شبكة ذي قار
عـاجـل










يزعم الصهيونيون ( بمختلف تياراتهم الدينية و العلمانية والإصلاحية ) أن الظهور الأول للصهيونية تزامن مع البدايات الأولى لما يسمى " الشتات اليهودي =الدياسبورا" وذلك عبر حنين " العودة إلى صهيون " .بينما تشير : دراسة التفاعلات الاجتماعية التي جرت في الغرب إبان العصور الوسطى والعصر الحديث، أن الصهيونيةـ بمضامينها السياسية والكيانية / الجغرافية ـ تعود إلى القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. وفي الميادين الفكرية والاجتماعية، راحت تتشكل الإيديولوجية الصهيونية بين اليهود، بفعل المؤثرات التالية :

١ -اتساع ما يسمى " حركة الإحياء العبري " والربط بين اليهود وفلسطين، وانسياب تيار الصهيونية غير اليهودية .

٢ -انتشار النزعات والفلسـفات العنصـرية فـي الغـرب ( النيتشـوية والداروينية والاشتراكية الخيالية وعبء الرجل الأبيض ..الخ ) وشيوع التقديرات الخاصة بتمايز اليهود كجماعـة عرقيـة عـن الجماعـات المسيحية، وارتباك الغرب في حل المشكلة الناجمة عن هذا التمـايز، سواء بالتخلص من اليهود أو بدمجهم في المجتمعات الغربية .

٣ -اعتبار فكرة الدولة الخاصة باليهود بمثابة إطار مناسب للتعبيـر عـن تمايزهم، وتوظيف هذه الدولة لدى إقامتها في الحفاظ على الشخصـية اليهودية وتنمية قدراتها المادية والثقافية والاجتماعية .

في إطار الإنشاءات الإيديولوجية التي صيغت بتأثير المفاعيل السابقة، ركزت الفلسفة الصهيونية على أن اليهود يشكلون أمة عالمية واحدة، ذات شخصية خاصة (جماعية ـ نقية ـ مستقلة ـ استثنائية ..الخ ) تمنحها تفوقاً على سائر الأمم، استناداً إلى مقولة " شعب االله المختار " .. وكان واضحاً أن هناك مساعي لإضفاء القداسة على " الأمة اليهودية " وعلى ما يسمى " الحق التاريخي والعودة إلى صهيون والروابط بين اليهود وأرض إسرائيل ". وظل الصهيونيون يرددون على الدوام بأن " الرباط بين أمة إسرائيل وأرضها ليس كالرباط الذي يشد سائر الأمم إلى بلادها وأوطانها، فهو لدى الأمم رباط سياسي وعلماني وخارجي، عرضي مؤقت، بينما الرباط القائم بين الشعب اليهودي وبلاده(!)هو كناية عن سر خفي من القداسة، فالشعب والأرض قد أنعم عليهما بتاج القداسة حتى في زمن خرابهما، أنه رباط متعال وسماوي وأبدي، ورباط أزلي "(٦ .(وبرع الصهيونيون في اجتزاء النصوص التناخية والتلمودية عن "أرض الميعاد" وعلاقة اليهود بها، وتوظيفها أيديولوجياً وسياسياً لتبرير مشروع تهويد فلسطين.

تجدر الملاحظة هنا أن اليهود لم يفكروا بالاستيطان ضمن كيان سياسـي خاص بهم في فلسطين، قبل ظهور الفكرة الصهيونية في الأوساط الاستعمارية الغربية، وإنما كانوا يزورون فلسطين أو يقيمون فيها لأغراض دينية، ولم تكن زيارتهم ولا إقامتهم آنذاك تثير مشكلات تذكر في البلاد. وبعد تفاقم " المسـألة اليهودية " في الغرب طرأ تغير جذري على هذا الواقع، ولجأت الصهيونية إلى إيجاد نسق من الدعاوى الخاصة بتوصيف التاريخ اليهودي وحـل " المسـألة اليهودية "، وفي مقدمة هذه الدعاوى، ما يلي : (٧(

١ (هناك شعب يهودي كان في الماضي البعيد يعيش في وطنـه ( أرض إسرائيل ) موحداً، ثم تشتت بفعل الاحتلال الأجنبي لهذا الوطن (..) .

٢ (وخلال سنوات الشتات ( الدياسبورا )، ظل الشـعب اليهـودي يحلـم بالعودة إلى وطنه، وعكست تعبيراتـه الدينيـة وموروثاتـه الثقافيـة والاجتماعية هذا الحلم (..) .

٣ (ومع بدء النشاط للعودة إلى الوطن، كان الغوييم (= الأغيار ) لايزالون يقيمون في هذه البلاد يسيطرون عليها أو يحتلونها ( ..) .

٤ (ونظراً لأن الوطن القديم/الجديد مأهول بالأغيار، فثمة ضرورة للقيـام بعدة اقتحامات في وقت واحد، أبرزها :اقتحام الأرض ـ اقتحام العمل والإنتاج ـ اقتحام الحراسة..الخ (..) .

٥ (إن الروابط الدينية والتاريخية بين اليهود "وأرض إسرائيل " هي روابط أزلية /أبدية، الأمر الذي يجعل العـرب فـي الـبلاد وكـأنهم غيـر موجودين، أو يظهرون كمحتلين في حال ثبات وجودهم ( ...).

في تلك الأثناء، وامتداداً إلى المراحل اللاحقة، كانت الإنشاءات الإيديولوجية الصهيونية تقوم على إبراز المعاني الخاصة بما يسمى الرسالة المركبة للمشروع الصهيوني ( الروحية ـ الحضارية ـ الثقافية )، فضلاً عن مزاعم إعمار فلسطين وتقدمها وتحسين ظروف السكان والمعيشة فيها.

وبينما كانت مقولات المنظرين الصهاينة حول النقاء العرقي والتفوق على الأغيار والسمو الروحي بالعودة إلى أرض الميعاد، ترمي إلى منع اليهود من الاندماج في مجتمعاتهم وتسويرهم بجدار العزلة داخلها، فإن فكرة تهويد فلسطين و"تطهيرها من الأغيار " كانت في الوقت ذاته قد استوعبت تماماً في توجهات الصهيونيين، ولم يعد ممكناً فصلها عن النسيج العام للإيديولوجية الصهيونية التي كانت تنسجم تماماً مع الرؤية الشمولية للأوساط الاستعمارية الغربية. وكان هذا الانسجام يغذي رغبة تلك الأوساط : باستخدام اليهود كأداة في التوسع الاستعماري شرقاً





السبت ٧ محرم ١٤٣٨ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٨ / تشرين الاول / ٢٠١٦ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب الثائر العربي عبد الله الحيدري نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة