منذ ان اعلن ترامب ترشحه للرئاسة الامريكية وهو محط اهتمام وسائل الاعلام ومراكز البحوث , بحيث صار اشكالية سياسية في الغرب والشرق , واشكالية في الداخل الامريكي ايضا . فلم تشهد الرئاسات الامريكية السابقة هذا الرفض الشعبي لرئيس منتخب كما حصل لترامب - وان كان الرفض محدودا قياسا لعدد سكان الولايات المتحدة - .

وعلى العموم فان ترامب مثل غالبية الشعب الامريكي في انعزاليته وفي كرهه للاخر وتعصبه لذاته وتعصبه للوبي الصهيوني . فقد هاجم النساء وانتخبنه . وهاجم السود تورية وانتخبوه , وهاجم القوميات الاخرى ووعد ببناء سور بين بلاده والمكسيك وانتخبه افراد القوميات اللاتينية . هاجم النخب السياسية والاقتصادية , ولم يعبه الى غضبهم والوقوف ضد سياسته الهجومية . وادعى ان النخب ارتبطوا بالمال وول ستريت ونسي نفسه انه واحد من هذه الطبقه , وقد وعد بتخفيف الضرائب على الشركات بدعوى تشجيع الاستثمار . وهو بهذا الهجوم وضع شرخا بين طبقات الشعب الامريكي .

كان ترامب اثناء حملته وفترة حكمه القصيرة حتى الان نرجسيا حالما وكأنه يمسك عصى سحرية بيده وقادر على التغيير بكبسة زر , حكم على الرؤساء السابقين بالفشل وهم جالسون في حفل التنصيب , وكأنهم لم يحققوا شيئا للولايات المتحدة , وهو الوحيد الذي سينقذها من الهلاك والفشل , ويبدأ بالنهضة من الان . سيقضي على الفقر وعلى البطالة وسيبني الجسور وينمي الصناعات , ومثل هذه الطموحات تحتاج الى ثلاث او اربع فترات للحكم حتى ينجزها ؟ .

مهما قيل عن الرجل فهو صادق في وعوده وتعهداته , بالامس زار مبنى وزارة الدفاع البنتاغون بعد اصداره اوامره للعسكرين لاعداد خطط خلال ثلاثين يوما لمحاربة الارهاب الداعشي , وعمل منطقة عازلة في الشمال السوري لايواء المهجرين السورين ومنعهم من الهجرة الى بلدان العالم وخاصة الولايات المتحدة .

ان هذه الاوامر تمت مواجهتها بالنقد من روسيا اولا , اذ من الصعب تنفيذ ما اراده ترامب بدون التنسيق مع الاطراف المعنية بمحاربة الارهاب . الاشكال الاول روسيا تسيطر على سوريا في الميدان وفي السياسة حتى انها خولت نفسها لاعداد دستور لسوريه بدلا من السوريين انفسهم الامر الذي حذا بالمعارضة الى رفضه . كما ان الوجود الايراني بكل تفصيلاته الميدانية عقبة بوجه ترامب الذي يناصب نظام الملالي العداء منذ حملته الانتخابية .

بالنسبة الى روسيا لم يستعجل ترامب في ابقاء العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها منذ الازمة الاوكرانية , وهذا ربما يكون لاعطاء بوتن فرصة للتفاهم معه , وخاصة ان وزير خارجيته تربطة علاقات جيدة مع بوتن , وقد يؤجل اي صراع مع روسيا ريثما بتم القضاء على داعش .

ومن جانب اخر فان تعليمات ترامب لوزارة الدفاع بزيادة القدرة الدفاعية بكل فروعها البحرية والجوية والصاروخية , هو بحد ذاته عودة للحرب الباردة من جديد , اي انه سيفرض على روسيا سباق تسلح جديد , وهذا سوف سيتنزف القدرات الاقتصادية الروسية .

اما رؤيتة للتعامل مع الدول في العالم فلم يصدر تعليماته بشانها بعد وخاصة العلاقة مع الدول الاوروبية وتمويلها كلف تواجد القوات الامريكية ضمن قوات حلف الناتو . وكذلك رؤيته للتعامل مع ايران ودول الخليج العربي , اذ وعد بان ياخذ نفط العراق . وهذا يعني عودة القوات الامريكية الى العراق , اي احتلاله من جديد , وتغيير السلطة العراقية المرتبطة بايران .

الخلاصة ان ترامب صورة عن الشعب الامريكي الذي انتخبه , وهذا يعني ان الذين كانت اعينهم معمية عن رؤية حقيقة امريكا ادارة وشعبا , عليهم ان يدركوا هذه الحقيقة , وان امريكا لا تعرف غير مصالحها اولا ولو كانت على حساب دماء الملايين من ابناء الشعوب الاخرى .

hassan_tawalbh@yahoo.com