شبكة ذي قار
عـاجـل










إن الأخذ بمعاني الهجرة النبوية ضرورة حياتية ؛ لأن الهجرة لم تكن انتقالاً ماديًّا من بلد إلى آخر فحسب ، ولكنها كانت انتقالاً معنويًّا من حال إلى حال ؛ إذ نقلت الدعوة الإسلامية من حالة الضعف إلى القوة ، ومن حالة القلة إلى الكثرة ، ومن حالة التفرقة إلى الوحدة ، ومن حالة الجمود إلى الحركة.

وهناك نوعين من الهجرة لا ثالث لهما : هجرة إلى الله ، وهجرة لغير الله يقول رسول ﷺ
".....إنَّ الهجرةَ خَصلتانِ إحداهما أن تَهْجــرَ السَّيِّئـــاتِ ،
والأخــرى أن تُهاجـــرَ إلى اللَّهِ ورسولِهِ .
ولا تنقطـــعُ الهجـــرةُ ما تُقُبِّلَتِ التَّوبـــةُ ،
ولا تزالُ التَّوبةُ مقبولةً حتَّى تطلُعَ الشَّمسُ منَ المغرِبِ ،
فإذا طلعَت طُبِعَ على كلِّ قَلبٍ بما فيهِ ، وَكُفـــيَ النَّـــاسُ العَمــــلَ ."

الراوي : عبدالله بن وقدان ابن السعدي | المحدث : أحمد شاكر | المصدر : مسند أحمد
الصفحة أو الرقم : 3/133 | خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح

و الهجرة تعني فى اللغة ترك شي إلى آخر ، أو الانتقال من حال إلى حال ، أو من بلد إلى بلد ،
يقول تعالى : {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} [المدثر: 5] ،
وقال أيضًا : {وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلاً} [المزمل: 10].

وتعني بمعناها الاصطلاحي الانتقال من بلاد الشرك إلى بلاد الإسلام ، وهذه هي الهجرة المادية.

أما الهجرة الشعــورية فتعني الانتقال بالنفسية الإسلامية من مرحلة إلى مرحلة أخرى ،
بحيث تعتبر المرحلة الثانية أفضل من الأولى كالانتقال من حالة التفرقة إلى حالة الوحدة ،
أو تعتبر مكملة لها كالانتقال بالدعوة الإسلامية من مرحلة الدعوة إلى مرحلة الدولة.

ان هدف المسلم في الحياة أن يعيش في مجتمع يساعده على طاعة الله والالتزام بأوامره وأحكامه ،
أو على الأقل لا يحارب بعقيدته ؛ لأن الفتنة في الدين هي الفتنة الكبرى ...

لذلك كان من الواجب على المسلم ان يهاجر من بلد لا يحكم بالإسلام إلى بلد تحكمه شريعة القرآن.

و الهجرة الشعورية ، تعني اصطلاحًا إنكار ومعاداة كل ما لا يرضي الله أو يخالف شريعة الله ،
ويظهر المسلم هذا العداء بكل الوسائل الممكنة ،
بالجوارح أو باللسان أو بالقلب ، ويعمل على تغييرها بكل الإمكانات المتاحة ،

فالرسول ﷺ يقول :
"من رأى منكم منكرًا فليغيرْه بيدِه ، فإن لم يستطعْ فبلسانِه ، فإن لم يستطعْ فبقلبِه ،

وليس وراءَ ذلك من الإيمانِ مثقالُ ذرةٍ"
الراوي : [أبو سعيد الخدري] | المحدث : ابن تيمية | المصدر : مجموع الفتاوى
الصفحة أو الرقم: 2/110 | خلاصة حكم المحدث : صحيح

وأساس هذه الهجرة النيـــة ؛ ولهذا يقول المصطفى ﷺ :
" إنَّما الأعمالُ بالنِّيَّاتِ وإنَّما لِكلِّ امرئٍ ما نـــــــوى
فمن كانت هجرتُهُ إلى اللَّهِ ورسولِهِ فَهجرتُهُ إلى اللَّهِ ورسولِهِ
ومن كانت هجرتُهُ إلى دنيا يصيبُها أو امرأةٍ ينْكحُها فَهجرتُهُ إلى ما هاجرَ إليْهِ "

الراوي : عمر بن الخطاب | المحدث : ابن تيمية | المصدر : مجموع الفتاوى
الصفحة أو الرقم : 20/223 | خلاصة حكم المحدث : صحيح

والهجرة الشعورية واجبة على كل حال وفي كل حين ؛
لأنها تتعلق بهجر ما لا يرضي الله تعالى ، وهي قائمة إلى أن تقوم الساعة.

ولذلك يقول الرسول ﷺ :
"لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة ، ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها".

والمسلم مكلف بأن يهجر كل ما حرم الله ، وأن يهاجر إلى ما أحلَّ الله ؛

لأن هذا هو الهدف من استخلافه في الأرض
لقوله تعالى : {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56].

وهل العبادة إلا طاعة الله فيما أمر ، والانتهاء عما نهى عنه وزجر؟
ولهذا فتح رسول الله ﷺ باب الهجرة على مصراعيه أمام كل راغب فيه ،

فقال عليه الصلاة والسلام :
"المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده ، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه"رواه البخاري.

وفي رواية (ابن حبان) :
"المهاجر من هجر السيئات ، والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده".

وكلمات الحديث الشريف متكاملة في تحديد معنى الهجرة على أساس
أنها عبادة ترتبط بعقيدة الإنسان وإيمانه ، وعلى أساس أنها عملية بناء وإصلاح
تأخذ بيد الإنسانية المعذبة إلى شاطئ الأمان والاطمئنان..

فهجر ما نهى الله عنه يعني هجر السيئات والمعاصي والمفاسد القولية منها والفعلية ،
والتي هي الأساس في فساد البلاد والعباد ؛ ولهذا أكد الحديث على (كف اللسان واليد) ؛
إذ إنهما الأعضاء التي تصدر عنها المفاسد القولية والفعلية.

وإذا كانت هذه الأعضاء سلاحًا ذا حدين يمكن أن يصدر عنها الخير
كما يمكن أن يصدر عنها الشر ، فإن إمكانية صدور الشر عنها أرجح من صدور الخير ؛

ولهذا يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم :
"من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت". متفق عليه.

فإذا أضفنا إلى هذين العضوين اللسان واليد عضوًا ثالثًا هو الفرج ،
نجد أن الإسلام أقام الحياة الإنسانية على دعائم قوية من تقوى الله والخلق الحسن والأمان والاطمئنان.

وقد سئل رسول الله ﷺ عن أكثر ما يدخل الناس الجنة ،
فقال : "تقوى الله وحسن الخلق".
وسئل عن أكثر ما يدخل الناس النار ،
فقال : "الفــم والفـــرج".
رواه الترمذي وابن حبان والبيهقي

وكان الهدف من الهجرة النبوية هدفًا عظيمًا ،
وهو الانتقال بالرسالة الإسلامية من مرحلة الدعوة إلى مرحلة الدولة ،

ومن دعوة كانت مجرد عقيدة وفكرة إلى دعوة أصبحت شريعة ودولة ،
ومن حركة محدودة الآثار إلى حركة عالمية الأهداف ،
ومن دعوة أتباعها قلة مستضعفون إلى دعوة أتباعها سادة فاتحون.

وغيرت أحوال المسلمين تغييرًا جذريًّا ،
فنقلتهم من الضعف إلى القوة ،
ومن القلة إلى الكثرة ،
ومن الانحصار إلى الانتشار ،
ومن الاندحار إلى الانتصار.

فما أحوج المسلمين اليوم إلى هجرة إلى الله ورسوله
هجرة إلى الله بالتمسك بحبله المتين وتحكيم شرعه القويم ،
وهجرة إلى رسوله ﷺ باتباع سنته ، والاقتداء بسيرته.
فإن فعلوا ذلك فقد بدءوا السير في الطريق الصحيح ، وبدءوا يأخذون بأسباب النصر ،
وما النصر إلا من عند الله.

فائدة....
قال تعالى :
وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًـــا كَثِيـــرًا وَسَعَــــةً
وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُــدْرِكْهُ الْمَــوْتُ
فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (100) سورة النساء

فى الاية فوائد تربوية عظيمه منها
قال ابن عثيمين
أنَّ العبرةَ في الأعمالِ بالخواتيم ؛ لقوله : ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ ،
يعني : أنَّهم في وقتِ الوفاة ظالِمون لأنفُسِهم ؛ فالعبرةُ بالخواتيم ؛
ولهذا يجبُ على الإنسانِ أن يكونَ خائفًا من سوءِ الخاتمةِ ،
وأن يسأَلَ اللهَ سبحانه دائمًا حُسنَ الخاتمةِ ، وألَّا يموتَ إلَّا وهو مسلِمٌ .اهـ

وقال ابن عثيمين
أنَّ مَن ترَك شيئًا للهِ عوَّضه اللهُ خيرًا منه ،
وتُؤخَذُ مِن قوله : "يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً" ؛ فقد خرَج مِن الضِّيق فوجَد السَّعة .اهـ
وقال ايضاً

أنَّ مَن أُذِلَّ بطاعةِ الله صار العِزُّ له في النِّهايةِ ،
وتُؤخَذُ مِن قوله : مُــرَاغَمًا كَثِيـرًا ؛ فهذا الَّذي أُذِلَّ هو الآن يُذِلُّ أنوفَ الَّذين أذَلُّوه بالأمسِ ..اهـ

وقال الـــــرازي
كلُّ مَن نوى خيرًا ولم يُدرِكْه ، فالله تعالى موفِّيه إيَّاه ؛
نستفيدُ ذلك مِن قول الله تعالى :
"وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ" ،

فمن قصَد طاعةَ الله ثمَّ عجَز عن إتمامِها ، كتَب اللهُ له ثوابَ تمامِ تلك الطَّاعة .

وقال السعــــدى
الحثُّ على الهجرةِ والتَّرغيبُ فيها ، وبيان ما فيها من المصالح ،
فوعَد الصَّادقُ في وعدِه أنَّ مَن هاجَر في سبيلِه ابتغاءَ مرضاتِه ،
أنَّه يجِدُ مُراغَمًا في الأرضِ وسَعةً ؛
فالمُراغَمُ مشتمِلٌ على مصالحِ الدِّين ، والسَّعةُ على مصالحِ الدُّنيا :
"وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الأرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً" اهــ

سبْحانَك اللَّهُمّ وبحَمْدكَ أشْهدُ أنْ لا إله إلا أنْت أسْتغْفِركَ وَأتَوبُ إلإليْك

#ويح قوم جفــوا نبيـــا
ويحَ قومٍ جفــوا نبيـــاً بـــأرضٍ
ألِفتــــهُ ضبـــابُهــا والظبــــاءُ
وسَلــوهُ وحَـنَّ جِــذعٌ اليـــــــــه
وقَـــلوهُ وودَّهُ الغـــربـــــــــــاءُ
أخــرجــوهُ منــها وءاواه غــــارُ
وحمتــــه حمــامـــة ورقــــاءُ
وكفـــتهُ بنسجهــا عنكبوتٌ
ما كفتــهُ الحمامـــةُ الحصــداءُ
ونحا المـصـطـفى الـمـديـنـة
واشـتـاقـت الـيـهِ مـن مـكـةَ الانـحـاءُ
وتـغـنّـت بـمـدحِـه الـجـنُ حـتـى
اطـربَ الانـسَ مـنـهُ ذاكَ الـغـناءُ

الله الله الله الله الله الله الله الله الله
الله الله الله الله الله الله الله الله
الله الله الله الله الله الله الله
الله الله الله الله الله الله
الله الله الله الله الله
الله الله الله الله
الله الله الله

صلى الله على طه جاء الدنيا حلاّها
صلى الله على طه جاء الدنيا حلاّها
صلى الله على طه جاء الدنيا حلاّها 
 





الثلاثاء ٣ محرم ١٤٣٨ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٤ / تشرين الاول / ٢٠١٦ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب الثائر العربي عبد الله الحيدري نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة