شبكة ذي قار
عـاجـل










ذكرت قناة تلفزيون ( سي.إن.إن ) الأمريكية يوم الأربعاء 22 / 9 / 2016 عن مسئولين أمريكيين : ( أن قوات تنظيم الدولة الإسلامية أطلقت قذيفة ربما تكون تحتوي على مواد كيماوية على قاعدة عسكرية في شمال العراق يوم الثلاثاء حيث تتواجد قوات أمريكية وعراقية ) .

وحسب ( سي.إن.إن ) : ( إنه لم يصب جنود أمريكيون في قصف القاعدة التي تستخدم للإعداد لهجوم لاستعادة الموصل من الدولة الإسلامية. وأضافت أن التحليل الأول لعنصر الخردل جاء إيجابيا لكن التحليل الثاني كان سلبيا ) . كما ذكر مسئولون أمريكيون أيضا : ( إن داعش أطلقت قذيفة تحوي غاز الخردل على قاعدة القيارة الجوية التي تضم جنود عراقيين وأميركيين جنوبي الموصل ) .

قبلها بأسبوع بثت قوات التحالف الدولي في العراق صورا قالت إنها لغارات نفذتها إحدى طائراتها على موقع وصفته بأنه مصنع لأسلحة كيميائية شمال الموصل، كان يستخدمه تنظيم الدولة الإسلامية. وتظهر الصور ضربات مباشرة لمبنى كبير أدت إلى تدميره. كما ذكر البنتاغون أن الغارة وقعت الاثنين قرب الموصل وشنتها طائرات مقاتلة وطائرة هجوم بري وقاذفتان من طراز بي-52.

وحسب تصريحات منسوبة للجنرال جيفري هارينغيان قائد القوات الجوية في القيادة المركزية : ( إنه من المرجح أن المصنع الذي كان يستخدم في السابق لإنتاج الأدوية، استخدمه التنظيم لصناعة غاز الكلور أو غاز الخردل ) .

المعروف للقاصي والداني أنه سبق أن حصلت الشركة العامة لصناعة الأدوية في الموصل ربيع 2011 على شهادة الايزو، وهي شهادة عالمية تمنح لشركات الأدوية المتميزة بجودة إنتاجها ما يتيح لها تصديره إلى الخارج، وهي شهادة مضافة إلى كفاءة صناعة الدواء في العراق،.

بطبيعة الحال لا تقدم مثل هذه الشهادة من دون التدقيق الدولي الصارم عن عدم إمكانيات مثل هذا المصنع من إنتاج أسلحة كيماوية مستقبلا ، فكيف تحولت الأنظار فجأة باتهام داعش استخدامها لهذا المصنع لإنتاج أسلحة كيماوية محظورة؛ إن لم تبيت الإدارة الأمريكية نيتها الإجهاز على ما تبقى من الصناعة العراقية؛ خصوصا أنها سبق أن استهدفت مصنع الأدوية في سامراء في أول طلعاتها الجوية على العراق خلال العدوان الثلاثيني على العراق ، حينها تم تدمير المصنع الدوائي كليا عام 1991.

وكي تكتمل مبررات الهجوم على مصنع الأدوية في الموصل نقلت وكالة الصحافة الفرنسية تصريحات أخرى للصحفيين من البنتاغون، نقلاً عن عسكريين أمريكيين عبر مكالمة هاتفية بقولهم : ( إن هذا يمثل مثالا آخر على انتهاك تنظيم الدولة السافر للقوانين والأعراف الدولية ) . وفي ذات السياق كانت مصادر أخرى تردد كالببغاوات، في جيش حكومة بغداد قالت منذ يومين : ( إن طائرات التحالف أغارت على مواقع تابعة للتنظيم بينها معمل للأدوية يقع بمنطقة تلكيف شمال مدينة الموصل ) .

إن التهيئة الإعلامية والنفسية لتبرير الهجومات الجوية الأمريكية الواسعة التي شملت البنى التحتية والأحياء السكنية وجامعة الموصل ومراكز البحوث ومختبرات الجامعة تتوجها الحملة الإعلامية الأخيرة بإدخال حجة امتلاك الكيماوي عنصرا ومبررا للهجوم الوحشي على ما تبقى من هياكل الحياة المدنية في مدينة الموصل والتحجج باستهداف ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية بحجة امتلاكه الأسلحة الكيميائية.

وبقصف جامعة الموصل خبط عشواء حاقد ، تم استهداف واحدا من الصروح العلمية العراقية الهامة، وهو مجمع كليات الطب والصيدلة والعلوم بجامعة الموصل، بما فيها مرافق سكن الأساتذة وقاعات الدراسة ،وتم قتل الجامعيين وأسرهم في أحيائهم السكنية بدم بارد وسط سكوت عالمي.
والمفارقة الصارخة أن قوات التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد داعش قد استهدفت الجامعة المترامية الأطراف بالضربات الجوية أكثر من مرة، كان آخرها في 19 آذار ( مارس ) 2016. حينها أكد البنتاغون : ( أنه يتابع منشأة لتخزين الأسلحة ومقر داعش، ولكنه لم يقدم مزيدا من التفاصيل ) .. وقتها كانت الجامعة هي الهدف، وبعدها استهدف مصنع الأدوية. وقال الكولونيل ستيف وارن، المتحدث باسم الجيش الأميركي في العراق لصحيفة وول ستريت جورنال، إن "التحالف سوف يستمر في ضرب هذه المواقع التي توفر الدعم العسكري لداعش وتسخر له المختبرات في إنتاج القنابل". .

تمت فبركة تصريحات أخرى منسوبة إلى أشباح فمثلا لن تتردد كبريات الصحف الأمريكية ووكالات الأنباء التابعة لها في نقل أخبار ليست ذات مصداقية، وضعيفة الوثوقية الإعلامية، فمثلا هناك من يقول من دون ذكر اسمه : ( ... كشف مصدر علمي في جامعة الموصل أن ستة عناصر من تنظيم داعش اختفوا من أروقة الجامعة بعد أشهر أمضوها في البحث والتجريب داخل مختبرات قسم الكيمياء في كلية العلوم في الجامعة ) .، ولم يقل هذا المصدر العلمي المجهول، من هو؟ ، ومن هم أؤلئك الخبراء الداعشيون الذين اختفوا من حرم الجامعة بعد أن قضوا فيها أشهرا في البحث والتدريب؟ .

هذه الروايات تذكرنا بالإعلام الأمريكي الذي يسبق كل عدوان على العراق، مرة كانت هناك " الأسلحة الكيماوية"، ومرة " الجمرة الخبيثة" وهناك " المخابر المتنقلة في شاحنات "، وفي كل مرة تستهدف النيران الصديقة والحاقدة الأمريكية مباني مدنية ومراكز دراسات جامعية تعليمية وقاعات بيداغوجية مدنية ،ومساكن وأحياء جامعية عراقية.

ورغم فداحة الأخطاء والجرائم المرتكبة بحق الأبرياء والمدنيين يصر الأمريكيون على تسميتها دائما بمسميات باتت سخرية للعالم ، مثل " الحرب النظيفة" أو " القصف الجراحي" ، أي الدقيق كمشرط جراحي في كل عملية؟.

ولعل من أشد المفارقات إن مدينة الموصل التي تم احتلالها من دون مقاومة عسكر المالكي، وتم تسليمها لداعش، يريد الإعلام الأمريكي أن يقدمها مجرمة؛ إن لم تكن مذنبة، كون جامعتها حاولت أن تستمر وتعمل، رغم الظروف الحرجة التي عاشها ما تبقى من الأساتذة وطلابهم، وبات على داعش في الداخل والأمريكيون من الخارج أن يجهزوا عليها من خلال التهيئة للمرحلة التالية للخراب الشامل قبل الانسحاب منها، بالقول :

( بيّن المصدر أن جامعة الموصل هي الصرح العلمي الوحيد الذي وقع تحت سيطرة داعش، وأن التنظيم الإرهابي كلف فريقا من المتخصصين في الكيمياء وعلم الأحياء بإنتاج خلطة كيماوية أو جرثومية قد تكون نواة لسلاح جرثومي أو كيماوي فتاك. ( وان "الفريق الداعشي" ، بحسب المصدر المجهول والمروج له، ( يتكون من ستة أشخاص، في بادئ الأمر من جنسيات مختلفة، بينهم اثنان من سورية، وشخص عراقي، على الأقل، ويُقال إن العدد ازداد قبل أن يتوقف كل شيء فجأة ) . ولتبرير ذبح أفراد المجمع العلمي الجامعي يُنسب إلى ذلك المصدر الشبحي الذي تنقل عنه مصادر إعلامية أمريكية أخبارها، وتدعي بموضوعيتها ومصداقيتها الإعلامية ما يلي : ( .... المصدر أفاد بأن عددا من أساتذة الجامعة انضموا إلى داعش تحت تهديد السلاح، بعضهم كان يعمل باحثا في مؤسسات التصنيع العسكري وفي المنشآت الكيميائية والبيولوجية التي كان يشرف عليها حسين كامل صهر الرئيس العراقي السابق صدام حسين ، موضحا أن هذا الفريق الجامعي اختفى قبل عدة أسابيع، من غير أن يوضح سبب اختفائه. إلا أن مصادر أمنية ترجح أن الفريق نقل بعض المعدات، وما توصل إليه من نتائج بحثية إلى سورية، خشية من تعرض الجامعة إلى القصف ) . وفي المقطع الأخير من ذلكم التصريح يكمن فصل الخطاب والمقصد، بأنه يفصح عن انتقال المعدات الجامعية إلى سوريا ، إن لم تكن نهبت نحو سوريا باتجاه إيران؛ شأنها شأن عشرات المصانع والمخابر ومعدات مراكز البحوث العراقية التي نقلت إلى ايران عبر عملائها وعصابات التجارة والتهريب بما سُمي بــ "الحواسم " غداة الغزو والاحتلال الأمريكي للعراق 2003 وما بعدها.

وللتضليل الإعلامي تستمر الحبكة الإعلامية في الترويج البائس بالقول مثلا : ( بينما قالت مصادر أخرى إن الجامعة تحولت إلى ساحة تصفيات بين عناصر داعش وربما كانت التصفيات قد طالت بعض أعضاء الفريق البحثي، أو أنهم فروا من نيران القصف إلى جهة مجهولة. (
انه من الحماقة بمكان، أن يريد البعض، ممن يدعون أنهم قادة العالم الحر أن يقنعوننا انه : ( كانت مناقشات قادة العالم في اليوم الثاني والأخير لقمة الأمن النووي في واشنطن، قد ركزت على المخاوف من إمكان تنفيذ إرهابيي تنظيم "داعش" هجوماً باستخدام "قنبلة قذرة" تبث جسيمات مشعة، والتي أججتها أدلة وفرتها أشرطة فيديو التقطتها كاميرات قبل أسابيع لمراقبة التنظيم مسئولا نووياً بلجيكيا ) .

وهذا ما يذكرنا بحكايات المجرمين أمثال محمد ألبرادعي ورئيسه السابق هانز بليكس من الوكالة الدولية للطاقة الذرية وقبلهم أعضاء لجنة العميل والجاسوس بتلر وأمثالهم عديدون من لجنة تجريد العراق من أسلحته، ولكنها سعت إلى شن الحرب على العراق وتدمير مكونات حياته العلمية والاجتماعية ، عندما كانوا يروجون بحقد لدعاية " إمكانية صنع القنابل النووية القذرة"، التي يمكن أن يستخف بمفاهيمها حتى الأميين والسذج مهما كانت إمكانياتهم العلمية.

"القنابل القذرة" كما يعرفها الفيزيائيون والمتخصصون هي محاولات بدائية لتصنيع قنابل حارقة ومشعة تؤدي إلى وفيات وخلق رعب لدى السكان.

وعندما يصعب الحصول على اليورانيوم لصنع القنابل القذرة المشعة يتم اللجوء لصناعات القنابل الكيماوية والحارقة القذرة بأن تعوض بكميات من مواد الفسفور والنابالم ومادة السيفور وغيرها من المواد الكيماوية والمتفجرة التي تصل بالأطنان إلى أيادي الإرهابيين وما تفجير الكرادة الأخير صباح يوم الأحد 2 تموز 2016 وبعدها انفجار مخزن الاعتدة والمواد الكيماوية وسط بغداد في حي ألعبيدي إلا بداية لنقل التفجيرات الحارقة من البراميل المتفجرة الساقطة من الجو بالطائرات إلى وضع المواد الحرقة وتلغيم الأماكن المطلوب استهدافها وتوفير الصاعق لإكمال الاشتعال المطلوب لتكون المحرقة فعلا تحقق هدف " الصدمة والترويع" التي بشرت بها الحرب الأمريكية على العراق منذ 1991 إلى 2003 والى اليوم .

القنابل الكيماوية القذرة جربت أيضا في مدن عراقية عديدة بقصف مناطق محددة بقنابل الكلور وحتى الخردل، كما حدث في تازه ومناطق الحويجة والمقدادية وكلها لم تأت من فراغ ؛ بل جرى التدريب عليها وتوزيع موادها لمن يحتاجها سواء كانت داعش أو المليشيات على الجانب الآخر، ولا يستبعد استخدامها إذا ما توسع الصراع في العراق والمنطقة.

وبمتابعة مراحل الحملة الأمريكية وأغراضها لا تخفى التقارير المفبركة ، التي تنشر تباعا ، فقد سبق لصحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية في تقرير نشرته : ( ... إن تنظيم داعش استولى على مختبر الكيمياء في جامعة الموصل واستخدمه في إنتاج عبوات ناسفة متطورة وقنابل كيميائية ) . و قد نقلت الصحيفة عن أحد العسكريين العراقيين من جيش المالكي يدعى باسم الفريق حاتم المكصوصي، قوله : ( ... إن مركز جامعة الموصل هو أفضل مركز للبحوث، ويمكنه تجهيز داعش والانتشار في العالم، وأن مختبر الكيمياء فيه غني بمستوى عال سيعزز قدرة التنظيم على شن هجمات في البلاد ) .ولتهويل الحالة القائمة في الموصل تواصل صحيفة " وول ستريت" كتاباتها بأن : ( ... المتدربين يذهبون إلى الرقة "سورية"، ثم إلى جامعة الموصل لاستخدام الوسائل المتوفرة في المختبرات، لكن من غير الواضح ما إذا كانت مختبرات التنظيم لصناعة القنابل في الموصل ما تزال قائمة وعاملة ) .

إن ازدواجية المعايير في التعامل مع استخدام الأسلحة الكيماوية في العراق والشرق الأوسط باتت وسيلة من وسائل شن الحرب والعدوان وتدمير بلدان بكاملها، كما حدث مع العراق. ولا بد من فضحها بشكل مستمر وتقديم المعلومات الرأي العام بشكل شفاف وموضوعي يقترب من الحقائق الجارية على الأرض والميدان.

إن ما يصل من معلومات خطيرة حول أوضاع العراق وسوريا خاصة، باتت تفضح الأدوار المتناسقة التي يلعب فيها الأمريكيون والروس معاً، وخلفهما أدوار ثانوية أخرى للسوريين والإيرانيين وعملاء الحكومة العراقية، وأخيرا دميتهم المدللة " داعش" ، والتي سنناقشها بقدر مركز على ضوء الحقائق المتوفرة، والتي لم تعد أسراراً على الرأي العام المحلي في العراق والمنطقة والعالم.

لم يكتشف الأمريكيون والروس، ومن خلفهم الإيرانيون والنظام السوري فجأة ماذا كان يجري في سوريا من قضية استخدام الأسلحة الكيماوية قبل وبعد ظهور داعش على المسرح السياسي والعسكري في العراق والشام.

كل شئ كان يدل على أن نظام بشار الأسد سيلجأ إلى استخدام السلاح الكيميائي عندما يزداد مأزقه العسكري والأمني حراجة، بالرغم من قيام الرئيس الأمريكي باراك اوباما بإطلاق تهديداته للنظام آنذاك بين فترة وأخرى . كانت ردات فعل اوباما والغرب المترددة عموماً على الهجمات الكيميائية الصغيرة التي شنها نظام بشار الأسد ، التي سبقت هجوم آب / أوت الكبير 2013، قد أغرت نظام بشار الأسد، وبتشجيع من روسيا وإيران، بالاندفاع إلى المزيد من تكرار تلك المغامرة لاحقاً، حيث قام النظام باستهداف مدن في الغوطة الشرقية "زملكا، جسرين، عربين،عين ترما، كفر بطنا، حمورية" ومدينة "معضمية الشام" في الغوطة الغربية في 21 آب 2013.

والمثير في الموقف الدولي انه كان متفرجاً، خاصة من مجزرة الغوطة وما قبلها، في حين أن النظام وأتباعه وحلفائه من مليشيات إيران والعراق الطائفية وحزب الله، قد تكالبوا بشكل واضح، وإزاء كل تحرك للثوار يهدد العاصمة دمشق ، أو المدن الرئيسية ، ، كان يعمد إلى تصعيد العنف بشكل وحشي لم يكن يجرؤ عليه من قبل.

بالعودة لتقرير "الشبكة السورية لحقوق الإنسان"، قام النظام السوري بتنفيذ أكثر من 125 هجوماً بالغازات السامة ضد المدن والقرى السورية منذ صدور قرار مجلس الأمن رقم 2118 في 27 أيلول 2013 حتى 8 آب 2015 بالرغم من الاتفاق الأمريكي مع روسيا على تدمير ترسانة الأسلحة الكيميائية لدى النظام.

وفي معارك المد والجزر السياسية والعسكرية التي لعبها النظام السوري وحلفائه لعبت كل الأطراف لاستغلال ملف الكيماوي كورقة سياسية رابحة ، وقد برزت روسيا وكأنها عراب ما سمي [ اتفاق إتلاف المخزون الكيماوي السوري] ، استثمره النظام السوري لكسب الوقت وخلفه ظلت إيران داعمة من خلال توظيف عملائها في حكومة بغداد لحشد المليشيات في الدفاع لصالح النظام السوري ، مع ترك داعش على حالها لمصلحة اللا استقرار في المنطقة وجر التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة من جهة وروسيا من جهة لجر المواقف إلى قبول النظام السوري كطرف ولاعب من جهة كانت داعش ورقة الانتظار الأخيرة لحسم نهاية اللعبة الجارية وفق نتائج لصالح أطراف عديدة تلعب في الصراع، منها تركيا وإيران وروسيا.

وهكذا فإن موقف الإدارة الأمريكية والدول الغربية عززت من ثقة إيران والنظام بنظريتهم عن سعي الغرب للاحتواء فقط، دون التأثير بالتوازنات القائمة، وأدى هذا التخاذل الدولي إلى زيادة عدد ميليشيات المرتزقة الأجانب التابعة والممولة إيرانياً، حيث دفعت إيران إلى سوريا بعشرات الميليشيات بألوف المتطوعين والمرتزقة قدموا من العراق ولبنان وأفغانستان تحت شعارات دينية طائفية متعصبة وبتعبئة ساهمت بها المراجع والحوزات الطائفية في النجف وقم، وقامت هذه الميليشيات بالعديد من المجازر الدموية في سوريا والعراق على مرأى من الجميع.

وفي العراق تمكنت المليشيات الطائفية من الحصول على أسلحة كيماوية حصلت عليها من ايران، وما تسرب منها من سوريا ومن مخازن مهجورة للجيش العراقي السابق .

وكانت فضائح النقل الجوي في عهد وزارة المالكي ووزيره للنقل بيان صالح جبر صولاغ وبتجنيد منظمة بدر والحرس الثوري الإيراني وحزب الله اللبناني تفصح أن ثمة نقل وإعادة توزيع قد تم للأسلحة الكيماوية وموادها الخطرة باتت تحت يد المليشيات الطائفية، وقد تم التدريب عليها وتجريبها فعلا، ولو على نطاق محدود في مناطق خانقين وفي أطراف الفلوجة ومناطق من قرى جرف الصخر وفي الطوز و تازه نفسها، ولكن التهم كانت تثير زوابع فارغة غالباً ما تنتهي من دون تحقيق، يحرص الجميع على توجيه الاتهامات على داعش دون غيرها.

وبمرور المجزرة ، دون عقاب حصلت إيران على ما تريد، من تهديد مباشر للشعب السوري بأن لا محظورات قانونية أو إنسانية تكبحها في حربها ضده، وهي كما لو حصلت على ما يشبه الضوء الأخضر من الإدارة الأمريكية لاستخدام كل أنواع الأسلحة، في حربها على سوريا.

لا يمكن للإدارة الأمريكية الادعاء بأنها تفاجأت بالهجوم الكيماوي على الغوطة فهي لم تكن المرة الأولى ولا الأخيرة. بل إن الإدارة الأمريكية كانت تنتظر تصعيد النظام السوري وتورطه باستخدامات الأسلحة الكيماوية مرة أخرى ليحصل اوباما على فرصة التفاوض مع نظام بشار الأسد والاعتراف به، ولو عبر روسيا، والاعتراف به كسلطة وحاكم، والاقتراب من الروس للعمل معا في قضية تصفية الترسانة الكيماوية لنظام الأسد الذي توفرت له فرصة تهريب الكثير من أسلحته الكيماوية ومعها مواد التصنيع الكيماوية الأساسية لتأخذ طريقها إلى ايران وحزب الله ، إن لم تحفظ تلك الأسلحة لدى الدواعش أنفسهم في الموصل وتدمر ودير الزور ومناطق أخرى.

طبعا نحن هنا لا نستبعد مطلقا العلاقة العضوية ومبررات التشكيل والتنسيق بين ايران وأمريكا ونظام سوريا لخلق داعش وتكوينها وتدريب عناصرها وتوفير معسكراتها انطلاقا من الأراضي السورية، كقوة مليشياوية ومرتزقة دولية مسلحة يفتح لها الطريق واسعا لمهاجمة مناطق المعارضة السورية للتخفيف عن الضغط الذي واجهه النظام السوري أولا، ثم زج قوات داعش في عملية مشبوهة بدت مباغتة للعالم، بإعلان ما يسمى الدولة الإسلامية انطلاقا من الأراضي السورية نحو الموصل، ونزولا تدريجيا بزحفها، بعد أن سُلمت لها كل مخازن السلاح لجيش وقوات نوري المالكي لتواصل السيطرة على محافظات صلاح الدين والانبار وأطراف من ديالى وتهديد مناطق كردستان العراق في الوصول إلى المناطق المتنازع عليها مع حكومة بغداد، والتهديد بقصف كركوك وأربيل.

تم ذلك الأمر كما لو دبر بليل وبسرعة استجابت لها كل هذه الأطراف بطلب من الأمريكيين لوقف زحف وظهور المجالس العسكرية لثوار العراق، ومساندة العشائر الثائرة والمنتفضة لها، ودعم قوى المقاومة العراقية لتحقيق حالة كانت ممكنة للزحف على العاصمة بغداد ، حتى فرضت داعش وجودها الكامل بتنسيق سريع بين حكومة المالكي ودعم النظام السوري وتوفير الحاضنة الإيرانية والدعم اللوجستي والمخابراتي الأمريكي الواسع والمتواطئ لتهيئة مسرح العمليات لتصبح داعش واقعا مفروضا في المنطقة الممتدة بين العراق وسوريا لحين الشروع في المرحلة التالية التي سميت لاحقاً " الحرب على الإرهاب" بتوفير الحشد الدولي والمحلي لمكافحة الإرهاب والقضاء على داعش التي نعيش فصولها المرعبة هذه الأيام.

والغرابة أن تتم مثل هذه الحملة الأمريكية وأبواق حلفائها بتجاهل واضح لدور نظام الأسد في نشوء وتقوية داعش، وكأن داعش ظهرت على حين غرة كفطور الأرض والكمأة والمشروم البري حين يظهر في البوادي الجافة بعد زخة مطر عابرة في الصحراء.

لم تكن المدن السورية ساحة حرب كيماوية بخبرات إيرانية وحتى روسية حتى وان استخدمت أسلحة كيماوية بدت للمراقبين أنها بدائية الصنع كاستخدام براميل الكلور وهو ما حدث في العراق أيضا في قصف مناطق من مدن الانبار وفي الحويجة وأكثرها افتضاحا كانت قضية قصف تازه بمناطق غير بعيدة عن طوز خورماتو والمقدادية وأطراف كركوك والتهمة كانت جاهزة بتوجيه الاتهام نحو داعش في حين كان الخبراء الإيرانيون وفيلق قاسم سليمان متواجدون في جميع تلك المناطق التي استخدمت بها حالات قصف بالكلور ومنها بالخردل كما اتضح ذلك مع تواجد فرق طبية وإعلامية، وحتى خبراء أسلحة كيميائية من الإيرانيين، فضحتهم مرافقة كآمرات الفضائيات الطائفية في تازة من دون قصد عند مرافقة وتغطية نشاط فريق طبي عسكري إيراني وصل إلى تازة بعد حدوث نزوح كلي لسكانها .

يذكر أن ( داعش ) سبق أن اتهمت باستعمال الأسلحة الكيميائية في مهاجمة قوات من والبيشمركة الكردية، لاسيما في سنجار، ( 110 شمال غرب الموصل ) ، بحسب ما أكدته مصادر دولية حققت بالموضوع، منها أميركية وبريطانية وروسية.

وكان مدير وكالة المخابرات المركزية الأميركية CIA، جون برينان، قد كشف في ( 12 من شباط / فبراير 2016 ) ، عن استخدام ( داعش ) أسلحة كيماوية عدة مرات خلال معاركه في العراق وسوريا.

وكان مسئول أميركي قد صرح في وقت سابق، بأن اختبارا أجري على شظايا قذيفة هاون أطلقها التنظيم الإرهابي على المقاتلين الكرد في العراق، في العام 2015 المنصرم، أظهر آثاراً لغاز الخردل الذي يعد من الأسلحة الكيميائية المحظورة دولياً.

وأعلن المرصد العراقي لحقوق الإنسان، أن ( مجاميع تنظيم داعش المتواجدة في قرية بشير، بدأت منذ ( الأول من آذار 2016 الحالي ) ، بقصف ناحية تازة بصواريخ كاتيوشا سامة تحوي مادتي الخردل والكلور المحظورتين دولياً ) .

وعن المرصد العراقي لحقوق الإنسان في بداية آذار 2016 : ( إن ناحية تازه خورماتو، التي تقع جنوب محافظة كركوك، تتعرض إلى عملية استهداف ترتقي لجرائم الحرب، حيث استهدفت بالصواريخ المحملة بالغازات السامة التي أطلقت من مناطق تحت سيطرة تنظيم "داعش".

وفي يوم الجمعة الرابع من آذار 2016 كان مئات المتظاهرين في ناحية تازة، دعوا الحكومة العراقية للبدء بتحرير قصبة البشير، مهددين بقطع كهرباء محطة تازة وإغلاق طريق بغداد كركوك في حال عدم الاستجابة لمطالبهم. فكان جزاءهم في الساعة الثالثة من صباح يوم الاثنين 7 آذار / مارس 2016، أطلق تنظيم "داعش" صواريخ محملة بغاز الكلور والخردل على مناطق سكنية في الناحية، مما أسفر حتى ليلة يوم 12 آذار / مارس 2016، عن إصابة 617 مدني بينهم خمسة أشخاص في حالة خطرة، نقلوا إلى مستشفيات العاصمة العراقية بغداد، بينما توفيت طفلة في الثالثة من العمر ) .

وأضاف المصدر، الذي طلب عدم كشف هويته، أن “القصف أدى إلى وقوع العديد من حالات الاختناق وضيق التنفس لدى المواطنين الذين سقطت الصواريخ قريباً من منازلهم”، مشيراً إلى أن “الصواريخ سببت عند انفجارها دخاناً رصاصيا فاتحا وتصاعد مواد سائلة دهنية، قامت الوحدة الجنائية الفنية التابعة لأحد الأجهزة الأمنية بأخذ أجزاء من حطامها لفحصها مختبرياً”.

وفي مقابلة مع المرصد العراقي لحقوق الإنسان، قال مهدي ألبياتي، وهو أحد الناشطين التركمان، إن ( هجوم تنظيم "داعش" ليس الأول على الناحية التي تسكنها 40 ألف نسمة، حيث قصفها عشرات المرات منذ سيطرته على قرية البشير غربي تازه في حزيران / يونيو 2014 ) ..

وأضاف : ( إن ضغط التنظيم جاء بهدف السيطرة على الناحية كونها مدينة محورية تقع على الطريق الرئيسي الرابط بين بغداد - كركوك، حيث أن "الهجوم الأخير الذي شنه التنظيم على تازه ذات الأغلبية التركمانية، أستمر لأربعة أيام متتالية سقطت خلالها 65 قنبرة هاون و200 صاروخ محلي الصنع محمل بمادتي الكلور والخردل السامتين ) .

ونقلا عن النائب حسن توران : ( إن مسلحي تنظيم داعش استخدموا أكثر من 50 صاروخا محملا بغاز الخردل في قصف سكان ناحية تازه التي تسكنها غالبية من التركمان ) . وقال توران في تصريح لـ"راديو سوا" : ( إن المستشفيات سجت مراجعة نحو 600 شخص تعرضوا للغازات السامة، بعضهم نقلوا إلى بغداد وكركوك لتلقي العلاج، مشيرا إلى وفاة طفلة في الثالثة من العمر جراء القصف بغاز الخردل ) .

والغريب في الأمر في وسط تلك الفوضى الإعلامية بأوساط الحكومة العراقية وصمت الأمريكيين يفاجأ الجميع بتصريح كان الأغرب في مثل هذا الحدث، حين وردت تصريحات منسوبة إلى لجنة الأمن والدفاع البرلمانية العراقية، في العاشر من آذار 2016 رداً على تقرير محطة "سي.إن.إن"، تقول إن ( التقارير والمعلومات الاستخبارية العراقية لم تؤكد امتلاك تنظيم "داعش" لأسلحة كيماوية ) .

ذلك سيطرح السؤال : لمصلحة من تتستر لجنة الأمن والدفاع البرلمانية العراقية عن أمر هذا الكيماوي؟ وهي بذلك تبرأ داعش من تهمة توجه إليها؛ إن لم يكن طرف مليشياوي طائفي في العراق أو ايران... قد تورط في ذلك الهجوم الكيماوي على تازه؟ .

في ذات الوقت كان العشرات من أهالي ناحية تازه في محافظة كركوك تظاهروا، يوم الخميس ( 10 من آذار 2016 ) ، احتجاجاً على "تجاهل الحكومة المركزية لمطالبهم" بتحرير قرية البشير، جنوبي كركوك ( 250 كم شمال بغداد ) ، فيما قطعوا الطريق الدولي الرابط بين العاصمة بغداد وكركوك.وقتها أرسلت وزارة الصحة العراقية فريقا متخصصا من دائرة صحة ذي قار يوم الخميس 10آذار / مارس 2016 لمتابعة وتدقيق حالة المصابين بالغاز السام في ناحية تازه التابعة لمحافظة كركوك. وحسب حسين عباس مدير ناحية تازه الخميس إن "45 صاروخا سقطت خلال ثلاث ساعات على أحيائها السكنية يوم ذاك الأربعاء".

وأضاف حسين عباس : ( إن الصواريخ خلفت رائحة دهون وأدخنة سببت الاختناق وأدت إلى نزوح 150 عائلة من التركمان الشيعة من البلدة صوب مدينة كركوك على بعد 25 كلم جنوبي المحافظة ) . وأضاف مصدر آخر كأحد شهود القصف، الذي طلب عدم كشف هويته، أن ( القصف أدى إلى وقوع العديد من حالات الاختناق وضيق التنفس لدى المواطنين الذين سقطت الصواريخ قريباً من منازلهم ) ، مشيراً إلى أن ( الصواريخ سببت عند انفجارها دخاناً رصاصيا فاتحا وتصاعد مواد سائلة دهنية، قامت الوحدة الجنائية الفنية التابعة لأحد الأجهزة الأمنية بأخذ أجزاء من حطامها لفحصها مختبرياً ) . حينها دعت الجبهة التركمانية العراقية، إلى ضرورة الإسراع بتحرير قصبة بشير، التي باتت تشكل "خطراً متفاقماً" على المناطق المجاورة لها.

وقال نائب رئيس الجبهة، النائب حسن توران، في حديث لـوكالة ( المدى برس ) ، إن "ناحية تازة تتعرض منذ أسبوعين لهجمات صاروخية تستهدف العوائل الآمنة والدوائر الخدمية والرسمية، تطلق من قبل عصابات داعش التي ما تزال تحتل قصبة بشير"، مطالباً وزارة الدفاع وقيادة العمليات المشتركة وقيادة القوة الجوية، بضرورة "وضع حد للعصابات الإرهابية في بشير والإسراع بتحرير القصبة من شرورهم".

ونقلا عن النائب التركماني نيازي معمار أوغلو، الأربعاء 9 / 3 / 2016، ( إن تازة وطوز خورماتو تعرضتا إلى القصف من قبل "داعش" بغاز الخردل السام ) ، وأضاف في مؤتمر صحفي إن ( الفحوصات الطبية أثبتت تعرضهم لهذه المادة السامة من خلال وجود حالات اختناق بين المصابين ) ، محمّلا الحكومة ( مسؤولية ما يحصل في مدينتي تازة وطوز خورماتو لعدم تواجد التشكيلات العسكرية الاتحادية في هذه المناطق ) .

كما نسب وروج إلى عدد من أنصار التنظيم المتطرف تغريدات في تويتر يعترفون فيها باستخدام التنظيم غازات سامة في قصف ناحية تازة.

وجاء موقف رئيس الوزراء العراقي حيدر ألعبادي متأخراً وخجولاً، حيث أكد يوم الجمعة 11 آذار 2016 استخدام تنظيم "داعش" لمواد سامة في قصف عشوائي استهدف مدنيين في ناحية تازه بمحافظة كركوك، واصفا العملية، بـ"الجريمة الكبرى"، فيما تعهد بمواجهتها بـ"ردٍ قاسٍ".. وجه بإرسال فرق طبية متخصصة للعلاج السريع والاستعانة بالخبرات الدولية في هذا المجال.

وبدوره وصف رئيس مجلس النواب العراقي سليم الجبوري، يوم السبت 12 آذار 2016، قصف تنظيم ( داعش ) بالغازات "الكيماوية" لناحية تازة، جنوبي كركوك ( 250كم شمال العاصمة بغداد ) ، بـ "الكارثي"، وشدد على ضرورة أخذ المزيد "من التحوطات لحماية حياة المدنيين في الناحية"، فيما طالب المجتمع الدولي بدعم العراق للحد من امتلاك التنظيم لهذه الأسلحة

وقال ألعبادي في بيان أصدره مكتبه الإعلامي، إن "استخدام تنظيم داعش الإرهابي القصف العشوائي ومواد سامة ضد المدنيين خصوصا الأطفال والنساء من أبناء مدينة تازة البطلة، جريمة كبرى وعدوان على الإنسانية جمعاء"..

ويحمل المرصد العراقي لحقوق الإنسان، الحكومتين العراقيتين، برئاسة حيدر ألعبادي وسلفه نوري المالكي، مسؤوليتهما لعدم تمكنهما من حماية المدنيين حتى في المناطق غير الخاضعة لتنظيم "داعش" وترك مواقع عسكرية مهمة للتنظيم الذي يسيطر على أجزاء من البلاد، مما دفع التنظيم استخدام الأسلحة المحظورة وغير المحظورة ضد المدنيين. وطالب المرصد، القوات الأمنية العراقية، والتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، إلى الإسراع باستهداف الأماكن التي تحتوي على مواد كيماوية يسيطر عليها التنظيم المتطرف، والتي قد يستخدمها لاحقاً في عمليات أكبر ضد المدنيين في مدن أخرى.

دخلت ناحية تازة، ( 250 كم شمال العاصمة بغداد ) والواقعة على 25 كم جنوب مدينة كركوك سجل أحداث الحرب الكيماوية في يوم الجمعة 11 آذار / مارس 2016 كمدينة منكوبة، حينما أعلن عن وفاة الطفلة فاطمة سمير بعد تأثرها بالقصف بالغازات السامة، سجلت هذه الطفلة بأنها " أولى ضحايا قصف "داعش " المتطرّف بالغازات السامة". توفيت فاطمة سمير الطفلة التركمانية وهي في الثالثة من عمرها جراء إصابتها في قصف بمواد كيميائية على ناحية تازة جنوبي كركوك نفذه تنظيم داعش الأربعاء 9 / 3 / 2016 ، وأدى كذلك إلى إصابة المئات بالاختناق وبطفح جلدي، وفق مصادر طبية ومحلية. كما توفيت طفلة عراقية أخرى متأثرة بمضاعفات قصف كيماوي قام به تنظيم داعش الإرهابي علي بلدة شمال العراق،

وقال مسرور أسود محيي عضو مجلس مفوضية حقوق الإنسان في العراق الجمعة 11 / 3 / 2016 : ( إن الطفلة فاطمة سمير ويس التي كانت من بين 17 مصابا حالتهم حرجة، و"نقل 4 مصابين إلى بغداد لخطورة وضعهم الصحي واستمرار تلقي 12 آخرين للعلاج في مستشفيات كركوك".. توفيت صباح أمس إثر إصابتها باختناق وتوقف الكليتين، وإن الوفاة جاءت نتيجة تعرض ناحية تازة إلى هجوم بغاز الخردل من قبل داعش ) .كما نقلت الأخبار عن ( نقل أربعة أشخاص آخرين إلى بغداد من نفس الناحية، لأن حالتهم خطرة ) .

وأضاف مسرور أسود، خلال زيارته إلى موقع الحادث في ناحية تازة خورماتو، والمستشفى الجمهوري العام، حيث يرقد الضحايا، أن ( الناحية أصبحت منطقة ملوثة وخطيرة ) ، مبيناً أن ( مختصين من جامعة كركوك، فحصوا الناحية، وأكدوا أن نسبة التلوث فيها وصلت إلى 4 / 1000 ما يتطلب إخلاءها بالكامل ) .

وأوضح مسرور اسود بصفته عضو مجلس المفوضين، أن ( تسعة من ضحايا الغازات السامة من أهالي ناحية تازة، أدخلوا اليوم، إلى غرفة العمليات لخطورة إصاباتهم ) ، لافتاً إلى أن ( الجهات المعنية دونّت أقوال المصابين وأعدت محاضر كشف ومخطط لمكان الحادث ) .

وأكد مسرور أسود، على ضرورة ( تولي فرق دولية مختصة معالجة ضحايا القصف الكيميائي لناحية تازة، أو إرسالهم إلى خارج العراق، نتيجة قلة خبرة الملاك الطبي المحلي بالتعامل مع إصابات الحرب الكيماوية، وعدم توافر العلاج اللازم في مستشفيات كركوك ) .

وكانت المفوضية العليا لحقوق الإنسان أعلنت الجمعة ( 11 من آذار 2016 ) ، وفاة أول حالة من بين المصابين بالغازات "السامة" الناجمة عن قصف تنظيم ( داعش ) لناحية تازة، جنوبي كركوك، ( 250كم شمال العاصمة بغداد ) ، مشيرة إلى ارتفاع أعداد المصابين إلى أكثر من 500 ضحية، وفيما أكدت نقل أربع إصابات خطرة إلى بغداد، طالبت بمعالجة المصابين في خارج العراق والإسراع في تحرير قرية بشير.

ومن جهته أكد الدكتور برهان عبد الله مسئول عمليات صحة كركوك أن «المئات من الأهالي راجعوا المستشفى خلال اليومين الماضيين لإصابتهم باختناقات وحروق وطفح جلدي واحمرار» في ارتفاع عن الحالات التي أحصيت خلال اليوم الأول وبلغت مائتين. ولم تعرف المادة الكيميائية المستخدمة في القصف لكن مسئولين محليين تحدثوا عن استخدام «غاز الكلور» وعن تكثف الغاز على شكل «قطرات فضية سائلة». وأكدت دائرة صحة كركوك، أول حالة وفاة من بين المصابين " الذين بلغ عددهم 400 مواطن، وردت أوصاف مختلفة عن حالتهم بما نقل عن أخبار وتصريحات بدت متفاوتة ... منها ( ... بعضهم مهدّد بالموت وكثيرون منهم معرضون لفقدان النظر أو الإصابة بأمراض جلدية خطيرة حسب تقارير المراكز الطبية في كركوك ) .

وقال خبراء، وفقاً للبيان، فإن "نسبة إشعاع المواد التي سقطت على تازة وصلت إلى أربعة بالألف، لكنها في حال وصلت إلى ستة بالألف، فأن المدينة ستصبح متسرطنة بالمواد السامة ويجب إخلاؤها بالكامل خلال ساعات".

ونقل المرصد، عن الطالب الجامعي من ناحية تازة، أحمد جميل، وهو من شهود العيان على حالات الاختناق، إن "الوضع في الناحية صعباً جداً، وقد تكون هناك حالات اختناق أكثر في الأيام المقبلة، إذا ما استمر تنظيم داعش بقصف الناحية بالصواريخ التي تحمل مواد سامة".

وأضاف جميل، أن "المساعدات المقدمة للمصابين بحالات حروق واختناق غير كافية، والمستشفيات في كركوك غير قادرة على استيعاب العدد الكبير للمصابين"، متسائلاً "من يضمن عدم قيام داعش بقصف تازة مجدداً، ما جعل الأهالي يعيشون مأساة ويموت في اليوم الواحد ألف مرة".
كما كشفت إدارة ناحية تازة، جنوبي كركوك، يوم الخميس 10 / 3 / 2016، عن وفاة طفل ثانٍ من جراء قيام ( داعش ) بقصف المنطقة بصواريخ محملة بغازات سامة، مبينة أن حصيلة ضحايا ذلك الهجوم ارتفعت لأكثر من ألف شخص.

وقال مدير الناحية، حسين عباس تازلي، في حديث إلى ( المدى برس ) ، إن "الطفل علي موسى محمد، البالغ من العمر ستة أشهر، توفي مساء ذلك اليوم، متأثراً بإصابته نتيجة قصف عصابات داعش الإرهابية الناحية، ( 25 كم جنوب مدينة كركوك ) ، بصواريخ تحمل غازات سامة".

وأضاف تازلي، أن "والدة الطفل أصيبت هي الأخرى بالتسمم نتيجة ذلك القصف الكيماوي"، مؤكداً أن "حصيلة ضحايا الغازات السامة ارتفعت إلى أكثر من ألف شخص حتى الآن .

وفي الوقت الذي تم تجاهل أوضاع الضحايا بسبب نقص الخبرة والإمكانيات لدى المؤسسات الصحية سواء في كركوك أو العاصمة بغداد كانت الإشاعات وما تنقله الوكالات الإخبارية يزيد من غموض الحدث وتوقياته وأهدافه في لجة الصراع السياسي والطائفي الذي توظفه جهات عدة في المنطقة. كانت هناك بعثة إيرانية تزور المدينة قيل ضمت في عضويتها عدد من الخبراء والأطباء تجولت في المدينة برفقة كامرة قناة الفضائية التابعة لعمار الحكيم كانت تكيل المدائح لهذه الزيارة وأعضاء الوفد الإيراني الذي حامت حول حضورهم ومهمتهم الكثير من الأسئلة.

وفي هذا السياق فإن كشف الحشد التركماني، أعلن يوم السبت 12 آذار 2016، عن وصول وفد طبي إيراني متخصص بالغازات السامة إلى ناحية تازة، جنوبي محافظة كركوك، لفحص المصابين جراء هجوم داعش الكيماوي، فيما أكد نقل سبعة مصابين حالتهم حرجة إلى بغداد للعلاج.
وقال المشرف على الحشد التركماني اللواء الـ16 أبو رضا النجار في حديث إلى ( المدى برس ) ، إن "وفداً طبياً إيرانيا مختصاً بالغازات الكيماوية وصل، اليوم، إلى ناحية تازة ( 25 كم جنوبي كركوك ) ".

وأضاف النجار، أن "الوفد سيقوم بفحص المصابين جراء هجمات تنظيم داعش بالغازات السامة وسحب عينات منهم لتحديد العلاج اللازم لهم ونقل بعضهم إلى طهران لتلقي العلاج"، مبينا أن "سبعة مصابين في حالة حرجة نقلوا، أمس، إلى بغداد، لتلقي العلاج اللازم".

وتهدئة للأحوال أشيع حينها : ( إلى تمكن التحالف الدولي من تنفيذ عدد من الهجمات علي منشآت تابعة للتنظيم الإرهابي بعد القبض علي خبير داعشي في المجال الكيميائي، وهو ما أضعف مستوى التنظيم في هذا المجال ،علما بأن مستواها ما زال غامضًا ) .

غير أن صحيفة نيويورك تايمز أفادت بأن التحالف شن غارتين قرب الموصل بالعراق مستهدفا موقعا لإنتاج الأسلحة النووية و"وحدة تكتيكية"، أي مجموعة مقاتلين، على علاقة بهذه الأسلحة.

وتحدثت السلطات الكردية عن استخدام الكلورين في هجمات في شمال العراق. وتظاهر مئات السكان الخميس لمطالبة الحكومة بقصف بلدة أكدوا أن داعش يشن منها هذا النوع من الهجمات.

وقال بيتر كوك المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية : ( إن التحالف شن ضربات جوية عدة أضعفت قدرة تنظيم داعش على إنتاج أسلحة كيميائية ) .. وأوضح كوك : ( أن التحالف تمكن من شن هذه الضربات بفضل معلومات تم الحصول عليها من خبير في الأسلحة الكيميائية في التنظيم المتطرف اعتقلته القوات الخاصة الأمريكية أخيرا ) . وأضاف : ( إن سليمان داود البكار المعروف بـ " أبو داود" كان مكلفا بصنع أسلحة كيميائية وتقليدية في تنظيم داعش ) .. لكن رغم الأسئلة المتكررة أبقى المتحدث الغموض حول عمليات القصف، ولم يحدد موقعها ولا موعدها ولا طبيعة المنشآت المستهدفة، وإذا كانت مخصصة للتصنيع أو التخزين.

وحسب المرصد العراقي لحقوق الإنسان، أن "وزارة الصحة العراقية أرسلت فريقاً من المختصين من دائرة صحة ذي قار، الخميس الماضي ( العاشر من آذار الحالي ) ، لمتابعة وتدقيق حالة المصابين بالغاز السام في ناحية تازة"، لافتاً إلى أن "محطة سي. إن. إن الإخبارية الأميركية، ذكرت في ( التاسع من آذار الحالي ) ، أن طائرات أميركية استهدفت مواقع أسلحة كيماوية خاصة بتنظيم داعش قرب مدينة الموصل، ( 405 كم شمال العاصمة بغداد ) ، في جولة أولى من الغارات التي تهدف إلى إضعاف قدرة التنظيم على استخدام غاز الخردل".

وتابع المرصد، أن "لجنة الأمن والدفاع البرلمانية العراقية، ردت في ( العاشر من آذار الحالي ) ، على تقرير محطة سي. إن. إن، مبينة أن التقارير والمعلومات الاستخبارية العراقية لم تؤكد امتلاك تنظيم داعش لأسلحة كيميائية".

واستطرد المرصد العراقي لحقوق الإنسان، أن "أحداث ومعطيات تازة خورماتو في الأيام الأخيرة، أثبتت امتلاك داعش ترسانة من الأسلحة الكيميائية المحظورة دولياً، ومعدات وأجهزة وخبراء لاستخدامها في هجماته ضد المدنيين"، مؤكداً أن "أنصار التنظيم المتطرف نشروا تغريدات على موقع التواصل الاجتماعي تويتر، يعترفون فيها باستخدام التنظيم غازات سامة في قصف ناحية تازة".

يحدث هذا في العراق وسوريا دون تحرك الهيئات الدولية في حين ظل الرئيس "اوباما" يصرح في 3 كانون الأول 2012 بأن الولايات المتحدة لن تقبل استخدام النظام السوري للأسلحة الكيميائية، وسكتت سفارته ببغداد عن مشاهد التسمم والنزوح القسري من تازة التي قصفت ثلاث مرات بأسلحة كيماوية جرى التكتم على عدد الضحايا بسبب نزوح السكان وسيطرة المليشيات الطائفية بحضور إيراني في المناطق الممتدة عبر حمرين والحويجة وتازه والطوز وصولا إلى تخوم كركوك نفسها.

وبالرغم من اعتراف النظام السوري بامتلاكه للأسلحة الكيميائية في 23 تموز 2012 على لسان المتحدث باسم وزارة خارجية النظام وقتها "جهاد مقدسي"، وأكد يومها ( أن النظام لن يستخدم أي سلاح كيميائي أو جرثومي إلا في حال تعرضه لاعتداء خارجي، وفهم الجميع أن هذا تهديد مباشر بقرب استخدام هذا السلاح ) .

لم تكن مجزرة الغوطة الشرقية في 21 آب 2013 هي المرة الأولى التي يستخدم فيها النظام الأسلحة الكيميائية، فقد سبق له أن استهدف مدن ومواقع سورية أخرى قبل هذا التاريخ. حيث قام النظام باستخدام السلاح الكيميائي للمرة الأولى ضد حي "البياضة" في حمص بتاريخ 23 كانون الأول 2012.

استخدم النظام السلاح الكيماوي في قصف عدة مناطق ومدن سورية أخرى قبل شهر آب 2013 "في ريف دمشق ( العتيبة وعين ترما وداريا وبلدة الطيبة ) ، والشيخ مقصود في حلب، وسراقب في إدلب، وجوبر ومخيم اليرموك في دمشق".

سبق أن أشار الدكتور "يزيد صايغ" الباحث في مركز "كارنيغي للشرق الأوسط" في مقال له بتاريخ 12 حزيران 2013 ( أي بعد استهداف النظام لمدينة خان العسل بالسلاح الكيميائي بثلاثة أشهر وقبل مجزرة الكيماوي بالغوطة الشرقية بشهرين ) أن "النظام يمتلك "التفوق في التصعيد" ) ،

ويتابع الدكتور صايغ بأن النظام السوري يرد على حصول الثوار لأسلحة نوعية من خلال التسبب عمداً في تدفق أعداد ضخمة من اللاجئين إلى الأردن ولبنان، فـ"سمعة النظام السوري في استخدام الأسلحة الكيميائية قد يجعل من الأسهل بالنسبة إليه التسبّب في عمليات فرار جماعي لأعداد كبيرة من اللاجئين".

وكان هذا التكتيك هو ما اتبعته صربيا في "كوسوفو" رداً على بدء حلف الأطلسي عملية القصف الجوي عام 1999، ما جعل الحلفاء الغربيين في مواجهة احتمال الاضطرار إلى توفير قوات برية لحماية السكان الكوسوفيين.

وجاءت هذه الحملة بعد كل التخاذل عن اتخاذ أي فعل حقيقي لحماية الشعب السوري من حرب الإبادة التي يتعرض لها من قبل النظام السوري وميليشيات المرتزقة الممولة إيرانياً، التي تصاعد دورها بشكل ملحوظ بعد الاتفاق الأمريكي الروسي على كيماوي سوريا.

كان مشهد الطائرات الأمريكية في السماء السورية وهي تقصف مواقع داعش، جنباً إلى جنب مع طائرات النظام التي تقصف المدن والقرى السورية بصواريخها الفراغية والبراميل المتفجرة التي حمل بعضها بغاز الكلور السام، مشهداً مؤلماً للسوريين عصياً على التفسير.

بالعودة لمقال "وايت" الذي سبق هجوم آب الكبير بثمانية أشهر نجد انه قد حذر مما قد يحصل بتالي الأيام بحال حنث الإدارة الأمريكية بتعهداتها واكتفائها بالرد الدبلوماسي، حيث أن عدم الرد على استخدام النظام للأسلحة الكيميائية سيؤدي إلى آثار كارثية، وهذا ما حصل فعلاً وما زال يحصل "إن عدم الرد بالقوة على أي استخدام للأسلحة الكيميائية سوف يكون وبالاً، حيث سيرى النظام ذلك كضوء أخضر لشن المزيد من الهجمات، بينما ستجده المعارضة تخلياً تاماً عنها."

فالنظام استغل أن الكلور لم يكن مدرجاً في المواد الكيميائية التي اضطر النظام لتسليمها، رغم أن استخدامه في الحرب ينتهك اتفاقية الأسلحة الكيميائية، التي انضمت سوريا إليها بوساطة روسية. في حين كان النظام السوري يسلم مخزونات السارين وغاز الخردل، كانت قوات الأسد تصنّع "القنابل البرميلية" التي تحتوي على الكلور وترميها بشكل عشوائي من المروحيات على الأحياء التي تسيطر عليها قوات الثوّار.

وهذا دفع صحيفة "الواشنطن بوست" الأمريكية التي عنونت " أوباما يعطي الأسد تفويضاً لاستخدام الأسلحة الكيماوية مرةً أخرى" للقول بأن إدارة أوباما، ومنذ بداية حملتها الجوية ضد تنظيم داعش، غضت الطرف عن جرائم نظام السوري، حيث حظي الأسد بتغطية معاكسة منحته مزيداً من الجرأة الإجرامية والتي بدت أبعد من ما يتصوره العقل والمنطق.





السبت ٢٦ صفر ١٤٣٨ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٦ / تشرين الثاني / ٢٠١٦ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب ا.د. عبد الكاظم العبودي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة