شبكة ذي قار
عـاجـل










الحديث هنا لا ينصب على الأهداف السياسية الروسية في سوريا والمنطقة فحسب ، ولا عن الخطط الأستراتيجية ، التي ترسمها هذه السياسة من أجل النفوذ الاستراتيجي عند حافات المياه الدافئة .. إذا ما علمنا بأن الأساطيل الروسية وسفنها الحربية التقليدية وغيرها ، تكون مشلولة الحركة حين تتحول مياه البحار إلى قطع من الجليد يصعب إختراقها .. الأمر الذي يرغم صاحب القرار الروسي على الانتشار حيث ميناء ( طرطوس ) و ( حميميم ) على وجه التحديد ، فضلاً عن سهولة مرور الأساطيل الحربية الروسية عبر الممرات المائية التركية نحو مياه الشرق الدافئة ..

إنما سيكون الحديث مغايرًا بعض الشيء ، ينصب على الأسلحة الروسية وضرورة إيجاد ميدان قتالي حقيقي لتجاربها من حيث قدراتها القتالية وحزمها النارية وتلائمها مع البيئة وفعالياتها وإكتشاف ضعفها ومواضع فشلها وعطلاتها وبالتالي تقييم نجاحاتها .

دعونا نقف عند تصريح الجنرال " فاليري غريسموف " رئيس هيئة الأركان الروسي :

- ( إن الحرب الروسية في سوريا ، هي حرب بـ ( الوكالة ) في مواجهة أمريكا - وعلى أساس هذه الحقيقة - فإن هذه الحرب لن تنتهي بمجرد تراجع وتيرة العنف على الساحة السورية ) .. والمعنى في هذا القول واضح تقريبًا .. فهو صراع دولي بين روسيا ، التي تريد استرجاع مكانتها كقطب ثنائي منافس لأمريكا ، وبين أمريكا التي تريد أن تستبقي على قطبيتها الأحادية المتهتكة لتنفيذ مشروعها الجيو - سياسي المفضوح في ( الشرق الأوسط ) ، لكي تنطلق منه إلى حيث التأثير في المجال الحيوي الروسي والصيني وباقي القوى الكبرى .. ومنعهما من أي صيغة لبلورة عناصر القوة لقطبيتهما وبمختلف الوسائل تتقدمها سياسة ( الاحتواء - وفرض العقوبات - وتكوين التحالفات ) ، حيث تظهر ملامح الخطوط العريضة للاستراتيجية الأمريكية ( الدفاعية ) ، التي أعلن عنها " جيمس ماتيس " ، والتي تركز على الأمن القومي الأمريكي ومنافسة القوى الكبرى والعظمى وليس على ( الإرهاب الدولي ) ، ولكنها ستلاحق الإرهابيين - المعنى هنا ستبقي أمريكا على سياسة محاربة الأرهاب في العالم -!! ويضيف ماتيس ( إن منافسة القوى العظمى هي محل تركيز الأمن القومي الآن وليس الإرهاب ) .. طبعًا ، هذا كلام ينطوي على تداخل لفظي يعبر عن مراوغة ساذجة للإدارة الأمريكية الراهنة في تسويق أفكارها المتضاربة ، التي تفتقر إلى المنطق الواقعي !! .

- المؤشرات ، التي يحصدها المراقب منذ التدخل الروسي في سوريا بمعونة إيرانية فاضحة ، تؤكد أن المنافسة الكائنة بين موسكو وواشنطن هي توكيل أمريكي في سوريا - رغم حساسية الموقف على تخوم فلسطين المحتلة - وليس انتصارًا روسيًا كما تدعي موسكو ، وليس انتصارًا أمريكيًا كما تدعي واشنطن .. فلا روسيا تكترث بمصير الشعب السوري ، ولا أمريكا تكترث لهذا المصير !! .

- والغريب في الأمر .. تعقد روسيا مقارنات حول حجم الفعل العسكري الجوي الروسي مع حجم الفعل العسكري الأمريكي على الأراضي السورية .. إذ تشير إلى أن ضربات التحالف بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية ليست أكثر من ( 8- 10 ) ضربات جوية يوميًا ، فيما كانت ضربات الطيران الحربي الروسي تتراوح بين ( 60- 70 ) ضربة عسكرية جويًا يوميًا ، وإن ذروة ضربات الطيران الحربي الروسي تصل إلى ( 120- 140 ) ضربة جوية في اليوم .. وهي ضربات تدميرية قاتلة كما يسميها " غرسيموف " ضد الإرهاب - ولكن حقيقتها قتل المدنيين وتهجيرهم قسريًا وتدمير المدنهم وبناها التحتية بالكامل - ولم يذكر أو بالأحرى يكترث لعدد الضحايا من الأطفال والنساء والرجال فضلاً عن تشريد الملايين من الشعب السوري وتحويل المدن إلى أكوام حجارة .!!

- تمكنت روسيا من إختبار ( 200 ) نوع من الأسلحة الحديثة ، حيث ترسل القيادة الروسية تصميمات الأسلحة الجديدة إلى سوريا لاختبارها في القتل والتدمير لمعرفة نتائجها العملية .. حيث أن هذا النوع من الصراع حسب - غريسمون - قد منح روسيا فرصة ذهبية لاختبار الأسلحة ونشر طائرات ( درون ) وعددها يصل إلى ( 60 ) طائرة تحلق يوميًا في سماء سوريا .. كما أن هذه الأسلحة قد جرى إصلاح مواطن الخلل فيها ، فضلاً عن اختبار كفائتها في القتل والتدمير في ظل أجواء قتالية حقيقية !! .

- ويختتم حديثه بالقول ( إن المنافسة ضرورية بين الطواقم العسكرية المقاتلة الروسية والأمريكية من أجل الوقوف على المهارات القتالية لجنودهم وقادتهم ومتانة أسلحتهم ) .. أما الانتهاكات والمجازر بحق المواطنين المدنيين السوريين وتشريدهم وتدمير المدن فهذا الأمر لا يعني القيادتين في موسكو وواشنطن بشيء !! .

الخلاصة :

أولاً- إن الحرب في سوريا ، هي صراع تنافسي بين روسيا الاتحادية والولايات المتحدة الأمريكية على الأرض السورية .. وهي صراع ليس للشعب السوري من مصلحة تذكر فيه ، ويتحملان نتائج هذا الصراع ومخلفاته الكارثية كما تتحمل أمريكا وإيران نتائج تدخلهما السافر في شؤون العراق .

ثانيًا- وإن ( داعش ) وسيناريوات ( القاعدة ) في العراق وسوريا ما هي إلا تخطيط مخابراتي تشترك فيه أمريكا وإيران و ( إسرائيل ) و تركيا وعدداً من أجهزة المخابرات الأجنبية والعربية ، تمثلان ( ذريعة ) للتدخل العسكري ( الإيراني - الأمريكي المشترك ) ، والتدخل ( الإيراني - الروسي المشترك ) ، من أجل استمرار الصراع التنافسي بين القوتين العظميين أمريكا وروسيا !! .

ثالثًا- الصراع والتنافس في سماء وأرض سوريا بين أمريكا وروسيا هو انعكاس للصراع الدائر في غرب ( أوكرانيا ) وتأثيره في المنطقة وفي العمق الآسيوي ( أورآسيا ) !! .

رابعًا- الصراع القائم بين موسكو وواشنطن يأخذ الأولوية فيما يعد الوجود الإيراني المتهاوي ثانويًا أو بالأحرى ، دون ذلك .. حيث فشلت فلسفة ( ولي الفقيه ) في طهران وأفلت هالة الدجل الإسلاموية التي تحيط بالنظام الفارسي العنصري ، الذي زعزعته الشعوب الإيرانية ووضعته في زاوية الإدانة والانهيار ، فيما باتت العلاقات ( الروسية – الإيرانية ) على حافة انعدام الثقة وانعدام القدرة على الصمود حيال المطالب المشروعة للشعوب الإيرانية برفض نظام ( الولي الفقيه ) وإعلانها إسقاط نظامه الثيوقراطي المستبد .

خامسًا- إن ما تخشاه موسكو هو ( تشظي ) الدولة الإيرانية إلى دويلات مدن على تخوم مجالها الحيوي .. ولكن مثل هذا الاحتمال ليس واردًا في هذه المرحلة .. لأن سقوط النظام الإيراني سوف لن يترك ( فراغًا ) لا في السياسة ولا في الأمن ، وذلك بسبب وجود حكومة ظل جاهزة لملئ هذا الفراغ وتولي إدارة الحكم في البلاد .

سادسًا- وبإعلان روسيا اختبار أسلحتها الحديثة على الأرض السورية والضحايا هم من الشعب السوري ، فإن موسكو تعترف ضمنيًا بجرائم القتل والتدمير في سوريا .. فهي شريك في المجازر التي ارتكبت والمدن التي دمرت والملايين من البشر التي هجرت .. وبصمات جرائم الإبادة الجماعية لموسكو وطهران ودمشق ظاهرة للعيان !! .





الاثنين ٥ جمادي الاولى ١٤٣٩ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٢ / كانون الثاني / ٢٠١٨ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب الرفيق الدكتور أبو الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة