شبكة ذي قار
عـاجـل










من الشهداء الأبطال
: يخرج في هذا اليوم علباء بن جحش ليقاتل أحد الفرس فيصيب كل منهما الآخر في مقتل؛ فيضرب الفارسي المسلم في بطنه، فيقع على الأرض بعد أن ضرب الفارسي في صدره فقتله، وخرجت أمعاء علباء خارج بطنه، فقال لرجل من المسلمين بجواره : أعنِّي على بطني.

أي : ساعدني أن أدخل أمعائي في بطني؛ فأدخل أمعاءه في بطنه، ثم قام فتوجه مرة أخرى إلى أرض المعركة ليستكمل القتال ( فهو لا يود أن يتوجه إلى أرض المسلمين لينسحب على الرغم ما به من إصابة قاتلة )، ولكنه سقط شهيدًا بعد خطوات قليلة وهو يقول : أرجو بها من ربنا ثوابا * قد كنت ممن أحسن الضرابا ثم استشهد t، وكان هذا أيضًا من أوائل المسلمين الذين استشهدوا في اليوم الثاني من أيام القتال.

ثم خرج أبناء الخنساء رضي الله عنها ( وهي شاعرة من شاعرات العرب البارعات في الشعر، كانت قد أطلقت شعرًا عظيمًا في قتل أخيها صخر في الجاهلية، وبَكَتْ عليه عمرًا طويلاً، ولكنها عندما أسلمت أحضرت أبناءها الأربعة في موقعة القادسية، وأخذت تحرضهم على القتال والشهادة، وتذكرهم أن الجنة هي الموعد ودار البقاء، وأن الدنيا دار الفناء )؛ فانطلق أولادها الأربعة في هذا اليوم أيضًا للمبارزة قبل أن يلتقي الجمعان، فخرج الواحد منهم تلو الآخر، كل واحد منهم يخرج ويتلو بعض أبيات الشعر، ثم يتقدم ويحمل على الفُرْسِ؛ فيَقْتُل منهم من يَقْتُل، ثم يُستَشهد، فاستُشهِد في ذلك اليوم أبناء الخنساء الأربعة، وعندما بلغها رضي الله عنها وأرضاها خبرُ استشهادهم، قالت: الحمدُ للهِ الذي شرفني بقتلهم، وأرجو من ربي أن يجمعني بهم في مستقر رحمته. ويذكر المؤرخون في هذا اليوم بطولات عظيمة للمسلمين، وأنهم كانوا يتشوقون إلى الشهادة وإلى اليوم الذي يلقون فيه الله I، حتى يُذكَرَ أن سواد بن مالك وكان من قواد المسلمين على المشاة كان يطلب الشهادة وتستبطئ عليه؛ فقد كان يأخذ سيفه ويلقي بنفسه داخل الجيش الفارسي يقتل منهم من يقتل يبغي الشهادة فلا يستشهد، حتى اقترب من سرير رستم في عمق الجيش، ولكنه نال الشهادة التي طلبها؛ فقد أنعم الله I عليه بها قبل أن يصل إلى سرير رستم بخطوات، واستُشهد t. ثم تقدم القعقاع يطلب المبارزة 30 مرةً في هذا اليوم؛ فقتل وحده في الكَرِّ والفَرِّ ثلاثين فارسيًّا، وكل ذلك ولم يلتقِ الجيشان، واستمرت المبارزة حتى بعد صلاة الظهر في اليوم الثاني، ثم بدأ الفريقان يلتحمان مع بعضهما البعض في قتال شديد، وقد كان الالتحام في اليوم السابق من ناحية الفرس تجاه المسلمين، إلا أنه في هذا اليوم تقدم المسلمون ناحية الفرس، وضغطوا عليهم في بداية القتال عكس اليوم السابق، ثم استمر القتال بمنتهى القوة والشدة بين الطرفين من صلاة الظهر حتى منتصف الليل دون انقطاع .

عمر والتوجيه المعنوي للجيش :
وفي هذا اليوم أيضًا تصل من سيدنا عمر بن الخطاب إلى الجيش الاسلامي هدية معنوية يحمس بها الجيش ويحفزه؛ فقد بعث بأربعة خيول وأربعة أسياف هدايا إلى أهل البلاء والشدة من المسلمين، وفي الليل قبل أن تنتهي المعركة ينادي سيدنا سعد بن أبي وقاص على أربعة؛ فيعطيهم الخيول وهم: سيدنا القعقاع بن عمرو التميمي، وسيدنا نعيم بن عمرو، وسيدنا عتاب بن نعيم، وسيدنا عمرو بن شبيب وكلهم من تميم، وقد ذكرنا بأس تميم في الذود عن قبيلتي: أسد وبجيلة في اليوم الأول، وبأسها في اليوم الثاني حيث كانت في قلب المعركة، وكانت من أكثر القبائل ضغطًا على قلب فارس، ثم أعطى الأسياف الأربعة لأربعة رجال وهم: حمال بن مالك قائد المشاة، والربيل بن عمرو، وطليحة بن خويلد الأسدي، وعاصم بن عمرو التميمي. وكم كان لهذه الأسماء من دور عظيم في القتال، وبأس شديد في هذه المعركة!!

وقفة مع أبي مِحْجَن الثقفي
: من الأحداث اللطيفة التي تُرْوَى في هذا اليوم أيضًا أن أبا مِحْجَنٍ الثقفي ( ونحن نعلم أنه كان من المشاغبين في أول يوم؛ فحبسه سيدنا سعد بن أبي وقاص في قصر قديس في مؤخرة الجيوش، ورفض أن يشركه في المعركة ) مكث في القصر يرسف في أغلاله يسمع أصوات السيوف، ويسمع تكبير المجاهدين، ونفسه تتشوق إلى القتال والجهاد في سبيل الله؛ فالجنة على بُعْدِ خطوات، وهو مقيد في قيده؛ فندم على فعلته ومعصيته لأميره خالد بن عرفطة، وطلب من سيدنا سعد بن أبي وقاص أن يشركه في القتال ثاني يوم ( فهو لم يفرح لابتعاده عن ميدان القتال وهو مظنة القتل، ولكنه يود أن يجاهد في سبيل الله )، فرفض سيدنا سعد بن أبي وقاص أن يشركه في القتال، رغم أن المسلمين في أشد الحاجة إلى مقاتل مثل أبي محجن الثقفي، إلا أن سيدنا سعدًا يمنعه؛ لأنه كان مشاغبًا في بداية المعركة، وبذلك يعطي درسًا تربويًّا للمجاهدين حتى لا يتكرر هذا الفعل مرة ثانية.

وكانت زوجة سيدنا سعد بن أبي وقاص هي التي تسقي وتطعم المحبوسين داخل الحصن، فسمعت أبا محجن الثقفي ينادي عليها ويقول: يا أَمَةَ الله، هل لك في خير؟ فقالت له: وما ذاك؟ فقال لها: تفكين أسري وتعيريني البلقاءَ ( وهي فرس سيدنا سعد بن أبي وقاص نفسه، ونحن نعلم أن سيدنا سعد بن أبي وقاص مريض، وجالس فوق القصر لم يشارك في القتال، ولكن فرسه موجودة في القصر)، فأشترك في القتال، فإن سلَّمني الله عُدْتُ، ووضعت قدمي في القيد، وهذا عهد مني إليك. فقالت: ما لي أفعل ذلك؟!

أي : لا أستطيع أن أفعل هذا حتى لا يغضب سعد مني؛ فرفضت ثم عادت فسمعته يشدو شعرًا يذكر فيه تشوقه إلى الجهاد، وحسرته على أن المجاهدين في هذا الموقف، وهو في ذلك الموقف، وأخذ يبكي بكاء مُرًّا؛ فَرَقَّ قلبها لتشوقه للجهاد، وصَلَّت واستخارتِ اللهَ I، ثم ذهبت إليه، وقالت: يا عبد الله، إني قد استخرتُ الله، وقبلتُ عهدك ( أي: قبلت أن تخرج وترجع مرة ثانية إلى مكانك )، أمَّا البلقاء فلا أعيره. وبالفعل فَكَّت قيده، فذهب أبو محجن الثقفي، وأخذ البلقاء، وخرج من الباب الخلفي لحصن قديس، وانطلق إلى أرض المعركة، وقد حدث ذلك كله بعد منتصف الليل، فتلثَّم أبو محجن حتى لا يعرفه أحد، ودخل أرض المعركة في ميسرة الجيوش حيث قبيلته ثقيف، ثم بدأ يقاتل قتالاً لم يعهده العرب من قبل، وقَتَلَ من الفرس في ذلك اليوم الكثير، وظل يكرُّ ويَفِرُّ على ميسرة الفرس، حتى أحدث فيهم ما لم يحدثه العرب؛ فتعجب منه المسلمون وهم لم يعرفوا هذا الفارس، ثم عاد من خلف الجيوش وانتقل إلى ميمنة الجيش الإسلامي، وبدأ يقاتل الفرس منها؛ فقتل منهم من قتل وفعل بالفرس مثلما فعل بالميسرة، ثم عاد من خلف الجيوش الإسلامية في قلب الجيش الإسلامي، وقاتل الفرس في قلبهم، فقتل منهم أيضًا من قتل، والمسلمون يتعجبون مَنْ هذا؟! وسيدنا سعد بن أبي وقاص من فوق حصن القادسية يرى الرجل، فيقول: سبحان الله! الضبر ضبر البلقاء ( والضبر هو قفز الفرس ثم نزولها مضمومة الأيدي وهذا من شدة بأسها، أي هذه حركات البلقاء )، والطعن طعن أبي محجن. ولكنه لم يجد تفسيرًا لذلك؛ لأن أبا محجن في حبسه وفرسه مربوطة، ثم يقول: والله لولا حبسُ أبي محجن، لقلت : أبو محجن، وقلت : البلقاء.

ثم عاد بعد أن انتصف الليل وانفكت الجيوش إلى قيده، ووضع قدميه في القيد، وربط البلقاء وكأن شيئًا لم يكن، والمسلمون يتعجبون، ويقولون: واللهِ لولا أنَّا لا نرى الملائكة لقلنا: ملك يثبتنا. وهذا هو التفسير الوحيد لما شاهده المسلمون في المعركة من أبي محجن، ثم ذهبت السيدة "سلمى" زوجة سيدنا سعد بن أبي وقاص إليه في اليوم الثاني، وأخبرته بالقصة؛ لأنها لم تستطع أن تحتفظ بهذا السر الرهيب، فغضب في البداية، ثم اكتشف وجود أبي محجن في القيد، فعلم أنه وفَّى بعهده، وعاد إلى القيد؛ فسامحها وسامحه، وأطلقه في أرض المعركة في اليوم الثالث. سبحان الله! انظر إلى هذا الرجل وكم كان شوقه إلى القتال؛ فهو محبوس وله عذره، ولا يستطيع أحد من الناس أن يتهمه بالجبن، وهو بذلك الحبس ينقذ نفسه من القتال أو الموت، ولكنه يبغي الشهادة، ويقاتل حتى وإن رفض الأمير، وقد سُمِّي هذا اليوم في التاريخ يومَ أغواث؛ لأنه جاء فيه الغوث من الشام على رأسه سيدنا القعقاع بن عمرو، وكان في ذلك غوث شديد للمسلمين وكان النصر حليفهم.
 





الاربعاء ١٧ جمادي الثانية ١٤٣٨ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٥ / أذار / ٢٠١٧ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب الثائر العربي عبد الله الحيدري نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة