شبكة ذي قار
عـاجـل










كان يفصل الجيوش الاسلامية عن المدائن نهر دجلة، وكان شديد الجريان، وفي وقت المد وارتفاع المياه، وحث الناس القائد سعدًا بالعبور، ولكنه أحجم خوفًا على أرواح الجند، ثم جاءه رجل من الفرس فقال له: ‘لماذا هذا الانتظار؟ لا يأتي عليك ثلاثة أيام إلا ويكون يزجرد قد نقل كل كنوز الفرس وفر بها إلى حلوان’ ووافق هذا الكلام عند سعد أنه رأى في نفس الليلة رؤيا حق، أن المسلمين يعبرون بخيولهم نهر دجلة، فقام في الناس خطيبًا يحثهم على الجهاد في سبيل الله والصبر، وعزم عليهم في قطع نهر دجلة سباحة للطرف الآخر حيث مدينة المدائن.

كان للفرس على الطرف الآخر للنهر حامية قرية تدافع عن الشاطئ في حالة عبور المسلمين في السفن؛ حيث لم يدر بخلدهم أن العبوس سوف يكون سباحة على الخيل! فندب سعد الناس أن يبدأ ويحمي لنا الشاطئ حتى تتلاحق به الناس لكيلا يمنعوهم من الخروج، فقام أول فدائي متطوع، وكان بطلاً من بني تميم وفارسها ‘عاصم بن عمرو’، وتبعه في التطوع ستمائة من ذوي البأس والشجاعة النادرة، ثم انتخب من هؤلاء الستمائة ستين من أشجعهم حتى يكونوا رأس حربة هذه الكتيبة التي عُرفت في التاريخ باسم: ‘كتيبة الأهوال’، فاندفعت الكتيبة داخل مياه دجلة الهادرة، وأمواجه المتلاطمة، لتعبر إلى الطرف الآخر، وما إن اقتربت من الطرف الآخر للشاطئ حتى صُعق الفرس من هول المفاجأة، واندفعوا هم الآخرون داخل النهر حتى يصدوا هجوم كتيبة الأهوال، وعندها أمر القائد عاصم بن عمرو باستخدام الرماح، والتركيز على العيون، وضغط المسلمون على الفرس في النهر حتى دفعوهم للخروج إلى الشاطئ مسرعين، ثم عاودوا القتال مع الكتيبة حتى جاء رجل من الفرس، فقال لإخوانه من الفرس: ‘علام تقاتلون وقد هرب أهل فارس والمدائن وتركوكم؟!’ فعندها فرت الحامية الفارسية من على الشاطئ، واصبح الشاطئ خاليًا، وعندها أرسل القائد عاصم بن عمرو إشارة للقائد سعد بأن الشاطئ قد أصبح خاليًا، والطريق أصبح مفتوحًا لعبور باقي الجيش.

و كان أعجب عبور في التاريخ هذا هو أدق وصف لعبور جيوش المسلمين في نهر دجلة؛ حيث أمر القائد سعد الجيوش بنزول الماء وعبوره على ظهور الخيل، وقام رضي الله عنه ودعا للجيش المسلم ـ وكان مستجاب الدعوة ـ، واندفع الجيش ، وتعداده ستة وعشرين ألفًا على خيولهم يعبرون النهر الهادر في منظر فريد وعجيب من نوعه، فغطوا الماء حتى ما يُرى الماء من الشاطئ، وصار كل اثنين من الجيش يتحادثان فيما بينهما كأنهما يمشيان في البر في أمن وسلام! ولم يفقد منهم شيء من متاعهم ولا رجالهم، ولم يغرق رجل واحد، وكلما صادفتهم منطقة عميقة في النهر ظهر للمسلمين صخور يقفون عليها حتى لا يغرقوا، وذلك من عناية الله بهم وكرامته لجند المسلمين، وتكامل عبور الجيش كله، ودخلوا المدائن وقد أصيب الفرس بالرعب والدهشة، وظنوا أن الملائكة هي التي حملت المسلمين أثناء العبور، وفر يزدجرد ومن معه من خواصه وحاشيته وأهل بيته إلى مدينة حلوان، وكان أول المسلمين دخولاً هم كتيبة الأهوال، فلم تجد أي مقاومة أثناء الدخول، ثم دخل باقي الجيش واستقر في المدينة، ودخل سعد رضي الله عنه إيوان كسرى صلى به صلاة الفتح والحمد لله رب العالمين





الاثنين ٩ محرم ١٤٣٨ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٠ / تشرين الاول / ٢٠١٦ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب الثائر العربي عبد الله الحيدري نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة