شبكة ذي قار
عـاجـل










يوصف تاريخ المشروع الصهيوني بأنه تاريخ نموذجي لتضافر الوسائل الدبلوماسية والعملية والعنفية في تحويل الإقليم إلى دولة للمستوطنين.

فبعد إيجاد القاعدة الإيديولوجية للمشروع، كانت آلية التنفيذ تنطوي على منظومة متكاملة من أوجه السلوك المعتمدة لتهويد فلسطين. ويبين تتبع مسارات العمل الصهيوني منذ البدايات حتى الآن، أن العلاقة بين المستوطنين اليهود والمواطنين العرب وضعت على سكة العداء، لسبب بسيط وواضح هو أن تهويد البلاد سيتم بالقوة فقط ، على حساب أهلها الأصليين. لدى تحري مضامين تلك العلاقة، بأصولها وتطوراتها، تتأكد حقيقة محافظتها على طبيعتها، بصرف النظر عن مظاهر التعايش التي تطفو على السطح بين حين وآخر، ذلك أن الطرد والتدمير والإحلال هي المحاور الرئيسة لعملية التهويد. وسوف نتتبع هنا الملامح العامة لهذه المحاور، منذ تجلياتها العدائية الأولى، وصولاً إلى الواقع القائم حالياً في فلسطين المحتلة .

نشوء العــداء :
حظي اليهود، قبل ظهور المشروع الصهيوني، بقدر عال من الطمأنينـة والأمن بين ظهراني عرب فلسطين، دون أن يستثنى من ذلك اليهود الذين كانوا يأتون فلسطين هرباً من الاضطهاد في العديد من بلدان العالم، والـذين كـانوا يجدون من السكان العرب ترحيباً أخوياً بألوف منهم ( ١ ( لدرجة أن هرتـزل نفسه أشار إلى الموقف الودي amicale الذي يقابل به أهل البلاد المهـاجرين اليهود الأوائل ( ٢. ( وكانت هناك حالات لاحظها أول قنصل بريطـاني فـي القدس ضمن تقاريره إلى حكومته عن حالة اليهود في فلسطين، تتعلق بمـدى التسامح الديني السائد بالنسبة لليهود، ولاسيما بين المسلمين الذين سمحوا لليهود بالإقامة في الأحياء الإسلامية، والذين كانوا يجيرون اليهود عند الحاجة ( ٣.( وحسب شهادات محايدة، كان السلام هو القاعدة السائدة طيلة قرون، وعاشـت الأغلبية المسلمة من المواطنين مع الأقليتين اليهوديـة والمسـيحية معـاً فـي توادد (٤. ومعروف تاريخياً أن إقامة اليهود في فلسطين خلال الفترة السابقة لإنشاء المستعمرات الصهيونية اقتصرت على أربع مدن رئيسة، هي : القدس والخليل وطبرية وصفد . وكانت غالبية اليهود من المتدينين الذين يعيشون على نظام " الحالوكاه = الصدقات " في حين كان عدد منهم يتعيش من الأعمال الحرة والحرف والصناعات البسيطة. ومع قدوم أعداد كبيرة نسبياً من المهاجرين اليهود، ألفى العرب أنفسهم أمام يهود من نوع جديد، يختلفون في ممارساتهم وتكوينهم الفكري ـ النفسي ـ الاجتماعي عن الطائفة اليهودية الفلسطينية.

وكان من الطبيعي أن تتغير صورة علاقات حسن الجوار والتسامح، وأن تبرز مواقف عدائية متبادلة بعد أن أخذت طبيعة الوجود اليهودي في فلسطين تتحول من الطابع الديني والمعايشة إلى الطابع الاستعماري الاستيطاني بوحي من الأفكار الصهيونية والسيطرة، الأمر الذي عكس نفسه تلقائياً في تغير موقف اليهود من السكان العرب في البلاد ( ٥. ( آنذاك كانت مجموعة من العوامل تغذي علاقة العداء وتؤجج نار الصراع، أبرزها :

أ. قضية الأرض التي بدأت حيازتها تؤول إلى المهاجرين اليهود الجـدد وما يترتب على ذلك من إجلاء الفلاحين عنها وفقدانهم مصدر رزقهم.

ب. أفكار المستوطنين العنصرية وتصرفاتهم التي كانـت تخـرق قاعـدة التعايش، فضلاً عن ازدياد ثقل التحريض الديني الناجم عن ازدياد عدد الكنس والمدارس والمؤسسات اليهودية في البلاد .

ج. الردود الفلسطينية المتأثرة بالاتجاهات القومية وبأفكار المثقفين الـذين لمسوا منذ أوقات مبكرة الخطر الداهم والتحديات التي تواجه عـرب فلسطين .

وعلى الرغم من تعدد رؤى الصهيونيين الأوائل ومفكريهم في مرحلة إنشاء المستعمرات اليهودية في فلسطين، فقد كان هؤلاء يقفزون فوق حقيقة واضحة تماماً ،هي أن الصهيونية ليست سوى " قوة ثانوية جلبت من الخارج ولم تفعل شيئاً إلاّ إعاقة تقدم القوة الوطنية باتجاه الدولة الوطنية التي تتمتع بالاستقلال الكامل "

(٦ .(هذا هو العنوان العريض للصراع، وفي التفصيلات تكاثفت الوقائع التي جعلت تهويد فلسطين بالقوة يخلق تناقضاً عدائياً مستديماً.





الاحد ٨ محرم ١٤٣٨ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٩ / تشرين الاول / ٢٠١٦ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب الثائر العربي عبد الله الحيدري نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة