شبكة ذي قار
عـاجـل










لم يأت ترامب إلى رأس السلطة بصورة اعتباطية في أقوى دولة في العالم .. وحتى الذي سبقه لم يأت عبثًا ، رغم الانتقادات التي انصبت على إدارة " أوباما" التي كانت لها مهمتها في تسخير نظام طهران الطائفي لكي يمزق خرائط دول المنطقة ، وتعيد أمريكا رسمها من جديد بما يكفل أولاً : أمن الكيان الصهيوني ، وثانيًا : الهيمنة على منابع النفط ، ليس كما كانت أمريكا قد خططت له عن طريق قوات التدخل السريع الـ(RDF) ، إنما بواسطة بيع الأسلحة الأمريكية بالمليارات لدول الخليج العربي الغنية ، وبأسلوب ( التخويف ) من بعبع إيران ، ليس ذلك فحسب إنما الادعاء بالضغط عليها ومحاربتها وخنقها اقتصاديًا من أجل ، ليس إسقاط نظامها المفيد لأمريكا كـ( بعبع )  ، إنما لتغيير سلوكها السياسي في الخارج ، وتقليم أظافرها الإرهابية في المنطقة ، أما في العراق فلأمريكا حسابات أخرى تتعلق بتوافق مصالحها مع النظام الفارسي الصفوي .

ترامب شأنه شأن أي رأسمالي محترف ، يعتزم الحصول على أكبر كمية من الربح لشركته الكبرى أمريكا .. فهو وكما يكرره دائمًا بقوله متباهيًا بعد عودته من السعودية وهو يخاطب الكونغرس ( لقد حصلت لكم على 400 مليار دولار مبيعات أسلحة واستثمارات من أجل إيجاد فرص عمل للأمريكيين العاطلين والذين يقدر عددهم أكثر من سبعة عشر مليون عاطل عن العمل وتحت خط الفقر ) .. لذلك فهو يحتقر الحكام العرب ويحتقر دول المنطقة ويعلن أن نفط العراق هو ملك لأمريكا ولا ينازعه فيه أحد منذ عام الأحتلال 2003 وحتى أخر برميل .. وهذا ما يؤكده دائمًا في طلعاته الاستعراضية كمهرج من الدرجة الأولى ، وليس رجل دولة له سلوكه وتصرفاته الموزونة والمحسوبة التي تعكس قيمة دولته وهيبتها وقوتها وصرامتها وصدقيتها .. وفي هذا الإطار يمكن رصد بعض السلوك السياسي الأمريكي في المنطقة على النحو الآتي :

-  أمريكا تشجع طهران على سلوكها الإرهابي المخالف لقواعد القانون والأعراف الدولية .. والتشجيع يتم عن طريق السكوت على السلوك المشين الذي تمارسه طهران كل يوم ومنذ عقود بالضد من دول المنطقة وبالضد من أمن شعوب العالم ، حتى تمادت طهران في تصرفاتها الإجرامية وباتت تهدد من يعترض على سلوكها ومنهجيتها العدوانية في التوسع ، وخاصة العواصم الأوربية ، التي عانت الأمرين جراء التفجيرات والقتل والدهس وما إلى ذلك ، وآخرها تخطيط المخابرات الإيرانية لنسف تجمع لمجاهدي خلق وهم بالآلاف في باريس .. حيث أُجْهِضَتْ المحاولة ، والمجرم هو من الحرس الثوري الإيراني يعمل دبلوماسيًا في إحدى العواصم الأوربية .. فيما يؤكد القادة الإيرانيون وجود ( إنتحاريون ) في 110 عاصمة في العالم مهيئون لأعمال الإرهاب عند الضرورة .

-  انتهت مرحلة إسقاط النظم العربية وتدمير بعضها وتهجير شعبها بالملايين في الخارج والداخل .. وجاءت مرحلة ( إعادة بناء الاقتصاد الأمريكي بالأموال العربية ) .. وهي المرحلة التي تتولاها الإدارة الأمريكية التي يقودها تاجر العقارات ( ترامب ) الذي لا يفقه شيئًا في السياسات الدولية ولا في سياقات العمل السياسي ولا في بروتوكولات التعامل ولا في اللياقة والاحترام والهيبة ، فهو يتحدث بلغة البزنز ويتحاور بلغة سمسار العقارات والمصارف وبيوتات المال ويطلق تهديدات نارية متوازية مع دعوات للمفاوضات ويحذر من مغبة التجاوزات ولا يفعل شيئًا ويطلق مبدأه رسمياً كمبدأ رئيس ، على غرار مبدأ ترومن ومبدأ ريغان ومبدأ كارتر ومبدأ بوش ومبدأ أوباما ، توافق عليه إدارته باعتباره رئيساً له صلاحيات .. هذه الصلاحيات من الصعب الاعتقاد بأنها تتجاوز ما يسمى بـ( استراتيجية الدولة العميقة ) ذات الآليات الرسمية .. فمؤسسات الدولة العميقة هي التي تسمح لمبدأ الرئيس بالتطبيق في ضوء الاستراتيجية العظمى بعيدة المدى والمتوسطة والقريبة ، وهي التي تراقب سير تصريف السياسة الخارجية الأمريكية .. فمبدأ ترامب هو ( إدفع ثمن الحماية ، وبدونها لا أحد يحميك ) .. هذا المبدأ يطبق على دول الخليج العربي بدون استثناء ، كما يطبق على الأوربيين في اتحادهم ودول حلف شمال الأطلسي .. ( إدفعوا لي عن طريق تحديث مؤسساتكم العسكرية وارفعوا إنفاقاتكم إلى نسبة 2% من ناتجكم القومي الإجمالي ، وتحديث جيوشكم يتم من خلال مصانعنا العسكرية ) !! .

-  تسلحت بعض دول الخليج العربي بأسلحة ( دفاعية ) بمليارات الدولارات وكان التجهيز بـ( الباتريوت ) التي تلتف حول المدن والمواقع الحيوية كالقواعد والمخازن العسكرية وغيرها .. الآن ، وبعد أن جاء توقيت تبديلها لأنها باتت ( قديمة ) ، بسبب ظهور منظومة باتريوت حديثة ، ولأن سحبها في هذا التوقيت الحساس الذي له مغزاه ، من أجل إعادة تأهيلها دون إعادتها أو استبدالها ، يعني أن الأهداف التي كانت تحميها باتت مكشوفة وسهلة التدمير في أي لحظة ، مادام العدو الإيراني متربصًا له أهدافه التوسعية ويشيع الإرهاب في المنطقة والعالم .

-  وما على دول الخليج إلا شراء منظومات أخرى بمليارات الدولارات لكي تأتمن شر العدوان الإيراني عليها في قابل الأيام ، ما دام الحديث الأمريكي منصبًا على حزمات من العقوبات يقابلها تهديدات وتراشقات إعلامية من بومبيو إلى بولتون إلى نيكي إلى ماتيس إلى ترامب سيد المسرح الابتزازي في عام الإدارة الأمريكية !! .

-  ولما كانت مرحلة العقوبات النفطية تقترب على النظام الإرهابي في طهران في 4/ نوفمبر2018 ، والحصار النفطي بالمقاطعة يتصاعد والإفلاس وسقوط العملة الإيرانية إلى الحضيض وارتفاع منسوب اليقظة الشعبية في كل من إيران والعراق إلى حد الانفجار .. يطلب ترامب من الدول النفطية ( السعودية والكويت والإمارات والعراق ) ، زيادة الانتاج وإغراق السوق العالمية بالنفط لكي تهبط أسعار النفط إلى دون (7) دولارات للبرميل الواحد - وهو يعادل قيمة صندوق ببسي كولا تقريبًا - ولكن زيادة الانتاج بصورة فائضة عن حاجة السوق العالمية ، يدفع أمريكا إلى استيراده وإعادة ضخه في آبار أمريكا الخاوية في صحراء أريزونا كاحتياط استراتيجي ، رغم أن أمريكا تنتج وتصدر نفطها بصورة عادية .

-  تسريع الانتاج له خطورته المباشرة على المخزون الاستراتيجي لنفط دول الخليج وغيرها .. وخطورته على ميزانياتها وخططها التنموية .. وذلك بسبب إنخفاض الأسعار الذي لا يتوازن ولا يتساوق مع حاجاتها ولا مع حاجة السوق العالمية ويتنافى مع قرارات منظمة الدول المنتجة للنفط ( أوبك ) التي تحدد سقفًا للانتاج تحافظ عليه الدول المنتجة لحماية الانتاج والأسعار من الابتزاز السياسي ، الذي تعمل عليه إدارة ترامب في هذا التوقيت الحساس !! .

-  هناك ترابط غير طبيعي بين قرار أمريكا سحب منظومة الباتريوت من ثلاث دول عربية ( الكويت والبحرين والأردن ) وبين طلب أمريكا من الأوبك تخفيض الأسعار - بمعنى زيادة الانتاج لكي تنخفض الأسعار - .. والهدف من هذا الترابط 1- دفع دول الخليج لشراء منظومة دفاعية حديثة مع كامل متطلباتها التسليحية ، وهي باهظة الثمن ، 2- التأثير على ميزانيات الدول الخليجية المنتجة للنفط وإسقاطها في دائرة العوز والتخبط وبالتالي إفشال خططها التنموية ، 3- التأثير على مخزونات النفط أو خزين النفط الاستراتيجي لديها بزيادة وتائر الانتاج بمعدلات انتاج لا حاجة لها بزيادته !! .

-  ترامب قد لا يكون على فهم في السوق العالمية للنفط ، ولا يفهم طبيعة عمل ( الأوبك ) ، ويتصور أن كل نفوط العالم تتحكم بها ( الأوبك ) ، ولا يعلم أن الأوبك لا تستطيع تخفيض الأسعار أو رفعها ، ولكنها تستطيع أن تزيد الأنتاج النفطي أو تخفضه ، وأسواق العالم تخضع لقانون العرض والطلب في زيادة الأسعار وتخفيضها .. هذا لا يفهمه سمسار البيت الأبيض .. فإنتاج الأوبك يقع ، حسب الخبراء النفطيون ، بحدود (33) مليون برميل يوميًا ، وحاجات السوق العالمية من النفط (100) مليون برميل يوميًا ، بمعنى أن الأوبك تنتج ( ثلث ) الانتاج العالمي ، بينما دول أخرى تنتج (67) مليون برميل من خارج منظمة أوبك ومن ضمنها أمريكا !! .

-  قد يكون هذا الترابط بين سحب منظومة الباتريون وبين طلب خفض الأسعار ، ذريعة لخلط الأوراق .. فقد أعلنت أمريكا - ترامب أن 4/ نوفمبر من هذا العام سيبدأ الحصار النفطي ليشدد قبضته على طهران .. وهو الأمر الذي دفع البعض من السياسيين لإعلان توقعاتهم باحتمال وقوع الحرب ، فقد ذكر د. عبد الله النفيسي وهو شخصية سياسية كويتية معروفة ( أن الحليف الأمريكي عجول في دخول الحرب ) ، فيما يقرع عبد الباري عطوان ، المشبع بهوى طهران ، طبول الحرب على أساس أن الحرب على إيران قادمة .. وهذا تسريب مخابراتي إيراني هدفه شد الداخل الإيراني أمام خطر خارجي وشيك - هذا الإعلام فاضح تمامًا ومكشوف .. أمريكا لا تشن الحرب على إيران إلا إذا بادرت طهران بـ 1- إغلاق مضيق ( هرمز ) ، 2- عرقلة حركة الملاحة في البحر الأحمر ، 3- تعرض السفن الحربية الإيرانية للسفن الحربية الأمريكية والسفن التجارية في مياه الخليج ولقواعدها في البحرين والكويت ومسقط والقطع البحرية الأمريكية المتحركة من جزيرة ديوغاريسيا في المحيط الهادي ، 4- تعرض المصالح الأمريكية في المنطقة إلى عدوان إيراني ، 5- تعرض الوجود العسكري في العراق إلى عدوان إيراني مباشر أو بالوكالة ، وعدا هذا لن تندلع الحرب .

-  أمريكا تسعى لجني الأموال وتعرض خدماتها في الحماية على كافة دول العالم مقابل ( المال ) ، فهي محتاجة للمال ، لأن مرحلة ( ترامب ) مرحلة مخطط لها لجني الأموال وترميم الاقتصاد الأمريكي المتآكل ومعالجة واقع الاقتصادي الأمريكي الذي أنفق على حربه في أفغانستان والعراق أكثر من (4) تريليون دولار .. فكيف يستعيد هذا المبلغ الضخم ؟ ، يستعيده من الدول الغنية والضعيفة التي تحتاج إلى حماية .. ومن هنا يطرح ترامب ( أحميكم ، لكن أدفعوا لي لقاء حمايتكم ) .. فهو بهذا أشبه  بالشرطي الأجير خارج الخدمة يعرض خدماته ، وبعمله هذا قد أجهز على مبادئ ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي وكافة المعاهدات الدولية ومبادئ دولته التي تتغنى بالحرية والعدالة والمساواة ، وقلب معايير العلاقات الدولية رأسًا على عقب !! .

-  لن يتخلى ترامب عن النظام الإيراني ، إذا تراجع النظام خلف حدوده الإقليمية وأنهى وجوده الميليشاوي الإرهابي في المنطقة .. فأمريكا تحتاج ، كما أسلفنا ، إلى ( بعبع ) تخيف به دول المنطقة لأغراض التسليح وإبقاء التوتر والخوف قائمًا ما دام هذا الأسلوب يخدم استراتيجة أمريكا ولكن ضمن الحدود المرسومة .

-  وما يعزز عدم توجه ترامب نحو الحرب ، دعوته لتأسيس ( ناتو ) عربي ، وهذه الدعوة تنطوي على الكثير من الاعتبارات والمرامي يمكن تلخيصها على النحو الآتي :

-  دعوة الدول العربية لتشكيل حلف عسكري يسمى ( الناتو العربي ) تيمنًا بحلف شمال الأطلسي ( الناتو ) .. هذا الحلف توضع له استراتيجة تقوم على هياكل ومواثيق وآليات عمل ، فضلاً عن برنامج تدريب وتسليح موحد - قد لا تسمح أمريكا للدول الأعضاء بتطبيق مبدأ تنويع مصادر التسلح ، ووجوب وحصرها بمصدر واحد وهو ( البنتاغون ) على أساس سهولة صياغة عقيدة قتالية لهذا الحلف - حيث تضع لهذا الحلف ميزانية تشترط أن تخصص الدول العربية نسبة معينة من ناتجها القومي الاجمالي لأغراض التسليح ، كما طلبت الإدارة الأمريكية الراهنة من أعضاء حلف شمال الأطلسي زيادة إنفاقاتها العسكرية بنسبة 2%، ومن مبيعات السلاح الأمريكي وإلا تُحرم أوربا من الحماية الأمريكية !! .

-  ويبدو أن تشكيل هذا الحلف في ( شكله العام ) هو ما تحتاجه الدول العربية لضرورات الأمن الجماعي العربي أو الأمن القومي العربي .. إلا أن قيادته الأمريكية تضع ( مضمونه ) في دائرة الشك بتفريغ خزائن الدول العربية من ثرواتها على أساس التخويف من الخطر الإيراني ، وهو خطر حقيقي وداهم ولكنه مريض لا يقوى على البقاء ، فيما تضع أمريكا محدداتها حيال الخطر الاسرائيلي الذي يهدد الأمن القومي العربي.. ولا ننسى أن أمريكا إدارة ( أوباما ) قد رصدت مساعدات للكيان الصهيوني قدرها (38) مليار دولار على مدى عشر سنوات ، (3.800) ثلاثة مليارات وثمانمائة مليون دولار سنوياً تصرف بواقع (5) خمسة مليارات دولار لتطوير المنظومات الصاروخية البالستية الاسرائيلية ، والباقي لشراء الأسلحة والمعدات العسكرية الأمريكية .. وقد تم ذلك مؤخرًا في إطار معاهدة أمريكا -  أوباما مع الكيان الصهيوني نفذتها الآن إدارة ترامب !! .

-  الخطة الأمريكية محكمة في مجرى إستنزاف الثروات القومية للوطن العربي .. والاستنزاف يحتاج إلى ( بعبع ) إيراني يهدد دول المنطقة دون القدرة على شن الحرب النظامية الفعلية لا على هذه الدول العربية ولا على المصالح الأمريكية .. وإذا تجاوز الإيرانيون في طهران حدود تعاملهم مع المصالح الأمريكية عندئذٍ سيكون لطبول الحرب الخاطفة وقع الصاعقة .. وما على النظام الإيراني سوى التراجع حسب المنطق الأمريكي ، ليظل ( بعبعًا ) حتى تصل به الأمور أن يتحول إلى ( خراعة ) حقول لا تخشاها الطيور !! .





السبت ٢٦ محرم ١٤٤٠ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٦ / تشرين الاول / ٢٠١٨ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب الرفيق الدكتور أبو لحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة