شبكة ذي قار
عـاجـل










تعالوا نعش مع الجيش الإسلامي في هذا اليوم أو هذه الليلة العظيمة، فبعد انقضاء النصف الأول من الليل في صلاة القيام، كان النصف الثاني كله تجهيزًا للجيش الإسلامي، فقد وقف القادة أمام الصفوف يرتبونها ويشجعون الجنود حتى حان موعد صلاة الفجر فاصطفَّ المسلمون لصلاة الفجر، وصلى بهم سيدنا أبو عبيدة بن الجراح لأنه هو الأمير العام للجيوش الإسلامية، فوقف سيدنا أبو عبيدة وقرأ في الركعة الأولى سورة (الفجر): {وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ * وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ * وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ * هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ * أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ * وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ * وَفِرْعَوْنَ ذِي الأَوْتَادِ * الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ * فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ * إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} [الفجر 1: 14], وأكمل أبو عبيدة الآيات إلى آخر السورة واستمع إلى الآيات راشد بن عبد الرحمن الأزدى أحد المجاهدين من قبيلة الأزد وعندما وصل سيدنا أبو عبيدة إلى هذه الآيات قال: والله لقد ظهرنا على القوم، لَلَّذي أجرى على لسانه هذه الآيات هو الذي ينصرنا إن شاء الله رب العالمين، وعلمت أن الله I سوف يصب عليهم سوط عذاب، فهؤلاء كعاد مثلهم كمثلهم، يعني نفس الروم مثل قوم عاد بالضبط أكثروا في الأرض الفساد وأن الله I سيصب عليهم سوط عذاب إن ربك لبالمرصاد، واطمأن لذلك راشد بن عبد الرحمن، ثم بدأ الركعة الثانية فقرأ سورة (الشمس) حتى وصل إلى هذه الآيات: {كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا * إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا * فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا * فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا * وَلا يَخَافُ عُقْبَاهَا} [الشمس 11: 15], فقال راشد في نفسه: والله هذه أخرى إن الله I سوف يدمدم عليهم بذنبهم فيسويها على أيدينا؛ لأنهم فعلوا مثلما فعل قوم ثمود من قبل، وهكذا سبحان الله انظروا إلى معايشة المسلم للقرآن فالمسلم الذي يقرأ القرآن باستمرار, ويحاول أن يطبق القرآن في كل مواقف حياته سيجد دائمًا في كل موقف من مواقف حياته آية توجهه توجيهًا معينًا، وتنصحه نصيحة معينة، وتثبته تثبيتًا معينًا، ولذلك لا يصح لأحد المسلمين أن يكون لا يدري معاني كلمات القرآن الكريم، حتى لا يضيع الهدف من قراءة القرآن الكريم وهو أخذ الحكمة وأخذ العبرة وأخذ المنهاج الذي يسير عليه في الدنيا حتى يصل في الأخرة إن شاء الله إلى رضوان الله وجنته. وتنتهي الصلاة وبعد الصلاة يلتفت سيدنا أبو عبيدة بن الجراح إلى المسلمين ويقول لهم: أيها الناس أبشروا فإني رأيت في ليلتي هذه فيما يرى النائم، وبدأ يقص عليهم هذه الرؤيا؛ ففي صحيح البخاري عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ r يَقُولُ: "إِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ رُؤْيَا يُحِبُّهَا فَإِنَّمَا هِيَ مِن اللَّهِ فَلْيَحْمَد اللَّهَ عَلَيْهَا وَلْيُحَدِّثْ بِهَا, وَإِذَا رَأَى غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يَكْرَهُ فَإِنَّمَا هِيَ مِن الشَّيْطَانِ فَلْيَسْتَعِذْ مِنْ شَرِّهَا وَلا يَذْكُرْهَا لأَحَدٍ فَإِنَّهَا لا تَضُرُّهُ". فلقد رأى سيدنا أبو عبيدة بن الجراح رؤيا فيها بشرى؛ وأراد أن يبشر المسلمين بها؛ فقال لهم: "رأيت فيما يرى النائم كأن رجالاً أتوني فحفوا بي، وعلي ثياب بيض ثم دعوا لي رجالاً منكم أعرفهم، ثم قالوا لنا: أقدموا على عدوكم ولا تهابوهم فإنكم أنتم الأعلون، ثم مضينا إلى عسكر عدونا فلما رأونا قاصدين إليهم انفرجوا لنا وجئنا حتى دخلنا عسكرهم فوَلَّوا مدبرين"؛ ففرح المسلمون بذلك وقالوا: بشرك الله إن هذه بشرى من الله، واطمأن المسلمون لهذه البشرى وتفاءلوا بها، فقال أبو مرثد الخولاني بعد أن سمع هذه الرؤيا من سيدنا أبى عبيدة بن الجراح: والله إني رأيت أنا الآخر رؤيا؛ فقال أبو عبيدة: فحدِّثْ بها؛ فقال: "إني قد رأيت كأنا خرجنا إلى عدونا فلما توقفنا صَبَّ الله عليهم طيرًا بِيضًا عظامًا لها مخالب كمخالب الأسد وهي تنقضُّ من السماء انقضاض العُقْبَان؛ فإذا حازت بالرجل من المشركين ضربته ضربة يخِرُّ منها منقطعًا، وكان الناس يقولون: أبشروا معاشر المسلمين فقد أيَّدكُمُ الله عليهم بالملائكة "؛ فقال أبو عبيدة بن الجراح: بشَّرَك الله بالخير، هذه والله بشرى من الله.. و على الفور أمر سيدنا أبو عبيدة أن تصل هاتين الرؤيتين.

الأعراب على مقدمة الجيش الرومي
: تتقدم الجيوش الرومية نحو المسلمين، واللافت للنظر فى ترتيب الجيش الرومي أن الميمنة عليها رجل يسمى (جورجير)، والميسرة عليها رجل يسمى (درنجر) وكان هذا الرجل ناسكًا من الزهاد العباد ومع ذلك فهو فارس مغوار, فلذلك أجبره هرقل على الخروج على ميسرة الجيش الرومي وكان يكره قتال المسلمين وكان يرى أن الحق معهم، ومع ذلك أُجبر على الخروج فخرج على رأس ميسرة الجيش الرومي. ومما يلفت النظر أيضًا في تركيبة الجيش الرومي أن الميمنة والميسرة كانتا من الروم، أما القلب ومقدمة الجيش الرومي فكانتا من الأعراب، وكان على مقدمة الأعراب جبلة بن الأيهم الغساني من قبيلة غسان، والحقيقة أن هذا الموقف لا يجوز أن يمر علينا دون أن نقف أمامه لحظة حيث نلاحظ أن الجيش الرومي قد وضع الأعراب أو العرب الموجودين في منطقة الشام في مقدمة الجيوش ليفتدوا الجيش الرومي بأرواحهم وتضيع بذلك دنياهم وآخرتهم، وكان هذا ديدن الجيش الرومي في أرض اليرموك وفي المواقع التى خاضها مع المسلمين، وكان هذا أيضًا ديدن الجيش الفارسي مع المسلمين
وقد جعل الفرس الأعراب في مقدمة الجيوش للتضحية بهم، حتى إذا التقت الجيوش الرومية أو الفارسية مع أعدائها كانت الجيوش العربية أو الموالية لهما فى المقدمة فتسقط صريعة فداءً للجيش الرومي أو الفارسي ..

المصدر
قصه الاسلام / د.راغب السرجاني





الجمعة ٥ جمادي الثانية ١٤٣٨ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٣ / أذار / ٢٠١٧ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب الثائر العربي عبد الله الحيدري نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة