شبكة ذي قار
عـاجـل










وأنا أهمَّ بالكتابة عن الذكرى العاشرة لاستشهاد الرئيس القائد صدام حسين،
استوقفتني وثيقة هامة نشرها أحد مواقع التواصل الاجتماعي المقاوم للعملية السياسية في العراق اليوم، وجاء فيها :

قرار رقم 102

استناداً إلى أحكام الفقرة (أ) من المادة الثانية والأربعين من الدستور المؤقت، قرر مجلس قيادة الثورة بجلسته المنعقدة بتاريخ 7/2/1974، ما يلي :

1- يكون التعليم مجاناً، بما في ذلك الكتب المدرسية ونشاطاته الاجتماعية والرياضية في جميع مراحل الدراسة الابتدائية والمتوسطة والأعدادية والمهنية في المدراس الرسمية جميعها، بما في ذلك رياض الأطفال والمعاهد والجامعات الرسمية.

2- عدم تحميل الطلبة أية نفقات ترتبها مستلزمات تلك الدراسة وأنشطتها.
3- يُلغى أي نص قانوني أو قرار يتعارض مع أحكام هذا القرار.
4- ينشر هذا القرار في الجريدة الرسمية وينفذ اعتباراً من بداية السنة الدراسية 1974-1975
5- على الوزراء تنفيذ هذا القرار.

أحمد حسن البكر
رئيس مجلس قيادة الثورة

ماذا يعني هذا القرار، وما هي أهمية إصداره بعد فترة زمنية قصيرة لا تتجاوز السنوات الخمس ونصف السنة على استلام حزب البعث العربي الاشتراكي مقاليد الحكم في العراق إثر ثورة 17-30 تموز 1968، وما يقل عن العام ونصف العام على قرار الحزب بتأميم النفط وتطبيق شعار "بترول العرب للعرب" التطبيق العملاني لأول مرة في التاريخ، والبدء بتفجير إحدى أكبر وأحدث الثورات العلمية الصناعية والزراعية في العراق الحديث ليتعدى إشعاعها العالم أجمع ولتجعل من العراق، الصرح الحضاري الناشيء الذي تشخص إليه مختلف دول العالم بنظرات الاحترام والتقدير، والتوق إلى التعاون المشترك وتبادل الخبرات، وهذا ما وطدَّ اعتزاز أحرار العالم بالمهابة النضالية لقيادة الحزب والثورة والتطور المضطرد والمذهل لقدرات هذا القطر العسكرية والصناعية واللوجستية، وهو القطر الذي وضع إمكانياته في خدمة قضايا العالم الحر الرافض للعبودية والاستعمار والاستغلال وفي مقدمها ما يخص أمة العرب والمسلمين وقضيتها المركزية فلسطين.

ومن يطلَّع عن كثب على تجربة الحكم الوطني التقدمي في العراق لن يفاجأ بالمستوى العلمي – التربوي المتقدم الذي تم إحرازه بعد سنوات على إصدار مجلس قيادة الثورة للقرار رقم 102، المذكور آنفاً والمتعلق بتطبيق مجانية التعليم الرسمي على كل العراقيين.

ولو عدنا إلى دستور حزب البعث العربي الاشتراكي الذي صدر منذ البدايات الأولى لتأسيس ( البعث ) في أربعينيات القرن الماضي،
لوجدنا الالتزام العملاني والتام لمجلس قيادة الثورة العراقي: بالسياسة التربوية العامة التي أقرها المؤتمر التأسيسي الأول للحزب، والتي ترى "إلى خلق جيل عربي جديد قوي بوحدة أمته وخلود رسالتها، آخذ بالتفكير العلمي، طليق من قيود الخرافات والتقاليد الرجعية، مشبع بروح التفاؤل والنضالي مع مواطنيه في سبيل تحقيق الانقلاب العربي الشامل، وتقدم الإنسانية.

ومن هذا المنطلق جاء في المادة 47 من دستور الحزب حول التربية والتعليم، ما يلي :
التعليم بكل مراحله مجاني للمواطنين والزامي في مراحله الابتدائية والثانوية

كما جاء في المادة 48 : تؤسس مدارس مهنية مجهزة بأحدث الوسائل والدراسة فيها مجانية.

وهكذا لم يكن مستغرباً البته توصل العراق الحديث بقيادة الأمين العام لحزب البعث العربي الاشتراكي الرئيس صدام حسين، إلى واحد من دول العالم القليلة جداً، التي تحتفل بقضائها على الأمية والمضي في بناء صروح العلم والتعليم العالي، باستحداث عشرات الجامعات في المحافظات والأقضية ومئات المعاهد الفنية والمهنية والالاف من المدارس الابتدائية والتكميلية والثانوية، ليفتح العراق بها جميعاً، ذراعيه وعلى مدى سنوات حكم البعث الممتدة من العام 1968 إلى العام 2003، مستقبلاً الالاف من الطلاب العرب الذين أتيحت لهم الدراسة في كل المستويات بالتزامن مع توفير وسائل المعيشة الكريمة طوال سنوات الدراسة ليعودوا إلى أقطارهم متسلحين بكل أنواع العلم والمعرفة ويسهموا في نهضتها وبناء مجتمعاتها، ومن الاستحالة بمكان أن نستثني قطراً دون آخر من أقطار العروبة ولم يكن له نصيب في مجال التعليم، أو غيره من المجالات الأخرى الاجتماعية والاقتصادية وحتى العسكرية يوم حمى الجيش العراقي دمشق العروبة من السقوط أمام العدوان الصهيوني عام 1973، والسودان من التقسيم عام 1990، وسعى إلى تحقيق وحدة اليمنيين ضمن اليمن العربي الواحد، وحافظ على عروبة موريتانيا، إلى كل ما تم تقديمه إلى سائر أقطار الأمة من مغربها إلى مشرقها دون منَّة أو تقتير، ودون أن تُغفل البوابة الشرقية لأمة العرب التي بقيت على مناعتها وحصانتها وانتمائها للعراق الواحد الموحد في ظل حكم البعث وقراره الحر المستقل واحتضانه لجميع أبناء العراق وسطاً وجنوباً وشمالاً.

وهنا لا بد من الإشارة إلى أن ما تقدم، لا يدخل مطلقاً في صلب المبالغات اللفظية، وإنما هو حقيقة ما كان عليه العراق في ظل حكم قيادة البعث والرئيس صدام حسين، وأن كل ما يلحق بالعراق اليوم من كوارث وزلازل أمنية وعسكرية واجتماعية واقتصادية وتربوية وغيرها مما أحدثه احتلال هذا القطر في العام 2003 وتدمير مؤسساته وحل جيشه الوطني وتقسيمه الطائفي والمذهبي والاثني.

إنما يؤكد فداحة الغياب الكبير للقيادة التاريخية التي حكمت العراق طوال خمسة وثلاثين عاماً، وحجم التآمر الأميركي-الصهيوني ولاحقاً الفارسي ضد هذا القطر والغاء أي مشروع عربي في المستقبل، يمكنه أن يحاكي أو يتماثل مع المشروع العربي التحرري النهضوي الذي أراد البعث بقيادة صدام حسين تكريسه في العراق ليشع على كل أقطار الأمة والعالم الحر وكل من بدأ يتلمس خطورة ما آل بالعراق اليوم، من دمار وتدمير، لم تقتصر على البلد المنكوب وحسب وإنما صارت شظاياها تطال العالم أجمع الذي بات يتعرف على مختلف نماذج التطرف والتكفير والإرهاب والإجرام وخرج من هذا العالم من يتساءل وبإلحاح عن مغزى شيطنة الحكم الوطني التقدمي في العراق ورئيسه الشرعي صدام حسين الذي اقل ما قيل فيه أنه ( الديكتاتور ) الذي يحكم بالحديد والنار وجعل العراق سجناً كبيراً لشعبه ناهيكم عن المقابر الجماعية وأسلحة الدمار الشامل وغيرها، التي لم يثبت كذبها وحسب، وإنما جعلت أكثر من جاهر بعدائه لصدام حسين، يترحم عليه اليوم، وهو يقارن بين حكام العراق بالأمس، وحكامه الجدد الذين أتوا على دبابات المحتل ليتقاسموا البلد بخيراته وثرواته، ويتركون لشعبه ما يزرعونه في تربة العراق من فتن مذهبية وطائفية للإمعان في أبنائه تقتيلاً وتشريداً وأحقاداً وضغائن لا تنتهي.

فمن هو الديكتاتور الحقيقي بكل مقاييس السياسة والعلم والقانون :
هل هو من وحدَّ العراق وجعله دولة قادرة مقتدرة يهابها العدو ويلوذ إليها الصديق، أم ذاك الذي دمر العراق وما زال، وجعله ملاذاً لكل طامع ومحتل وغاز.

هل الديكتاتور هو من أعاد لتاريخ الأمة ألقها وكرامتها فكانت قادسية صدام امتداداً لقادسية سعد، أم أولئك الذين جاؤوا على دبابات المحتل الأميركي وباعوا بلدهم شبراً شبراً لكل من يساوم على كرامتهم ويدفع البدل مزيداً من الدوس والدعس على رقابهم الذليلة.

هل الديكتاتور من محا الأمية في بلاده عن بكرة أبيها ووضع الزواجر والضوابط على كل من يتخلف عن الالتحاق به بدوراتها، أم أولئك الذين أعادوا العراق إلى جاهلية الكلمة والحرف والقلم :
هل الديكتاتور من أنشأ جيشاً من العلماء والمبدعين تتفاخر بهم الأمم، أم هو من أعاد عقارب الزمن للعراق إلى الوراء مزيداً من الجهل والتخلف وما هو أبشع من الأمية.

هل الديكتاتور من يسعد وهو يبنى المستقبل الزاهر للأجيال الجديدة، أم هو من يخاف على مكاسبه ومصالحه وجبروته من هذه الأجيال، فنراها مشتتة ممزقة كما هي عليه اليوم حال شباب العراق وشاباته وصغاره وكباره جراء سياسة التمييز بين المواطنين على أساس الهوية والعرق والمذهب والانتقام والاجتثاث.

إزاء كل ما تقدم نقول وبكل طمأنينة وراحة ضمير وهدوء بال :
أبشر بكل "ديكتاتور" من طراز القائد صدام حسين، هذا "الديكتاتور" الذي تيقن للقاصي والداني فداحة خسارته وندامة من شارك في التآمر على العراق في الداخل والخارج بعد أن ديست كراماتهم وتهددت عروشهم ومواقعهم وما زالت، وهم الذين أضاعوا قيمهم وحاضرهم ومستقبلهم بعد أن خسروا القائد الذي أجده اليوم ينطق من عليائه فيخاطبهم بلسان الشاعر العربي حين قال :

أضاعوني وأي فتىً أضاعوا
ليوم كريهةٍ وسداد ثغر
وليقول ايضاً على لسان شاعر آخر:
متى تُخلف الأيام مثلى لكم فتىً


طويل نجاد السَّيف رَحب المقلَّدِ*
متى تلد الأيام مثلي لكم فتىً
شديداً على البأساء، غير مُلهدِ**

أوائل كانون الأول ٢٠١٦
نبيل الزعبي
عضو مكتب الإعلام المركزي
لحزب طليعة لبنان العربي الاشتراكي


* المقلَّد : السيد الذي فوضت إليه أمور قومه
** المُلهدِ : المستضعف الذليل





الاحد ٣ ربيع الثاني ١٤٣٨ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠١ / كانون الثاني / ٢٠١٧ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب نبيل الزعبي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة