شبكة ذي قار
عـاجـل










منذ فجر التاريخ لابل منذ فجر الخليقة ولدت هذه الأمة ، مع نزول سيدنا آدم عليه السلام على الأرض ، ومع سيدنا ابراهيم أبو الأنبياء صلوات الله عليه ، كانت لغة الأمة وثقافتها قد لامست الأرض ، وأخذت نبضات الحياة في شتى أجزاء الجسد العربي تضيء الطريق لأبناء الأمة .

ومع إختتام مواصلة السماء بالأرض والرسالة العروبية الأممية اكتمل نضوج الأمة بكتابها ولغتها وبناء دولتها ونموذجها الحضاري ، فبرز هيكل الدولة العربية الإسلامية ، وإكتمل بناؤه ، وحددت معالم وطن الأمة العربية من الماء إلى الماء .

لكن الأمة في حاضرها تتنافى مع جوهرها ، لأن الحاضر مصاب بمرض التجزئة والتفتيت ، ومرض التبعية والتخلف ، إلى جانب مرض الاحتلالات المادية للأرض العربية ، وإحتلال الإرادات للسياسات العربية ، في الوقت الذي يجب أن يكون الواقع يتماهى مع الجوهر في الوحدة والحرية والتحرر، حرية الأرض والإنسان مع الأخذ بأسباب التقدم والتطور والرقي .

إن كل الجهود التي بذلها ويبذلها أبناء الأمة لتصويب الواقع المؤلم ، واقع التجزئة والتفتيت ، واقع التخلف كان بالدعوة والعمل من خلال الوعي والتنظيم الشعبي على مستوى الوطن العربي ، حتى تتمكن الأمة من حشد طاقات جهود أبنائها ، ومن أجل تسريع الوصول لبناء مشروع الأمة في الدولة الواحدة ، والتي بدأت منذ القرن التاسع عشر الميلادي ، عندما أخذ مفكرو الأمة بتحسس ما أصاب أمتهم من ذل وهوان ، في ظل سيطرة دينية رجعية متخلفة ، سلبت الأمة إرادتها ، وعطلت حركتها، وأنهكت قواها ، فكانت ردة الفعل لإعادة الأمة لتتماهى مع جوهرها ورسالتها .

إلا أن الاستعمار الغربي كان لوقفة النهوض القومي بالمرصاد ، وما إن إنقشعت رياح الحرب العالمية الأولى حتى بان أسوأ مشروعين امبرياليين على الأرض العربية تمثلا بمشروع سايكس بيكو ووعد بلفور، ومنذ مائة عام والأمة تعاني من وطأة وقع هذين المشروعين ، وكلما قام نظام وطني كانت له القوى الامبريالية والصهيونية بالمرصاد ، وفي الربع الأخير من القرن العشرين أطلت الشعوبية الفارسية برأسها، لتتخندق في الخندقين الامبريالي والصهيوني تحت عباءة الدين، فبات الوطن العربي مسرحا لاطماع ثلاث قوى امبريالية ، وصهيونية ، واقليمية فارسية مجوسية ، وتركية عثمانية ، فتقطعت أوصال العراق ، وتمزقت أشلاء دمشق ، وتبعثرت الوحدة اليمنية ، وتكالبت القوى على مصر ، وتمزقت ليبيا، إلى جانب العهر الصهيوني على أرض فلسطين .

هذا الدم العربي الذي يراق على إمتداد الوطن العربي ، أو على مساحة كبيرة منه ، وفي المفاصل الرئيسية فيه ، وبشكل خاص في حواضر الأمة الثلاث ، بغداد ودمشق والقاهرة ، بات يثقل على صدر المواطن العربي ليس في هذه المناطق فحسب ، بل على امتداد الوطن العربي ، فالدم العربي واحد ، كما الأرض العربية واحدة ، والإنسان العربي واحد ، فهذه الأمة الوحيدة على سطح الكرة الأرضية التي تناغمت فيها كل عناصر الوحدة من لغة ودين وتاريخ وثقافة وعادات وتقاليد لا يسمح لها أن تلملم نفسها في دولة واحدة ، في الوقت الذي يتم صناعة دول صناعة لمجرد وجود مكون وحدوي واحد ، وفي أحيان لا يوجد هذا المكون كما في هيكلية الكيان الصهيوني على الأرض العربية في فلسطين .

هذا المشهد المأساوي على الأرض العربية يصدم كل عربي من شدة قبحه ، وعنفوان حركة تطوره ضد الأرض والإنسان ، يدمر الحياة على الأرض ، ويقتلع جذورالإنسان من وطنه ، ويمزق نسيجه الاجتماعي ، يزرع في النفس الاحباط لكل من لم يتجذر الوعي في نفسه ، فيصاب المواطن بحالة اللاوعي مما يجري ، وفي نفس الكثيرين ممن لا يجدون في الأفق ملاذاً ، ولا ضوءاً في نهاية النفق المظلم ، وما قرأوا جيداً تاريخ هذه الأمة .

أمة حباها الله برسالة عظيمة فهي بعظمة الرسالة ، وهي وإن ضعفت أو وهنت أو هزمت ، ركعت أو سجدت ، لكنها لن تموت ، فهي أمة الممانعة والمقاومة ، ورغم المشهد الدموي على الأرض العربية إلا أنها ستنهض من جديد ، وتعيد سيرتها الأولى، فهي الأمة الوحيدة على سطح هذا الكون من يحمل سلاح المقاومة في وجه كل طغاة الأرض ، ورغم شدة ما تواجه من عنفوان العداوة والشر من كل الاعداء الذين أشرنا لهم إلا أنها تؤكد على أن النصر لها ، وهي تعلن على أيدي أبطالها في صفوف المقاومة بكل أنواعها لنا النصر أو الشهادة ، ولم يفهم البعض أن الشهادة هي نصر أيضاً .

حيا الله كل القابضين على زناد المقاومة في كل مكان على إمتداد الأرض العربية ، وكل من ما زالت نفسه مشبعة بالأمل في مستقبل هذه الأمة ، والإيمان بأنها أمة العطاء والتضحية والشهادة.

dr_fraijat45@yahoo.com





الثلاثاء ٢٢ صفر ١٤٣٨ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٢ / تشرين الثاني / ٢٠١٦ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب الدكتور غالب الفريجات نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة