شبكة ذي قار
عـاجـل










السؤال الذي يطرح نفسه في الصراع الدائر في سوريا ، ما هو حقيقة الموقف الامريكي من هذا الصراع ؟ ، وهل الامريكان قد تركوا للروس أن يكونوا اللاعبين الرئيسيين دون أن يكون لهم دور يتفق أو يتعارض ، أي هل هم بمثابة المتفرجين على ما يجري ؟ .

ليس من طبيعة الامبريالية الغربية على وجه العموم ، والامريكية على وجه الخصوص أن يتركوا الاحداث التي تجري في منطقتنا العربية تسير دون أن يعمدوا لحرف بوصلتها بما يخدم مصالحهم، وهم على يقين من أهمية هذه المنطقة على الصعيدين الاقليمي والدولي ، وفي ضوء مصالحهم الاقتصادية من جهة ، ومصير ومستقبل الكيان الصهيوني من جهة أخرى ، والكل يعي أهمية سوريا والدور الذي يمكن أن تلعبه في المنطقة العربية ، وأثر هذا الدور على المصالح الامريكية ، وفي الصراع العربي الصهيوني ، مما يعني أن الموقف الامريكي موقف فاعل ومؤثر على الارض السورية سلباً أوايجاباً .

ما نشاهده في الاحداث على الارض السورية أن الروس يقومون بدور بارز ومهم، فهم من ساند الاسد في اللحظة الحرجة التي كاد يسقط فيها بعد أن تآكلت قوته العسكرية على الارض ، وأن طلعاته الجوية والبراميل المتفجرة لا تستطيع حسم المعركة على الارض ، فالصراع لا يمكن حسمه إلا من خلال قوات برية تستطيع امتلاك الارض والصمود عليها ، فالمفهوم العسكري أن البقاء للقوات البرية التي تمتلك الارض وليس من يتفوق في الجو .

الواضح أن السياسة الامريكية ليست مع اسقاط نظام الاسد ، وأن الروس لن يذهبوا بعيداً حد التخلص من هذا النظام ، فلو أرادت امريكا الخلاص من النظام لكانت ممارساتها أكثر ضد نظام بشار ، فهي لم تلجأ للحظر الجوي ، وحرمان النظام من تفوقه الجوي بتقسيم الاجواء السورية كما فعلت في العراق ، وهي لم تلجأ لسياسة الحصار والذي كان قاتلاً في الحالة العراقية ، وهو أشد قسوة من المواجهة العسكرية، فقد أنهك الحصار العراق ، وسلب منه قدرات كبيرة ، وضعضع روحية الصمود والمواجهة لدى المواطنين ، فقد كان وقع الحصار أشد بكثير من وقع المواجهة.

إلى جانب ما سبق من حظر جوي ، وحصار دامي ، فإن الامريكان لم يكونوا على قدر كبير من توفير الدعم الكافي للتنظيمات التي كانت تقاتل قوات النظام والمليشيات المساندة له ، مما يؤكد أن بقاء النظام كان رغبة امريكية لا تبتعد كثيراً عن الرغبة الروسية ، فالامريكان كانوا لا عبين فعليين ، ولكن كانوا يتعاملون مع الوضع السوري بطريقة غير ما اعتادوا عليها في السابق ، وخاصة في مواجهة العراق بالشكل المباشر وغير المباش ، فلم يترك الامريكان وسيلة ما استخدموها ضد النظام الوطني في العراق ، حد الغزو والاحتلال بعد أن فشلوا في عملية تدجين النظام أو ترويضه ، ليسير في الركب الامريكي الامبريالي المعادي لكل الطموحات التقدمية .

لو كان في نية الامريكان الخلاص من النظام السوري لاجهزوا عليه بسهولة ، خاصة وأن قواه منهارة ، ولم يعد بمقدورها أن تواجه التنظيمات الطائفية التي تقاتل بالاتجاه المعاكس ، وهو ما ظهر في عجزه عن صد العديد من الهجمات الصهيونية على العديد من المواقع السورية ، وما زالت اسطوانة "تحقيق التوازن الاستراتيجي " ، التي يرددها قد فقدت الدور الذي يوظفها فيه ، إلى جانب من غير المعقول أن يكون الدور الذي يقوم به بوتن وهو يتحالف مع نتنياهو بعيداً عن الوعي الامريكي في أن الروس والامريكان يسيران باتجاه بوصلة واحدة ، وكلاهما يغني على المسرح الصهيوني في حفلة ذبح سوريا الشعب والموقف والتاريخ ، واللاعب الايراني لاعب يبحث عن مصالح لا يهمه النظام بالقدر الذي تهمه مصاله الخاصة ، فمواقه ليست مبدئية ومن هنا فإنه لاعب ثانوي من جهة ، ومصلحي نفعي من جهة أخرى ، سرعان ما يسيل لعابه أمام أي عرض بدون الاسد .

الامريكان لا يريدون اسقاط نظام بشار ما دام دوره وظيفي ، وغير مؤذ للاستراتيجية الامبريالية الامريكية والصهيونية ، وهم يريدون خلق نظام مدني تحت قيادته ، يحتفظ بشعارات عروبية مفرغة من محتواها ، ومريح للكيان الصهيوني ، أي خلق توليفة سياسية تعتمد شعارات النظام مع اقتصاد السوق ، بعيداً عن كل ما يمت إلى العروبة بصلة ، ولا ينتج هذا النظام غير مستهلكين بعيدين كل البعد عن الوعي العروبي القومي ، فممنوع على السورية أن تنجب مولوداً بلكنة عروبية ، فيضيع دور سوريا القومي والتي تشكل قلب العروبة النابض ، وستكون أقرب إلى لغة المصالح ، وسياسة السوق المفتوح ، ولامانع بلكنة فارسية وبمصالح روسية ، في الوقت الذي سيكون مقيداً بهيمنة صندوق النقد الدولي من أجل اعادة الاعمار ، فلا الروس يسمح اقتصادهم بضخ المليارات ، ولا الملالي الذي تعاني شعوب ايران من الفقر والجوع والحرمان.

نظام سياسي على هذه الشاكلة لن يكون مؤذ للمصالح الامبريالية والصهيونية، وبشعارات عروبية ديماغوجية فارغة من محتواها ، يتغنى بها اليسار الطفولي والقومجييون الذين يتنافخون بدعم نظام مأفون قتل ما يقرب من مليون مواطن ، وشرد نصف المواطنين ليحكم على جماجم البشر ، وهم سيقيمون الافراح بإنتصار نظام بشار ، وسيحتفلون بحكمه القائم على جماجم الشعب السوري ، وتدمير الدور القومي السوري ، ولكن ما يزخر به الشعب السوري من قيم عروبية تقدمية لن تترك لا للامبريالية والصهيونية والصفوية أن تحقق أحلامها ، ولا لهؤلاء الذين ظنوا أن وقوفهم في خندق نظام على هذه الشاكلة هو بعيداً عن خدمة سادة واشنطن وتل ابيب وطهران .

dr_fraijat45@yahoo.com





الاربعاء ١٣ ربيع الثاني ١٤٣٨ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١١ / كانون الثاني / ٢٠١٧ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب الدكتور غالب الفريجات نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة