شبكة ذي قار
عـاجـل










المقدمة :

مقياس قوة عظمى ومحدداتها .. والمرونة التكتيكية للدول الأقليمية في ضوء واقع التداخل بين الدولي والأقليمي :

1 - من الصعب حل مشكلات إقليمية دون توافقات دولية .. وذلك في ضوء طبيعة التداخلات القائمة بين الساحتين الأقليمية والدولية .. لضرورات الحفاظ على المصالح والنفوذ من جهة، وممكنات التعاون في إطار ( العمل المشترك ) الأمريكي الروسي من جهة ثانية، والذي يتحدث عنه فريق من قادة أمريكا .

2 - حل المشكلات أو ( الملفات ) لا يأتي عن طريق الصفقة الواحدة، إنما بصورة ( متدرجة ) تقتضيها إستراتيجة التعامل، بكل أبعادها السياسية والأقتصادية والعسكرية والأمنية والأستخباراتية، وعلى وفق مبدأين أساسيين، أولهما : مبدأ الأولويات، وثانيهما : مبدأ البدائل .. المبدأ الأول يتضمن ( الأساسيات ) ، كما يتضمن ( الثانويات ) في آن، وهنا قد ترسم السياسة الأستراتيجية للدولة الأمريكية خطواتها الأولى في النجاح، إذا كان إختيارها صحيحًا .. فالأخطبوط الأيراني يضعف كثيرًا حين تقطع أطرافه الخطرة، ثم يتم دفعه إلى المياه الضحلة ليختنق .!!

3 - و ( التدرج ) في أمر حل المشكلات الأقليمية أو معالجتها أو منع إتساعها يشترط توافقًا بين موسكو وواشنطن .. وهذا التوافق يدخل في عمل ( مشترك ) مع تحسين العلاقات الأقتصادية مع الصين .. لأن مثل هذه الشراكة الأستراتيجية للعمل المشترك لا تستخدم اسلوب الأستفزاز والتحرش الغبي بالمجالات الحيوية للدول الكبرى .. كما لا تدع مجالاً للتمدد الأقليمي الذي يربك ويمنع خطوات معالجة القضايا والمشكلات التي تهدد الأمن والسلم الدوليين كقضية فلسطين المحتلة وقضية العراق المحتل.

4 - العمل الروسي - الأمريكي المشترك، الذي تعكس ملامحه التحولات الجارية، لا ينفي الصراع بينهما، إنما العمل المشترك يجمع بين ( الصراع والتنافس ) في وحدة الصراع والتناقض .. وهو الأسلوب الذي يمنع الأقتراب من حافة الهاوية ويبقي حالة الردع المتبادل قائمة ومحددة وتحت إشراف صارم .. وما ينطبق على العاصمتين موسكو وواشنطن لا ينطبق على بكين، التي من الصعب الأستغناء عن قوتها الأقتصادية وأسواقها .. إذن ، ما يحكم العمق الآسيوي نحو الصين هو سياسة ( Geo - Economy ) فيما يحكم الشرق الأوسط وأوراسيا هو سياسة ( Geo - Politic ) .. كما أشرنا إلى ذلك في مقالات سابقة .

5 - ومن أهم واجبات ( العمل المشترك ) وأهدافه الأستراتيجية، تثبيت ميزان تعادل القوى الأقليمي، ومنع إختلاله لأي سبب كان .. لأن لا مجال للحديث عن توازن دولي دون توازنات إقليمية يستند عليها .. حيث أخَلَتْ أمريكا بتوازن القوى في المنطقة بإحتلال العراق وتدميره ، طيلة ولآيتين متتاليتين هما ( ولآية بوش الأبن وأوباما ) ، اللتين استمرتا أكثر من عقدين من الزمن واللتين خلقتا تدهورأ فضيعًا للأمن وتراجعًا خطيرًا للأستقرار بسبب التمدد الأيراني .. إذ لولا إختلال التوازن الأقليمي، الذي تتحمل مسؤوليته أمريكا وبريطانيا، ما كان بمقدور أو بإستطاعة إيران التمدد خارج حدودها الأقليمية بالضد من قواعد القانون الدولي وشرعة الأمم المتحدة والأعراف الدولية .. ولما كان التوافق الأستراتيجي ( الأمريكي - الأيراني ) سببًا في إنهيار الأمن والأستقرار في المنطقة والعالم .. فالأمر يقتضي إعادة توازن القوى الأقليمي إلى ما كان عليه بمحاسبة إيران وفقًا للقانون الدولي ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة وإرجاعها كليا إلى ما وراء حدودها الأقليمية .

محددات التغيير في السياسة الخارجية الأمريكية :

ما هي حدود ومديات التغيير في السياسة الخارجية الأمريكية تجاه أزمات المنطقة وتوافقاتها الأستراتيجية، والتي قد تشكل بمجملها ( عقيدة ترامب ) ؟ :

أولاً - إن أي سياسة خارجية حين يعلن عنها، تكون قد خضعت لمحددات ( داخلية ) وأخرى ( خارجية ) .. سواء كانت موجهة إلى منطقة بعينها أم أنها موجهة إلى العالم .. ويتم ذلك في ضوء تشخيص التحديات والمخاطر الداخلية والخارجية على حد سواء .. وعلى وفق هذا تبني الدولة مواردها المالية والبشرية من أجل الأهداف المرسومة .

ثانيًا - إن أحداث العالم، وأحداث أي منطقة ساخنة أو محتقنة ، كالمنطقة العربية على وجه التحديد والشرق الأوسط بوجه عام، تؤثر في رسم السياسة الخارجية، ليس فقط للدول الكبرى والعظمى، إنما لمختلف السياسات الخارجية لدول العالم بقدر أو بأخر .. وفي مقدمة هذه السياسات، السياسة الخارجية الأمريكية ونظيرتها الروسية أيضا .

 - أمريكا دولة مؤسسات وليست دولة فرد يصنع القرار .. فعملية صنع القرار في امريكا هي نتاج ( تفاعل وتوافق ) بين المؤسسات الامريكية المعنية بصنع القرار ( مجلس الأمن القومي – وزارة الخارجية – وزارة الدفاع – الكونغرس – الخزانة – مراكز الأبحاث – وجماعات الضغط ) .

 - إن عملية ( التوافق ) بين هذه المؤسسات الخاصة بصنع القرار، مشدودة إلى إتجاه يقضي بتفعيل الموارد البشرية والطبيعية والتكنولوجية، من أجل ترميم ما تهدم جراء سياسة بوش الأبن وسياسة أوباما .. لكي تستطيع أن تعيد ترتيب أوضاعها لتلعب دورها في النظام الدولي الجديد - هكذا يقول البعض - ويعد هذا الأتجاه أحد ( المحددات ) الذي يكبح جماح أمريكا في عدم المجازفة في صراعات إقليمية، وهو إتجاه أوباموي ، وجزء منه ، ما يزال يشكل ضاغطًا على الأدارة الجديدة للألتفات نحو الداخل الأمريكي .

 - أما الخارج فتعتمد السياسة الخارجية الأمريكية على ( مبدأ ترامب ) الذي يقوم على براغماتية تتعامل على اساس المنافع والمكاسب، التي تقوم هي الأخرى على حسابات الربح والخسارة .

 - إلا أن مفهوم المصالح السياسية الأستراتيجية للدولة، لا تقوم على حساب المنفعة فحسب، إنما على ( المصالح الأستراتيجية المشتركة ) .. فإذا كانت أمريكا ( ولآية أوباما ) ، قد رفضت سابقًا مبدأ ( الشراكة الأستراتيجي ) مع روسيا .. لأن روسيا تريد أن تستعيد مكانتها في قطبية ثنائية يصعب قبولها في ظل التحولات التي تجري في العالم الراهن .. فهل تقبل أمريكا ( ولآية ترامب ) مبدأ العمل المشترك الأمريكي - الروسي حيال ملفات العالم المختلفة ومنها الأقليمية، ( ضبط الصراعات ) و ( منع إتساعها ) ؟ بيدَ أن التساءل المهم ، هل أن ( العمل المشترك ) أو هذه الشراكة تستطيع أن تغلق ملفات إقليمية ساخنة؟ أم تبقيها مفتوحة كنزيف مستمر يستهدف إنهاك الأطراف المتصارعة وتدمير قواها وإمتصاص ثرواتها، وإبقائها بؤر للتدخل، يجني من خلالها الطرفات المتشاركان الكثير في لعبة الصراع الأقليمي؟!

ملامح مبدأ ( العمل المشترك ) :

1 - أمريكا لا تريد أن تغلق ملفًا ساخنًا ولا محتقنًا .. وهي تريد هذه الملفات مفتوحة تمكنها من التدخل وتكسبها مرونة سياسية في التعامل على أساس المقايضة .. وتاريخها يشهد على ذلك ( قضية الصحراء المغربية وقضية سبته ومليلية وقضية الأسكندرون وقضية الجزر العربية الثلاث طنب الكبرى والصغرى وأبو موسى في الخليج العربي وقضية فلسطين المحتلة وقضية العراق المحتل وقضايا أخرى ) .. إذن .. ولكون أمريكا هي المستفيد الأول فلن تغلق ملفًا ساخنًا في المنطقة أبدًا .

2 - روسيا تريد أن تساهم في مفاوضات الملفات الساخنة في إطار ( شراكة إستراتيجية ) مع أمريكا للتخلص من عبء الأنفاقات العسكرية في سوريا وأوكرانيا والقرم، فضلاً عن نفقات نشر منظومتها الصاروخية القريبة من التخوم الأوربية ،ولكي ترفع من شأنها كقوة ( متكافئة ) مع القوة الأمريكية، إعتقادًا منها بأنها يمكن أن تتمكن من العودة إلى موقعها في ثنائية الصراع الدولي .. وهذا يشكل تعارضًا مع إمكاناتها وقدراتها الأقتصادية المتواضعة.

3 - وعلينا أن لا ننسى ونحن في خضم الحديث عن السياسة الخارجية الأمريكية، التفريق بين أهداف هذه السياسة ووسائلها وآلياتها .. فالمتغير لا يمس الثوابت إنما الوسائل والأليات التنفيذية فضلاً عن إحتمال خيار الحرب وخيار العقوبات الأقتصادية معًا .. والخيار الأخير يعد خيارًا مهمًا يسبق خيار إستخدام القوة وليس منفصلاً عنه كما أنتهج ( أوباما ) هذا المنهج المخاتل في تعامله مع إيران على أساس سياسة ( التغيير من الداخل ) وهي سياسة عقيمة خلقت كوارث وزادت من تمدد إيران وعدوانيتها وإرهاب مليشياتها.

 لا مجال أمام النظام الأيراني .. إما الحرب أو التراجع إلى ما وراء حدودها :

 - لأن سياسة الأمر الواقع الأيرانية بفرض المليشيات في غير أراضيها هي سياسة لا تجدي نفعًا وليس لها مستقبل، لأنها تبقي الأضطرابات والتوترات والأنتهاكات وإختلال الأمن وعدم الأستقرار في المنطقة .. فسحب المليشيات الطائفية الأيرانية المسلحة شرط أساس لأحلال الأمن والأستقرار في سوريا والعراق على وجه الخصوص، وباقي الأنتشار الطائفي الأيراني في المنطقة.

 - الساحة الأقليمية تشهد تحركات مكوكية مهمة :

1 - تقارب روسي - تركي بشأن سوريا لا يخدم المصالح الأيرانية المتمسكة بخيار حرب المليشيات الطائفي التي تهدد مصالح العالم .

2 - تقارب تركي - خليجي يشكل ضغطًا كبيرًا على طهران .

3 - تنازل إيراني مخاتل، تقترب من خلاله طهران من الكويت ومسقط ، يحمل بين طياته التليين والتهديد المبطن وعامل دق إسفين النزاعات في بناء مجلس تعاون دول الخليج العربي .

4 - ضغوط أمريكية شديدة وجدية لطهران نتيجة لتجاوز الأخيرة لحدودها وتدخلها السافر في شؤون غيرها من الدول وإنتهاكها للأعراف الدولية وحقوق الأنسان وإرتكاب مليشياتها المسلحة مجازر ضد الأنسانية وتعريض الأمن والأستقرار الأقليميين إلى الخطر.

5 - المشروع الأيراني محاصر .. الأمر الذي يقتضي موقفًا عربيًا موحدًا يأخذ أبعاده السياسية والأمنية والعسكرية التعبوية والأقتصادية، تتضمنه إستراتيجية دفاعية على قدر عالٍ من الجدية وبما يتلائم مع حجم المخاطر .

المصالح الثابتة كأهداف .. والآليات والوسائل الخاضعة للتغيير :

يتبـــــــــــــع ....





الجمعة ٢٠ جمادي الاولى ١٤٣٨ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٧ / شبــاط / ٢٠١٧ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. أبا الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة