شبكة ذي قار
عـاجـل










المقدمة :

إن مقومات الأمة العربية هي مقومات جيو - سياسية كائنة ، ليست في عالم التكهنات والاحتمالات ، إنما حقيقة وجودية لا شك فيها .. هذه الحقيقة مغيبة من أهلها أولاً ومقموعة من لدن أعدائها ثانيًا .. فلو سلط الأهل أنظارهم بصورة مشتركة وواقعية ومنطقية على هذه المقومات لغيروا من خرائط محيطها القريب وليس العكس ، الذي وضع الأمة بكافة أقطارها بين فكي كماشة ( إسرائيلية فارسية ) ، في موضع الدفاع المستميت عن وجودهم وهويتهم ومستقبلهم كأمة عربية قومية ذات رسالة إنسانية .. العرب بإمكانهم قلب المعادلة رأسًا على عقب .. فأين هو الخلل ؟ ، هل في المدركات أم في الفهم القاصر أم أن الأمر يدخل مدخلاً آخر تفصح عنه الأنانية الضيقة والتواطؤ والارتباطات المشبوهة ؟! .

من يمثل أمة العرب ؟ ، هل الأقطار العربية متفردة أم جامعتهم التي تراجعت عن ميثاقها وإتفاقياتها وقممها ودورها ، وباتت منسًا منسياً إلا مِن صوت باهت لا يغني ولا يسمن من جوع ، وهي التي تأسس كيانها عام 1945 بشرط عدم قيام الوحدة العربية وتحريم التقارب العربي الجدي وتحويل الجهود والأنشطة العربية إلى فراغات لا يجمعها قاسم مشترك ؟! .

أين هو الخلل ؟ ، في الجامعة أم في النظم العربية الممثلة في الجامعة ؟ .

دعونا نتناول بعض الموضوعات دون التفاصيل

تضم الجامعة العربية بين ظهرانيها عددًا من الأنظمة السياسية والاجتماعية ، متنوعة ومختلفة في درجة تطورها ونضجها وقدراتها فضلاً عن طبيعتها من حيث تكوينها النظمي وتعاملاتها مع محيطها القريب والبعيد .. وما يهمنا عدداً من الموضوعات الأساسية منها ( أمن النظم ) المنضوية تحت لوائها ، و( وحدة الفهم المشترك ) في ما بينها ومحيطها ، وفهمها لطبيعة ( المخاطر الخارجية ) المحدقة بها وقدرتها على ( الدفاع الجماعي ) وليس المنفرد ، الذي لا ينفع أبدًا دون أن يكون الدفاع في إطار استراتيجية الأمن القومي العربي .

- أمن النظم القطرية :

تكاد موضوعة أمن النظم ، التي تحدثنا عن بعض جوانبها سابقًا ، تبرز سببًا رئيسًا يتربع قمة الاشكاليات التي تعتري النظام العربي الإقليمي ، إذ تنطلق من قاعدة للفهم لا يربط وحداتها السياسية العربية قاسمًا مشتركًا يتفق عليه الجميع في حده الأدنى والذي يسمى بـ( وحدة الفهم العربي المشترك ) لكل من أمن النظم العربية القطرية والأمن القومي العربي .. وهذا يعني أن أي وحدة سياسية عربية عضو في الجامعة العربية لها فهمها الخاص نظريًا وأيديولوجيًا لهذين الموضوعين الخطرين ، فضلاً عن فهمهما الخاص لقضايا السياسة وبرامج الاقتصاد ومستلزمات الثقافة والفكر .

وبسبب من الاختلافات السياسية وغيرها تعاني الأقطار العربية من عدم وجود قاعدة للفهم المشترك بشأن القضايا الجوهرية كالمصلحة العربية العليا والأمن القومي العربي والتنمية القومية التكاملية الشاملة وطبيعة اللغة المشتركة في الحوار مع الخارج في إطار الحماية او الدفاع والتطور - وهنا يتوجب التنويه ، بأن الحديث لا يتعلق بانغماس هذا القطر أو ذاك بمخططات تدمير الأقطار العربية وتدمير الأمة ، وهي أقطار معروف تاريخها المعادي لشعبها ولأمتها - وذلك على الرغم من وجود المقومات القومية التي تسهل التقارب لا التباعد ، التماثل لا التشتت ، التلاحم لا الاحتراب والتدخل في الشؤون الداخلية للآخرين ، التعاون في ضوء مفاهيم التكامل الاقتصادي العربي .

أما اقتصادات الأقطار العربية فمتنوعة ومختلفة ، فمنها الرأسمالي ومنها الاشتراكي - المختلط ومنها ينغمس بنظام السوق الحره .. فهي بهذا يعتمد كل منها على منهج تخطيطي لنظام السوق وبصورة تتشكل في ضوء طبيعتها السياسية النظمية ، رئاسية ، ورئاسية وراثية ، وملكية مطلقة ، وملكية دستورية ، فضلاً عن إمارات ومشيخات تحكمها أنظمة قبلية ركائزها تجارية تعتمد على مبدأ الربح والخسارة !! .

في ظل هذه الاختلافات والتناقضات الذاتية التي تعيشها الأنظمة القطرية العربية ، وطبيعة التحولات التي تجري إقليميًا ودوليًا يسير العالم نحو التكتل من جهة والتشرذم من جهة أخرى حيث الضغوط والابتزاز والحروب والتهديد باستخدام القوة .. فهل تبقى الأقطار العربية متفردة وضعيفة في دفاعاتها وحواراتها ومباحثاتها وعلاقاتها مع الدول الأخرى ؟ ، وبالتالي هل أن هذه الأقطار لا تدرك فعلاً أن الدول العظمى والكبرى لا يهما غير مصالحها ولا تلتزم بتعهدات لا تخدم إلا هذه المصالح ؟ ، وإذا ما اقتضت سياسات الدول العظمى والكبرى ترك الصديق وترك الحليف لمصيره مثل شاه إيران والسادات وبن علي وحسني مبارك ومحمد مرسي ، فيما ترك ابن حافظ أسد يكمل مشوار التدمير حتى نهايته ، فهذه السياسات الاستعمارية لا تتوانى عن اتباع أي سياسات تتماشى مع مصالحها .. فإذا كان بعض الأقطار العربية القطرية تدرك ذلك ، فلماذا لا تعمل على خلق البديل من خلال الشعب العربي ونظام أمنه القومي وعلى أساس تكامله الاقتصادي في اتحاد عربي شامل وموسع يعتمد الإرادة الشعبية التمثيلة النظيفة الخالصة ؟ ، أما أن بعضها لا يدرك ، فإن مهمة الشعب العربي ، الذي يتقدم النظم بالإدراك والحس والحاجة إلى نضج أو إنضاج هذه المدركات سيرغم صاحب القرار على التفكير الجدي للحفاظ ، ليس على كيان القطر العربي من الاختراق والتدخل الخارجي ، إنما على اتحاد الأقطار العربية أو وحدتها القومية .

الجامعة العربية ومنذ تأسيسها ، لها وظيفة جوهرية مثل كافة المنظمات الاقليمية التي أُنشأت بعد الحرب العالمية الثانية ، هي المحافظة على الوضع الراهن من حيث الصفة الشرعية وثبات نظام الدول على أساس الاستقلال بعضها عن البعض الآخر .. وفي هذا الإطار لم يعد فيه ما يشير إلى فكرة الوحدة العربية ، فيما كرر الميثاق مرارًا التأكيد على الاستقلال والسيادة للدول العربية في واقع يتعمد تكريس نموذج ما يسمى التمركز حول الدولة (State Centric Model) ، الذي برز في نظام التصويت داخل مجلس الجامعة وهيئاتها على وفق قواعد ثلاث :

الأولى - وهي المساواة بين الدول العربية في حقوق التصويت في الوقت الذي ينعدم فيه مجلس يوازي مجلس الأمن الدولي لكي تكون القرارات إلزامية صارمة وفق الصلاحيات المرسومة التي تعالج قضايا تدخل نطاق المصلحة العربية العليا !! .

الثانية - وتتمثل في الإجماع على كل الأمور العامة .. وهنا يختلط الأمر بين المسائل الإجرائية والمسائل الموضوعية !! .

والثالثة - التأكيد على عدم وجود إلزام حين لم تصوت الدولة العضو إيجابيًا على القرار .. كما لم يعمد الميثاق إلى ابتكار وسائل للتطبيق الجدي والفعال للقرارات ، وافتقد وسائل الإرغام عند مخالفة أي قرار ألزمت الدولة العضو نفسه بالتصويت عليه إيجابيًا أو عمدت إلى خرق قاعدة أساسية إلا في حالات نادرة .

وفي هذا السياق يأتي دور الجامعة العربية في تسوية المنازعات التي تحصل بين الدول الأعضاء .. بيد أن الميثاق في هذا الصدد قد تبنى نظاما للتسوية يركز على خصائص سيادة الدول الأمر الذي جعل دور الجامعة العربية يقتصر على الوساطة والتحكيم السياسي ، فيما تجاهل وسائل التسوية الأخرى المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة .

ونظرًا لبدائية هذا النظام فقد عالجت السكرتارية نظام التسوية بتجاوز هذه الثغرات عند إعداد مشروع الميثاق الجديد عام 1979 إلا أن التركيز على خصائص السيادة للدول الأعضاء منع ميثاق الجامعة وممارساتها من تطوير نظام للأمن الخارجي يكون قادرًا على مواجهة التهديدات التي يتعرض لها الأمن القومي العربي أو الأمن الجماعي للدول العربية .. ويتضح ذلك في عدد من المؤشرات البارزة في مسائل الأمن التي تعاني منها الجامعة العربية وهي :

- غياب فهم شامل للأمن الجماعي العربي ، حيث لم تستطع من تطوير نظام تحليل التهديدات بالصورة المنسجمة والمترابطة ، ولم تضع لها استراتيجية تقوم على دعم الأمن وردع التهديدات الخارجية .. ولنا من التهديدات الإيرانية والإسرائيلية ما يكفي لتعالج فيه الجامعة العربية ملف فلسطين والملف الفارسي الذي يهدد وجود الأقطار العربية برمتها .. وهذا يعني أن الجامعة العربية قد فشلت في إلزام جميع أعضائها في وضع ترتيبات للأمن الجماعي .. كما ساعدت على تدويل قضايا عربية داخلية مكنت القوى الاستعمارية من التدخل ، وكان من واجباتها أن تعالج القضايا العربية في البيت العربي !! .

- التركيز على الجوانب العسكرية في مفهوم الأمن القطري والأمن القومي العربي ، أما التهديدات السياسية والاقتصادية والصناعية والزراعية والمائية والبيئية والمعلوماتية والاجتماعية والثقافية والفكرية ومخاطر اختراقاتها فلم تؤخذ في الاعتبار كعناصر مهددة للأمن العربي إلا في مرحلة متأخرة وفي نطاق تعديل الميثاق في مشروعه الأخير .

- عدم توازن ترتيبات نظام الأمن في جوانبه المختلفة .. فعلى المستوى السياسي لم يلزم الميثاق الدول الأعضاء باتباع سياسة خارجية واحدة ولو على نطاق الحد الأدنى ، ومع ذلك فقد تطور من خلال الممارسات العملية داخل الجامعة العربية نوع من الإلزام بعدم اتباع سياسة محددة تخص التعامل مع ( إسرائيل ) ، فالمادة ( الثانية ) من اتفاقية الدفاع العربي المشترك والتعاون الاقتصادي تلزم الدول الأعضاء بعدم المشاركة في أي اتفاقيات دولية تتناقض مع هذه الاتفاقية أو تضر بأهدافها ، وقد ترجم مجلس الجامعة ذلك التوجه العام سنة 1950 حيث حرم التفاوض من قبل أي دولة عربية عضو لعقد صلح منفرد أو عقد اتفاق اقتصادي أو سياسي أو عسكري مع ( إسرائيل ) ، وتكاد أن تكون هذه المناسبة الوحيدة التي قام المجلس بإجراءات تأديبية تشمل قطع العلاقات الدبلوماسية والقنصلية وإغلاق الحدود المشتركة ووقف العلاقات الاقتصادية والتجارية والمالية مع الدولة العضو التي تخرق هذا القرار .. ومن المفارقات أن هذا القرار لم يطبق سوى مرة واحدة ضد مصر عام 1979 ، وهي الدولة التي بادرت بالضغط من أجل إقرار هذا القرار من قبل مجلس الجامعة العربية .

وعلى صعيد آخر فإن ترتيبات الأمن العربي على صعيد الجامعة العربية يتبلور في اتفاقية الدفاع العربي المشترك والتعاون الاقتصادي التي عقدت عام 1950 ، فاستنادًا إلى هذه الاتفاقية فإن الدول العربية التي وقعت عليها تعتبر أن أي عدوان مسلح ضد واحدة أو أكثر منها أو ضد قواتها عدوانًا عليها جميعًا ، وتلزم هده الدول بمساعدة الدولة أو الدول التي وقع عليها العدوان ، وتتخذ من الأجراءات وتستخدم من الوسائل بما فيها القوة العسكرية ما يكفل ردع هذا العدوان على وفق المادة ( الثانية ) ، فيما تلتزم الدول الأعضاء في الاتفاقية أيضا بالتشاور في ما بينها والبدء في التنسيق واتخاذ الاجراءات الوقائية والدفاعية في حالة حدوث ( تهديد داهم بالحرب أو ظهور موقف دولي يهدد بالخطر ) ، وخلقت الاتفاقية لجانًا عسكرية ومجلسًا للدفاع المشترك لاقتراح ومراقبة الاجراءات التي تضمن تحقيق أهدافها .

- ولكن على الرغم من الأهمية الافتراضية لهذه الاتفاقية ، فقد أظهرت في الممارسة العملية ....!!

- تنصل الأقطار العربية من إلتزاماتها .. فأفرغوها من ميثاقها الذي لا يمثل سوى الحد الأدنى من الالتزامات المحتكرة من لدن القطرية الضيقة .

يتبع ...





الاثنين ٢١ شعبــان ١٤٣٩ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٧ / أيــار / ٢٠١٨ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب الرفيق الدكتور أبو الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة