شبكة ذي قار
عـاجـل










إذا كان احتلال فلسطين واغتصابها كان تدشين لمرحلة عربية ، مرحلة تفكيك الأرض العربية في مشروعي بلفور وسايكس بيكو ، فإن المؤامرة على بغداد هو بداية مشروع تفكيك الهوية العربية، بعد أن فشل النظام العربي الرسمي في تحقيق الأمن الوطني ، وتحقيق التنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، حتى بات لقمة سائغة أمام طموحات العدو الامبريالي الصهيوني الصفوي العثماني، فكانت الطموحات الدولية والاقليمية في التمكن من الحصول على جزء من الكعكة العربية في عملية التشظي الجغرافية والهوياتية للمنطقة ، فلكل طموحاته من امريكان وروس الذين دخلوا مؤخراً ليجدوا لهم موطئ قدم في المنطقة من خلال سوريا ، نقول لكل من امريكا وروسيا اهدافها لتحقيق مصالحها على حساب العرب ، وايران من خلال التهييج الطائفي المقيت ، وتدخلاتها السافرة في دول كالعراق وسوريا واليمن ولبنان ، وتركيا في عملية احياء للطموح العثماني كما يبدو في حلب والموصل ، وفوق كل هؤلاء العدو الغاصب المتربص في فلسطين المحتلة ، الذي يحلم باقامة مشروع دولته من النيل إلى الفرات ، لا بل والهيمنة الكاملة على مكونات جثة النظام العربي الرسمي من خلال البوابة الاقتصادية المدعومة أمنياً ، ولا نغالي إن قلنا أن الاردن سيكون جسر التطبيع الاستسلامي لتحقيق هذه الطموحات الصهيونية ، كما يبدو في استسلام الاردن لكل مخططاته ، والاذعان لربطه بعجلة الكيان من خلال مشروعات ، ناقل البحرين ، واستيراد الغاز المسروق ، وعملية تفريغ المناهج الاردنية من مفاهيمها الوطنية والقومية والدينية ، لصالح دولة العدوان في فلسطين المحتلة.

هل ما أشرنا إاليه بمثابة قرآن منزل لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، أم أن ما يحاك للمنطقة العربية ليس بجديد ، وإن كان ذلك أكثر شراسة ، وعلى غرار ما أصابها في غزو التتار، أو الغزوة الصليبية ، يوم كانت المنطقة ميدان استباحة لكل طامع فيها ، وكان العرب لا يملكون من أمرهم شيئاً بفعل عوامل الوهن والضعف التي أصابتهم ، وجعلتهم بهذا المستوى من الإنحطاط والتخاذل أمام من يستهدفهم في وحدة اراضيهم ومعتقداتهم ، ومقدساتهم ، خاصة في فلسطين التي استهدفها الغزو الصليبي .

ما أشبه اليوم بالبارحة ، ولكن هل نجح كل هؤلاء ، وإنتهى أمر العرب ، واستمر الطامعون في النوم على فراش من حرير ، أم أن الإنسان العربي تمكن من طرد كل هؤلاء الغزاة ، حتى جاء الاتراك وحلوا مكانهم ، وبسبب عدم استهداف دولة الخلافة لمكونات العرب الرئيسية : اللغة العربية والدين الاسلامي إلى جانب هامش الحركة للاقليم العربي في بعض من ولاياته ، ساهم وإلى حد كبير من سيطرة الاتراك دون مقاومة إلى أن عمد الاتراك اتباع سياسة التتريك ، وتهديد المكونات الرئيسية للهوية العربية ، فكانت الثورة العربية التي تم احتواؤها ، وتمزيق المنطقة ، وصدور أسوأ مشروعين امبرياليين ضدها ، تمثلا في وعد بلفور وسايكس بيكو .

مقتل الإنسان العربي ليس في ضعفه وهوانه ، ولا في حالة التخلف التي يعيشها ، بل في عدم توفر القيادات الوطنية والقومية التي تستطيع أن تقوده لتحقيق طموحاته، وبشكل خاص في اقامة دولته على امتداد الوطن العربي ، إلى جانب حرمانه من الحرية والعدالة وحقه في ثروة وطنه .

مما لاشك فيه أن الوضع العربي الراهن لا يسر صديقاً ولا يغضب عدواً ، ولكنه ليس ميؤساً منه، فالعرب هم الوحيدون الذين يحملون سلاح المقاومة في هذا العالم ، والعرب اليوم أكثر استيعاباً لمواجهة كل هذه المخططات العدوانية على الارض العربية ، وهم قادرون بكل يسر إفشال كل هذه المخططات بصمودهم واستمرارية نضالهم ، فمازالت سير الحكام العرب الوطنيين والقوميين مغروسة في الذاكرة العربية ، وما زال هناك فئة من المناضلين الذين لن تلين لهم قناة ، ولديهم القدرة على التحمل في سبيل نهوض أمتهم ، والوصول بها لتحقيق أهدافها في الوحدة والحرية والتحرر ، واقامة الحرية والعدالة بين صفوف المواطنين .

الهجمة العدوانية على الهوية العربية شرسة ، ولكن العرب يستطيعون مواجهتها، وإن بدت بقع المقاومة إن في العراق أو فلسطين لا تحقق الطموحات المرجوة بفعل حجم الهجمة العدوانية ، فعلينا أن لانفقد الأمل في أمتنا وفي ما لديها من عوامل الممانعة والمقاومة ، فالمناضلون متفائلون على الدوام ، ولولا نفحة التفاؤل ما كانت هناك تضحيات ، ولا كانت هناك مقاومة وشهداء ، فالمستقبل لنا ونحن قادرون على أن نصنع مجد هذه الأمة ، ونعيد سيرتها التي كانت عليها يوم كانت تشع نوراً على بقع الارض ، وغيرنا كانوا يعيشون في ظلام دامس .

نحن لا نتغنى بامجاد باتت في بطن التاريخ ، ولكننا نؤمن بدور هذه الأمة ، وهي قادرة على فعل هذا الدور ، ونؤمن ايضاً أن تاريخ الأمة يقاتل مع أمته ، وتاريخنا فيه من الايجابيات الكثير، وعلينا تعزيزها في النفوس ، وبشكل خاص في نفوس ابنائنا .

نحن نملك الطاقات البشرية ، ولدينا من قيم الممانعة والمقاومة ما يدفعنا أن ننهض وبكل قوة ، ولدينا القدرة على صنع القيادات الوطنية والقومية التي تتصدر صفوف النضال ، وتتعلم من أخطاء الماضي ، ولم نعد نخشى سطوة الأنظمة وجبروتها ومكائد أجهزتها ، فهذه لا تملك القدرة على الوقوف في طريق الحركة الجماهيرية العربية التي تجرف ما يواجهها كما يجرف السيل غثاء البحر ، ولن يطول الزمن حتى ننادي من يعلق الجرس ، فالجرس هو بيد كل مناضل من أبناء هذه الأمة ، ولم تعد مخططات الاعداء بخافية حتى على الرضيع من أطفال هذه الأمة ، ولن يتوقف نضال هذه الامة إلا بعد تحقيقها لاهدافها في الوحدة والحرية والتحرير .

dr_fraijat45@yahoo.com





الاحد ٢٩ محرم ١٤٣٨ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٣٠ / تشرين الاول / ٢٠١٦ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب الدكتور غالب الفريجات نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة