شبكة ذي قار
عـاجـل










من الخطأ القول بأن الظاهرة الدينية -السياسية هي من صنع الدوائر الاستعمارية الصهيونية ،فهذه الظاهرة ظاهرة طبيعية في المجتمع العربي - الإسلامي .. وتستمد مبررات وجودها من عوامل واقعية في هذا المجتمع ومن ظروف التحولات الجارية فيه والمشكلات العميقة التي يواجهها .

غير أن القوى الكبرى والدوائر الاستعمارية ترصد كل الظواهر السياسية والاقتصادية والاجتماعية في العالم وفي بلدان العالم الثالث بوجه خاص وتلك التي خضعت لنفوذها الاستعمارية بوجه اخص .. والتي ماتزال لها فيها اطماع استعمارية .. وتحاول الاستفادة منها لتحقيق اهدافها الاستعمارية .

إن الحركة الدينية -السياسية كانت ،في بعض الحالات تقف مواقف مؤذية للوجود الاستعماري والمصالح الاستعمارية ،ولكن في حالات اخرى كانت مواقفها تصب لصالح المخططات الاستعمارية .ان اللعبة الاساسية التي تلعبها القوى والدوائر الاستعمارية في بلدان العالم الثالث ،وفي الوطن العربي بوجه خاص هي لعبة اثارة الانقسامات والصراعات السياسية ،والاجتماعية ،والدينية ، والطائفية ،والعرقية ، كلما ازدادت حدة هذه الانقسامات والصراعات كلما ازداد ضعف الوطن العربي السياسي والاقتصادي والعسكري والاجتماعي والثقافي ..وهذا يعني توفير فرص أفضل لاستمرارية الهيمنة الاستعمارية والمصالح الاستعمارية .

أن الدوائر الاستعمارية ..تعرف بكل تأكيد ..الطبيعة الطائفية للحركات الدينية -السياسية ..وهي تعرف أن نشاط هذه الحركات ..رغم كل ما يمكن ان يؤدي اليه من نتائج ثانوية مؤذية لها ..يؤدي في النهاية إلى إثارة الانقسامات الدينية والطائفية في المجتمع العربي مما يضعفه كثيرا ويشغله عن النهضة والتقدم ..ومن هنا تستفيد القوى والدوائر الاستعمارية من هذه الظاهرة..وهذا سبب من أسباب ترويجها المكشوف حينا والخفي حينا آخر وبشتى الوسائل الخبيثة لهذه الظاهرة .

كما أن القوى والدوائر الاستعمارية تقدر بان وجود الأحزاب والحركات والتيارات الدينية -السياسية يشكل مناخا معاديا للشيوعية ومانعا أمام انتشارها ولكل اتجاهات التقدم الجذرية بوجه عام. وهذا سبب آخر يجعلها تشجع بالطريقة التي اشرنا اليها هذه الحركات والأحزاب والتيارات وتروج لها .

وكما قلنا سابقا فان الظاهرة الاساسية في العقود الثلاثة الأخيرة بوجه خاص كانت هي وقوف الأحزاب والحركات والتيارات الدينية -السياسية ضد حركة القومية العربية ،وفي هذه المرحلة يعتبر هذا الموقف أهم الأسباب التي تدفع القوى والدوائر الاستعمارية والصهيونية الى تشجيع الحركات والتيارات الدينية .لقد تأكد بما لا يقبل الشك ان حركة القومية العربية بمبادئها التحررية والوحدوية وبمواقفها المستقلة من الكتل الدولية هي أكبر الأخطار التي تهدد الوجود والنفوذ الصهيوني والاستعماري في الوطن العربي .لأن هذه الحركة تستطيع أن تستقطب تأييد الجماهير لأنها ذات طبيعة توحيديه سواء على صعيد القطر الواحد او على صعيد الامه ، وبذلك تتوفر لها امكانات احراز النجاح في النضال من اجل تحقيق التحرر التام من السيطرة الاستعمارية والصهيونية وفي بناء المجتمع على أسس حديثة وفي تطويره في الميادين السياسية والاقتصادية والعسكرية والثقافية بالشكل الذي يطرد النفوذ الاستعماري والمصالح الاستعمارية والأخطار الصهيونية .

وفي الوقت نفسه فإن الدعاية الاستعمارية لا تجد مادة كافية ومؤثرة للتشهير بهذه الحركة ومبادئها ، كما يمكن ان تفعل بالشيوعية من خلال إدانتها بالإلحاد والعمالة للاتحاد السوفيتي والتطرف وغير ذلك من الصفات التي يمكن أن تؤثر في الجماهير و تعزلها عنها .

لقد تأكدت هذه الحقيقة بأن نهضة حركة القومية العرب في الخمسينات وفي جزء من الستينات ،وبعد النكسه التي اصابت حركة القومية العربية والتي اشرنا اليها تحرص القوى والدوائر الاستعمارية حرصا شديدا على منع تجدد هذه الحركة ومنع ظهور زعامة قومية بارزة ومؤثرة تتمكن من استقطاب الجماهير وحشدها باتجاه تصفية المصالح والركائز الاستعمارية باتجاه الوحدة ،وتحرير فلسطين .

ان القوى والدوائر الاستعمارية تعرف حق المعرفة بأن الحركات والتيارات والاحزاب الدينية تشكل أحد الكوابح المهمة لحركة القومية العربية لانها القوة الوحيدة القادرة على تدميرها إذا ما كتب لها النجاح . *

* من التقرير المركزي للمؤتمر القطري التاسع ١٩٨٣.
 





السبت ٢٣ جمادي الثانية ١٤٣٩ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٠ / أذار / ٢٠١٨ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب عبده سيف نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة