شبكة ذي قار
عـاجـل










‏حينما نتحدث عن خواتيم ) ربيع العرب ( علينا ان نشير الى مجموعة من المالحظات الاساسية والتي تھمل غالبا اثناء البحث والدراسة والجدل، ومنھا ما يلي :

1 –الفرق بین المشروع والخطة: نعم ثمة عملية تغيير في بعض الاقطار العربية ولكن هل التغییر هدف بحد ذاته؟ ام انه وسیلة للوصول الى اهداف اخرى؟ بالطبع التغییر هدف، لكنه مرحلي وسیط النه وسیلة من اجل الوصول للبدیل، فما معنى اسقاط نظام اذا لم یكن من اجل بدیل اخر؟ لذلك فان التغییر لیس الهدف المطلوب بحد ذاته وانما المطلوب هو التغییر الذي یحقق االهداف المرسومة بتعاقب حتمي. هنا نجد انفسنا بازاء ضرورة ال یمكن تجاهلها وهي ان التغییر لكي یكون نافعا یجب ان یستتبع بتنصیب البدیل مع وجود القدرة على تحقیق ذلك، وبخالفه فان التغییر یصبح لعبة رولیت روسیة، اي انتحاریة، او على القل مقامرة غیر مضمونة النتائج.

والان ھناك من يتحدث عما يجري وھو يخلط بين المشروع الثوري والثورة، وبين الھدف المرحلي وبين الھدف او الاھداف النھائية، وھذا خطأ لان المشروع لیس ثورة وانما هو نیة تحقیق ثورة، والمعيار الذي يحدد ھل حصلت ثورة ام لا، ما يتحقق في الواقع المعاش وليس الاحالم والرغبات، من ھنا فمن الضروري التمييز بين المشروع والرغبة فالمشروع يبقى طموحا الى ان يتحقق، وھذا يختلف عن حالة وجود خطة تفصيلية (ستراتيجية) حيث يعرف الثائر طريق سيره ومحطات توقفه او الانتقال الى مسار اخر. یجب التأكید على ان ما حصل حتى االن هو انتصار اولي تحقق في تونس ومصر فقط بالنجاح في تحقیق الهدف المرحلي والوسیط وهو اسقاط النظام، لكنه نجاح یواجه االن مقاومة قوى الردة التي تمسك بمفاتیح السلطة لمنع تحقیق الهدف االخر الذي البد ان یعقبه لتكون هناك ثورة وهو انشاء نظام وطني بدیل حقا.

ان القيادة العسكرية في القطرين الشقيقين تونس ومصر تحت (رعاية) ونظر امريكا منذ استالم السادات وبن علي للسلطة، فمصر ليست بلدا صغيرا كي تتركه امريكا لقرار السادات ومبارك واول مظاھر التدخل لضمان السير في الاتجاه الامريكي المخطط ھو الامساك بيد حديدية بالقوات المسلحة والعناصر الفعالة في اجھزة الامن والمخابرات، لانھا ھي القادرة على الحسم في مراحل الازمات، كما اثبتت تجرية الانتفاضة المصرية الكبرى، وھذه الحقيقة تجلت في الغاء المجلس العسكري ولاءه لمبارك، القائد الاعلى له وللقوات المسلحة لعدة عقود، بمجرد تخلي امريكا عنه، وھذا المجلس سيلغي ولاءه لاي رئيس او مسؤول كبير حالما تطلب امريكا منه ذلك.

تذكروا ان عددا ليس بالقليل من الضباط الكبار قد تم (احتواءھم) تماما، بكل ما تعنيه كلمة احتواء من تدرجات، من قبل امريكا اولا بتنظيم دورات تأھيلية مھنية عسكرية لكنھا كانت تستبطن تدريب استخباري ايضا، او عبر وكالات تجارية وشركات (وھبات) مالية للقوات المسلحة تبلغ اكثر من مليار ونصف المليار دولار سنويا. وبما ان المجلس العسكري هو من استلم الرایة من مبارك وواصل نفس طریقه السیاسي فان ما حدث في مصر هو مشروع ثورة تمت عرقلته وربما سیجهض اال اذا نجح المناضلون في مصر في فرض ارادتهم ونجحوا في اكمال المسیرة وفرضوا نظاما وطنیا نظیفا بدیال فعندها یمكن التأكید بان ثورة قد حصلت بالفعل، اما االن فان ما حصل ویحصل هو نضال ثوري من اجل الثورة اتخذ شكل انتفاضة شعبیة هي االعظم في التاریخ االنساني كله نتیجة المشاركة الجماهیریة الواسعة فیها وعفویة هذه المشاركة.

وھنا يجب ان نتذكر ايضا، وان لانغفل ابدا، حقيقة تحدد طبيعة ما يحدث وتقرر مساره الرئيس –حتى الان– وھي التالية:

لقد اكدت وثائق ويكيليكس واعترافات المسؤولين الامريكيين وبعض الشباب وما نشرته صحف ومصادر امريكية واوربية كثيرة، أشرنا لبعضھا في الاجزاء السابقة من ھذه الدراسة، بانه يوجد في صفوف الشباب والقوى السياسية الكثير من (خيول طروادة) الامريكية اعدت بعناية ودربت بدقة على كيفية استالم الحكم في معاھد (الديمقراطية) و(حقوق الانسان) وغيرھا ودربوا على اساليب الاتصالات في الانترنيت وغيره وانشاء شبكات وتنظيم العمل ضد النظم والتظاھر الجماھيري، والاعتماد على وجود الظلم الفادح الذي تتعرض له الجماھير واستغالله من اجل تحشيدھا خلف ھذا النوع من الاشخاص لكي تتم عملية اسقاط النظام بقيادة وجوه كسبتھا امريكا سلفا. وھذه الحقيقة تطرح حقيقة اخرى وھي ان امريكا ليست ساذجة او عفوية في عملھا كي تترك تطور الاحداث لعناصر او قوى معادية لھا او غير مرتبطة بھا.

ويترتب على ھاتين الحقيقتين امر خطير يقرر مستقبل ما يجري: ان الحسم من قبل قوى وطنیة حقیقیة لیس مهمة سهلة بوجود هكذا مخططات، من جهة، ونتیجة لضعف وتناثر التنظیمات الوطنیة من جهة ثانيةمن اقرب مثال لما يجري في تونس ومصر ھو مشروع نيل شھادة الدكتوراه فحينما تدرس للحصول عليھا فانت طالب دكتوراه وليس دكتورا، وتصبح دكتورا فقط حينما تحصل على الشھادة بعد انھاء الدراسة، وھذا ينطبق على الفرق بين الثورة والطموح الثوري او المشروع الثوري، مع مالحظة ان الثورة اكثر تعقيدا وصعوبة بكثير من نيل الدكتوراه. وھنا وفي ضوء ما تقدم من حقنا ان نتساءل: هل یجوز وصف كل من رفض وتظاهر بالثائر؟ قد يقول انسان غير مثقف نعم لانه يجھل تعقيدات العملية الثورية، ولكن حينما نأتي لمثقف او مناضل عريق فالمفروض فيه انه يعرف معنى الثورة وشروطھا، ولھذا فانه حينما يخلط بين الثورة والانتفاضة يقع في فخ التبسيط، اذا افترضنا حسن النية، او انه وقع ضحية قصر النفس فاستسھل تحديد الامور خالفا لواقعھا، اما اذا كان له ھدف اخر فاننا نواجه خلدا نائما – اي جاسوس - او انتھازيا طموحه الاكبر السلطة وليس الثورة.

2 –ما الضرر الناجم عن الخلط بین المفاهیم؟ ھل ھو مجرد قضية نظرية او سفسطة كالمية؟ كال انه ليس مجرد مسألة نظرية ولا ھو سفسطة كالمية، ان الضرر الاھم ھو ترويج انطباعات مربكة والدفع باتجاه مواقف خاطئة استنادا لما روج من مفاھيم فمثال حينما يقول البعض ھذه ثورة ويرد الاخر بانھا انتفاضة او ردة – حسب الحالة الواقعية - وليست ثورة فان الخالفات تنشب بين وطنيين وتمزقھم الامر الذي يضع الجماھير في حيرة كبيرة لانھا ترى الطالئع تتناقض وتختلف مع انھا يجب ان تكون واعية وتعرف وتعي ومتفقة فيما بينھا، وھذا ھدف مطلوب امريكيا، فتدخل الصراعات في متاھات الغموض والتناقض، وھكذا يمكن امرار المفاھيم والاوصاف المعادية للتحرر من قبل الاستعمار واجھزته الاعالمية، التي اخذت تصدر شھادات (الثورة) وتحدد من ھم (الثوار) ومن ھم (الوطنيون) وتمنح عمالء الموساد صفة (مفكر)!

ولعل من اخطر مظاهر خلط المفاهیم، وما یترتب علیه ویرتبط به، هو ترویج فكرة (ان امریكا ركبت الموجة الن الثورة باالصل عمل جماهیري خالص فوجئت امریكا به وصدمه)، لذلك
قررت ركوب الموجة وتوجیه االحداث نحو اهداف تخدمها! وهنا البد من االنتباه بشدة: فاذا كان المقصود بركوب الموجة من قبل امریكا هو انها عرفت بما یختمر في قلوب وعقول الشعب فسارعت الى تفجیر االنتفاضة قبل وقوعها الجل السیطرة على مسارها وتحدیده، فنعم امریكا ركبت الموجة، اما اذا كان المقصود هو انها لم تكن تعرف بما یحدث وفوجئت باالنتفاضة وارادت أستغاللها بتغییر اتجاهها فهذا خطأ فادح الن امریكا هي من خطط لالحداث وهي من فجرها – باستثناء تونس – وهي من یمسك بالخیط القوي الذي یحدد مسار االحداث، وثمة عشرات الوثائق منھا ستراتيجة امريكا المنشورة والتي تؤكد على احداث تغييرات ديمقراطية في الوطن العربي ومانشرته ويكيلكس واعترافات ومواقف المسؤولين الامريكيين والاوربيين وما كتبه عشرات الصحفيين الغربيين كلھا تؤكد ان امريكا ھي من خطط وفجر ويسيطر. فقط استعرضوا ما حصل في كل الاقطار العربية ستصلون لنتيجة واحدة وھي ان من يقول ان امريكا تفاجئت كالذي يخدع نفسه، او كالذي يريد خداع الاخرين لاخفاء التخطيط الامريكي لما يقع.

لاول مرة في تاريخنا المعاصر تتبنى امريكا بقوة وبوضوح موقف دعم اسقاط الانظمة والذي مر بمراحل متعاقبة محسوبة بدقة من قبل المخابرات الامريكية، بدأت بالمطالبة الامريكية
بتحقيق اصالحات بسيطة وعندما استجاب النظام وقرر تحقيق الاصالح، كما في تونس ومصر واليمن وسوريا، رفع سقف المطالبة وصارت مطالبة باصالحات عميقة وشاملة وجذرية.
واخيرا وحينما كشف النظام نقاط ضعفه وتخلخلت اجھزته واھتزت ھيبته وزاد تشجيع الجماھير على التحدي بدأت امريكا بالضغط المباشر لتنحي مبارك وبن علي وصالح والاسد، وكانت
تلك عملية تدرج مخابراتي منظم ومقصود به تخدير النظام ومنعه من الاقدام على خطوة انتحارية اذا عرف منذ البداية ان الھدف الحقيقي ھو ازاحته ومحاكمته.

وهذه الحقیقة تدحض الرأي القائل بان امریكا كانت التعرف ما ترید او انها غیرت مواقفها. وكل العالم یعرف تصریحات اوباما وهیالري كلنتون التي كانت تملي على مبارك وبن علي ما یجب فعله، والتي وصلت حد المطالبة باالستقالة الفوریة وبال اي ابطاء.

3 –ما الفرق بین خطأ وخطأ اخر؟ يمكن لالنسان البسيط ان يخطأ في الوصف دون تحميله مسؤولية عدم الدقة او الخطأ، لكن الطبيب اذا اخطأ عندما ش ّخص المرض ووصف الدواء فانه قد يقتل مريضه او على الاقل يلحق به الاذى، والطبيب وظيفته ھي ازالة الاذي وليس صنعه، ھنا نواجه خطـأ شخص مختص وعارف ولھذا فان الامر يصل حد الاتھام بارتكاب جريمة، لانه قتل فردا او اصابه بضرر. وھذه الحقيقة تضعنا امام قضية خطيرة جدا وھي ان السیاسي، خصوصا القائد والمثقف، اذا اخطأ في الوصف والتقویم فانه یهدد حیاة مالیین الناس ولیس فردا واحدا كما قد یفعل طبیب قلیل الخبرة، فعندما یختار حزب او قائد موقفا ما فانه یؤثر بواسطته على مالیین الناس وربما یؤدي الى كوارث عامة، فهو لذلك اخطر من طبیب ساذج او ناقص الخبرة بكثیر جدا.

منقول من كتاب متلازمة امريكا
للمناظل والمجاهد العربي الرفيق صلاح المختار





الاحد ١ محرم ١٤٣٨ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٢ / تشرين الاول / ٢٠١٦ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب الثائر العربي عبد الله الحيدري نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة