شبكة ذي قار
عـاجـل










عندما كان أسمها الاتحاد السوفيتي، كنا نحن رجال العراق من فتح لها بوابات الوطن العربي على مصراعيها، ونحن من سوغ أدوارها وسياساتها التي سميت أو أدرجت تحت عنوان دعم الشعوب الناهضة وحركات التحرر الوطني والقومي، ونحن من فتح لها بوابات التجارة الواسعة مع العرب واسترزق الاتحاد السوفيتي على صفقات التسليح وتجارة مختلف المنتجات التي تصنف بدرجة خامسة أو عاشرة من حيث النوع مقارنة مع المنتجات الغربية واليابانية فاشترينا منهم سيارات ودبابات ومدافع وطائرات ومواد غذائية ومصانع ملئنا بها أسواق العراق ومصر وسوريا وليبيا والسودان وغيرها من أقطار الوطن العربي.

نحن من حرك وغذى الحياة الاقتصادية للاتحاد السوفيتي السابق ونحن من منحه القدرة على تطوير برامجه وإنتاجه النووي وتطوير سلاحه الاستراتيجي ونحن من أمد قنوات البحث والتطوير السوفيتية وعظم من اقتدارها على الإنتاج النظري ونقله إلى المصانع وقطاعات الإنتاج المختلفة.

ويوم سقط الاتحاد السوفيتي تحت وطأة ضربات الإعلام والعمل المخابراتي الإمبريالي وفقد الجغرافية التي كان يمتد على ثراها وتفككت أواصر القوة بين أجزاءه التي تبعثرت وأتجه معظمها إلى الأحضان الإمبريالية في أسوأ كارثة سقوط عقائدي عرفتها البشرية كنا نحن الأصدقاء المخلصين الأوفياء الذين ظلوا يحافظون على الاتفاقات والمعاهدات وبأخلاق فرسان عصية على مدارك وعقول الماديين الديالكتيكيين ونحن فقط من برر فشل السوفييت في ردع الغرب عن حروبه وعداءه لنا الذي كان بعضها سببه علاقتنا مع السوفييت في الوقت الذي أكل سوانا من لحم الفطيسة بكل شراهة وانعدام أخلاق !!

غزتنا الولايات المتحدة وحلفها عام ١٩٩١ ووقف السوفييت خائراً حاسراً غير قادر على قول كلمة (لا) لا في الأمم المتحدة ولا في مجلس الأمن ولا على مستوى العلاقات الدولية وعجز وعجز معه الصين عن فيتو واحد يوقف العدوان والحصار وتطبيق البند السابع بحق العراق الذي كان نسغ تغذيته وعماد قوته.

وحصل الذي حصل .. وصار الاتحاد السوفيتي والقطب الاشتراكي الند السابق للإمبريالية مجرد دولة أسمها روسيا تئن تحت وطأة الهزيمة بدون سلاح وبدون قطرة دم واحدة في الحرب الباردة وتواجه عاهات الوهن الاقتصادي القاتل وانعدام الوزن والحضور الدولي.

روسيا التي تعيش بأمجاد الأمس التي يستنكف من بعضها بعض أبناءها وببعض مخلفات قوته المقهورة وعلى أمل أن تعيد توازنها وتنتصر على وهنها المميت في الاقتصاد عموماً وفي باقي فروع الحياة السياسية والإعلامية والدبلوماسية.

وجاء غزو العراق واحتلاله وروسيا الوريثة للاتحاد السوفيتي لم تحرك ساكناً لا سياسياً ولا دبلوماسياً ولا عسكرياً بل يقال إنها بعثت مجموعة من مخابراتها إلى بغداد قبيل الغزو لتحصل على حصة في وليمة تمزيق بغداد.

روسيا كانت بعد غزو العراق ميتة وتتنفس بأعجوبة وهي في قبرها تحت قبضة العملاق الأمريكي الغربي الذي كان يرقص جذلاً على آثار بقاياها ويتغنى الانفراد بالعالم بعد أن قزمها وغيب حضورها الندي المكافئ السابق فمن الذي أخرج روسيا من اليم؟ من أعاد لروسيا الحياة بعد موتها بقدرة الله؟

المقاومة العراقية والتربص الروسي :
كانت الفرصة الوحيدة التي تمنح روسيا قدرات العودة للواجهة هي أن تضعف الولايات المتحدة .. تضعف سياسياً حين تأتي خططها ومواقفها وحروبها بنتائج عكسية أو متعثرة .. وتضعف اقتصادياً حين تنزل الخسائر الكارثية على عساكرها ومعداتها الغازية لدار السلام وبلاد الرافدين.

والعالم كله يعرف أن المقاومة العراقية البطلة قد أحدثت كلا الفعلين على أميركا الغازية وأدخلتها في وحل لم يكن في حسبانها وفي جوف حوت أسمه العراق كانت أميركا تظن واهمة أنه سيكون لقمة سائغة وسيجري فيه سيلها دون عائق!!

سقط لأمريكا لوحدها من بين حلف العدوان على العراق ما يزيد على ٧٣ ألف قتيل وما يربو على ربع مليون معاق وجريح ومجنون وسقطت في أخطر كارثة اقتصادية في كل تاريخها وانسحبت آثارها على معظم دول العالم وما زالت آثارها قيد المعالجة.

وبدل أن تمد روسيا يدها للمقاومة العراقية التي أخرجتها من قبرها وعادت بها إلى عالم الفيتو والتحدي والحراك العسكري والسياسي فإنها غدرت من جديد واختارت إيران لتكون منطلق دخولها الإمبريالي الجديد على الشرق الأوسط والجغرافية العربية المشرقية خصوصاً.

لماذا اختارت روسيا إيران لتتعاون معها :
أولاً: لأن روسيا تعرف وتعلم يقيناً أن إيران تتحرك ضمن أحضان الولايات المتحدة الأمريكية سراً وعلناً. وعليه فالتعاون مع إيران يعني خيوط تعاون وغزل لأمريكا لأن روسيا ما زالت خارج قدرات التحدي القطبي.

ثانياً: لأن المشروع النووي الإيراني الواقع تحت قبضة الغرب استهدافاً وتقييداً هو في جله روسي وأي اتفاق نووي بين الغرب وإيران سيبقي على اليد الروسية هي المجهزة والمرممة والمستفيدة.

ثالثاً: لأن روسيا تدرك الاحتضان الأمريكي لإيران والذي يعني انبطاح كل الأنظمة العربية المتأمركة والخانعة لها لإدامة الصلات الاقتصادية مع روسيا حتى لو أساءت للعرب بكل أنواع الإساءات.

ومن بوابة إيران الأمريكية دخلت روسيا كدولة احتلال على سوريا وباشرت بإسناد نظام الأسد الإيراني ولتكون على تماس مع العراق الأمريكي الإيراني وهكذا تتراصف قوى الاحتكار والاستعمار مع بعضها لتحقيق الأهداف العليا للتحالفات المعلنة والسرية ومنها تقسيم المقسم وتجزئة أقطار العرب إلى كانتونات طائفية متحاربة متعادية ضعيفة بائسة وبذلك تتاح مساحة زمنية طويلة للنهب والحلب وتسيير المقدرات.

لسوريا طبعاً أهمية استثنائية لروسيا فضلاً عما ذكرناه فلعاب الدب الروسي يسيل مهداراً للغاز الذي يكمن تحت يابسة وساحل سوريا ويقيمه خبراء الطاقة على انه سيسود على كل مصادر الطاقة الأخرى. فالساحل السوري هو المأوى الوحيد للغاز وللقاعدة البحرية الروسية في الوقت الذي تمتد يد الاحتكار الأمريكي أخطبوطاً في كل الأجزاء الباقية. وسبق لنا وكتبنا عن هذا الجانب عديد مرات ونوهنا إلى أن الروس سيتصرفون في سوريا منذ سنوات.

روسيا التي أكرمناها قبل موتها تقتلنا وتقوي من يريد بنا الشر والهوان.

روسيا التي أخرجناها من القبر بعد أن شارفت على الموت تعض وتقضم اليد التي أنقذتها.

روسيا تتحول من حال كان يوصف بالتقدمية إلى كيان مجرم يعبث بالقيم والمبادئ الإنسانية ويسير على أقذر معاني الميكافيلية وأوسخها. روسيا تذبحنا بشراكة عاهرة مع الولايات المتحدة وتمهد السبل لإيران لاحتلال أرضنا وإنهاء وجودنا.





الاربعاء ٢ صفر ١٤٣٨ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٢ / تشرين الثاني / ٢٠١٦ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب الأستاذ الدكتور كاظم عبد الحسين عباس نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة