شبكة ذي قار
عـاجـل










المقدمة :

- تدخل الدين في السياسة .. وتقديم الآيديولوجيا ( الدينية ) على الهوية القومية :

- برنامج المساعدات الخارجية الأمريكي الجديد، ماذا يعني؟ :

- إستعراض العضلات في السياسة .. إختبار القوة، الأهداف والأحتمالات :

1 - أ - تدخل الدين في السياسة :

 إن فراغ الأمن أو القوة، الذي أوجده الأحتلال الأنكلو - أمريكي للعراق قد حَتَمَ اختفاء أسس ( السياسة ) ، الحقيقية ومقوماتها القائمة على سلطة الشعب في الحكم والفصل بين السلطات وتكريس السيادة والأستقلال الوطني .. حَتَمَ إختفائها في الفوضى، وفسح المجال واسعًا لتوغل المذهبية العقيدية في السياسة لملء هذا الفراغ .. ومن هنا نشأ إقحام ( الدين - المذهب ) في السياسة من أجل قيادتها وإستلاب وظيفتها المعروفة.

ومن هذا الجانب ايضا، يتوجب معرفة هل أن الدين ( يَتدَخَلَ ) في السياسة أم أنه ( يتداخلَ ) فيها ؟ وإذا كان لكل من الدين والسياسة وظيفته الخاصة، فكيف يحصل التدخل وكيف يحصل التداخل؟

- لماذا الأصرار، ومنذ بضعة عقود، أي في أعقاب التدخل السوفياتي في أفغانستان، على أن يكون للدين شئنًا ملموسًا في عالم السياسة، بمعنى أن يتدخل الدين في السياسة ويقود مفاصلها المهمة ويدير علاقاتها كلما تطلب الأمر ذلك؟ وما المقصود في وضع مفهوم الدين ومفهوم السياسة في إطار واحد؟ ولماذا الغموض الذي يحف العلاقة فيما إذا كان الأمر ( تدخلاً ) أم ( تداخلاً ) مرسومًا لأهداف سياسية - إستراتيجية، تكشفت نتائجها بعد بضعة عقود .. والفرق واضح تمامًا بين التدخل والتداخل، قد يحتاج الأمر إلى بعض التوضيح لفك التشابك المتعمد في غموض العلاقة بين الدين والسياسة.

- الأتجاه المتعمد هو ( تدخل ) الدين في السياسة، وليس ( تداخل ) الدين بصورة غير مباشرة في السياسة .. لأن مفهوم الدين وكذا السياسة واضحان ولا حاجة للتفسير أكثر مما يجب - ليس ذلك في مفهوم الفقه - حيث تحدد ( وظيفة ) أي منهما طبيعة وجودها .. فللدين وظيفة روحية إصلاحية إرشادية ساميه .. فهو لا يصدر قرارات سياسية دنيوية .. فيما تصدرها السياسة لتصريف شؤون الدولة بكامل وظيفتها المدنية المخولة من لدن الشعب صاحب السلطة الحقيقية في تخويل السلطة السياسية ولأغراض العلاقات السياسية بين الدول .. وللدين أيضا وظيفة روحية تشريعية تلامس حاجات المجتمع ومداخل ومفاصل العلاقات بين أفراده لتسوية نزاعات أو خلافات تضفي عليها مفهوم الحق والعدل والأنصاف وخاصة موضوعة ( الحقوق ) ، تضعها الدولة في قاعدة القوانين التشريعية، مكفولة بدستور، وتقوم أجهزتها التنفيذية بأحكامها بالتطبيق، كلما دعت الحاجة إليها.

- لا تغيب تشريعات الدين من قوانين الدولة .. ولكن الدين لا يصنع القوانين ولا يتحول إلى سلطة تنفيذية لتطبيقها .. هنا ينشأ ( التدخل ) في السياسة، لأن التنفيذ والتطبيق منوط بوظيفة سياسية أما الأرشاد والتبصير والتنوير فهو من وظيفة الدين.

أشكال ظهور التداخل بين رجل الدين ورجل السياسة :

- حين يمارس رجل الدين السياسة في هذا العصر، فهو بهذا العمل يضفي على وظيفته الدينية وظيفة أخرى هي السياسة .. ولما كانت الوظيفتين لا تستقيمان تحت سقف واحد، لأسباب عديدة تقع في مقدمتها قدسية النص الديني وإشكالية القرار السياسي .. فأن مسألة إرجاع رجل الدين إلى وظيفته الروحية الأرشادية التنويرية التبصيرية وترك الوظيفة السياسية لرجالات السياسة، هي مسألة في غاية الأهمية، طالما عاشها الغرب وتخلص من تلك الجدلية التي يتداخل فيها الديني في السياسي .. وإن إختزال الدين في بعده الروحي عن قواعد العمل السياسية المؤسساتية .. وعملية الفصل بعدم التداخل بين الديني والسياسي، لا تشكل أي إسقاطات عند التعاطي بفصل الدين عن السياسة .. ولا مفاضلة في هذا الطرح بين دين ودين في مسألة التداخل لا في المعطى الواقعي ولا في التاريخي ولا في مسألة التمايز القيمي .. فالتفاضل في الأسلام على أساس ديني وليس مذهبي ولا علاقة له بالنسب والحسب .. فالموضوعة حصرًا هي ( الدين ) و ( السياسة ) .. فتدخل الدين في السياسة يؤذي الدين ويلوثه، ويشل السياسة ويعرقلها في تصريف شؤون الثنائيات في العلاقات والمتعددة الأطراف .. فالدين لم يبنِ دولة قومية بالمعنى الحديث، ليس ذلك في إطار الثنائيات إنما في المجمل العام الكائن بين الدول عامة وفي المجتمع الدولي والعلاقات الدولية .. فالدين يمكن أن يؤسس في التعامل الأجتماعي ويشارك في الأرشاد والتوعية بعيدا عن السياسة، ويدخل التشريع القانوني في تصريف شؤون المجتمع ، كما يحصل في أندونيسيا التي تجاوزت مرحلة العالم الثالث إلى العالم الرابع من حيث التطور والتقدم والأنتاج فيما هي تعتمد على التشريع الأسلامي إعتمادًا أساسيًا، لا أن تجعل المؤسسة الدينية من نفسها مؤسسة سياسية تتولى دفة الحكم، حيث يتداخل الديني في السياسي .

- فأذا كان الدين المسيحي دين روحي، وهو كذلك، لم يأتِ بنظم تشريعية للمجتمع، فأن الدين الأسلامي الحنيف هو دين روحي له تنظيم تشريعي للمجتمع .. ولا غبار على ذلك أبدًا، إذ يظل في نطاق ( التشريع ) القانوني والدستوري دون حشره في إطار السياسة وألآعيبها وتناقضاتها وتراجعاتها وكبواتها وتدليسها ومساوماتها وفضاعات بعض قراراتها .. ومن الصعب تصور أن تكون نصوص الدين المقدسة، التي لا إجتهاد فيها، في خضم هذا الكم الهائل من سياقات السياسة وأساليبها الملتوية، التي تعني بإدارة وتصريف شؤون الدولة الخارجية.!!

- هذا على مستوى ( الدين ) العام، فما بالنا على مستوى ( المذهب ) .. دعونا نرى الأمور من زاوية الطائفية حين تتدخل في السياسة على سبيل المثال لا الحصر :

1 - لا تقبل الطائفية إلا منطق واحد وتحارب المنطق الآخر.

2 - لا تقدم الطائفية حلولاً إنما تفرخ مشكلات يعاني منها الجميع .

3 - لا تخدم الطائفية المجتمع الموحد الآمن المستقر إنما تسعى إلى تمزيقه وتدميره.

4 - لا تصبح الطائفية حلاً بل مشكلة للجميع .

5 - الطائفية تتفرد ولا تتعايش أو تدعوا إلى العيش المشترك بسلام.

6 - الطائفية محرك لغرائز التفرقة والتناحر والأقتتال وسفك الدماء، وليس دافعًا لحب الحياة وبنائها بما يرضي الناس جميعًا.

7 - مصلحة الطائفية في ذاتها المتفردة وليست في الذات الجمعية الوطنية.

8 - الطائفية تضخم نفسها على حساب الدين، بل تعمل على تمزيقه، فهي بهذا لا تؤمن بجوهر الدين ولا بالقيم الأنسانية التي تحملها رسالة للعالمين، بل تعمل على تجريد الأنسان من إنسانيته وقيمه ليتحول إلى كائن فاسد وقاتل.

9 - تزيد الطائفية الناس فقرًا وتغني المستفيدين غنًا وثروة وجورًا وتقسم المجتمع ولا تسعف فقراءه ومحتاجيه في الأمن والغذاء والسلم الأجتماعي.

10 - لا تؤمن الطائفية بأي هوية قومية، لأنها تشعر فوق الدين وفوق القومية، ويتغول فيها التطرف والتعصب والغلو على حساب المجتمع.

11 - لا تبني الطائفية البلاد ولا تصلح العباد، إنما تتبنى سياسات ما وراء الحدود لا تمت للوطنية بصلة .

12 - الطائفية سلاح بيد الأجنبي وليس أداة بيد الوطنية للبناء والتطور.

13 - والطائفية تستثمر الأرهاب وسيلة للوصول إلى غاياتها غير المشروعة، ولا تستجيب لغير النزعة الطائفية لتكريس السلم الأجتماعي.

هذا هو واقع الطائفية من أي طرف كان في المجتمع إذا مارست دورها وتدخلت في السياسة .. وكما نرى واقع الحال في العراق حين تدخل الأستعمار الأنكلو - الأمريكي - الأيراني، حَوَلَ مسارات الأحداث بطريقة تفكيك الشعب العراقي بأداة الطائفية المقيته.!!

ليس ما تقدم يأتي من باب إقصاء الدين عن الدولة، بل وضع الدين في نصابه التشريعي والقانوني الصحيح، دون أن يتمدد ليقود السياسة، كما أسلفنا، على وفق مفهوم الدولة الحديثة .. فالدولة الأيرانية ( دينية مذهبية ) في مظهرها العام ولكنها ( قومية ) في جوهرها الخاص، تمارس سياسة دولة لها إستراتيجيتها وتكتيكها .. فهي تظهر بنزعة ( دينية - مذهبية ) ، وتعمل في الوقت ذاته على تحقيق أهدافها الأستراتيجية - فما هي المسحة الدينية في وصول إيران عبر العراق إلى سوريا إلى حافات البحر الأبيض المتوسط لأنشاء قواعد عسكرية هناك، مثلا ؟ هذه أهداف دولة وليست أهداف دين أو مذهب .. المذهب هنا تحول إلى أداة للأستراتيجية القومية الفارسية - . وكذا الأمر ( إسرائيل ) فهي ( دولة ) من شتات القوميات في العالم تسعى إلى بناء ( دولة يهودية ) .. فالدين ليس دولة، ولا جمهورية، الدين دين روحي سماوي ليس له إطار ملكي أو جمهوري أو رئاسي، كما يحلو لإيران تسمية نفسها بالجمهورية الأسلامية، والأسلام براء منها، الأسلام يقول ( لا تعتدو أن الله لا يحب المعتدين ) ، الدين الأسلامي يدعو إلى السلام والعدل والرحمة بين البشر.!!

الدولة بكيانها وهياكلها ومقومات وجودها تحتضن كل مكونات شعبها من قوميات واديان وطوائف وتراث حضاري، والدين لله والوطن للجميع، أما المطلقات في ( المذهب ) فهي إقصائية، بينما تحت خيمة الدولة تنضوي كل الأديان والقوميات والمذاهب يسودها دستور الدولة وقوانينها دون تفريق .. فالتشدد الديني والأجتماعي حالات موجودة في كل الأديان لا الأسلام وحده .. أما التطرف ( الديني - السياسي ) فهو أمر مختلف لم تعرفه المجتمعات الأسلامية أبدًا إلا بعد مجيء خميني للسلطة عام 1979، الذي شجع على التطرف المذهبي ( شيعي وسني ) من أجل استخدام القوة للوصول إلى الحكم والتمدد إلى ما وراء الحدود في صيغة جيوش مليشياوية إرهابية تكون بديلاً عن الجيوش الوطنية، تتشكل من خليط مليشيات عراقية ولبنانية وافغانية وباكستاني وإيرانية ، وبالتالي فهو تطرف إرهابي يهدد مشروع الدولة الوطنية والقومية.!!

2 - ب - تقديم ( الآيديولوجيا الدينية - المذهبية ) على الهوية القومية :

القومية هي هوية إنتماء قومي، هي الثابت الوجودي بالضرورة، والدين الأسلامي الحنيف روح هذه الهوية، متلازمة وجودية كائنة بين القومية العربية والدين الأسلامي لا جدال في إنفصالها .. الأيديولوجيا - الدينية وهي في نهجها الحركي الذي يسيس النهج في واقع السياسة يواجه تناقضًا بارزًا بين ( الممكن ) في السياسة وبين المستحيل في التطبيق على ارض الواقع .. كما انها في تنظيرها تقفز على حقائق الواقع بالعام على الخاص : بمعنى النهج ( الأممي ) الذي يقفز أو يتجاهل ( القومي ) الذي هو مرحلة من الصعب تجاوزها أو تجاهلها، لأنها أساس الهوية القومية التي تأسس أركان نظام الدولة الحديثة .. فالأيديولوجيا ( الشيوعية ) وهي ليست دين ، ذات الأبعاد الأممية قد فشلت نظريًا وعمليًا بسبب كونها تجاوزت مفهوم ( القومية ) كمرحلة أساسية لمسيرة البناء والتطور.

والراهن أن ( الآيديولوجيا - المذهبية ) التي تشيعها إيران تعمل على تجاوز ( الدين ) الأسلامي الحنيف، كما تعمل على تجاوز ( القومية العربية ) كهوية وجود الأمة العربية، من أجل إلغائها .. والفشل يعم الآيديولوجيا الدينية المسيسة، التي تتجاهل حقيقة الوجود القومي واهميته في إرساء دعائم النظم السياسية المدنية .. فالدولة المذهبية الأيرانية تجاوزت كل الحدود الدينية والقومية لتأسيس نهج مذهبي فارسي في خارج حدودها الأقليمية .. وهي تجربة قسرية دموية وعدائية فاشلة ، تعمل بإزدواجية المعيار ( الباطني والظاهري ) على منهج التقية .

فالخطأ الفادح يكمن في تقديم أيديولوجيا العقيدة الدينية المسيسة على الهوية القومية .. وحتكار الموقف بقرار التجاوز أو التجاهل على الوطنية والقومية يعد شكلاً من أشكال عدم اليقين في مسألة أولويات بناء المنهج، الذي يفضي إلى النجاح ويتلائم مع الواقع المعاش.

- برنامج المساعدات الخارجية الأمريكي الجديد، ماذا يعني؟ :

- تحولات في الثلاثي : واشنطن - الأتحاد الأوربي ( الناتو ) - المنطقة العربية :

- إستعراض العضلات في السياسة .. إختبار للقوة .. الأهداف والأحتمالات.!!

يتبـــع ..





الجمعة ٧ رمضــان ١٤٣٨ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٢ / حـزيران / ٢٠١٧ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. أبا الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة