شبكة ذي قار
عـاجـل










بعد حوالي سبعة أشهر على تكليف الرئيس الحريري تشكيل الحكومة، ما تزال المحاولات تتعثر، وأسباب التعثر كثيرة بعضها يرتبط بمعطى الوضع الداخلي المحكوم بنظام المحاصصة في المواقع السلطوية وبعضها مرتبط بمعطى الوضع الخارجي باعتبار أن لبنان يقع على خط التوازنات بين المحاور الإقليمية والدولية إضافة إلى كونه ضمن الحوض القومي العربي الذي تنعكس عليه الصراعات الدائرة فيه. وهذه أصبحت ثابتة في توصيف الواقع اللبناني. وفي كل مرة تبرز أزمة حكم أو حكومة، يكثر الحديث عن التأويلات الدستورية بحيث يسعى كل فريق إلى تكييف النص الدستوري وفق أهوائه السياسية. ولهذا تكثر البدع الدستورية التي تستبطن مواقف سياسية من بدعة الوزارات السيادية وهي غير صحيحة في بلد بسيط كونها تصح في البلدان المركبة إلى بدعة تفسير الميثاقية وفق الأهواء السياسية وموازين القوى وليس وفق ما رمى إليه المشترع.

ومن السجالات التي دارت مؤخراً، هي تلك التي تمحورت حول صلاحية رئيس الجمهورية بتوجيه رسائل إلى مجلس النواب، والتي تنبأ البعض فيما لو حصلت بأنها ستنطوي على طلب من مجلس النواب إعادة النظر بتكليف رئيس الحكومة تشكيل الحكومة. وحتى لا يحكم على النوايا، فإنه لا يمكن أن تناقش قضية توجيه الرسائل استناداً إلى تقديرات افتراضية حول محتواها، ولذلك، فإن حق الرئاسة توجيه الرسائل ثابت بنص دستوري في الفقرة 10 من المادة 53 عندما تقتضي الضرورة، لكن دون تحديد المسائل التي يعتبرها ضرورية.

وطالما أن موضوع الرسائل بقي مبهماً، فإن صلاحية توجيه الرسائل يحكمها ضابطان دستوريان: الأول أن لا تتناقض مع نص دستوري، والثاني أن لا تتعارض مع الميثاقية.

وبما أن الدستور لم يحدد مهلة للرئيس المكلف لتشكيل الحكومة، فإن المهلة تبقى مفتوحة، وحبذا لو كان الدستور قد نص على ذلك لكان ذلك شكل عاملاً ضاغطاً على كافة القوى لتساعد في تسهيل تشكيل الحكومة. هذا أولاً، أما ثانياً، فإن نظام الفصل بين السلطات يقضي بأن لا تكون سلطة طاغية على الأخرى، وإنما كل سلطة تمارس صلاحياتها وفق ما نص عليه الدستور والأنظمة القانونية المرعية الإجراء، وبالتالي فإن إعادة الأمور إلى المجلس النيابي عبر ما انطوى عليه بعض الكلام عن رساله من الرئيس إلى المجلس النيابي، فيه محاصرة للسلطة الثالثة من موقع السلطتين الأولى والثانية وفي نظام كالنظام اللبناني القائم على الطائفية في التمثيل السياسي وشغل المواقع، يعتبر مناقضاً للفقرة ( ي ) من مقدمة الدستور بذلك فإنه لا يجوز دستورياً إعادة النظر بالتكليف، لأنها استندت إلى استشارات نيابية ملزمة، ومن وافق على التسمية عليه أن يسهل لا أن يعقد.

إن صلاحية التأليف تعود حصرياً للرئيس المكلف ودوره إنشائي فيما صلاحية رئيس الجمهورية هو دور إعلاني، وهذا واضح بنص الفقرة ( 4 ) من المادة ( 53 ) عندما نصت على أن رئيس الجمهورية يصدر بالاتفاق مع رئيس مجلس الوزراء مرسوم تشكيل الحكومة، ولو أراد المشترع إشراك رئيس الجمهورية بالتأليف لكان نص على ذلك صراحة، بأن أدرج فقرة تنص على ذلك، فيما نص الفقرة ( 2 ) من المادة 64 نص صراحة على صلاحية الرئيس المكلف الحصرية بتشكيل الحكومة عندما نصت: يجري الاستشارات النيابية لتشكيل الحكومة ويوقع مع رئيس الجمهورية مرسوم تشكيلها. ولهذا فإن صلاحية الرئيس تنحصر بالتوقيع على مرسوم التشكيل وليس بالتأليف. وإذا كان الأمر يقتضي تحديد مهلة محددة للرئيس المكلف لتشكيل الحكومة وإلا أعيد النظر بالتكليف، فهذا يتطلب تعديلاً دستورياً، وهذا التعديل يجب أن يحسم الغموض حول صلاحية الرئاسة الأولى في التأليف. فيكون التعديل منطوياً على أن يصدر الرئيس مرسوم تشكيل الحكومة بالصيغة التي يرفعها الرئيس المكلف وعندها يعود للمجلس النيابي، أن يمنحها الثقة أو يحجبها. وهذا حق دستوري له، وعندها تنظم العملية الدستورية على قواعدها الصحيحة وتنتظم أيضاً قواعد الفصل بين السلطات، ولا تعود التفسيرات والمصالح السياسية تطغى على تفسير النصوص بعكس ما قصده المشترع، ولا تعود الأزمات السياسية تدخل نطاق الاستصعاء الذي يدفع باتجاه تحويل هذه الأزمات إلى أزمات وطنية عنوانها أزمة الحكم وليس الحكومة.





الثلاثاء ٣ ربيع الثاني ١٤٤٠ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١١ / كانون الاول / ٢٠١٨ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب المحامي حسن بيان نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة