شبكة ذي قار
عـاجـل










من يراقب السلوك الأمريكي .. يجد أن كبح جماح عدوان النظام الأيراني المستمر على أكثر من جبهة - في العراق وسوريا ولبنان واليمن والبحرين والتدخل الوقح في الشؤون الداخلية للأقطار العربية والبلدان الأسلامية وغيرها - يجد نفسه أمام حالة مريبة وفاضحة للنيات الأمريكية، وخاصة أمام حالتين متزامنتين على خط سياسي واحد مترابط من حيث التوظيف الأستراتيجي الأمريكي الأيراني - ، دعونا نفصل هاتين الحاتين السياسيتين الأمريكيتين :

1- السلوك السياسي الأيراني المنحرف عن قواعد القانون الدولي وعن مبادئ ميثاق الأمم المتحدة والأعراف الدولية ومبادئ حسن الجوار، موجه وبصورة مستمرة ومتصاعدة بالضد من الأقطار العربية والبلدان الأسلامية وغيرها في العالم .. هو سلوك عدواني وإرهابي بإمتياز.

2- السلوك السياسي الأمريكي المخاتل، الذي يدعو إلى وقف التمدد الأيراني وكبح جماح النظام الأيراني في تحديه وتهديده المستمر للمصالح الأقليمية والدولية ومحاولاته فرض سيطرته الوقحة والفارغة على الممرات المائية والمعابر والمضائق، كمضيق باب المندب والمضيق العربي على رأس الخليج العربي، وتهديد الملاحة الدولية بنشر الألغام البحرية وإنتشار سفن القرصنة التابعة للحرس الأيراني وإطلاق الصواريخ الباليستية الأيرانية من اليمن لتصيب الأراضي السعودية .. وبالتالي السلوك الأيراني يزعزع أمن المنطقة وإستقرارها .

إذن .. لدينا مشكلة رئيسة خطرة وداهمة وسياسة أمريكية مراوغة :

أولاً- إستمرار التهديد الأيراني دون رادع - وهو الأمر الذي يستوجب على جامعة الدول العربية من جهة والدول العربية المعنية بالأمر من جهة ثانية، التحرك السريع ومطالبة مجلس الأمن الدولي بتفعيل مهماته العاجلة في تطبيق مبادئ ميثاقه والتصرف دون تردد بتطبيق الفصل السابع إذا لم تتوقف إيران عن تمددها وتدخلها في الشؤون الداخلية للدول الأخرى وتهديدها لأمن المنطقة وزعزعة إستقرارها .. والتحرك العربي الجمعي لأتخاذ تدابير قطع العلاقات السياسية والتجارية ووقف حركة الطيران والتعامل المصرفي وغلق مؤسسات التمثيل السياسية والقنصلية والتجارية والثقافية والعسكرية لكي تضع القيادة الأرهابية في طهران أمام الأمر الواقع .. ولكن لم يكن كذلك، فقد إقتصر على إستخدام عبارات التنديد والأستهجان والأستنكار دون أن يصاحب هذا الكلام إجراءات سياسية واقتصادية ودبلوماسية أو عسكرية رادعة، حتى جاءت عاصفة الحزم، وهي إجراء دفاعي - .

ثانيًا- إقتربت سياسة الرئيس " ترامب " من المنطقة في إثر إبتعاد سياسة الرئيس " أوباما " عنها، لأهداف ( ظاهرها ) مواجهة الخطر الأيراني الداهم و ( باطنها ) إستنزاف موارد المنطقة المالية من خلال الأستثمار وشراء الأسلحة الأمريكية من جهة، وممارسة سياسة رسمية مؤسساتية بإجراءات سطحية لا تنم عن أي حزم رادع للمعتدي الأيراني، ولا تتناسب هذه السياسة مع التمدد المليشياوي المسلح والتدخل والتهديد الخطر للمنطقة ولممراتها المائية ومعابرها ومضائقها وخاصة إطلاق الصواريخ الباليستية الأيرانية من أراضي دولة ذات سيادة إلى دولة ذات سيادة، وإستمرار هذا التهديد بصورة سافرة يحمل صيغة يتحدى فيها مجلس الأمن الدولي والمنظمة الدولية .

ثالثًا- السياسة الأمريكية الراهنة، التي لم تخرج كثيرًا عن سياسة الأدارة الأمريكية السابقة، كانت ومنذ بدايات ( ماراثونها ) الأنتخابي الرئاسي قد لوحت بتنفيذ قرار مجلس الشيوخ المؤجل بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس وهي تضع في إعتبارها كل الأحتمالات وردود الأفعال العربية والأسلامية والدولية بما فيها سيناريوات الرد على تلك الأحتمالات في ظل التوافق الأستراتيجي القائم بين واشنطن وطهران لتفكيك المنطقة وإعادة تشكيلها في إطار مشروع الشرق الأوسط الكبير .. ولكن الظروف حسب صانع القرار الأمريكي لم تكن مناسبة للأعلان عن موضوعة القدس التي وعد بها " دونالد ترامب " منظمة ( الإيباك ) الصهيونية التي دعمته بقوة من أجل تحقيق هذا الهدف، وهذا يتطابق مع مجيء " بوش الصغير " إلى البيت الأبيض لغرض إعلان الحرب على العراق وإسقاط نظامه الوطني تمهيدًا لنقل السفارة الأمريكية إلى القدس والأعتراف الأمريكي بأن القدس ( عاصمة ) أبدية للكيان الصهيوني، وهو قرار صلف يتحدى القوانين والمواثيق والأتفاقات والقرارات ذات الصلة كما يتحدى إرادة العرب وإرادة المسلمين في العالم .. لأن النظام الوطني كان عائقًا عمليًا لا تسطيع أمريكا ولا غيرها أن تجرؤ على تحريك هذا القرار نحو التنفيذ .. وعلى هذا الأساس جاء قرار الوكالة الصهيونية بإسقاط النظام الوطني في العراق عن طريق الحرب وتدمير الدولة والعمل على إرجاعها إلى ( العصر الحجري ) .!!

رابعًا- سياسة ( السلحفات ) الأمريكية لمعالجة حالة التهديد الأيراني الخطرة التي تزعزع إستقرار المنطقة وأمن دولها وشعوبها، هي سياسة لم تكن غريبة، طالما ( أن أحد سماتها يؤكد أنها لا تريد أن تحسم أي ملف إقليمي، إنما تترك الملفات مفتوحة، لتظل تمسك بخيوط إدارة الصراع دون حلول، لأنه ليس من مصلحتها حل الملفات ) .!!

خامسًا- إن السياسة الأمريكية الراهنة تعالج واقع الملفات الأقليمية بالقدر الذي يحقق ما يلي :

1- الأمن والمصلحة والأهداف الأسرائيلية في المنطقة .

2- المصلحة الحيوية المرتبطة بالأمن القومي الأمريكي .

وفي ضوء الحركة الأمريكية حيال المنطقة وعقدها إتفاقيات التسليح والأخرى إستثمارية مع بعض دول الخليج العربي .. والتهديد الأيراني المستمر الذي يحمل طابع التحدي .. وفي ضوء إحتمال أن يشعل حزب الله فتيل الحرب مع الكيان الصهيوني بأمر طهران لخلط الأوراق وطمس الأدلة والبراهين والقرائن بشأن الصواريخ الباليستية الأيرانية التي بقاياها لدى الأمم المتحدة .. فماذا تروم الأدارة الأمريكية فعله إزاء إيران من جهة وإزاء الوعد الأمريكي لنقل السفارة الأمريكية إلى القدس والأعتراف بها عاصمة لسلطات الأحتلال الأسرائيلية؟! :

3- أعلنت أمريكا رسميًا على لسان " نيكي هيلي " مندوبة أمريكا لدى الأمم المتحدة ( إن واشنطن تريد بناء تحالف دولي للتصدي لسلوك إيران، حيث لديها الكثير من الخطوات لمواجهة الخطر الأيراني ) ودعت ( كافة الدول إلى الأنضمام إلى بلادها لمواجهة هذا التهديد، حيث بينت إنه على المجتمع الدولي أن يتحرك قبل أن تصبح إيران مثل كوريا الشمالية ) .!!

4- والغريب في الأمر أن التهديد الأيراني بلغ مستوى خطرًا بإستخدامه الصواريخ الباليستية وشحن الأسلحة والذخيرة والصواريخ إلى الحوثيين الذين يقودوهم الحرس الأيراني في اليمن- على غرار ما قدمه لحزب الله في الجنوب اللبناني عبر سوريا من سلاح ثقيل وصواريخ باليستية- فيما تعقد أمريكا صفقات الأسلحة مع دول المنطقة بمليارات الدولارات تحت سقف التهديد الأيراني، وتعلن أن ( تحركها ) الرسمي سيبدأ ويتوسع ليشمل المجتمع الدولي من أجل بناء ( تحالف ) لمواجهة الخطر الأيراني على المنطقة - والخطر هذا داهم وعلى الأبواب - والأولى بمجلس الأمن أن يطبق ميثاقه فورًا بإعتبار أن السلوك الأيراني يعد خرقًا فاضحًا لقواعد القانون الدولي وتهديدًا للأمن والسلم الدوليين .. ولكن أمريكا لم تلجأ إلى مجلس الأمن لأعتبارات ( الفيتو ) الروسي وفضلت ( الشراكة الأستراتيجية ) لكبح جماح السلوك السياسي الأيراني الأرهابي على وفق سياسة ( الأحتواء ) المتدرج بعد أن تستكمل إستنزافها للموارد العربية أولاً، وتضع الأمة العربية والعالم الأسلامي أمام قضية أكثر خطورة وهي قضية القدس لكي يتم إستثمارها على مسار سياسي واحد كمعادلة صعبة .. إما كبح جماح التهديد الأيراني أو الأعتراف بالقدس عاصمة أبدية للكيان الصهيوني ثانيًا .. والأدارة الأمريكية مصرة على موقفها ولم تكترث لعلاقاتها مع دول المنطقة، وهي تدرك مدى خطورة موضوع القدس في مسائل السياسة والأمن والوضع الأستراتيجي للمنطقة والعالم الأسلامي، إلا أنها لم تكترث لما سيتمخض عن قرارها من تغيرات وتحولات في السياسة والأمن والمجتمعات من هزات وإرهاصات وإنتعاش لدوافع الأرهاب .

5- طرح موضوع القرار الأمريكي المتهور على مجلس الأمن الدولي، وكان المتوقع إستخدام أمريكا ( الفيتو ) .. فهي بموقفها هذا تؤكد إنحيازها المطلق للكيان الصهيوني المحتل للأراضي الفلسطينية منذ عام 1948 ولحد الآن، كما أنها أسقطت طبيعة وساطتها حين إنحازت وتبنت أهداف الكيان الصهيوني ومشروعه من النيل إلى الفرات .

6- أحيل ملف القدس إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة .. ولكن الأدارة الأمريكية المتصهينة هددت الدول العربية والأسلامية وأي دولة تدلي بصوتها بالضد من قرارها المجحف، بأنها ستقطع عن تلك الدولة أو الدول مساعداتها الخارجية .. وهنا يظهر الأبتزاز السياسي الأمريكي لدول العالم ، إما أن تؤيد قراراتها المجحفة وتؤيد المشروع الصهيوني، عند ذلك ستستمر المساعدات الأقتصادية والمالية والعسكرية ، وخلاف ذلك ستقطع كل هذه الموارد .. وبرنامج المساعدات الخارجية الأمريكي قائم على سياسة الأبتزاز والكيل بمكيالين ( Standard Policy ) ، وعلى معايير لا تمت للعدل والأنصاف والأنسانية بصلة أبدًا .

7- وهنا تظهر السياسة الأمريكية الراهنة وهي تلعب بكل صراحة ووضوح بشروط سمسار العقارات - إما تقبل بهذا أو تقبل بذاك - وهو أمر لا يستقيم مع الحقوق ولا مع الأنسانية ولا مع الأخلاق ولا مع الأعتبارات التي تأخذها الدول في تعاملاتها .

فهل تستجيب الدول العربية والدول الأسلامية للأبتزاز الأمريكي ؟ وهل تتراجع أمريكا عن قرارها وتعيد النظر فيه لترجعه إلى خزانة البيت الأبيض من جديد؟ .. وهل أن أمريكا تريد أن تتبني هذا الملف الذي قد تمتد سياسته حتى نهاية ولآية " ترامب " الثانية إذا ما أستمر في منصبه ؟!

ثم .. ما الذي تعنيه أمريكا بأنها تسعى إلى ( تحالف دولي ) ؟ هل هو ( شراكة إستراتيجية ) غربية تقودها أمريكا ؟ أم تحالف ( عربي- إسلامي ) يتشكل بقيادة أمريكا لأغراض مواجهة الخطر الأيراني؟ ، ثم ما هو شكل المواجهة، هل هي عسكرية أم إستخباراتية عملياتية تتناول العمق الأيراني؟ ثم ، ما هو السقف الزمني المتوقع للأنتهاء من بناء التحالف الدولي ؟ في الوقت الذي يعمل فيه الأيرانيون على التوسع والتهديد وتسريع وتائر التخصيب في مفاعلاتهم النووية وتصنيع الصواريخ الباليستية وإختبار تجاربها في ميادين الصراع دون رادع ، والجميع في صمت مطبق كصمت القبور .. إصحو يا عرب ويا مسلمين ويا عالم التمدن والحرية.!!





الجمعة ٤ ربيع الثاني ١٤٣٩ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٢ / كانون الاول / ٢٠١٧ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب الرفيق الدكتور أبو الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة