شبكة ذي قار
عـاجـل










في نفس الوقت الذي صوت فيه مجلس نواب "العملية السياسية التي أفرزها الاحتلال الأميركي واحتواها النظام الإيراني، على قانون حظر البعث وتحت أي مسمى، صدر قرار سلطوي قضى بتحويل ما يسمى "بالحشد الشعبي" من تشكيل عسكري رديف للقوى الأمنية العسكرية النظامية إلى تشكيل عسكري نظامي.

ومن يقف على مقدمات قيام هذا التشكيل الميليشياوي بدءاً من فتوى السيستاني وما قام به على مدى العامين الماضيين لا يستغرب إطلاقاً، تحويله من مجرد تشكيل ميلشياوي ذي بنية مذهبية، إلى تشكيل محافظ على نفس البنية لكن في إطار نظامي مشرع.

وبالنظر لطبيعة القوى السياسية التي تشكل غطاء لهذا التشكيل وموقعها في إدارة السلطة أو التأثير عليها، يتضح أن تطور واقع هذا التشكيل وإضفاء المشروعية النظامية عليه والأدوار التي أنيطت به إنما يشكل استحضاراً للنموذج الإيراني في تشكيل ما يسمى "بالحرس الثوري" الذي يؤدي دوراً تنفيذياً لأجندة الأهداف الإيرانية في ساحات الصراع التي يتدخل فيها نظام طهران في ضوء ما ترسمه مرجعية "المرشد".

واستحضار النموذج الإيراني في إنشاء تشكيلات عسكرية وأمنية في العراق وحيثما بات الدور الإيراني يجسد حالة احتلال مباشر، ليس مستغرباً في ضوء معرفة حقيقة الأهداف الإيرانية حيال العراق خاصة والوطن العربي عامة.

إن الأهداف الإيرانية لم تعد خافية على أحد، ويعبر عنها صراحة وليس مواربة. وهل هناك أوضح من أن يعلن حكام طهران، أن إيران باتت تسيطر على أربعة عواصم عربية، وأن بغداد ستعود عاصمة للإمبراطورية الفارسية كما كانت في التاريخ.

وعندما يعلن حكام هذا النظام أن بغداد ستعود عاصمة للإمبراطورية الفارسية، فهذا يعني أن العراق سيكون امتداداً لبلاد فارس ليس في المدى الجغرافي وحسب، بل في التكوين السكاني والتركيب المجتمعي. وشرط تحقيق ذلك يفرض الفرسنة على كل معالم الحياة وحيث امتدت سلطة الحكم الفارسي.

وكما لكل نتائج،يراد الوصول إليها، توفر مقدمات، كانت مقدمات فرض واقع الفرسنة تتدرج من التسلل طيلة وجود الاحتلال الأميركي المباشر، إلى الجهارة منذ اتخذ الوجود الإيراني طابع الاحتلال المباشر.

لقد عمدت الأجهزة الإيرانية على تنفيذ خطتها عبر عدة مسارات :
المسار الأول، التحكم بمفاصل الإدارة السياسية وكان المالكي النموذج الأوضح والعبادي لايشذ عن هذه النمطية.

المسار الثاني، التحكم بمفاصل الأجهزة الأمنية والعسكرية، عبر المستشارين الذين زرعوا في كل الهيئات ذات الصلة بالشأن العام، وأخيراً ليس آخراً، إدخال الميليشيات التي تديرها وتوجهها المخابرات الإيرانية إلى صلب المؤسسة الأمنية والعسكرية العراقية، وصيغة "الحشد الشعبي" ليست إلا نموذجاً واضحاً على ذلك.

المسار الثالث : فرض اتفاقات تربوية وثقافية تربط النظام التربوي في العراق والمنظومة الثقافية بمثيلاتها في النظام الإيراني، وصولاً إلى إيجاد منظومة تربوية وثقافية عراقية تساعد وتسهل ضخ المفاهيم والثقافات الفارسية إلى المجتمع العراقي مع ما ينطوي على ذلك من خطورة على الثقافة المجتمعية الوطنية العراقية وعلى الثقافة القومية والتي تشكل العربية حاضنها الأساسي.

المسار الرابع: العمل على تغيير بنية التركيب الديموغرافي في العراق من خلال عمليات التهجير المنظمة والممنهجة وخاصة في مناطق الاختلاط، واستقدام إيرانيين وأفغان وغيرهم ممن توظفهم طهران في خدمها مشروعها الامبراطوري الفارسي لإسكانهم في المناطق التي هجر أهلها العرب العراقيون ، هذا فضلاً عن تجنيس الملايين من الإيرانيين وغير الإيرانيين بالجنسية العراقية لخلق واقع ديموغرافي جديد لتوظيفه في خدمة الأهداف الإيرانية.

المسار الخامس: وضع اليد على الثروة العراقية لتوظيف مردودها في خدمة الاقتصاد الإيراني ولتمويل الأنفاق في ساحات الصراع التي يتدخل فيها نظام الملالي في العراق كما في سوريا واليمن وحيث امتدت يد التخريب الإيرانية.

هذه المسارات الخمس تتكامل في نتائجها ، خاصة وأنها تدار من مركز تحكم واحد، كما أن سياقات الأحداث تدفع إلى المزيد من المركزة ليس على مستوى مركزية سلطة القرار وحسب، بل تمتد أيضاً إلى توحيد الأذرع الأمنية والعسكرية والسياسية التي تتولى تنفيذ القرار السلطوي الإيراني. وكان أبرز تعبير عنه، هو الإعلان عن تشكيل "جيش التحرير الشيعي".

هذا الإعلان لم يكن صاعقة في سماء صافية، بل جاء في سياق وضوح أبعاد المشروع الإيراني، والذي يظهر من خلال مشهدياته بأنه مشروع طائفي مذهبي، يستبطن "الفارسية" هوية قومية له، ويرى بأن الحياة لا تستقيم له إلا بضرب العروبة كهوية قومية للمجتمعات التي تعمل المعاول الإيرانية تخريباً فيها ومن ضمنها العراق. وما يثبت ذلك هو أن طول أمد الصراع اسقط كل التبريرات والذرائع التي كانت ترفعها القوى المرتبطة بالنظام الإيراني ودفع بها في النهاية لإعلان الموقف بوضوح ولا ينتابه أي التباس بعدما توج بالإعلان الأخير عن تشكيل هذا"الجيش".

فماذا يعني هذا الإعلان؟ أنه يعني أن النظام الإيراني ماضٍ في تنفيذ مشروعه. وأن إطفاء الطابع المذهبي على أذرعه وتشكيلاته العسكرية والأمنية، إنما الهدف منه تقديم إيران لنفسها مرجعية سياسية وفقهية ومذهبية لكل من يأخذ بالمذهب الشيعي منهجاً في ممارسة طقسه العبادي ونظام معاملاته. كما يهدف في الوقت ذاته إلى إثارة واستشارة ردات فعل مذهبية، تأتي نتائج ممارستها لتكمل بعضها البعض الآخر، وهذا من شأنه أن يفتح الأوضاع المجتمعية على حالة احتراب طويلة، وبالاستناد إليه يتوفر للنظام الإيراني مناخاً مؤاتياً لإدامة تدخله في شؤون الأخرين وتحديداً في المكون العربي.

من هنا، فإن تمهيد الطريق أمام نفاذ هذا المشروع التدميري للبنية المجتمعية العربية، لا تستقيم إلا إذا أزيلت المعوقات أمامه. والمعوق الأهم والأقوى الذي يحول ونفاذ المشروع الفارسي في العراق هو حزب البعث. ولذلك يرى حكام طهران أن سيطرتهم على العراق، مرهونة بإسقاط حزب البعث من مجرى الحياة السياسية والمجتمعية. وهذا ليس لأن حزب البعث هو كل الشعب في العراق، بل لأنه المعبر الأصيل عن الوطنية العراقية والنقيض الذاتي والموضوعي لكل قوى التطييف والمذهبية للحياة المجتمعية العراقية. ولو لم يكن حزب البعث صمام آمان لوحدة العراق الوطنية، لما كان أول قرار اتخذه الحاكم الأميركي هو قرار اجتثاث البعث. ولو لم يكن حزب البعث هو صمام أمان عروبة العراق، لما كانت محاولات فرض الفرسنة على العراق استهدفته كأولوية.

على هذا الأساس، فإن قانون حظر البعث لا يستهدفه لذاته وحسب، بل يستهدف من خلاله وحدة العراق الوطنية وعروبته، وإذا كان الشيء بالشيء يذكر، فإنه للتذكير فقط أنه عندما بدأت إدارة الاحتلال الأميركي وضع خارطة طريق لتقويض البنيان الوطني العراقي بعد الاحتلال، كان أول قرارين اتخذتهما هو حل الجيش العراقي واجتثاث البعث. ومع تكشف حقيقة لأهداف الإيرانية في العراق لفرض الفرسنة عليه، أقدمت السلطة المنتجة من العملية السياسية وبتوجيه من النظام الإيراني، على تنفيذ خطوتين: الأولى، حظر البعث بقانون، والثانية، اعتبار "الحشد الشعبي" هيئة عسكرية نظامية، وبذلك يكون قانون الحظر هو الترجمة الفارسية لقرارالاجتثاث الأميركي، وقرار تشريع "الحشد الشعبي هو" الترجمة الإيرانية لقرار حل الجيش العراقي.

إذاً، أن قانون الحظر على البعث، هو حظر على العروبة، ومعاقبة كل من يثبت انتماءه بالولاء السياسي والقومي لها، وقرار تشريع الحشد هو حظر على الجيش الوطني العراقي، ومعاقبة كل من يثبت أنه أدى دوراً وطنياً وقومياً في مسيرة المؤسسة العسكرية العراقية بدءاً من يوم تأسيسها عام /1921 وحتى قرار حله عام /2003، وانتهاء بقطع الطريق على إعادة تشكيله عل قاعدة قانونه الوطني الأساسي بعد اعتماد الشبيه "للحرس الثوري الإيراني" بديلاً.

عندما بدأ التحالف الصهيو-أميركي ضرب مرتكزات القوة في الأمة، بدا بالعدوان على العراق، وعندما أوثق حكام ملالي تحالفهم مع الثنائي الصهيو-أميركي، بدأوا بتنفيذ مشروعهم، بدءاً من العراق وعبر الحملة على عروبة العراق ووحدته انطلاقاً من الحملة على البعث وما يمثل.

إنها مواجهة مفتوحة، لأن فرسنة العراق في خطورتها توازي فرض الصهينة على فلسطين والصراع واحد بين الأمة من جهة وأعدائها من جهة آخرى وأن تعددت مواقعه وعلى هذا الأساس يجب فرز المواقف. مواقف من هم مع العروبة ومواقف من هم ضدها .





الثلاثاء ٢٠ ذو القعــدة ١٤٣٧ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٣ / أب / ٢٠١٦ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة