شبكة ذي قار
عـاجـل










لم يعرف اللبنانيون زعيماً مثيراً للجدل مثلما عرفوا في شخصية العماد ميشال عون الذي تربع على سدة الرئاسة الأولى مؤخراً، بعد مسيرة سياسية حافلة بشتى درجات الصعود ومطبات الانكسار والتطويق، كان للخطاب السياسي في جميعها، التبدًّل والتصعيد أيضاً، من خلال مختلف آليات التعبئة الداخلية، بدءاً من نماء الظاهرة "العونية" وتمددها، بعد تعيينه رئيساً للحكومة العسكرية الانتقالية من قبل الرئيس أمين الجميل، المنتهية ولايته في العام 1988، لتشهد البلاد بداية الحرب "التحريرية" في 14/3/1989 ضد الوجود العسكري السوري على الأراضي اللبنانية، ثم ليُستكمل ذلك بعد أقل من عام بما سُمِّيَ حرب الالغاء ضد القوات اللبنانية، لتنتهي تراجيدياً الحكم القصيرة في الثالث عشر من تشرين الأول من العام 1990 بتدخل الطيران الحربي السوري وقواته المجحفلة نحو قصر بعبدا واحتلاله، فيلجأ الرئيس العماد إلى السفارة الفرنسية التي أمنت انتقاله في 29/8/1991 إلى فرنسا التي استقر فيها بحكم "المنفي" عن بلاده لما يقارب الأربعة عشر عاماً ليعود إليها في أيار من العام 2005 عودة المظفرين المتطهرين للمخلص الأبدي، الذي ينتظره المريدون، ولتنتهي بعدها مرحلة "الاضطهاد" السياسي التي كان لها "خطابها" التعبوي ضد الخارج آنذاك، ولينتقل الخطاب السياسي بعد ذلك إلى التعبئة الأخرى ضد "الاستبعاد" الذي كان يرى فيه العماد، محاولة خسيسة لتطويقه والحد من تنامي زعامته إلى الدرجة التي وجد فيها اللبنانيون "زعيمهم" العائد "يتقوقع" تحت يافطة الخطاب الآخر المناقض لخطابه الوطني السابق، وكأن الخصوم قد نجحوا في جرِّه، إلى اعتماد ذلك والتركيز على "مسيحية" المناطق التي يمثلها بعد حملة الـ "تسونامي" الشرسة التي تعرض لها، والتي زادت من شعبيته "الطائفية" على حساب تمدده الوطني، بالرغم من الكتلة النيابية الوازنة التي خرج بها في العام 2009 وقبلها في العام 2005، تحت مسمى "تكتل الإصلاح والتغيير" المنتمي سياسياً إلى تياره المستحدث (التيار الوطني الحر)، والذي ساهم في إيصاله إلى الرئاسة الأولى بعد طول شغور رئاسي قارب العامين ونصف العام، واتفاقيات ثنائية حيكت بعناية مع أكثر من مكوِّن سياسي – طائفي – مذهبي لبناني لتتظهر الصورة الرئاسية في مجلس النواب يوم الواحد والثلاثين من شهر تشرين الأول للعام 2016، ولتتنظر الأيام القادمة، ما ستكون عليه ملامح السياسة الجديدة وخطاب القائد – الرئيس، الذي انتقل من موقع الحزب والتيار والتكتل، إلى موقع "الأب" لكل اللبنانيين كما أطلق عليه مريدوه مؤخراً، وليعاود إطلاق صفة "بيت الشعب" على القصر الرئاسي في بعبدا، إحياءاً لذكرى "قصر الشعب" الذي دكته طائرات النظام السوري في العام 1990، معتقدة حينها أن الظاهرة العونية قد انتهت ليعود صاحبها مع أول إطلاله رئاسية له وهو يستقبل مهنئه الشعبيين بمقولة "يا شعب لبنان العظيم" ليستظهرها هؤلاء من جديد مع "عونك جايي من الله يا لبنان الغالي".

ومع كل ما تقدم، سواء بتبدل الخطاب السياسي المتصاعد تدريجياً نحو الطائفة والمذهب "كسترة انقاذ" لحماية نفسه وتياره من الغرق في بحر "التسونامي" الجارف من الخصوم الجدد.

ومع تكريسه كالزعيم الأقوى للطائفة الأكبر الممكوِّنة للمجتمع اللبناني، بعد أن كان، وهو قائداً، للجيش ثم في مرحلة الحكومة العسكرية النموذج الذي يقتدي به كل زعيم عابر للطوائف والمذاهب والمناطق،

كانت اللعبة السياسية الداخلية هي التي تفرض نفسها على الخطاب السياسي المعلن وعلى المتعاطفين المنخرطين في قواعد اللعبة المستحدثة، تأكيداً للكيانية هذه المرة، من منطلق "المظلومية" التي ما أنفك يرفع يافطتها، حتى في ظل استئثار التيار الوطني الحر وتكتل التغيير والإصلاح بالحصص الوزارية الوازنة السيادية والخدماتية، خاصة في السنوات الأخيرة،

وإن ما علق في أذهان اللبنانيين، هو تجارب الفشل التي تغلبت على وعود الإصلاح، فلم يجدوا من التغيير سوى التراجع إلى الوراء لتكريس مقولة الزعيم الأقوى لدى الطائفة الأكبر، على غرار زعماء الطائفتين الأخريين الأقوياء، وعلى حساب صفة "القائد الوطني الكبير"، ولنا في وزارة الطاقة التي شغرها أنصاره لسنين طوال، أسطع دليل على ذلك الفشل وتكاد تطغى على ما عداها من تجارب، يأمل اللبنانيون أن تنتهي جميعها إلى الحلول السريعة والجذرية فلا تبقىِ عِرضة للتجاذب السياسي الآخر الذي بدأ مع "الأبراء المستحيل" ويأمل اللبنانيون أن ينتهي للانطلاق مع الحكومة الجديدة إلى أمل جديد آخر لزمن يتوسمون فيه كل مصداقية تترجمه النوايا التي احتوتها الاتفاقيات الثنائية الأخيرة، إلى أفعال يلتقي حولها الجميع على مختلف مشاربهم وتنوعاتهم السياسية ومكوناتهم المجتمعية – الدينية، مع التأكيد على الاعتبارات التالية التي لا بد من التمسك بها، لتستقيم مرحلة الحكم الجديد، ويعود لنا لبنان وطناً نهائياً لجميع أبنائه كما كرسه دستور الطائف، لا مجموعة كيانات حدودها المذاهب والطوائف :

1- التأكيد على الصورة النموذجية للقائد الوطني التي يراها عليه أنصار الرئيس الجديد ومريدوه، بعد خطاب القسم في المجلس النيابي وتوجهه المباشر إلى المواطنين في "بيت الشعب" معبداً إلى الأذهان الصورة التي بدأ بها مع أول إطلالاته كرئيس للحكومة الانتقالية في العام 1988 وتأكيده على أن الفساد "سيستأصل" والبيئة ستكون نظيفة وهذا جل ما يتمناه كل اللبنانيين دون استثناء من أحد.

2- تصحيح النظرة التي تعامل بها الخصوم مع شخصية الرئيس الجديد، والتي وصلت فيما مضى إلى حد "شيطنته" في التصرفات والمواقف، وتلك لعمري أولى مهام التغيير الحقيقي للولوج إلى إصلاح سياسي وإداري مرتقب يعلق عليه اللبنانيون الآمال الكبار ليبنون معاً صرحاً وطنياً شامخاً هو "لبنان القوي"

3- الارتقاء بالخطاب السياسي الداخلي إلى مكانة الخطاب الوطني الجامع، ودفع كافة المكونات السياسية اللبنانية إلى الخروج من "كانتوناتها" الفكرية والمذهبية والتثقيفية، والمباشرة في وضع مبادئ الإصلاح والتغيير على قطار الحل السريع والجدي بعد أن "انتفت" مظلومية الاستبعاد من جهة، واتهامات كل طرف للآخر بالعرقلة والتعطيل لمشاريع الإنماء من جهة أخرى،

وحيث باتت الأطراف السياسية مجتمعة في مركب واحد واي تعطيل له لن يصيب طرفاً بعينه بقدر ما سوف يصيب الجميع والوطن بكامله،

وأن أولى مبادئ الإنقاذ وعدم التعطيل والتفشيل، تتمثل اليوم بالغاء الطائفية السياسية وتشكيل الهيئة الوطنية التي سماها مؤتمر الطائف لهذا الهدف، وسن قانون انتخابات جديد يعتمد النسبية ويحد من المحادل الانتخابية والمال السياسي ويلحظ الكوتا المخصصة للمرأة اللبنانية، في ظل لا مركزية إدارية وإنماء متوازن للمناطق بتلازم مع مختلف ثوابت توطيد الأمن الاجتماعي والاقتصادي إلى جانب الأمن السياسي والأمن الوطني العام بتعزيز دور المؤسسة العسكرية الشرعية كضامن وحيد للأمن الوطني وحامي للبلاد من أية اعتداءات خارجية والبدء في تنفيذ كافة المشاريع النائمة في إدراج الوزارات والمجالس الحكومية وعلى رأسها إعادة تأهيل البنى التحتية من كهرباء وماء وطرقات ومنافع عامة، والبدء في استصدار القوانين الناظمة لاستخراج الثروة النفطية في مياهنا الإقليمية، كأمانة في أعناق المسؤولين للأجيال القادمة من جهة، ولفتح مختلف مجالات الصناعة البتروكيمائية ومتفرعاتها والتخلص من ترهل وعجز القطاع العام سواء بتطهيره بالتزامن مع تطهير الإدارة اللبنانية مع ما في ذلك من صعوبات جمة، يمكن التغلب عليها بالاستفادة من خبرات القطاع الخاص لا سيما لناحية ما سوف يحتاجه لبنان مستقبلاً من أسطول بحري تجاري بعد استخراج النفط من بحره، ولما سوف تحتاجه الزراعة اللبنانية أيضاً التي ترمى منتجاتها على الطرقات هذه الأيام لاستحالة التصدير إلى الخارج.

إلى كل ذلك، ومع الإقرار أن ما يحتاجه البلد من تطوير وإنماء يصعب حصرها كلها بنداً بنداً.

فإن ما يسهِّل العمل على تحقيقها هو العهد الذي قطعه الرئيس المنتخب في أول لقاء شعبي له حين أكد أن الوصول إلى رئاسة الجمهورية لم يكن الهدف لديه وإنما بناء الدولة على أسس الوحدة الوطنية وحماية الدستور هو الهدف الأساس الذي يريد اللبنانيون تحقيقه في سبيل أن يكون لنا جميعاً وطناً قوياً يقوم على دولة قوية تحترم شعبها وتُبنى على دستور يحترمه السياسيون.

إنها لعمري أولى مبادئ الخلاص الوطني التي يحتاجها اللبنانيون ويترقبونها بجوارحهم وعواطفهم لكي تتحقق آمالهم في تغيير الواقع الفاسد، ويتحول الإصلاح حقيقة لا مجرد شعارات ينتهي مفعولها بانتهاء فترة حكم المسؤول، لتبِقِى الأسابيع والأشهر القادمة هي الفاصلة بين الحلم وتحقيق الحلم، ولتبقى الممارسات على الأرض هي الحكم.





الجمعة ١٨ صفر ١٤٣٨ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٨ / تشرين الثاني / ٢٠١٦ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب نبيل الزعبي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة