شبكة ذي قار
عـاجـل










القمة العربية التي انعقدت في موريتانيا، هي السابعة والعشرون في تعداد القمم العربية، التي كانت باكورتها عام / 1964، والتي انعقدت تحت عنوان منع تحويل مجرى نهر الأردن وفي سياقها أعلن عن تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية التي تولى رئاستها أحمد الشقيري قبل أن تستقر في عهدة ياسر عرفات إلى حين وفاته في ظروف لفتها الشبهة حول عملية اغتيال بغير الأساليب التقليدية.

القمة العربية التي انعقدت في نواكشوط، لم يكن مقرر انعقادها هناك بحسب نظام المداورة. أما وان الذين كانوا على سلم الترتيب الأبجدي في استضافتها، أما اعتذروا، وأما أبدوا عدم استعداد مما جعل العاصمة الموريتانية هي محطة الاستضافة. لكن ما يسجل على القمة بالشكل، أن الحضور التمثيلي فيها لم يكن على مستوى الصف الأول، وأن أعمالها اختصرت إلى يوم واحد، ولم تنعقد جلسة ختامية مغلقة لمناقشة وإقرار مسودة الإعلان السياسي الذي سمي "إعلان نواكشوط".

هذه القمة بالشكل الذي أخرجت فيه، كانت لرفع العتب، أكثر منها قمة كان مطلوب منها أن تتصدى إلى قضايا جوهرية تتعلق بمصير الأمة العربية في ضوء التحديات التي تواجهها، والغالبية العظمى تقر بأن تهديد الأمن القومي العربي بلغ مستوى غير مسبوق من الخطورة. وهذا يقود إلى تسجيل موقف على القمة ليس انطلاقاً من الشكل، بل من الأساس، حيث أن قمة عربية تنعقد في وقت يشهد فيه الوطن العربي صراعاً مفتوحاً ضد أعداء متعددي المشارب والمواقع، بهدف إسقاط المقومات الأساسية لمكونات الأمة، والنزول بواقعها السياسي والاجتماعي إلى دون ما هو قائم حالياً ولا تخرج بموقف حازم وواضح هو موقف يسجل عليها لأن القمة العربية الأخيرة، ومن خلال مقدمات انعقادها وما أسفرت عنه من نتائج، لم تطلق موقفاً على مستوى التحدي القومي، بل جل ما أسفرت عنه بياناً بصيغة إعلان، جاء ليلامس أطراف الموقف دون الغوص إلى صلبه. وهذا ما جعل هذه القمة لا تحظى بالاهتمام الشعبي العربي، ولا بشغف الانتظار لما سيصدر عن نهاية أعمالها.

إن الأمة العربية وجماهيرها، عندما تريد للعرب أن يلتقوا إنما تريد منهم ان يجتمعوا على قاعدة أن الاجتماع مصوب نحو أهداف أساسية، ترى الأمة في تحقيق بعضها، أو الولوج طريق تحقيقها، خطوة نحو استعادة الأمة لدورها وحضورها في مواجهة الأخطار المحدقة بأمنها. أما وأن هذا لم يحصل، فالقمة في ما أسفرت عنها ستدرج ضمن سياق الانعقاد الشكلي دون الجدوى السياسية.

وإذا كان المنظرون لهزالة النتائج يبررون ذلك بمعطى الواقع العربي الراهن، فإن هذا التبرير لا يستقيم إطلاقاً مع الغايات السامية إذا صدقت النوايا وبدا الحرص شديداً على اعتبار أن الأمة العربية، ككيان قومي هي المهددة من المشاريع المعادية التي بدأت باغتصاب فلسطين وإقامة كيان غريب عنصري إلى أرضها، إلى كل أشكال العدوان الدولي والإقليمي عليها والذي دخل طوراً متقدماً بعد العدوان المتعدد الجنسيات للعراق ومن ثم الحصار الظالم وانتهاء باحتلاله المباشر من قبل أميركا وحلفائها، ومن ثم التغول الإيراني الذي بات يشكل احتلالاً مباشراً من خلال تدخله بكل مفاصل الحياة السياسية والاجتماعية والتشكيلات الأمنية. وإذا ما أضيف إلى التحدي القومي الناتج عن الاحتلال الصهيوني، وتحدي الاحتلال المزدوج – الأميركي – الإيراني للعراق، أشكال العدوان والتدخل الدولي والإقليمي في العديد من الأقطار العربية لإجهاض البعد الإيجابي للحراك الشعبي تنامي ظاهرة قوى التكفير الديني والترهيب السياسي، وتحول التدخل الدولي والإقليمي إلى ما يشبه الاحتلال المباشر، كما في التدخل الإيراني المباشر وعبر أذرعه الأمنية في سوريا واليمن وأقطار الخليج العربي، ودور الأطلسي والغرب السياسي في ليبيا، لتبين أن جدول أعمال القمة لم تكن تنقصه المادة التي تملي اتخاذ مواقف تحاكي الطموح الشعبي العربي.وهذا يعني ان الحاضرين كانوا يفتقرون لقوة الإرادة التي تفرض نفسها في لحظة إطلاق الموقف لمواجهة التحديات.

إن قوة الإرادة مطلوبة، لكي يواجه التحدي بالتحدي، والمواجهة بالمواجهة، وعدم الهروب الى الامام في وقت يتطلب الظرف الصمود في ساحات المواجهة الأساسية، وإبراز الحضور العربي واحداً في كل ساحة تتعرض للتهديد بأمنها الوطني واستطراداً القومي، واختبار قوة الإرادة في تفعيل الحضور القومي وإعادة ثقة الأمة بنفسها، خاصة بعد توفر معطياته في أكثر من محطة، من المحطات التي عبرها مسار النضال العربي. في تلك المحطات، كان كل موقف عربي ينطلق من اي قطر عربي، متصدياً للتهديدات وواضعاً المواجهة في سياق بعدها القومي، كان يجد الملاقات الشعبية، وكانت الجماهير تنزل إلى الميادين لاحتضان الموقف والالتفاف حوله. وهذه الاختبارات كانت مشهدياتها على سبيل المثال لا الحصر في ثورة 23 يوليو1952 والتي شكلت اساساً سياسياً قومياً لإطلاق حركة جماهيرية، جعلت كثيرين من الذين لا يريدون للأمة تقدماً وتحرر وتوحداً ينكفؤون، سواء كان من الخارج الدولي والإقليمي أم كانوا من الداخل العربي من نظم رجعية .

وكما ثورة 23 يوليو في مصر، كانت انطلاقة الكفاح الشعبي المسلح في الجزائر وبعدها في فلسطين، ولعل المشهدية الأبرز هي ثورة 17-30 تموز، التي جاءت في وقت كانت فيها الأمة العربية تنوء تحت وطأة نتائج ما عرف بالنكسة. فكانت تلك الثورة، حاجة قومية عربية بقدر ما كانت حاجة وطنية عراقية. ومعها أثبتت الأمة أنها قادرة عن الإفصاح نفسها وعن مصادر القوة لديها وخاصة قوة الإرادة التي تجسدها الارادة الثورة المستندة في مواجهتها مع الأعداء إلى الزخم الجماهيري والى الحاضنة الشعبية.

لقد استطاعت ثورة 17-30 تموز، أن تقدم نموذجاً، وأن كان طبيعياً في سياق التفاعلات في الواقع العربي، إلا أنها كانت متميزة في اختصارها لعامل الزمن وفي وضع الأسس المادية للمشروع النهضوي الشامل، ومن خلال ما قدمته، أفصحت عن رؤية حزب البعث في تعامله مع الأقليات القومية من خلال بيان 11 آذار للحكم الذاتي، ووضع الثروة العربية في خدمة قضايا الأمة وتطوير أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ولعل قرار التأميم هو المفتاح الذي فتح الباب امام دخول الامة الى رحاب مقدراتها واعتبارها من الحقوق الغير قابلة للتصرف بها إلا وفقاً لمصلحة الأمة وأهدافها في التحرر والتقدم.

إن ثورة 17-30 تموز وقبلها ثورة 23 يوليو، وثورة الجزائر وفلسطين، لو كان مفجروها قد تعاملوا بنفس الروحية والعقلية التي خيمت على القمة العربية الأخيرة كما على سابقاتها، لما كانت حصلت تلك الثورات ولبقيت الأمة على حال من الاستكانة لا أثر فيها لأي تحولات تقدمية تحررية.

وإذا كانت إنجازات تلك الثورات وخاصة ثورة 17-30تموز شكلت في إنجازاتها ضربة موجعة لأعداء الأمة، وكانت ىسبباً لإقدام الأعداء لأن يعودوا ويأتلفوا في إعلان ضد الأمة، فلأنهم أرادوا أن يثأروا لهزائم منوا بها في حديث التاريخ وقديمه. وهذا ما أعاد فتح المواجهة مع هؤلاء الأعداء بصيغ جديدة هي صياغة المقاومة الشعبية، وأبرز تجلياتها المقاومة الوطنية في العراق، التي استطاعت أن تدحر الاحتلال الأميركي وتفتح صفحة جديدة من المقاومة ضد الاحتلال الإيراني، وإفرازات الاحتلاليين السياسية. ولو لم تكن ثورة 17-30 تموز ثورة متجذرة بأهدافها في نفوس الجماهير، لكانت الأمور استقرت للاحتلاليين، ومعه كان دخل العراق والأمة في مرحلة الاستكانة والتلقي. وهذا لم يحصل لأن قوة الإرادة كانت الحافز لإطلاق فعاليات الشعب المقاوم وثبوت حضورها في الميدان وعلى مستوى الموقف.

من هنا، كان على القمة العربية أن تحدد بوضوح التهديدات المباشرة وغير المباشرة للأمن القومي العربي، وأن تطلق الموقف الذي يعبر عن حقيقة الإرادة الشعبية، لا ان تلامس الموقف من أطرافه.

فاحتلال فلسطين، هو تحدٍ قومي، واحتلال العراق هو تحدٍ قومي واحتلال الأحواز هو تحدٍ قومي وتدمير بنى المكونات الوطنية في سوريا واليمن وليبيا والصومال، وتقسيم السودان والتخريب في الخليج العربي، والشلل السياسي وتعطيل المرفق العام في لبنان ونمو ظاهرة التخريب السياسي والترهيب الفكري والتكفير الديني هو تحدٍ قومي اجتماعي أيضاً. وأن قمة عربية لا تقول الحقائق بوضوح لا تعبر عن إرادة الجماهير، وهي بالتالي ليست قمة بل مجرد لقاء تشاوري والأمة بحاجة إلى موقف على مستوى التحدي وهذا ما لم ينتج عن لقاء نواكشوط. ويبقى الأمل معقوداً على قوى الثورة العربية المقاومة من فلسطين إلى العراق وحيث في لقائهما في إطار منظومة قومية مع قوى عربية تشاطرهما وحدة الاهداف والرؤية الأمل المرتجى لإخراج الامة من واقعها الراهن الى قمة التعبير عن الطموح الجماهيري.





الجمعة ٢٤ شــوال ١٤٣٧ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٩ / تمــوز / ٢٠١٦ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة