شبكة ذي قار
عـاجـل










يوم الجهاد يوم عظيم من أيام الله I، وكل أيام الجهاد أيام عظيمة وكل ساعات الجهاد ساعات عظيمة، ولكن الله I يفضل أيامًا على أيام ويفضل أمكنة على أمكنة، و هذا اليوم يوم اليرموك من أعظم الأيام في تاريخ الإسلام على الإطلاق، فإن الله I شاء في ذلك اليوم أن يغير من خريطة التاريخ، حيث من الممكن أن ينتصر المسلمون في موقعة والثانية والثالثة ولكن تأتي موقعة بعينها فتغير التاريخ وتغير معها معالم الدولة الإسلامية ومعالم الدولة الرومية أو الدولة الفارسية، وقد مرَّ المسلمون في فتح الشام بمعارك كثيرة منها: أجنادين ومنها موقعة بيسان وفتح دمشق وفتح بعلبك وحمص ومنها معركة مَرْج الصُّفَّر الأولى والثانية والآن يصل المسلمون إلى موقعة فصل الخطاب وهي من المواقع التاريخية الكبيرة.

والحقيقة أن مقدمات هذه الموقعة كانت ضخمة وقد يعلم البعض أن فتح الشام قد جاء عن طريق موقعة اليرموك فقط، ولكننا ما زِلْنا نتحدث في تاريخ فتح الشام منذ ثلاث سنوات من سنة 12هـ إلى 15هـ حتى أتت موقعة اليرموك فالتاريخ طويل وصعب وعسير قبل موقعة اليرموك والدماء كانت كثيرة.. والآن يلتقي الجيش الإسلامي مع الجيش الرومي في موقعة اليرموك في أرضٍ شمال نهر اليرموك كما تحدثنا من قبل، واضطر الروم إلى قبول الحرب ورفضوا دفع الجزية وقبل المسلمون الحرب أيضًا والتقت الصفوف وهي على أهبة الاستعداد كما ذكرنا من قبل. وقد مرت الأيام في صف الصفوف والتجهيز للجيشين: الإسلامي والرومي حتى استغرقت من 25 جمادى الآخرة سنة 15هـ إلى 4 رجب سنة 15هـ أى تسعة أيام يصف المسلمون صفوفهم ويصف الروم صفوفهم، ثم أتى يوم 4 رجب فخرج الفريقان ووجد المسلمون أن الجيوش الرومية تتقدم ناحيتهم رغم أن هذا اليوم كان يومًا شديد المطر، ومع ذلك تقدمت الجيوش الرومية فتشاور المسلمون فى الأمر واجتمع مجلس شورى المسلمين وقرروا عدم بدء الحرب لأن الجو غير مناسب، ولم يكن الجيش الإسلامي معتادًا على هذا المطر في أرض الصحراء بالجزيرة العربية؛ فلذلك قرروا الانتظار ولكن إذا بدأهم الروم بالقتال ردوا عليهم وإذا لم يبدأوهم لم يقاتلوهم في هذا الجو الصعب وهذه حكمة من الجيش الإسلامي وحكمة من مجلس الشورى فليس الغرض إلقاء الجيش فى التهلكة ولكن الغرض السعي بقدر الإمكان إلى تحقيق النصر فإن لم يكن النصر فالشهادة

. إسلام جورجه :
ثم خرج من عند الروم قائد عظيم من قوادهم وهو (جورجه) وفي روايات اسمه (جرجه) وقيل: إن اسمه (جورج)، ولكن هذا الرجل العظيم المشهور في التاريخ الإسلامي خرج وطلب خالد بن الوليد، فخرج له خالد أمير الجيوش كلها؛ فلما اقتربا، وكل منهما رافع سيفه وماسك درعه، طلب جورجه الأمان من سيدنا خالد بن الوليد؛ فأمنه خالد وخفض سيفه، فخفض الآخر سيفه ولكن احتمى كل منهما بدرعه يخشى الخيانة من الآخر، واقترب جورجه وخالد بن الوليد في وسط الأرض، بين الجيش المسلم وبين الجيش الرومي ودار بينهما حوار عجيب: قال جورجه: يا خالد اصدقني؛ فإن الحرَّ لا يكذب، ولا تخدعني؛ فإن الكريم لا يخدع، هل أنزل الله على نبيكم سيفًا من السماء فأعطاكه فلا تسُلَّه على أحد إلا هزمته؟ فقال خالد: لا لم ينزل الله علينا سيفًا من السماء. فقال جورجه: فبم سُمِّيت سيف الله؟ فقال خالد: إن الله U بعث فينا نبيه ( ص ) فدعانا؛ فنفرنا عنه، ثم إن بعضنا صدقه وتابعه، وبعضنا باعده وقاتله وكذبه، فكنت ممن باعده وقاتله وكذبه، ثم إن الله أخذ بقلوبنا ونواصينا فهدانا به فتابعناه؛ فقال لي رسول الله ( ص ): أنت سيف من سيوف الله سلَّه على المشركين، ودعا لي بالنصر فسميت سيف الله بذلك؛ فأنا من أشد المسلمين على المشركين بدعوة رسول الله ( ص ) لي بالنصر، وبتسميته لي أنني سيف من سيوف الله.. (سيف الله المسلول). فقال جورجه: صدقتني.. ثم قال: يا خالد إلام تدعوني؟ فقال خالد: أدعوك إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله، والإقرار بما جاء من عند الله. فقال جورجه: فمن لم يجبكم إلى ذلك؟ قال خالد: فعليه الجزية ونمنعه. فقال جورجه: فإن لم يعطِها؟ قال خالد: نؤذنه بحرب ثم نقاتله. فقال جورجه: فما منزلة الذي يدخل فيكم ويجيبكم على هذا الأمر اليوم؟ قال خالد: منزلتنا واحدة، فيما افترض الله علينا: شريفنا ووضيعنا، وأولنا وآخرنا. فقال جورجه: هل لمن دخل فيكم اليوم يا خالد مثل ما لكم من الأجر والذُّخْر؟ فقال خالد: نعم وأفضل.. فتعجب جورجه وقال: كيف يساويكم وقد سبقتموه؟ فقال خالد: إنا دخلنا في هذا الأمر وبايعنا نبينا ( ص ) وهو حيّ بين أظهرنا تأتيه أخبار السماء، ويخبرنا بالكتب ويرينا الآيات، وحُقَّ لمن رأى ما رأينا وسمع ما سمعنا أن يسلم ويبايع، وأنكم وأنتم لم تروا ما رأينا، ولم تسمعوا ما سمعنا من العجائب والحجج فمن دخل منكم في هذا الأمر بحقيقة ونية كان أفضل منا عند الله..(وهكذا يبين الرسول ( ص ) في الحديث أن الذى يتمسك بدينه في هذا الزمان: زمان الصَّدِّ عن سبيل الله كالقابض على الجمر، وأجره كأجر خمسين؛ فسأله الصحابة: يا رسول الله خمسين منا أم منهم؟ (أى أجر خمسين من الصحابة أم أجر خمسين من زمانهم) فقال: "بل منكم"، فالقابض على دينه في هذا الزمان والذي يجاهد في سبيل الله ويتقي الله في هذا العصر المليء بالفتن ولا نحسب أن هناك عصرًا أشد فتنة على المسلمين منه حتى هذه اللحظة، والله أعلم بالمستقبل وبالطبع ستكون الفتنة أشدُّ، فالقابض على دينه في ذلك العصر له أجر خمسين من صحابة الرسول ( ص ) بنص الحديث). فيقول جورجه: بالله لقد صدقتني ولم تخدعني؟ فقال خالد: بالله لقد صدقتك.. وما بي إليك ولا لأحد منكم من حاجة وإن الله لوليُّ ما سألت عنه. فقال جورجه: صدقتني.. ثم قلب ترسه وقال: يا خالد علِّمني الإسلام.. فأخذه خالد بن الوليد وأسرع به إلى خيمته وشنَّ عليه الماء من قِرْبَة (أي تخفف الرجل من لباسه بعض الشيء وصبَّ عليه الماء ليغتسل من كفره) فعلمه الصلاة. كل ذلك والجيشان مصطفَّان أمام بعضهما لم يحدث بينهما قتال؛ فعلمه الصلاة فصلَّى ركعتين دخل بهما الإسلام ثم انطلق بعد ذلك يقاتل يوم اليرموك بجوار خالد طوال المعركة، حتى منَّ الله عليه بالشهادة في نهاية المعركة.. فاستشهد في هذه المعركة في آخرها وكان في أولها كافرًا, فقال خالد: سبحان الله عَمِلَ قليلاً وأُجِرَ كثيرًا، هذا فضل الله يؤتيه من يشاء.. كل الخير الذى فعله في حياته يوم واحد فقط كان يوم جهاد في سبيل الله فسَبَقَ عليه الكتاب فعمل بعمل أهل الجنة فدخلها، سبحان الله!! و لا نظن أن ذلك كان بسبب الكلمتين اللتين قالهما له سيدنا خالد فى البداية فقط بل كانت سيرة المسلمين في الشام محمِّسة لكثير من الناس للدخول فى الإسلام، فهذا الرجل كانت تحادثه نفسه من قبل ذلك: يدخل في الإسلام أو لا يدخل, حتى حانت له فرصة وخاطب خالد بن الوليد وثَبَتَ على الإيمان، حتى إن هناك بعض الروايات تقول: إن هذا الرجل (جورجه) هو الذي أتى المسلمين قبل موقعة اليرموك إلى سيدنا أبي عبيدة يقول له: أرسل رجلاً إلى باهان يفاوضه، فذهب خالد بن الوليد بعد ذلك.

غلمان المسلمين يطلبون الشهادة في سبيل الله
: ثم خرج رجل من الروم يطلب المبارزة من المسلمين، ونحن نعلم أنه توجد مجموعة من صناديد المسلمين واقفة تنتظر الأمر بالمبارزة، وأثناء وقوف هؤلاء الأبطال خرج هذا الرجل يطلب المبارزة؛ فوجد المسلمون غلامًا من الأزد لا يعرفه أحد وهو دون العشرين، يجري ناحية سيدنا أبي عبيدة بن الجراح ويقول له: يا أبا عبيدة إني أردت أن أشفي قلبي، وأجاهد عدوي وعدو الإسلام، وأبذل نفسي في سبيل الله تعالى لعلي أرزق بالشهادة فهل تأذن لي؟ لم يكن من هؤلاء الرجال الذين نادى عليهم سيدنا خالد بن الوليد، وهو غلام دون العشرين، ولا يعرف اسمه أحد، ولكن الله I يعرفه، فقال: هل تأذن لي أن أخرج فأقاتل هذا الرجل؟ فهزت الكلمات قلب سيدنا أبا عبيدة بن الجراح، وقال له: اخرج فخرج، وعندما همَّ بالخروج التفت إلى سيدنا أبى عبيدة بن الجراح، وقال له كلمة بكى منها أبو عبيدة بن الجراح قال له: يا أبا عبيدة هل لك إلى رسول الله ( ص ) من حاجة؟ (فهو ذاهب للشهادة فبكى سيدنا أبو عبيدة بن الجراح حتى اخْضَلَّت لحيته). فقال أبو عبيدة: أَقْرِأ رسول الله ( ص ) مني السلام وأخبره أنَّا وجدنا ما وعدنا ربنا حقًّا. فانطلق الغلام المجهول الذي لا يعرفه أحد ولكن الله I يعرفه، كما قال عمر من قبل عندما ذكروا له فتح فارس ومن قتل من المسلمين فقالوا: قُتِلَ فلان وفلان وفلان وأخذوا يَعُدُّون له عظماء الصحابة، ثم قالوا له: وخلق كثير لا تعلمهم، فقال: وما ضرهم ألا يعلمهم عمر يكفيهم أن الله يعلمهم.. وخرج هذا الغلام لهذا الرجل البطل من أبطال الروم فخرج وهو يقول: لابد من طعن وضرب صائب * بكل لدن وحسام قابض عسى أن أفوز بالمواهب * في جنة الفـردوس والمراتـب (اللدن: الرمح اللين الذي لا ينكسر، أي فيمسك بالرمح ويضرب به وبالسيف) وانطلق وقاتل هذا الرجل الرومي حتى قتله، وأخذ فرسه وسلاحه وسلمهما إلى المسلمين وعاد من جديد وقال: هل من مبارز؟ فخرج له ثاني فقتله، والثالث فقتله، ثم الرابع فقتله، فخرج له خامس فحقق له أمنيته، لقاء الرسول ( ص ) فقطع رقبته؛ فطارت رقبة الغلام على الأرض، واستُشهِد في سبيل الله وطارت روحه الطاهرة إلى السماء في حواصل طير خضر تبلغ رسول الله ( ص ) سلام أبي عبيدة ورسالته.. ثم قام أبو عبيدة؛ فقال: أليس لهذا الرجل من رجل؟ فتحمس معاذ بن جبل وقال: أنا له (ونحن نعلم أن معاذ بن جبل t هو قائد الميمنة) فأمسك به سيدنا أبو عبيدة بن الجراح وقال له: الزم مكانك، سألتك بحق رسول الله ( ص ) أن تثبت، وأن تلزم الراية فلزومك الراية أحب إليَّ من قتالك هذا الرجل؛ فيتحمس سيدنا معاذ بن جبل ويقول: إذن أنزل من على فرسي، وقال: ألا يريد هذا الفرس وهذا السلاح رجل من المسلمين يقاتل به هذا الفارس؟ فتقدم له عبد الرحمن بن معاذ بن جبل، ابنه، وكان حدثًا، قيل: لم يحتلم وقيل: في أول احتلامه كان عمره 13 أو 14 سنة، وكان عُمْر سيدنا معاذ بن جبل 30 سنة في هذه الموقعة، وهذا أكبر أبنائه عنده 13 سنة؛ فقام عبد الرحمن بن معاذ بن جبل وقال: يا أبت إني لأرجو أن أكون فارسًا أعظم غناء عن المسلمين منِّي راجلاً ومع أن أباه كان قائد الميمنة إلا أنه كان من المشاة فأعطني الفرس؛ فأعطاه الفرس والسلاح، وقال: وفقني الله وإياك يا بُني، فقال عبد الرحمن: يا أبتِ إنْ أنا صبرت فلله المنّة عليَّ، وإن أنا قُتِلت فالسلام عليك، ثم همَّ بالخروج، ولكنه عاد يسأل أباه كما سأل الغلام الأزدي، فقال: يا أبتِ أليست لك حاجة عند رسول الله ( ص )؟

فقال له سيدنا معاذ بن جبل t وأرضاه: يا بني أقرأه منِّي السلام، وقل له: جزاك الله عن أمتك خيرًا.. وألقى بابنه في أحضان الموت ثم خرج عبد الرحمن بن معاذ بن جبل واقتتل مع الرومي فاختلفا ضربتين فمال الرومي؛ فطاشت ضربة عبد الرحمن وأصابت ضربة الرومي، ونزلت على رأس عبد الرحمن بن معاذ بن جبل فشجتها شجًّا عميقًا، فغطَّى الدم وجهه وظنَّ أنه يموت، وظن الرومي كذلك أنه يموت فعاد إلى أبيه وقال: يا أبتِ قتلني الرومي، فقال معاذ بن جبل والدموع في عينيه: يا بُنيَّ وماذا تريد من الدنيا؟!! فعاد ابنه مرة أخرى بالفرس إلى الرجل ولكن سبحان الله لم تمهله ساعات أجله فسقط شهيدًا من على فرسه، وكان ثاني شهداء المسلمين عبد الرحمن بن معاذ بن جبل وعمره 13 سنة، وذهب إلى رسول الله ( ص ) يبلغه تحية أبيه معاذ بن جبل؛ فقال أبو عبيدة: فمن له منكم؟ فخرج عامر بن الطفيل الدوسي (عامر الذي تنبأ له أبوه بالشهادة في يوم ما) فخرج عمرو بن الطفيل وما هي إلا لحظات حتى كانت أمعاء الرومي مبعثرة في الأرض، وانتقم من هذا الرومي وكبَّر المسلمون في ساحةاليرموك

المصدر : قصه الاسلام د/ راغب السرجاني





الجمعة ٢٧ جمادي الاولى ١٤٣٨ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٤ / شبــاط / ٢٠١٧ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب الثائر العربي عبد الله الحيدري نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة