شبكة ذي قار
عـاجـل










كثيرة هي المحطات التي نقف عندها ، ولكن قليلة هي التي تبقى محفورة في الذاكرة، فهي على الدوام تفرض نفسها ايا كانت الاحداث التي تتزاحم ، لتأخذ لها مكانا في مقدمة زخم الحياة التي نعيشها ، وحدها ذات الحدث غير الاعتيادي في الحياة الإنسانية ، لأنها فعل غير مسبوق ، وعبرة ترسم طريقا في الحياة الإنسانية تتجاوز الزمان والمكان الذي حدثت فيه .

ظن الخائبون أنهم سينالون من شخصية الرئيس الشهيد ، فخاب ظنهم يوم صوروا مشهد وقفة الشهيد امام حبل المشنقة ، فكانت لطمة على وجوههم الكالحة ، وكانت قد كشفت عن موقف الشهيد الذي تجاوز فيه سجاله مع قاضي المحكمة الخايب ، الذي جيء به لأداء وظيفة القضاء، وهو ابعد ما يكون عن القضاء ، فقد كانت المحكمة درسا ابدع فيه صدام ، وكان هذا الدرس سجلا عمق فيه ما كان يؤمن به ، وابرز فيه سلوكه وطريقته في التعامل مع الآخر حتى وإن كان هذا الآخر عدوا له .

وقفة الشهيد كانت وقفة بطولية لا يقفها إلا الرجال الرجال ، وقد اكد صدام أنه من صنف الرجال الذين لا يقبلوا للعلا بديلا ، وهؤلاء عز وجودهم من بين خلق البشر ، يريد الله بهم ان يكونوا نموذجا يحتذى بهم في وقت تدنت فيه مستويات البشر ، فهؤلاء من الصالحين الذين خطوا للبشرية طريقا، وللعباقرة في النهج والسلوك الإنساني ، فمن يختط نهجا غير مسبوق في الحياة ، فهو قد سبق عصره وتجاوز حدود ما اعتاد عليه الإنسان ، وهكذا كان موقف الشهيد صدام حسين امام ملك الموت ، الذي يملك الرعب والخوف الذي سلحه به رب العباد ، وقد اذهلنا صدام عندما كان يبتسم في لحظة المواجهة ، لأنه افسد على الآخرين ما كانوا يحلمون به من تسويق ما ارادوه من تشويه لشخصيته ، ولكسر صورته التي غرست في الذات العربية ، فقد عمق شخصية الرجولة واثر المبادىء في حياة الإنسان .

لم تكن الوقفة العبرة في ذاتها فقط ، بل إن ما رافقها من قول وفعل كان فيه اعظم العبر ، فقد كان للشهيد موقف عروبي تمثل بقلب العروبة ومحور كفاحها فلسطين ، التي تراءت امام الشهيد ، وهو يواجه ملك الموت، وقد كان في الموقف عبرة دينية تمثلت بالشهادتين التي نطق بهما .

لقد زاوج الشهيد بين عنصرين اساسيين في الامة : العروبة والاسلام ، وهو على وعي تام أن العرب مادة الاسلام ، وإذا ضعف العرب ضعف الاسلام ، فالعروبة والاسلام وجهان لحالة واحدة ، فأي عملية فصل بينهما هي عملية تآمر على كل منهما ، وكأني به يقول يا عرب هذه امتكم امة الرسالة الخالدة ، الشعار الذي عاش واستشهد على الايمان به .

شرف الرجولة عندما واجه الشهيد اراذل الرجال ، الذين ظنوا خائبين ان صدام سيكون مرعوبا من مشهد حبل الموت ، الذي طوق عنق اسد الرجال ، فكان الشهيد يتلهف لحبل الموت ، لأنه يسرع في لقائه مع ربه ،

الذي اوكل امره اليه عندما وقع في الأسر ، وايقن ان اعداء الامة يطلبون رأس الامة من خلال رأس العراق ، فكان لهم ذلك يوم تكالب الجميع لغزو العراق واحتلاله .

في وقفة الشهيد امام ملك الموت رسم صدام طريقا لشعبه ، ان لا حياة مع الاحتلال، وأن لا مهادنة مع من إنتهك حرمة الوطن ، وان لا حرية في ظل غزو واحتلال ، وأن لا كرامة لامة في ظل الحراب الاجنبية، وأن أي امة لأ تدافع عن كرامتها لا تستحق الحياة .

صدام كان امة في رجل ، وكان زعيما لامة عز ان تلد الامة كل يوم زعيما بمثله ، فخسرت الامة رجلا وبطلا وزعيما لا يمكن للامة ان تعوض ما فقدت إلا بعد زمن ، يعلم الله متى يقوض للامة زعيما بمستوى صدام ، فقد عاش بطلا ومات شهيدا ، فانظروا ماذا اصاب الامة بعده ، فباستشهاده كان خسارة امه ، وفي تغييبه كان تغييب للرجولة ، وباستشهاده كان فاصل تاريخي في حياة الامة ، اختلف ما بعدها عما قبلها في مستوى انقلاب مئة وثمانين درجة .

الشهادة عنوان امة تسعى للحياة ، فكانت بوابة الحياة لامة عشقت الحياة ، بقدر عشقها للموت ، فالموت ليس غاية ، بل هو وسيلة لتحقيق هدف ، تصل إليه الامة بالتضحية باغلى ما يملك الإنسان ، وهل هناك اغلى من الحياة ، فقد رخصت الحياة في نفس الشهيد لأن هناك اغلى من الحياة نفسها ، فالوطن اغلى ما يملك الإنسان ، والحياة لا يملك السيطرة عليها إلا من كان يملك ارادة ، والارادة هي عنوان رجولة ، ومن لا يملك ارادة فلا يملك رجولة ، فسيطرت ارادة الرجولة لدى الشهيد على ارادة الحياة ، وشرف الرجولة تتولد من امتلاكها للارادة ، وهكذا كان شرف الرجولة لدى الشهيد لأنه امتلك الارادة .

علموا ابناءكم كيف يمتلكوا الارادة ، فهذه مفتاح العمل والامل ، وامة لا تملك ارادة لا تملك مستقبل ، ونحن امة الامل والمستقبل .

dr_fraijat45@yahoo.com





الاثنين ٢٦ ذو القعــدة ١٤٣٧ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٩ / أب / ٢٠١٦ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب الدكتور غالب الفريجات نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة