شبكة ذي قار
عـاجـل










إذا صح أن الحكومة التآلفية ستلتزم بما وعدت به من توفير لمئات آلاف فرص العمل للبنانيين بموجب تطبيق مؤتمر سادر، فهذا أمرٌ جيد جداً وأقصى ما يحلم به الشباب اللبناني، غير أنه يحتاج إلى الصدقية والثقة بمن أطلق هذه الوعود كي لا ينام الناس على حريرها التي لا تتخطى الوعود وحسب،

ومع تمنياتنا أن تصدق الحكومة بما وعدت به، ولو بالحدود العشرية من هذه الأرقام الخيالية على الأقل، فإن الصدقية والثقة لا تتحققان إلا بالتنفيذ العملاني على الأرض عندما يتأكد اللبنانيون أن ثمة محاربة حقيقية للبطالة والحد من إغلاق المصانع والمؤسسات بالتزامن مع البدء في غرز المداميك الأساسية للنهوض بالاقتصاد وإقناع الجميع أن محاربة الفساد لم تكن في يوم من الأيام كذبة، وكذبة كبيرة، هدفها تنفيس الاحتقان الشعبي بالمزيد من التخدير للناس وإغراقهم في أوهام الخروج من النفق المظلم الذي لا بد من اختراقه بأكثر من بارقة ضوء، مهما كانت خافتة لعل منها، يبصر الناس خشبة خلاصهم الموعود.

ولكم كنا نتمنى على الحكومة أن تتواضع عندما أطلقت وعودها الخلّبيةهذه بعد أن صار أقصى ما يتمناه اللبناني هو الاطمئنان على ما ينتظره من أيام وشهور وسنين لا يرى فيها أبناءه يُقذفون إلى خارج الوطن في قوارب الموت السريع على شطآن المتوسط، أو في الصهاريج المغلقة التي لا تكفل لهم الوصول إلى حيث يريدون أحياءاً أو أموات.

واللبناني الذي هزمته الحياة السياسية الداخلية تحت مطرقة الخطاب الطائفي المذهبي التعبوي الذي أخرجه من فضاء الوطن إلى زواريبالكانتونات المناطقية وعصبياتها،

هو اللبناني الذي ما زال يرزح تحت طاحونة الأعباء المعيشية اليومية التي لم تعد تسمح له سوى التفكير في العيش، كل يوم بيومه، فلا يدري كيف يُصبح، وعلى ماذا يُمسي والدولة العلية قد استكثرت على الغالبية العظمى من اللبنانيين معيشتهم الضنكى في أحزمة البؤس التي تلف المدن والبلدات الكبرى، فأصرت على قانون إيجارات تعسفي ظالم حرصت في بنوده ومواده الداخلية على عدم إبقاء هؤلاء الناس في أوهام "النعيم" الذي يعيشونه فعملت على تهديدهم بالمبيت في الشارع في أية لحظة، موسعة الهوة بينهم وبين مؤجرين قدامى من أصحاب الأملاك المتهالكة الذين لا يقلّون بؤساً عنهم فتركت الضحايا تواجه الضحايا والدولة تتفرج باستهتار ولا مبالاة وكأنها تهيئ لثورة اجتماعية لا تبقي ولا تذر.

ولكم كان مجدياً لو لحظت مشاريع مؤتمر سادر تقديم المعالجات الجذرية لأحزمة البؤس والعشوائيات هذه التي جل من يقطنها هم نازحو القرى والبلدات النائية، فأوصت بإمداد قرى وبلدات هؤلاء بكل ما ينعش الحياة الاقتصادية فيها بتحقيق التنمية المتوازنة واللامركزية الإدارية، وتطبيق ما في إدراج الحكومات المتعاقبة من مشاريع نهضوية لاقتصاد هذه المناطق، تخفف الضغط فيها على المدن ويتيح لأبناء الشمال والبقاع والجنوب التشبث في أراضيهم، بعد أن يعودون إليها، ويتحولون إلى رافد أساسي من أهم روافد الإنماء والنهوض بالبلد بدل أن يكونوا عبئاً عليه، ولنا على سبيل المثال لا الحصر، ما يمكن أن يحققه مطار القليعات لو تم تنفيذه، من مكاسب اقتصادية وإنمائية وسياحية وإسكانية شتى لمحافظات الشمال وعكار وبعلبك الهرمل في أدنى التقديرات، فضلاً عما يمكن أن يقدمه مرفأ طرابلس بتوسعاته المستحدثة من قاطرة للاقتصاد وهو الأكثر أهلية لإطلاق عملية الإعمار في سوريا، دون أن نغفل أهمية تأهيل المنشآت النفطية في البداوي والزهراني وما تملكانه من فرص زاخرة بالأمل سواء بإعادة العمل بالخطوط النفطية القادمة من كركوك العراق ومن السعودية، إلى الثروات الواعدة التي تختزنها البلوكات النفطية العشرة على الشاطئ اللبناني والتي لا يمكن الاستهانة بما يمكن أن تحدثه من تغييرات جذرية في الاقتصاد اللبناني مستقبلاً فيما لو أحسن استثمارها وإدارتها على أفضل حال، ناهيك عن خط الحرير الصيني الذي لحظ للبنان مكانة اقتصادية وجغرافية هامة تدر عليه الكثير.

إن محاربة البطالة وتوفير فرص العمل الجديدة للبنانيين، لا تكون بحشد الازلام والمحاسيب والمحازبين في مؤسسات الدولة المتهالكة أصلاً فيزداد الهدر وإرهاق الخزينة وتتفاقم الديون، كما هو حاصل اليوم من فضائح مجلجلة لا هدف منها سوى خدمة المصالح الانتخابية والسياسية الضيقة.

وإن الف باء ذلك، تكمن ليس في مواجهة الفساد الحاصل بكل أشكاله وحسب، وإنما في مواكبة العصر على مختلف صعد العلم والتقنية والحداثة التكنولوجية الجديدة التي تؤكد الحقائق أنها لغة العصر القادم التي ستتغلب في تفاصيلها وعلومها على مئات المهن والمصالح التي سوف تندثر مع الأيام لصالح الثورات العلمية المتجددة، وبالتالي صار العقل البشري بنباهته وذكائه هو المؤهل لاستنهاض مقومات القارة الأرضية بمجملها، فكيف بالأمم والشعوب والبلدان والأقطار على هذه المعمورة.

وإن الإمعان في مصادرة عقول الناس عبر إغراقهم في التخلف والغيبوبة الفكرية والتسطيح ليست سوى إطلاق رصاصة الرحمة على هؤلاء ودفنهم في قبور الجهل والاستعباد وهم أحياء يرزقون.

بدون ذلك، لا يمكن لقطار التقدم والاستنهاض أن يقلع مهما كانت النوايا صادقة ومتواضعة وصادرة عن أحرار في المواقف والرؤى والقرار المستقل وتغليب المصالح العامة على الخاصة، إذا وعد الحر منهم وفىمعتبراً أن الوعد يبقى ديناً في أعناقه، فالبلد صار بأمس الحاجة إلى رجال دولة أمثال هؤلاء الأحرار .. إن وُجدوا!.





الثلاثاء ١٣ رجــب ١٤٤٠ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٩ / أذار / ٢٠١٩ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب نبيل الزعبي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة