شبكة ذي قار
عـاجـل










على أمل العودة القريبة إلى فلسطين منذ 70 سنة، عاش فلسطينيو اللجوء، الأشهر الأولى في خيم وفي العراء. ومع الأمل تحولت الشهور إلى سنوات، والسنوات إلى عقود وها قد مضى على أبعاد الفلسطينيين عن أرضهم أكثر من سبعيين سنة وكأن المؤقت تحول إلى دائم.

هذا اللجوء الفلسطيني الذي نتج عن الاغتصاب الصهيوني للأرض واحتلالها ومن ثم إغراقها بالمستعمرات الاستيطانية، توزع تقريباً على كل المحيط العربي بحشره في مخيمات مكتظة وفي ظروف معيشية صعبة.

هذا اللجوء الفلسطيني لم يمنح ناسه نفس الحقوق المدنية في الأقطار العربية التي استقر بها. إذ أن بعض النظم العربية منحت الفلسطينيين كافة الحقوق المدنية الممنوحة إلى مواطني أقطارهم، وبعض آخر، لم يمنح حقوقاً مدنية، وعلى سبيل المثال لا الحصر لبنان.. واللجوء الشعبي الفلسطيني الذي توزع على مرحلتين، الأولى، تلك التي امتدت من وقت قيام الكيان الصهيوني إلى الثانية التي أعقبت حرب 1967 ووقوع فلسطين بكاملها تحت الاحتلال، لم يعش نمطية واحدة من التعامل معه. إذ اختلفت نمطية التعامل بالنظر إلى طبيعة التطور السياسي الذي عاشه على تعاقب المراحل. فالمرحلة الأولى التي امتدت على مدى سبعة عشر عاماً، كان الوجود الفلسطيني "ساكناً"، لأنه لم تكن هناك مرجعية سياسية حائزة على شرعية إدارة شؤونه الذاتية، أما المرحلة الثانية فهي التي أعقبت انطلاق العمل الفدائي وبروز مرجعية فلسطينية أنيطت بها شرعية التمثيل الرسمي لشعب فلسطين في الداخل الفلسطيني وفي بلدان اللجوء والشتات. هذه المرحلة هي التي بدأت تبرز فيها الاختلالات في العلاقة مع النظم العربية حيث هناك تواجد شعبي فلسطيني، ثم ما لبثت أن تحولت هذه الاختلالات إلى توترات ومن ثم إلى صدامات وتحت يافطة "تعارض منطق الدولة مع منطق الثورة".

وفي كل مرة كانت الاختلالات ومن ثم التوترات والصدامات . تكبر إلى الحد الذي يصعب معالجتها بالاحتواء. كان الوجود الشعبي الفلسطيني ومرجعيته السياسية يحملان المسؤولية وما يترتب على ذلك من نتائج باعتبارهما الحلقة الأضعف في الصراع المتفجر، والشواهد على ذلك ما حصل في الأردن ولبنان وما تعرض له الوجود الفلسطيني في العراق بعد الاحتلال وفي سوريا بعد انفجار الصراع السياسي الذي تعسكرت سياقاته. وإذا كان كل خلاف يفترض وجود طرفين، إلا أنه من الظلم تحميل الوجود الفلسطيني مسؤولية الاختلالات والتوترات والصدامات اما الاختلالات العلائقية والتوترات الاجتماعية فهي على نوعين: نوع، ينتج عن السلوك اليومي في إطار الحياة المعاشة، ونوع، يأخذ بعداً سياسياً.

وإذا كان النوع الأول من الاختلالات هو أمر طبيعي وهذه لا تقتصر على الوجود الفلسطيني بل هي ظاهرة مرتبطة بطبيعة البشر وعلاقاتهم المجتمعية، ولأجل ضبطها سنت التشريعات المدنية والجزائية، فإن النوع الثاني لا يرتبط بالسلوكيات الشخصية على مستوى الأفراد والمجموعات، بل يرتبط بطبيعة المشاريع السياسية المطروحة والتي تتناول الاجتماع البشري بإدارته السياسية.

وإذا ما نظرنا لحجم الاختلالات والتوترات المرتبطة بالسلوكية الشخصية، وفي ضوء واقع مخيمات اللجوء والوضع المزري الذي تعيشه الكتلة الشعبية الفلسطينية المضغوطة، لتبين أن مستوى هذا الاختلال لا يخرج عن السياقات الطبيعية لا بل هو في إطار الظروف التخفيفية التي تمنح له أقل بكثير من تلك التي تبرز في محيط مجتمعي لا يعيش نفس الظروف الحياتية القاسية، وبالتالي فإن التحريض على الوجود الفلسطيني من منظار هذه الاختلالات، إنما ينطوي على نظرة سلبية مستبطنة عدائية سياسية.

أما النوع الثاني من الاختلالات، وهو النوع المندرج في الإطار السياسي، فإن التحريض على الوجود الفلسطيني وتحميله كامل المسؤولية عما جرى وما يجري ففي هذا ظلم كبير وذلك للأسباب التالية :

أولاً : ان الفلسطينيين في لبنان كما في سائر الأقطار العربية لم ياتوا إلى البلدان العربية طالبين اللجوء السياسي الطوعي من ظلم سياسي لحق بهم من نظام دولتهم، بل هجروا من أرضهم التي اغتصبت وسكنها مستوطنون من كل بقاع الأرض في إطار مشروع سياسي كبر تبين أنه لا يستهدف فلسطين وحسب بل الأمة العربية برمتها.

ثانياً : ان الفلسطينيين الذين هجروا وأبعدوا عن أرضهم بعد حرب 1967، لم يغادروا أرضهم طوعاً بل ارغموا على الخروج وبالتالي لا مسؤولية عليهم في المرة الأولى كما في الثانية.

ثالثاً : ان الوجود الفلسطيني الذي بات يشكل تثقيلاً على الواقعين الاجتماعي والسياسي حيثما تواجد، فهو لا يتحمل مسؤولية النتائج المترتبة، بل النظرة الفوقية والعنصرية التي حكمت سلوكية بعض القوى تجاه هذا الوجود، وانعدام الخطة القومية القادرة على استيعاب الوجود الفلسطيني استيعاباً إيجابياً وفي إطار مشروع قومي حاضن للقضية الفلسطينية.

إن انعدام وجود هذه الخطة، جعل الوجود الفلسطيني، يقف وحيداً في مواجهة التحديات المفروضة عليه في ظل ميزان قوى ليس في مصلحته وهذا ما جعل الثقل الأساسي للتمركز السياسي يتموضع في المكونات العربية الأضعف في إمكاناتها وبما جعل بناها غير قادرة على تحمل عبء الثقيل وهذا ما أدى إلى تفجر صراع فرضه الواقع الموضوعي المحيط بالوضع الفلسطيني. وبهذا يكون الوجود الفلسطيني قد ظلم مرتين.

المرة الأولى، عند الإبعاد عن الأرض، بفعل الاغتصاب، والمرة الثانية بتحميله مسؤولية التداعيات الناجمة عن هذا اللجوء بفعل تطور الوضع السياسي للواقع الفلسطيني الذي تحول من اللجوء الساكن، إلى اللجوء المفعم بحيوية الحاضن للمشروع السياسي المقاوم.

هذا الاحتضان للمشروع السياسي المقاوم، كان باعثه الوصول إلى انتزاع حق العودة، وهذا ما كانت تقاومه القوى التي تغرز مخالبها في فلسطين وما زالت.

إذاً، ان الفلسطينيين، يريدون العودة إلى أرضهم، ويرفضون التوطين وإسقاط هويتهم الوطنية. وإذا كانت تعقيدات وظروف وميزان قوى تحول وتنفيذ حق العودة، فإن مسؤولية عدم تحقيق ذلك لا تكون يرمي المسؤولية عليهم، بل باحتضان قضيتهم وتوفير الحضن الدافئ لها، وتمكين الفلسطينيين من التمتع بكافة الحقوق المدنية والتي كفلتها المواثيق الدولية وتلك المتعلقة بحقوق الإنسان.

إن أحداً لا يترك أرضه طوعاً، وإذا كانت مسؤولية وجب تحملها عن هذه المأساة الوطنية، فإنما بتحملها النظام الدولي الذي شرع الاغتصاب وبشرع التهجير الجماعي، كما يتحمل مسؤوليتها النظام الرسمي العربي الذي بعجزه وأما بتوطؤ بعضه، إنما ساهم في إدامة هذه المأساة. وأنه بدل أن ترتفع الأصوات بتحميل الوجود الشعبي الفلسطيني مسؤولية انفجار الصراع في لبنان، كان يجب، أن ترتفع الأصوات في وجه النظام الدولي وقراءة متأنية لمذكرات كيسنجر. ولو سلمنا جدلاً، أن الوجود الفلسطيني شكل عاملاً مساعداً، لرفع منسوب الاحتقان السياسي خلال حقبة السبعينات، فلماذا تستمر الأزمة وهي أكثر حدة بعد الخروج السياسي للمقاومة من لبنان؟ أليس الأمر مرتبط بطبيعة المشروع الصهيوني، أليس الأمرمرتبط بجوهر الصراع العربي-الصهيوني؟

إن أحداً لا يبرر التجاوزات وأن أحداً لا يبرر تقييد سلطة الدولة على أرضها من أي جهة أتت، وأن أحداً لا يقبل أن تكون المخيمات ملاذات آمنة للخارجين عن القانون، لكن أن توضع هذه الأعمال التي تضر بالاستقرار المجتمعي الفلسطيني قبل اللبناني في سياق مشروع سياسي يستهدف الوجود الشعبي الفلسطيني، فهذا منطق مرفوض وغير مقبول ولا يمكن لمطلقه أن يعتبره عاكساً للإرادة الوطنية الشاملة.

وإذا كان من موقف يجب اتخاذه، فهو التأكيد على حق العودة، وتمكين الفلسطينيين من التمتع بالحقوق المدنية، كما التأكيد على العلاقة الإيجابية بين الشرعية اللبنانية وشرعية التمثيل السياسي الفلسطيني، انطلاقاً من مقتضيات المسؤولية القومية.

إن الفلسطينيين الموجودين في لبنان، ليسوا موجودين بمحض إراداتهم، وأن إرادتهم وتصميمهم أن يعودوا إلى فلسطين، فليساعدوا على ذلك عن موقع الالتزام القومي والإنساني وكفى تحميل الضحية مسؤولية الجريمة التي أصابته.





الاربعاء ١٧ جمادي الثانية ١٤٣٨ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٥ / أذار / ٢٠١٧ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة