شبكة ذي قار
عـاجـل










غرست التربية القرآنية في نفوس المسلمين الأوائل مراقبة الله (عز وجل) في السر والعلن، وأيقظت فيهم الضمائر، وغيرت نفوسهم وحولتها من مهاوي الرذائل إلى معالى الفضائل، فساروا على جادة الطريق، ملتزمين بمنهج الله ـ سبحانه وتعالى ـ لا يصرفهم عنه صارف، ولا يشغلهم عنه شاغل، فأعلوا من شأن أمتهم، وسموا بمجتمعهم وقدموا للبشرية نموذجًا يُحتذى ومثلاً يُقتدى.
 
 إن اعتناء القرآن الكريم بتربية الجيل الأول من السلف الصالح، جعلهم جيلاً قرآنيًا فريدًا متميزًا بخصائصه وسماته، أعطى للدنيا كلها أروع المثل في الإيمان والجهاد، والصبر والتضحية، والحب والإخاء، والكرم والإيثار، والرجولة والشجاعة والصدق والأمانة، والنجدة والمروءة، والبر والوفاء، والتواضع وخفض الجناح للمؤمنين، والأمل في الله وحده والاعتماد عليه والسؤال منه دون سواه.
 
 ولقد تربَّى المسلمون الأوائل على مائدة القرآن الكريم، وفي مدرسة الرسول (صلى الله عليه وسلم)، فكانت الفتوحات الإسلامية، وكان النور الذي أشرق فبدد ظلام المادة بمعرفة الله، وقامت دولة الإسلام المباركة على أيدي هؤلاء الرجال الذين انتصروا على أنفسهم، فانتصروا على الدنيا بأسرها، وعظموا القرآن الكريم وتدبروا معانيه، وعملوا بأوامره، وانتهوا عن نواهيه "إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون" (النور: 51)، "وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرًا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم" (الأحزاب: 36)، "فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجًا مما قضيت ويسلموا تسليمًا" (النساء: 65).
 وبهذا المنهج القرآني كان سلفنا الصالح قرآناً حيًا يمشي على الأرض، يتفاعلون مع الدنيا على منهج القرآن الذي يؤمنون به، فقلوبهم وجلة بذكر الله، وإيمانهم يزداد بسماعهم لآيات كتاب الله، وهم متوكلون على الله في كل أمورهم "إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانًا وعلى ربهم يتوكلون" (الأنفال: 2)، تخشع قلوبهم، وتقشعر جلودهم عند تلاوته أو سماع آياته خوفًا من الله وطمعًا فيما عنده، "الله نزل أحسن الحديث كتابًا متشابهًا مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله ذلك هدى الله يهدي به من يشاء" (الزمر: 23).
 
 هكذا كانوا يقرءون القرآن الكريم بغاية التدبر، متأسين بالرسول الأعظم (صلى الله عليه وسلم)، الذي قام ليلة بآية يرددها: "إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم" (المائدة: 118)، فليكن الرسول(صلى الله عليه وسلم) قدوتنا في تدبرنا لكتاب الله، ولنقرأ القرآن بكل خشوع وتفكر وتدبر "إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب . الذين يذكرون الله قيامًا وقعودًا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار" (آل عمران: 190ـ 191).
 
 ومن القرآن الكريم تعلم المسلمون أن الله هو الغاية، وأن الرسول هو القدوة، وأن القرآن هو الشرعة، وأن الجهاد هو السبيل، وأن الشهادة هي الأمنية، فكانوا بحق رهبانًا بالليل فرسانًا بالنهار، فهموا الإسلام بشموله وكماله، وأخذوه جملةً واحدة، وعملوا بقوة وجلد، فقامت دولة الإسلام، بعد أن نشأت أمة القرآن بمنهج القرآن، فكان الفرد المسلم والبيت المسلم، والمجتمع المسلم، والحكومة المسلمة، التي عم خيرها الإنسانية كلها وشع نورها في آفاق الكون كله.




الاثنين ٢٥ ربيع الثاني ١٤٣٨ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٣ / كانون الثاني / ٢٠١٧ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب الثائر العربي عبد الله الحيدري نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة