شبكة ذي قار
عـاجـل










تاريخ المشروع النووي الإيراني

في عام 1974 أنشأت منظمة الطاقة الذرية الإيرانية والتي تعرف اختصارا AEOI التي أخذت على عاتقها تنفيذ خطة البرنامج النووي الإيراني وتعاقدت من اجل تنفيذ مفردات حلقاته مع شركات ألمانية وأمريكية وفرنسية وكانت أهداف الشاه تتجه نحو بناء محطات طاقة نووية وتوفير إمكانيات الحصول على السلاح النووي. وفي سنوات ( 1974 ـ 1978 ) تمكن الإيرانيون من إجراء تجارب على البلوتونيوم المنتزع من الوقود المستهلك باستخدام الطرق الكيميائية. وهذه الحقيقة صرح بها الدكتور أكبر اعتماد وهو المؤسس والرئيس الأول لمنظمة الطاقة الذرية الإيرانية خلال تلك الفترة.

ومن المعروف هنا إن الاستخدام الوحيد البلوتونيوم هو صنع القنابل النووية. وفي المرحلة الثانية للبرنامج الإيراني التي سميت "مرحلة التوقف" بعد أن عاد الخميني وألغى صفقات البرنامج النووي والأسلحة مع الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا واليابان وازدرى الخميني علانية علوم الغرب مما أوقف المشروع النووي مع الغرب. منها مشاريع مدنية كبرى بقيمة 34 مليار دولار من ضمنها بناء أربعة مفاعلات للطاقة النووية.

وفي السنوات الأولى من الحكم الجمهوري الإسلامي " حكم ولاية الفقيه" استغنت إيران عن برنامجها النووي الذي بدأه الشاه، ورغم الإعلان عن التوقف ظل هناك أكثر من 400 خبير وفني نووي إيراني في ممارسة أعمالهم وإبقاء 13 خبير نووي في محطة بو شهر النووية ؛ بمعنى أن إيران لم تسرح خبرائها عن العمل، واستمرت بمطالبة الشركات ومنها شركة "سيمنس" الألمانية بتسليم الأجهزة والمعدات التي احتجزت خارج إيران. ولم تزل هذه القضية معلقة حتى ألان وظلت إيران تطالب تعويضا قدره 5،4 مليار دولار كتعويض. حتى الأسبوعين الماضيين وعند اجتماع بقية الدول الخمس في فينا لتدارس التفاوض مع إيران والتمسك بالاتفاق النووي مع إيران حتى بعد خروج الولايات المتحدة صرح مسئول إيراني إن إيران نفسها تهدد بالخروج عن الاتفاق النووي مع هذه الدول بشرط تعويضها ماليا عن ما لحقها من خسائر مالية ضخمة في مشروعها النووي الذي يطالب الغرب بتصفيته.

كل المؤشرات تبين أن الإيرانيين توجهوا بجد خلال الفترة الخامنئية لاستعادة بعث مشروعهم النووي وخاصة في عهد الرئيس الإيراني هاشمي رافسنجاني حيث افتتحت إيران مركز أصفهان للبحوث النووية بمساعدة فرنسية واتجهت إيران إلى تنويع تعاونها النووي مع عدة دول غير غربية كالصين وباكستان ومنذ أسبوعين فقط أعلنت قناة الحرة الأمريكية خبرا بوصول مستوردات لأجهزة ومعدات نووية اسرائيلية الصنع عن طريق تركيا كانت متوجهة الى إيران.

وفي 1987 وافقت الأرجنتين على تدريب الفنيين الإيرانيين كما حصلت إيران على يورانيوم بقيمة 5،5 مليون دولار وأعادت علاقتها مع عدد من الشركات والخبرات الألمانية. ولم تتوقف عن نشاطها حتى بعد تعرض وتخريب منشئاتها النووية بواسطة القصف الجوي العراقي لها لأكثر من ستة مرات ما بين سنوات ( 1984 ـ 1988 ) ألحقت بها أضرارا جسيمة والتي قدرت ما بين (2،9 - 4،6 ) مليار دولار حسب معاينة وتقدير الخبراء الألمان.

في سنة 1987 أجرت إيران مفاوضات مع شركات أرجنتينية واسبانية لإكمال بناء محطة بوشهر النووية وبعد انتهاء الحرب في 1988 استفادت إيران من دروسها وحسمت موقفها ألتسلحي نحو إعطاء الأولوية للسلاح النووي مع تطوير قدراتها الصاروخية فكان لها ما أرادت اليوم.

ما بين ( 1991 ـ 2001 ) استكملت بنيتها التحتية وتنويع مصادر التكنولوجيا ومنها التوجه الى الصين التي حصلت منها عام 2001 على 1000 كغ من غاز هكسافلوريد اليورانيوم، مع 400 كغ من مادة تترافلوريد اليورانيوم فضلا عن 400 كغ من مادة ديوكسيد اليورانيوم من دون أن تبلغ الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

ان التوقعات الأمريكية منذ أكثر من عشر سنوات خلت ترى ان إيران حصلت من الصين على الكثير من المعامل والخبرات عن طريق اتفاقيات سرية ، ومنها علنية، وتسارعت الإحداث حتى وصلت إيران الى حالة الإعلان عن نجاحها في تجارب تخصيب اليورانيوم وبناء منظومات الطرد المركزي في جامعة الشريف وسعت الى الحصول على اسطوانات الفلورين والمغانط اللتين تستخدمان في أجهزة الطرد المركزي، وظلت إيران جاهدة على رفع مستويات التخصيب وزيادة عدد أجهزة الطرد المركزي.

ولكن واقع الحال كان يشير الى وصول أكثر من 100 خبير نووي روسي الى موقع بوشهر في أوت / آب من عام 1992. فضلا عن تخرج مئات التقنيين الإيرانيين من المعاهد الإيرانية ومن الذين استكملوا تدريبهم في الخارج.
وتصاعدت أخبار الاتفاقيات والكشف عن المفاعلات وبرامجها وطاقاتها المرحلية والمستقبلية. ثم تتالت الإخبار عن الحملة الأمريكية على إيران لوقف مشروعها النووي وخاصة الموقف من تخصيب اليورانيوم منذ قرابة عقدين لكنها في واقع الحال لم تفعل شيئا ملموسا سوى التلويح بالعقوبات الاقتصادية على إيران حتى جاء الرئيس باراك اوباما ليعيد الكثير من المليارات من الدولارات المحتجزة الى أيادي حكام طهران في وقت كانت إيران تتسع في تحقيق طموحاتها التوسعية في المنطقة وتنتقل بصناعاتها العسكرية نقلات نوعية في تطوير وإنتاج وتجريب منظوماتها من الصواريخ الباليستية التي بلغت مدياتها أكثر من 3000 كم وتطال دول أوربية والبحر المتوسط .

ورغم التمسك الإيراني المتصلب بالمطالبة في رفع نسب التخصيب وزيادة كميات اليورانيوم المخصب إلا أن إيران في واقع الحال ليست بتلك الحاجة الملحة لتخصيب عدد من الكيلوغرامات من اليورانيوم، فقد كانت إيران، إضافة الى طموحها وفطنتها، محظية باستغلال الفرص النادرة وهي التي تمتلك حدودا مع جمهوريات الاتحاد السوفيتي الذي انهار فجأة بشكل دراماتيكي، ومن دون توقع مسبق، في لحظة تاريخية ليضع إقدام إيران على بوابة النادي النووي كدولة قادمة بإصرار الى مبتغاها على الشكل التالي.

ظلت الدول النووية الكبرى تعتبر إن الأسرار النووية لديها قضية حساسة وهامة مرتبطة بأمنها القومي ولعل حماية وصيانة منشئاتها النووية في مقدمة الأولويات وخصوصا الحزم في عدم تسيب وتسرب وتهريب المواد النووية الصالحة للاستخدام العسكري من مخازنها المحروسة بشدة كبيرة لكون ذلك الأمر يعد تهديدا خطرا على أمنها القومي وحتى على بقية دول العالم.

أضحى هذا الخطر محتملا جدا بعد سقوط وتفكك الاتحاد السوفيتي وانفراط عقد الدول التي كانت منظمة إلى جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق. لذا سارعت الولايات المتحدة وجمهورية روسيا الاتحادية" خليفة الاتحاد السوفيتي" في عهد الرئيس الأسبق يلتسين إلى توقيع معاهدات لخفض التسلح النووي، وتشديد مراقبة ومنع تسرب وانتقال المواد والأجهزة النووية إلى آخرين والشروع في تفكيك الكثير من الرؤوس النووية والصواريخ الحاملة لمثل هذه الرؤوس والحرص على نقل اليورانيوم المخصب والبلوتونيوم الى مواقع آمنة خشية تهريبه ووقوعه في أيدي دول أخرى وعصابات الجريمة المنظمة والتهريب.

ومن الطبع أن استغلت الإدارة الأمريكية تلك المصاعب الاقتصادية لروسيا الاتحادية لتملي عليها الكثير من شروط الإذلال والحط حتى من كبريائها الوطني وقوتها كدولة عظمى. وهكذا تم التوصل إلى اتفاق يقضي أن تتخلص كل من الدولتين من 50 طن من البلوتونيوم الموجود في الترسانات النووية للدولتين وبتفكيك عدد من الرؤوس في الأسلحة النووية كالصواريخ النووية العابرة للقارات.

المعروف إن فائضا من 50 طن من البلوتونيوم عند روسيا كان كافيا لإنتاج حوالي 10000 سلاح نووي جديد. وان أسوأ سيناريو قد يكون فيه الطن الواحد من البلوتونيوم يكفي لصنع 200 قنبلة نووية بمقاس تفجير وطاقة قنبلة هيروشيما التي أسقطتها الولايات المتحدة فوق هيروشيما ونياغازاكي.

وإذا ما سقطت كمية من هذا البلوتونيوم في الأيدي الخطأ أو الجهات المترصدة لها فإنها تكفي لإنتاج قنابل نووية، حيث يتطلب الأمر فقط إلى أقل من 6 كيلوغرام من البلوتونيوم الصالح لصنع قنبلة نووية بدائية كتلك القنبلة النووية الأمريكية التي أسقطت فوق نياغازاكي في أوت من عام 1945 بعد نهاية الحرب وإعلان اليابان وألمانيا نيتهما على الاستسلام الكامل غير المشروط.

وهكذا رافق سقوط الاتحاد السوفيتي وحل الجيش السوفيتي الأحمر إعادة الكثير من الوحدات العسكرية النووية السوفيتية بأسلحتها إلى وطنها في روسيا والى بعض من جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق، وسادت الانسحابات فوضى كبيرة وردود فعل كانت غاضبة من قبل العلماء والضباط وكبار جنرالات الجيش الأحمر. وكانت أسوأ الأحوال النفسية هو مشهد حالة تفكيك الوحدات النووية وإحالة مئات الألوف من العسكريين والخبراء والعلماء إلى البطالة أو إلى التقاعد المبكر دون ضمانات وامتيازات كانوا قد عاشوها أيام الاتحاد السوفيتي.

لقد وصلت الاهانة والمجاعة بعدد كبير من العلماء والخبراء النوويين السوفيت أن طلبوا مرتبات متواضعة تكفل لهم مجرد العيش البسيط لعوائلهم وحمايتهم من العوز والفقر والتشرد. وعندما تصدقت الهيئات الأمريكية على بعضهم بحفنة من الدولارات لأجل دوام البقاء على الحياة كان ذلك المشهد الدرامي لا يوصف بمثل هذه الحالة المضطربة لهم. وعندما جاءت قرارات تفكيك الأسلحة النووية فعلا، تواصلت وتكاثرت المافيات الروسية القديمة منها والجديدة كالإعشاب البرية وبرزت كالطفيليات الضارة حيث ظهرت هنا وهناك سواء في روسيا أو في مختلف الأقطار والقوميات الأخرى في رواق الدولة السوفيتية ومنها انتهزت الفرصة السانحة لها عندما حاولت الوصول إلى أهم كنوز البلاد المنهوبة ومنها "اليورانيوم المخصب" وكذلك الوصول الى مخازن البلوتونيوم الذي يمكن تهريبه وبيعه إلى الخارج. وفي أثناء عمليات التفكيك والنقل والخزن، تم إخفاء كميات معتبرة من هذه المواد النووية الانشطارية. واستعد ضباط كبار وتقنيون نوويون للمغامرة حتى بأرواحهم لأجل سرقة وبيع ونقل هذه المواد وتهريبها.

يتبع الحلقة الرابعة و الخامسة





الاحد ١٦ ذو القعــدة ١٤٣٩ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٩ / تمــوز / ٢٠١٨ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب ا.د. عبد الكاظم العبودي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة