شبكة ذي قار
عـاجـل










حوار بين طليحة وعمرو بن معديكرب :

لكن بعدما يرجع رسول سيدنا سعد بن أبي وقاص يقف طليحة وعمرو يتحاوران، ونحن نتذكر حوارهما السابق قبل القادسية، عندما طلب طليحة أن يدخل إلى جيش فارس؛ ليأسر واحدًا منهم، فرفض عمرو، وهذا الحوار يتكرر مرة أخرى،

فيقول طليحة لعمرو : أرى أن نخوض هذه المخاضة، ونهجم على الفرس من خلفهم. هذا مع العلم أن قوته لا تتعدى 60 مقاتلاً من المسلمين، وجيش الفرس كما نعلم وصل تعداده بعد مقتل 12 ألفًا إلى 110 آلاف؛

فقال له عمرو : أرى أن نعبر لهم من أسفل. فطليحة يرى أن يعبر المخاضة ونهر العتيق ويفاجئ الجيش من الخلف، وعمرو يرى أن يعبر إلى داخل أرض القادسية ويقاتلهم من الداخل، وكان الاثنان على خطأ؛ فهذا عكس ما أمرهما به سيدنا سعد بن أبي وقاص، ولكن رأي عمرو كان فيه بعض الصواب؛ فهو يَوَدُّ أن يقاتل في أرض المعركة بحيث إذا حدثت هزيمة يستطيعون العودة، أما طُلَيحة فيريد أن يعبر المخاضة إلى أرض فارس من ورائهم ويقاتلهم، وفي ذلك صعوبة في العودة إذا حدثت هزيمة؛

فقال طليحة : ما أقوله أنفع للناس.

فقال له عمرو : أنت تحمِّلُني ما لا أطيق.

فتركه طليحة بن خويلد الأسدي، وخاض المخاضة وحده وللمرة الثانية يكرر نفس الفعل ودخل إلى الجيش الفارسي بمفرده، وكان الظلام قد حَلَّ في اليوم الثالث من أيام القادسية، ونفَّذ أيضًا عمرو بن معديكرب رأيه، وعبر بالجيش من أسفل، واشتبك في قتال مع الفرس فاستبطأهم سيدنا سعد بن أبي وقاص، وكان من داخله يشعر أنه سيحدث أمر مثل ذلك؛ فأرسل لهما قيس بن مكشوح t في 70 من المسلمين، وأَمَّره عليهما إذا وصل إلى أرض القتال، وبالفعل يصل سيدنا قيس؛ فيجد عمرو بن معديكرب مشتركًا في قتال مع الفرس، فيدبر عملية من عمليات الانسحاب الشاقة، وينسحب بالفرقة المسلمة من هذا المكان الصعب إلى جيش المسلمين، ويلوم سيدنا سعد بن أبي وقاص عمرو بن معديكرب على إقدامه غير الطبيعي على قتال الفرس، ولا نعلم ماذا حدث لطليحة؟! فقد دخل المخاضة ولم يعرف أحد عنه شيئًا؛ ثم سأله عن طليحة فلم يجد عنده خبرًا، واستمر القتال حتى منتصف الليل، ثم سمع المسلمون والفرس شيئًا عجيبًا داخل أرض فارس خلف الجيوش الفارسية كلها بالقرب من خيمة رستم، حيث أطلق سيدنا طليحة بن خويلد الأسدي تكبيرات ثلاثة : الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر! بأعلى صوته؛ فتوقف القتال عندما سمعوا هذا الصوت، وانفصلت الجيوش وعاد طليحة بن خويلد الأسدي في الظلام مرة أخرى من المخاضة نفسها إلى جيش المسلمين، وأخبر سيدنا سعد بن أبي وقاص بما فعل، وكان الهدف من ذلك إلقاء الرهبة والرعب في قلب الفرس، وبالطبع لم يفكر طليحة في عملية استشهادية مثلما فعل من قبل، ولكن كان لهذا الفعل أثر شديد ألقى الله به الرعب في قلوب أهل فارس، وشَدَّ به من أزر المسلمين؛ فعاتبه سيدنا سعد، ثم عفا عنه لعلمه أنه يبغي النصر للمسلمين والعزة لهم.

رستم يصر على مقاتلة المسلمين زحفا : نعلم أنه في كل ليلة تنفصل الجيوش، ولكن في هذه الليلة بعد تكبير سيدنا طليحة انفصلت الجيوش نسبيًّا، ولكن لم ينته القتال تمامًا، فكل فريق من الفريقين يود مواصلة القتال؛ فتجهزت الصفوف الإسلامية مرةً أخرى صفوفًا كما تفعل، وتجهزت الصفوف الفارسية كذلك، وخرج فرسان المسلمين في منتصف الليل يطلبون المبارزة ( كأنه أول القتال: فارسًا لفارس ) فلم يخرج لهم أحد من الفرس، وأَصَرَّ رستم على الزحف ( أي أن يقاتل المسلمين بجماعة من الفرس، وليس فردًا لفرد؛ لأن المهارة الإسلامية تقتل أفضل الأفراد في الجيش الفارسي، وفي ذلك خسارة كبيرة لهم )، وعلم سيدنا سعد بن أبي وقاص أن الفرس يبغون الزحف؛ فأمر الجيوش بألا تزحف إلا بعد أن يلقي ثلاث تكبيرات مثلما حدث في أول يوم للقتال إيذانًا ببدء القتال، ثم يطلق سيدنا سعد بن أبي وقاص التكبيرة الأولى؛ فتتحمس الجيوش للقتال وتستعد حتى تهجم على الفرس بعد التكبيرتين، وفي هذه الأثناء يتراشق الطرفان بالسهام والنبال، فيقع سهم في قلب سيدنا خالد بن يعمر التميمي، وكان صديقًا حميمًا لسيدنا القعقاع بن عمرو التميمي، فقد كان بجانبه في المعركة، وفجأة وقع السهم في قلب خالد بن يعمر فقتله، واستشهد t؛ فتعجل سيدنا القعقاع الأمر، وحركه استشهاد صديقه لأن يحمل بفرقته ( قبل أن يطلق سيدنا سعد بن أبي وقاص التكبيرة الثانية أو الثالثة ) على قلب الجيش الفارسي ( ونحن نعلم أن سيدنا القعقاع يقف مع قبيلة تميم في قلب الجيش أمام قطاع بهمن، ونعلم أيضًا أن بهمن والبيرزان قد ماتا، وأصبح قطاعهما في الأمام ) فحمل عليه القعقاع، ولكن ماذا كان رَدُّ فعل سيدنا سعد بن أبي وقاص؟ حكمة سعد بن أبي وقاص: كان سيدنا سعد يعلم مدى حرص سيدنا القعقاع على نصر المسلمين، وأن هذا الخطأ منه ليس فيه كِبْرٌ أو اعتراض على الأمير، ولكنها حماسة المعركة؛ فيقول سيدنا سعد: اللهم اغفرها له وانصره ( ونحن نعلم أن دعوة سيدنا سعد بن أبي وقاص مستجابة )، قد أَذِنْتُ له إذْ لم يستأذني.

وذلك حتى لا يُنزل الله I سخطه على الجيش بمعصية أحد الجنود، ويقاتل سيدنا القعقاع بن عمرو التميمي في الليل قتالاً شديدًا، وتدور رَحَى المعركة على قبيلة تميم، ثم يطلق سيدنا سعد بن أبي وقاص التكبيرة الثانية، والمسلمون يشعرون بقتال سيدنا القعقاع، وكل الناس يتشوقون للقتال، وقد قام خطباء المسلمين في هذه الليلة الثالثة يحفزون المسلمين ويرغبونهم في الجنة؛ فيقول لهم الأشعث بن قيس : يا معشر العرب، إنه لا ينبغي أن يكون هؤلاء القوم ( قبيلة تميم ) أجرأ على الموت، وأسخى نفسًا منكم. لا تجزعوا من القتل فإنه أماني الكرام، ومنايا الشهداء. ويقوم حنظلة الكاتب كاتب رسول الله، فيقول : يا أيها الناس، لا تجزعوا مما لا بُدَّ منه؛ فالصبر أنجى من الفزع. وكذلك قام ضِرَار بن الخطاب t ( وكان قد عاد مع جيش الشام إلى أرض القادسية )، وقام غيره يحفزون المسلمين. وبعد أن أطلق سيدنا سعد بن أبي وقاص التكبيرة الثانية حملت بعض قبائل المسلمين دون انتظار للتكبيرة الثالثة من سيدنا سعد بن أبي وقَّاص، وممن حمل : عاصم بن عمرو التميمي أخو القعقاع، ويبدو أنه شعر أن القعقاع في مأزق شديد بمفرده في مواجهة الجيش الفارسي؛ فحمل استبطاءً لتكبيرة سيدنا سعد بن أبي وقاص t الثالثة، فحمل بكل قبيلة تميم المتبقية، وحملت قبائل أسد وكندة وبجيلة وهؤلاء يُكَوِّنون أكثر من ربع الجيش الإسلامي، وهؤلاء جميعهم حملوا في لحظة واحدة دون استئذان من سيدنا سعد الذي كان يرى الفرق تحمل الواحدة تلو الأخرى،

ويقول : اللهُمَّ اغفر لها وانصرها، قد أَذِنتُ لهم إذ لم يستأذنوني. ولما رأى أن جميع الفرق ستخرج؛ أطلق التكبيرة الثالثة حتى يصبح الأمر من عنده .. وبالفعل خرجت الجيوش الإسلامية كلها بعد منتصف الليل بقليل تحصد الفرس حصدًا في هجوم شديد، وضغطت على الجيوش الفارسية كلها قرب نهر العتيق، وفي هذه الليلة يستشهد أرطاة بن كعب وكان يحمل لواء النخع، وهذا اللواء أعطاه له رسول الله وقال له: "إن هذا اللواء يحمله أرطاة ما بقي". وظل يحمل هذا اللواء حتى استشهد، وقبل أن يسقط منه التقطه دريد بن كعب أخوه، فاستُشهد، فالتقطه قيس بن كعب أخوهم الثالث، فاستشهد. وممن استشهد في هذا اليوم أيضًا سيدنا عبد الله بن أم مكتوم وهو الأعمى الذي نزلت فيه سورة ( عبس وتولى )، وكان له عذره، إذ كيف يخرج للقتال وهو أعمى؟! ولكنه يحمل راية المسلمين ويقول : أُكَثِّرُ سواد المسلمين في سبيل الله. أي أنا أقف فقط؛ لكي يتخيل الفرس ان عددنا اكثر مما عرفون





الاحد ٢١ جمادي الثانية ١٤٣٨ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٩ / أذار / ٢٠١٧ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب الثائر العربي عبد الله الحيدري نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة