شبكة ذي قار
عـاجـل










التطرف الذي يضرب منطقتنا العربية تحديداً ليس جزءاً من ثقافتنا ، ولا هو سمة من سمات ديننا ، وكل ما ينسب إلى الثقافة العربية أو الدين الاسلامي فيما يتعلق بالتطرف هراء في هراء ، فهو عملية تآمر لها لبوس متنوعة ، ومنابع شتى بعيدة عن روحية الدين وسلوكيات المجتمع .

التطرف يولد نتيجة ظروف قاسية ، ظروف حياة تجعل من الإنسان في مواجهة هذه الظروف حياة هشة ، غير قادر على مواجهة هذه الظروف ، يلتقط كل من يرمي له حبل نجاة كاذب ، أو ردة فعل إنتقامية في عملية هو لا يحسن التعامل معها ، فتنحرف قدراته العقلية باتجاه سلبي ، فيظن واهماً أنه هو الصواب وكل الآخرين على خطأ .

استخدام الدين لإنتاج التطرف عملية لوي لعنق الدين ، فالدين لم يأت إلا لهداية البشر، عندما تنحرف المجتمعات يرسل الله رسولاً ليعيد لهم صوابهم ، وبالتالي بعث في كل قوم رسولاً ، وهو لن يعذب قوماً إلا بعد أن يختبر مدى استجابتهم لهذه التعاليم ، فمن غير المعقول أن في هذه التعاليم الدينية ما يعمد على قتل البشر وتدمير الحياة البشرية .

ومما يزيد من سرعة إنتشار التطرف ما يواجهه الإنسان من خلال ظروف حياة قاسية ، فلا تقوى قدراته العقلية على التعامل مع هذه الظروف فيصل لمرحلة الاحباط ، وتتم عملية ترجمة هذا الاحباط بالنقمة على المجتمع ، وعلى كل مجريات الحياة ، ولا يختلف في هشاشة القدرات على المواجهة متعلم أو غير متعلم ، خاصة في أن كثيراً من التعليم لا يصل إلى مستوى توسيع المدارك العقلية للمتعلمين ، فتجد قطيعاً من هؤلاء المتعلمين ممن يحملون الشهادات العلمية ، يصدعون لتعاليم من أناس متذاكين في لوي عنق النصوص الدينية بالاتجاه السلبي ، عوضاً عن توجيهها بالاتجاه الايجابي وبما هدفت إليه .

الظلم مصدر واسع وكبير في ولادة أناس متطرفين ، وعلى الدوام أن الأنظمة السياسية مسؤولة عن ولادة الاحباط لدى الكثيرين ، وعدم قدرة هؤلاء المحبطين على مواجهة الظلم يشكل بيئة خصبة لاحداث التطرف وولادة المتطرفين ، ومن هنا علينا أن نتمعن في حجم التطرف في منطقتنا العربية بسبب ظلم النظام السياسي العربي ، والذي وجد في المسؤولين عنه دعماً وحماية من القوى الغربية والمعادية ، فهذه تدعي الديمقراطية والعدالة وهي تمارس القهر والظلم والقسوة في التعامل مع الإنسان ، وتحديداً في منطقتنا بطريقتين : إحداهما مساندة ودعم النظام السياسي المجرم القاتل الديكتاتوري ، وثانيهما بالغزو والاحتلال ، وممارسة أبشع الجرائم من قتل وتدمير وتشريد ، والدوس على حقوق الأنسان التي يتبجحون بالدفاع عنها .

الحرية والعدل بوابتان تصدان الاحباط وتقفان في وجه هؤلاء المتطرفين / الارهاب الذي يمارس نتيجته غياب الحرية والعدل ، فالإنسان لا يولد متطرفا ، وإنما تصنع منه ظروف الحياة أن يكون ارهابياً ، فالارهاب في العراق كان نتيجتة لوي عنق الدين ، الذي يخفي اللهفة الفارسية لتحقيق أهدافها على حساب الآخر ، بالاضافة إلى عملية الغزو والاحتلال الامبريالي الصهيوني الصفوي الذي ادعى بعد فشل ذريعة اسلحة الدمار الشامل أنه جاء ليعلم العراقيين الديمقراطية ، والارهاب خارج الحدود العراقية مصدره إنتشار الظلم ، وغياب الحرية والعدالة ، ولوي عنق الدين ، ودعم الأنظمة الفاسدة ، وفتش عن الارهاب في اليمن وليبيا وغيرهما في منطقتنا العربية ستجد مرجعية الارهاب واحدة .

غياب الحرية والعدالة ، وفشل النظام السياسي في سياسة تعليمية على الصعيدين المدرسي والجامعي يشكلان منابع للتطرف وولادة التنظيمات الارهابية ، ونحن نعزي في كثير من الحالات أن غياب السياسة التعليمية لها دور كبير في ولادة التطرف على اعتبار أن مهمة التربية هو غرس القيم في نفوس المتعلمين ، فالتعليم المدرسي الذي لا يعمد لغرس القيم لا قيمة له ، محتواه باهت يخرج هياكل بشرية غير قادرة على مواجهة الحياة ، والتعليم الجامعي الذي لا يعمد لتوسيع المدارك العقلية فمخرجاته لا قيمة لها ايضاً ، ولا تنفع المجتمع ، ومخرجاته وخريجوه ببغاوات تردد بما لا تفقه ، وهي عرضة للسقوط في أي مواجهة أو امتحان على الصعيد الحياتي، وهي سريعة السقوط أمام حذلقة المتدينين ، وأهداف الغزاة المعادين ، لأنها هياكل معطوبة ، إلى جانب نظام سياسي يعمد لتغييب الحرية والعدالة ، ومدعوم من قوى البغي والعدوان الدوليين والاقليميين .

علينا أن نصنع بايدينا النظام السياسي الذي يقدس الحرية ويقيم العدالة بين الناس ، ويرسم سياسة تربوية تصنع البشر ، ويرفض كل من يجعل من الدين مطية لتحقيق أهدافه ، فلكل حقه في عبادة ربه ، ولكن ليس له الحق في يأمر الناس ويطيعون حسب هواه .





الثلاثاء ١٢ ربيع الثاني ١٤٣٨ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٠ / كانون الثاني / ٢٠١٧ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب الدكتور غالب الفريجات نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة