شبكة ذي قار
عـاجـل










استمر القتال في اليوم الأول من القادسية حتى آخر اليوم بعد غروب الشمس بقليل، ثم انفصلت الجيوش، وسميت هذه الليلة ليلةَ الهدأة؛ لأن الجيوش هدأت فيها ولم تقاتل، وكان شهداء المسلمين في هذا اليوم 500 شهيدٍ، وقُتِلَ من الفُرْسِ في هذا اليوم 2000 قتيل، وكان القتال فيه شديدًا على المسلمين، وذكرنا أن هذه الشدة كانت لوجود الفِيلَة في جيش فارس وعددهم 33 فيلاً، ولم يستطع المسلمون أن يسيطروا على المعركة إلا بعد أن أفلحت قبيلة تميم في قطع التوابيت التي كانت فوق هذه الأفيال، ففرت الأفيال من المعركة ولم يعُدْ لها قائد، وحينئذٍ بدأ المسلمون يتنفسون الصعداء، وبدأت قبيلة تميم تصد عن قبيلتي أسد وبجيلة.

وفي هذه الليلة أيضًا وصلت رسالة من سيدنا أبي عبيدة بن الجراح وهو أمير الجيوش الإسلامية في الشام بعد أن انتصر على الروم في موقعة اليرموك؛ فقد أرسل له سيدنا عمر بن الخطاب رسالة أن يرسل مددًا من الشام إلى العراق لنجدتهم، فأرسل سيدنا أبو عبيدة بن الجراح ستة آلاف مقاتلٍ على مقدمتهم سيدنا القعقاع بن عمرو التميمي، وكان هذا سببًا عظيمًا في فرحة المسلمين واستبشارهم بالنصر؛ لأن سيدنا القعقاع بن عمرو من أفضل المقاتلين المسلمين، ومن أشدهم ضراوة، قال عنه سيدنا أبو بكر الصديق :t إن صوت القعقاع في الجيش أفضل من ألف رجل. وقال أيضًا : لا يُهْزَم جيشٌ فيه القعقاع بن عمرو. فكانت هذه بشرى لجيش المسلمين، وكان على رأس الآلاف الستة سيدنا هاشم بن عتبة بن أبي وقاص وهو ابن أخي سيدنا سعد بن أبي وقاص، وعلى المقدمة القعقاع بن عمرو، وفي أول تباشير الصباح من اليوم الثاني وصلت الفرقة القَعْقَاعِيَّة، التي تتكوّن من ألف مقاتلٍ على رأسهم القعقاع بن عمرو التميمي. حيلة القعقاع: لقد تفتق ذهن القعقاع عن حيلة لم تحدث من قبل في تاريخ الحروب الإسلامية أو الفارسية؛

فقد كان معه ألف فارس قسَّمهم إلى عشرة أقسام، كل قسم يتكون من مائة، وتقدم هو في أول مائة ودخل على الجيوش الإسلامية في الصباح، وهو يكبر والمائة يكبرون معه : الله أكبر! وكأنهم هم فقط المدد للمسلمين؛ فشعر المسلمون بالراحة لوجوده، ثم بعد قليل جاء مائة آخرون يكبرون: الله أكبر! ثم بعد قليل جاء مائة آخرون يكبرون: الله أكبر! وهكذا تتابعت كل مائة حتى ظَنَّ المسلمون أن هذا المدد لا ينتهي؛ فزاد ذلك في عزيمتهم، وفي معنوياتهم، وفَتَّ في عَضُدِ أهل فارس الذين اعتقدوا أيضًا أن هذه الأعداد لا تنتهي. وعندما وصل القعقاع بن عمرو التميمي t إلى العراق، كان قد قطع في طريقه مسافة طويلة جدًّا على خيله، وعلى الرغم من ذلك نزل مباشرة إلى أرض القتال ( وكما نعلم أنه من عادة الجيوش في ذلك الحين أن ينفصل الجيشان في أول القتال ثم تبدأ المبارزة، وبعد المبارزة يبدأ الزحف والقتال العام بين الجيوش ) يطلب المبارزة، فخرج له بهمن جاذويه قائد قلب الجيش الفارسي وكان على عشرين ألف مقاتلٍ, وبهمن هذا هو الوحيد الذي انتصر على المسلمين من قبل في موقعة الجسر ( رابط للمعركة )، وقتل أبا عبيد بن مسعود الثقفي، وسليط بن قيس وهو صحابي جليل من صحابة رسول الله )، فقتل القعقاع t بهمن، وعندما قُتِلَ بهمن جاذويه حدثت هزيمة نفسية شديدة للفرس، وشعروا أن هذا اليوم يوم شؤم عليهم؛ فقد كانوا يتشاءمون ولا يتفاءلون على عكس المسلمين، فأراد رستم أن يغيَّر من نفسية الفرس، ويشد من أزرهم فأخرج للقعقاع بن عمرو البيرزان قائد مؤخرة الجيوش الفارسية ( وكان على 24000 فارسي )، وهو يقف بجيشه على ميمنة مهران الرازي قائد الميسرة، وهو أحد القواد الخمسة العظام الذين تحت إمرة رستم مباشرة، وأخرج معه قائدًا آخر اسمه البندوان كان مرشحًا لخلافة بهمن جاذويه على القلب، فخرج مع القعقاع بن عمرو الحارث بن ظبيان، والتقى المسلمان: القعقاع والحارث مع قائِدَي الفرس، فتبادلا ضربتين فقتل سيدنا القعقاع بن عمرو البيرزان بضربة واحدة طارت فيها رأسه، وكذلك فعل الحارث بن ظبيان فقد قتل البندوان بضربة واحدة أيضًا.

لقد فقد الفرس بذلك ثلاثة من أكبر قوادهم في أولى لحظات القتال من اليوم الثاني، وفي ذلك بشارة بالنصر للمسلمين، هذا فضلاً عن أن بدايات هذا اليوم كانت مبشرة بالنصر كالآتي:

أولاً: وصول المدد نحو ألف فارس مقدمة، وباقي المدد وعدده خمسة آلاف في طريقه إلى القادسية.

ثانيًا: وجود القعقاع بن عمرو التميمي في أرض المعركة، وهذه بشارة بمفرده.

ثالثًا: قَتْلُ بهمن جاذويه والبيرزان والبندوان في بداية المعركة. رابعًا: اختفاء الفِيَلَة من أرض المعركة. ولكن لماذا اختفت الفيلة؟ اختفت الفيلة لأن توابيتها قُطِعَت كُلُّها في المعركة أمسِ؛ فلم يستطع الفرس الركوب على الفيلة بدون التوابيت، والفيلة كلها موجودة في قطاع من قوات الاحتياط في الجيش الفارسي يصلحون من شأن التوابيت، وعمل الأحزمة الجديدة اللازمة لها بعدما قطعها المسلمون في اليوم السابق، ثم بدأت المناوشات مرة أخرى بين فرسان المسلمين والفرس .





الثلاثاء ١٦ جمادي الثانية ١٤٣٨ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٤ / أذار / ٢٠١٧ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب الثائر العربي عبد الله الحيدري نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة