شبكة ذي قار
عـاجـل










المقدمة :

قال" يفغيني بريماكوف " الذي تولى رئاسة الاستخبارات الروسية ووزارة الخارجية ورئاسة الوزراء سابقًا في كتابه الذي صدر في باريس يوم 20 / 12 / 2003 ، تناول فيه جملة من الموضوعات المهمة منها الإرهاب الدولي وعلاقته بالمتطرفين الإسلامويين وليس الإسلام ، وصراع الحضارات وليس على قاعدة التدمير إنما بمستوى التلاقح الحضاري والفكري ، وأهمية تأسيس نظام عالمي متعدد الأقطاب من أجل توازن أكثر وتوتر أقل ، ووضع تصوره لهذا النظام على النحو التالي :

1- الولايات المتحدة الأمريكية كقوة عظمى مهيمنة إلى حدٍ ما .

2- الاتحاد الأوربي ، الذي يعادل أمريكا من حيث القوة الاقتصادية وقد يتفوق عليها .

3- روسيا تظل حتى الآن القوة العسكرية والذرية الثانية في العالم .

4- القوة الاقتصادية للصين وهي تتزايد بشكل مضطرد ، وكذلك قوتها العسكرية ، التي تقوى وتتدعم ، وسوف تصبح الصين قريبًا أحد أقطاب النظام العالمي الجديد .

5- اليابان ما زالت تحافظ على نفسها كأحد أقطاب الاقتصاد العالمي تنوي ترجمة قدراتها على الصعيد السياسي وربما العسكري .

6- الهند تحقق نتائج ملموسة على الصعيد الاقتصادي والتكنولوجي وهي دولة نووية ، ودورها بات متقدمًا ، تأتي بعدها دول متوسطة الحجم والأهمية كالبرازيل والمكسيك وباكستان وأندونيسيا ، أو حتى العالم العربي إذا ما عرف كيف يوحد طاقاته وقدراته .

والملاحظ في تصور بريماكوف الآتي :

1- يمكن أن تستمر الولايات المتحدة الأمريكية قوة عظمى ولكنها ليست مهيمنة كليًا .. لأن العالم لا يُقاد بقوة إمبريالية متفردة .

2- يتفوق الاتحاد الأوربي كقوة اقتصادية وتكنولوجية على أمريكا .. ولكنه يعوزه وحدة البنية العسكرية القائمة على عقيدة قتالية لا تخرج عن النطاق الجغرافي الأوربي .

3- وستظل روسيا القوة العسكرية الذرية الثانية في العالم ، لكنها لا تمتلك قاعدة اقتصادية تكاملية قادرة على إدامة وحماية بناء القوة غير التقليدية .

4- الصين ، ظهرت قوة اقتصادية وتكنولوجية كبيرة - ليس في ذلك من شك - على طريق التكامل في بناء قوتها نحو القطبية .

5- اليابان ستظل قوة اقتصادية جبارة ، ولكنها منزوعة الأنياب العسكرية .

6- الهند وباكستان دولتان نوويتان لهما وزنهما ودورهما الاقتصادي والتكنولوجي المتقدم .. والبرازيل والمكسيك وأندونيسيا لها أهميتها الاقتصادية ، كما لهذه الدول الخمس تأثيرها البارز في التوازن الدولي .. أما الوطن العربي فإنه يمتلك كل مقومات التكامل ، السياسية والاقتصادية والتقنية والاستراتيجية ، فضلاً عن العمق الحضاري العربي الإسلامي .. ولكنه يحتاج إلى وحدة قوى الأمة السياسية لتوحيد عناصر الاستراتيجية وتجميع عناصر قوة الأمة .. فالوطن العربي يمثل قطبًا مستقبليًا رائدًا للأمن والسلام والاستقرار والتوازن في العالم .. وعلى أساس هذه الحقائق زرع الاستعمار الكيان الصهيوني لمنع نهوض الأمة العربية ، كما أوجد النظام الفارسي لتمزيقها ومنعها من النهوض .!!

- بقية .. سمات العصر الراهن في ظل تراجع القطبية الأحادية :

- الاستراتيجية الأمريكية الراهنة .. ومفهوم القوة التي تصنع السلام في العالم :

1- بقية .. سمات العصر الراهن :

- ولما كانت ( أدوات ) العولمة الأمريكية تتمثل بقيادة مؤسسات أممية مثل : البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية ومنظمة الطاقة الدولية والوكالة الدولية للطاقة الذرية ومنظمة التنمية الصناعية - هي منظمات متخصصة تابعة للأمم المتحدة – فضلاً عن برنامج المساعدات الاقتصادية والمالية والعسكرية الأمريكي ، فإن إضعاف هذه المنظمات هو إضعاف للهيمنة الأحادية القسرية للقطبية الأحادية .

ونود هنا أن نشير إلى حالة واحدة فقط تكفي مثالاً على استخدام أداة من أدواتها ، وهو ( برنامج المساعدات الاقتصادية الأمريكي في موضوعة القدس والقرار الأمريكي الراهن ، حيث هددت أمريكا كل دول العالم والمشاركين بالتصويت إذا ما أدلو بأصواتهم لصالح القدس عاصمة للدولة الفلسطينية في الجمعية العامة للأمم المتحدة ، بعد الفيتو الأمريكي في مجلس الأمن ، ستقطع أمريكا مساعداتها عنها .. ونرى هنا شكل الابتزاز الأمريكي البشع للدول الإسلامية التي تقف مع الحق والحقوق ومع أقدس مقدساتها ، القدس .. فيما كانت أمريكا قد هددت من قبل مصر بقطع مساعداتها المالية والعسكرية إذا ما أخلت بمعاهدة ( كامب ديفيد ) سيئة الذكر أثناء أحداث الثورة المصرية التي أطاحت بحكم الأخوان المسلمين برئاسة " محمد مرسي " ، التي دفعت لمجيئه أمريكا على رأس السلطة (50) خمسين مليون دولار حسب اعتراف القادة الأمريكيون أنفسهم .. فأداة المساعدات الخارجية الأمريكية تعد من أخطر أدوات السياسة الخارجية الأمريكية ، والتي يتوجب الحذر منها ، لأنها ترتبط بالمصالح الحيوية وبالأمن القومي الأمريكي بصورة مباشرة .. وهو الأمر الذي يستوجب وضع بديل كصندوق مالي يدعم الدول العربية والإسلامية الفقيرة من أجل إنقاذها من قيود وضغوط برنامج المساعدات الخارجية الأمريكية .

وكل ذلك يدخل في برنامج إعادة هيكلة النظام العالمي ، إما بتعديل أسس المؤسسات الدولية القائمة تعديلاً جذريًا يقوم على الحالة التمثيلية القارية في صنع القرار أو تأسيس مؤسسات أخرى من هذا القبيل مثل بنك ( بريكس ) للتنمية وبنك الاستثمار في البنية التحتية .. وصندوق الاحتياط النقدي من أهدافه تخفيف الضغوط التي تستخدمها أمريكا من خلال أدواتها المشار إليها .

والوجوب في هذه المؤسسات البديلة هو إضفاء الطابع ( المؤسسي ) عليها قاريًا أو عالميًا كمنظمة ( شنغهاي ) الآسيوية مثلاً ، والمعروف أن هذه المؤسسات لها وظائف ولها أهداف مشتركة سواء كانت قارية أو أممية تستبعد صيغ الهيمنة المحلية بقواعد معلنة ومتفق عليها ، وإن أي إخلال يأتي من أي عضو بدافع الأنانية أو دوافع تخريبية يعاقب بالتجميد أو الفصل أو الإبعاد ، وذلك منعًا لمحاولات التخريب السياسي والاستخباراتي والدبلوماسي ، الذي قد تمارس من قبل أحد أعضاء المؤسسة البديلة .. وهو أمر متوقع طالما أن الامبريالية الأمريكية تعمل مباشرة أو من خلال ما يسمى بـ( الدولة العميقة ) على التخريب وإجهاض الأعمال الرائدة بوسائل غير مشروعة .

هناك صراع من نوع آخر يأخذ شكل ( تحريك ) القوى السياسية في البلدان المختلفة لصالح مناهج الاستقطاب الأحادي أو الثنائي ، تديره أو تقف خلفه الاستخبارات والدبلوماسية الغربية .. وإن قدرة هذه القوى على الحركة يعتمد على ( وعي ) قاعدتها الجماهيرية .. فكلما أدركت هذه القواعد العريضة عمق الأهداف والوسائل والسياسات ، وكلما زادت معدلات تبصيرها زاد ( زخمها ) وبات قادر على تغيير المواقف والأتجاهات .. وغالبًا ما يكون التحريك ممكن تحت خيمة ( التغيير ) كما حصل في حركة إسقاط " حسني مبارك "، ولكن سرعان ما تم ( تحريف ) اتجاه مسير التغير.. فيما جاء التصحيح بإسقاط " محمد مرسي " جماهيريًا الذي يمثل خط الأخوان المسلمين ، وهو الأمر الذي يمثل قمة مدركات الجماهير لحالة الانحراف التي انتهت وتلاشت وبقيت آثارها الإرهابية !! .

إذن .. إدراك القوة المحركة للجماهير وطبيعتها وأهدافها ووسائلها وسياساتها يعد من المهام الكبرى التي يجب أن يضطلع بها المجتمع في أي ساحة من ساحات الاستقطاب المستكملة للمقومات المطلوبة .. ومن مهام القوى المحركة للصراع تفعيل الضغوط المختلفة على الحكومات والسلطات ومحاسبتها على الأساسيات والثانويات من سياساتها بغية إرغامها على تصحيح مسارها أو تعريتها أو إسقاطها .. وهذا يعتمد على تجسير مد جماهيري يعمل على التطويق والتكبيل وفرض هيكلية وطنية قادرة على التعاطي مع حالة الاستقطاب ومتطلباتها .

2- الاستراتيجية الأمريكية الراهنة .. ومفهوم القوة التي تصنع السلام :

خططت الولايات المتحدة الأمريكية لمشروعها الاستراتيجي ( القرن الأمريكي ) منذ عام 1997 ، وهو مشروع هيمنة بدون منازع .. ويبدو أن خطوط الاستراتيجية الراهنة هذه ستبقى تعمل على أساس ( محاربة الإرهاب الدولي ) ، كما أن الافتراض الاستراتيجي بوجود مخاطر يتوجب الاستباق لمجابهتها سيبقى كذلك تحت مسمى الحرب ( الاستباقية ) أو ( الاجهاضية ) .. وهو مفهوم يقوم على شن الحرب على الخصم بدعوى الدفاع .. فهو مفهوم خطير يلغي دور القانون الدولي ودور مجلس الأمن والأمم المتحدة !! .

والأشكالية التي يمكن للمتابع تلمس خيوطها ، هي أن مؤسسات التخطيط الاستراتيجي الأمريكي قد اقتصرت على عدد من المراكز أو المؤسسات مثل ( البنتاغون ووكالة الأمن القومي والمؤسسات الاستخباراتية الأمريكية ) .. فيما استبعدت كل من وزارة الخارجية الأمريكية والكونغرس الأمريكي ووزارة الخزانة الأمريكية حتى مراكز الأبحاث :

وفي ضوء النتائج التي تمخضت عن الفهم الاستراتيجي المشترك للمؤسسات الاستخباراتية تعزز مفهوم الحرب ( الاستباقية ) كأحد أهم الفرضيات التي تجمع بين ( المصالح الحيوية الأمريكية والأمن القومي الأمريكي ) ، وحسب تقديرات الموقف على المسرح السياسي الدولي .

وسيقتصر تحديد هذه الفرضية في إطار العمل حيال مصادر التهديد التي تكتسب أولويتها في ترتيبات الدفاع والردع وتقع في مدار الأحداث الآسيوية الخطرة - كوريا الشمالية < عسكريًا > - والصين < اقتصاديًا >- وروسيا الاتحادية < إيقاف تدخلاتها السياسية والاستخبارية في الشأن الأمريكي والأوربي > -

لقد أيقظت أمريكا مفهوم قديم تبنته نظرية ( القوة ) وتحشيد عناصرها للحرب من أجل السلام .. وهي نظرية إستعمارية إمبريالية تبني اعتقادها على أن السلام في العالم لن يتحقق إلا من خلال القوة .. وهو افتراض يخلق ردود أفعال مناهضة ، ليس العالم قادرًا على تحمل نتائجها الوخيمة .. ويعد مفهوم محاربة ( الإرهاب ) أحد أوجه هذه الفرضية ، التي تبناها " بوش الصغير" وجَمَّلها " أوباما " بالحرب الناعمة ، وعاد بها " ترامب " ليخلط مزيجًا يجمع بين الحرب ( الناعمة ) والتلويح بالحرب ( الخشنة ) ، ولكن بوجه آخر إستخباراتي وقد يظهر بواجهات عسكرية - طبعًا ، من الصعب الاعتقاد بأن أمريكا سوف ترسل جيوشًا نظامية لمقاتلة كوريا الشمالية والصين وروسيا أو أي جيش نظامي في العالم - ولكن ، قد يأخذ التهديد ، وفقًا للمفهوم إستخدامات عسكرية تقليدية محدودة لدعم فعاليات إستخباراتية ناعمة على الأرض تبعًا لمقتضيات السياسة ولمعطيات إدارة الصراع .. ولما كانت أمريكا أمام معضلة التطوع فإنها تعمل على عقود تجنيد قوات أمنية تديرها شركات أمنية متخصصة كشركة ( بلاك ووتر ) سيئة السمعة التي لا تعمل إلا وفق شرط تحقق حصانتها من أي مسؤولية جنائية !! .

إن مفهوم تحقيق السلام عن طريق القوة - الذي يرتبط بالضربة الاستباقية - من الصعب قبوله دوليًا ، في شكل سياسة انفرادية للولايات المتحدة الأمريكية .. لأنه يلغي دور الأمم المتحدة وميثاقها ودور القانون الدولي وكافة الاتفاقيات والمعاهدات الدولية ذات الصلة .. كما يلغي دور المجتمع المدني ومنظماته الإنسانية في مسائل إحلال الأمن والسلم الدوليين .. فأمريكا أمام خيارين :

- إما الانصراف لترميم الداخل الأمريكي المتصدع .

- أو الانصراف نحو المغامرات العسكرية الخارجية .

ولكن ، الملاحظ : أن " ستيف بانون " كبير المخططين الاستراتيجيين الأسبق بإدارة الرئيس " ترامب " كان قد كشف الحقيقة الكاملة حول كوريا الشمالية ، حين صرح ( ليس هناك في الحقيقة خيار عسكري مطروح على طاولة الأمريكيين بشأن كوريا الشمالية ، من دون التسبب في قتل (10) ملايين مواطن في ( سيؤول ) خلال الثلاثين دقيقة الأولى من أي هجوم عسكري أمريكي ) .. هذا التصريح جاء إثر الرد الأمريكي على التهديد الكوري الشمالي ( بأن كل الخيارات مطروحة على الطاولة الأمريكية ) .. وهو الأمر الذي تسبب في خروجه فورًا من البيت الأبيض !! .

ماذا يعني ذلك ؟ ، يعني أن أمريكا لا تعي خطورة التهديد وهي غير قادرة على تنفيذه نتيجة ، ليس لأنها ضعيفة عسكريًا ، إنما متصدعة اقتصاديًا وهشة اجتماعيًا وليس بمقدورها بعد خروجها من العراق نهاية عام 2011 وهي مثخنة بالجراح جراء ضربات المقاومة الوطنية العراقية الباسلة !! .

فهل ستختار أمريكا أحدهما أم ستختار الأثنين معًا ؟ ، خاصة إذا اعتبرنا مسألة الانصراف نحو الداخل تنفيذًا لشعار ( أمريكا أولاً ) سيجعل صانع القرار الأمريكي المتصهين لا يبالغ كثيرًا في توجههِ نحو الخارج .. فإعادة مجد الدول لا يأتي عن طريق الحروب الخارجية ودواعي غرور القوة ، إنما يأتي عن طريق تعزيز الثقة والاستقطاب القائم على الحق والعدل والإنصاف .. وإن القوة لا تصنع السلام في كل حقب التاريخ !! .

- مفهوم نظرية تعددية الأطراف .. واستراتيجية التعددية القطبية – رؤية صينية :





الجمعة ١١ ربيع الثاني ١٤٣٩ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٩ / كانون الاول / ٢٠١٧ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب الرفيق الدكتور أبو الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة