي في العراق وفي الامتين العربية والاسلامية وسيبقى موقف القائد صدام حسين في المحكمة وفي لحظات اغتياله حاضرا أيضا في ضمير الامة ويشكل حافزا لها للحرية والاستقلال والكرامة وفي الاقتداء بروح الشجاعة والبطولة والايمان الاسطورية التي ثبتها التاريخ بحروف من ذهب ومن نور لشهيد الحج الأكبر.

تحرير العراق قادم لا محال وبعد التحرير سيعلن كل العراق وكل شعب العراق عن فتح صفحة جديدة في تاريخ العراق فيها نصف سطورها أو يزيد على النصف تستمد عنفوانها وخطط تنميتها وعزمها على التطور والتقدم من ما أنجزته ثورة تموز عام ١٩٦٨ من بناء للانسان ومن عمران وتنمية وطموحات نجح الغزو المجرم في ايقافها لكنه فشل في فناءها .





الثلاثاء ١٤ شــوال ١٤٣٧ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٩ / تمــوز / ٢٠١٦ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب الأستاذ الدكتور كاظم عبد الحسين عباس نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة