شبكة ذي قار
عـاجـل










القنابل البشرية الموقوتة ليست مقتصرة على هؤلاء الذين يفجرون أنفسهم وسط التجمعات السكانية ، لتحصد عشرات من القتلى والمصابين الابرياء ، الذين لم يقترفوا اثماً ، ولا اساءوا لبشر أو مجتمع ، ولا سرقوا وطناً ولا نهبوا ثروة .

هناك قنابل بشرية في افكارها المدمرة التي لا تقبل أن تسمع إلا بما يتوافق مع ما تحمله من افكار متعفنة داخل تلابيب جماجمها المتحجرة ، بسبب من قلة في الوعي والتربية ، واستغلال من قبل أناس نصبوا من أنفسهم قضاة على بني البشر ، تجدهم في كل زاوية من زوايا المجتمع ، وفي كل مؤسسة من مؤسساته ، وبشكل خاص هؤلاء الوعاظ الذين يدعون أنهم من يملك الحقيقة ، وما عداهم يعيشون في جهل مطبق ، فالمجتمع في نظرهم يعيش في جاهلية ، ومسؤوليتهم الهداية حتى لو كانت هذه الهداية على حساب الحياة الإنسانية التي وهبنا اياها رب العباد ، فقد تجاوزوا الحق الالاهي ، واصبحوا من يمنح الحياة ويحرمها في ضوء ما يفكرون به .

الفكر المنغلق والذي لا يستجيب لرأي وحوار ، والذي يدعي أن عقله من امتلك الناموس ، وغيره لا يملك من الحقيقة فيما يجري شيئاً ، فهو صاحب الرأي السديد، وصاحب النظرية المتكاملة لا يأتيها الباطل ، فالحقيقة ما يرهف بها ، وما يقذف بها كل من حوله من مستمعيه ، يعتلي المنبر و يفرد جناحيه على هؤلاء الذين لا بد وأن يصغوا له مجبرين ، وإلا كانوا مارقين ، يصل الامر بالبعض منهم من جعل من بيت الله أنه بيت ورثه عن ابيه ، كما يستغل جلسة فيها العديد من المثقفين المتميزين يسد عليهم طريق الحديث وابداء الرأي .

حقيقة الامر هؤلاء الذين يمارسون الهيمنة على المجتمع ، لايقلوا اجراماً عن هؤلاء الذين يفجرون أنفسهم في تدمير المجتمع ، فالنفس البشرية المدمرة مغيبة عن المجتمع كما لو أن المجتمع قد فقدها بسبب الموت ، فمجتمع الاموات كما هو مجتمع المغيبين عن اداء دورهم في الحياة ، فهؤلاء يعيشون في اثواب الاموات ، ولا يختلفون عنهم في شيء من عدم المشاركة في الحياة البشرية .

السبب في خلق هؤلاء الذين يتجاوزون القنابل البشرية التي تقوم على تدمير نفسها من أجل قتل أكبر عدد ممكن من الابرياء ، هو تدن في المستوى الاخلاقي والتربوي ، ونستطيع الجزم أن نظاماً تربوياً يخلو من القيم ، ويعتمد على الحفظ والتقليد مسؤول عن خلق هذه النماذج البشرية التي تشكل اكبر عدو للمجتمع ، مما يعني أن التربية مسؤولة عن تجهيل المجتمع ، وفي الوقت نفسه عن توعية البشر ، وخلق المواطن الصالح الذي يشكل لبنة في مدماك المجتمع الإنساني ، فالتربية لكل مجتمع تجدها من صنع من هذه النماذج البشرية قنابل موقوتة ، تنفجر في كل زمان ومكان في وجه أبناء المجتمع ، والعمل على تدمير كل ما هو جميل في الوطن .

القنابل البشرية ليست مقتصرة على هؤلاء المجرمين الذين يفجرون أنفسهم لقتل الابرياء من الناس في عملية اجرامية تلوي عنق الدين بكل قذارة في الولوج إلى الجنة ، فمن قال أن الجنة بوابتها قتل الإنسان أكرم مخلوقات الله ، فهذه العمليات الارهابية يتساوى معها الذين يحملون فكراً منغلقاً ، فكر لا يؤمن بلغة الحوار ، ولا بفهم أن كل إنسان يحمل فكراً وإن كان صواباً إلا أن فيه جانباً من الخطأ ، ولابد له من أن يصغي للرأي الآخر ، ويعمل على احترام صاحبه ، ومن هنا فقد توافقت البشرية على الالتزام باحترام الرأي والرأي الآخر.

المجتمعات التي يكثر فيها هذه النماذج من الجهلة والساعين للتجهيل والعمل على الهيمنة على عقول البشر يشكلون الخطر الاكبر ، ولابد من تجفيف المجتمع منهم بنشر الوعي واحترام العقل والرأي والرأي الآخر ، والعمل على غرس القيم في العقول في السن المبكرة للاطفال ، ومن هنا فالتربية والقانون يسيران جنباً إلى جنب في العمل على اصلاح المجتمع ، وتنقيته من هذه النماذج التدميرية ، التي تعمل على حرف البشر ، وتدمير إنسانية الإنسان التي خلقت لعبادة الله ولاعمار الارض ، ولن يكون ذلك من خلال الوصاية التي تمارسها نماذج التدمير هذه ، بل من خلال نماذج التعمير التي تعمد لاعمار الارض والإنسان ، ليعيش المجتمع بكل افراده بأمن وسلام، فلا يمكن لمجتمع أن يعمل ويبني ويحقق الازدهار وافراده مرعوبين يعيشون الخوف داخل تلابيب عقولهم من الهيمنة المصلتة فوق رؤوسهم ، فالمجتمع الذي يحقق البناء والتقدم هو المجتمع الذي يتيح لكل فرد من أفراده أن يمارس دوره في هذه الحياة ، بعيداً عن سياسة التهديد بالقتل والتدمير .

dr_fraijat45@yahoo.com





الجمعة ١٣ جمادي الاولى ١٤٣٨ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٠ / شبــاط / ٢٠١٧ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب الدكتور غالب الفريجات نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة