شبكة ذي قار
عـاجـل










وقفت مندوبة إحدى محطات التلفزة أمام جمهرة من شباب طرابلس يوم انتخابات الأحد النيابية الفرعية التي جرت في الرابع عشر من شهر نيسان الجاري، سائلة إياهم فرداً فرداً :

من ستنتخب من المرشحين الثمانية للمقعد النيابي الشاغر في طرابلس، تعددت الأجوبة بين معارض ومستنكف ومن يريد أن يدلي بصوته في صندوقة الاقتراع، فسألت الأخير: ولمن ستقترع، فأجاب:

لمرشحة التحالف، ثم عادت وسألت: ولماذا وهل تعرف شيئاً عن هذه المرشحة! فعاد مجيباً :
لا أعرفها أبداً ولكن "فلأن" مدلياً باسم زعيمه، يريد ذلك،

ولما عادت المندوبة لتسأل جميع من أدلوا بآرائهم حول إذا كانوا يعملون أم لا يعملون، رفع الجميع أصابعهم بأنهم بلا عمل ويشكون البطالة على الملأ.

على مقربة من هذا التجمع الشعبي، كانت سيارة كبيرة ترفع صورة عملاقة للمرشحة المذكورة وتذيع أغاني وأهازيج التأييد لها على مرأى من القوى الأمنية التي تعرف مسبقاً أن ذلك مخالف للقانون في اليوم الانتخابي، فلم تفعل!

وبالانتقال إلى السراي الحكومي لتطلع على أجواء سير العملية الانتخابية، يفاجئوك أن مسؤولي حملات المرشحين المعارضين يرابطون حتى الساعة التاسعة صباحاً وبطاقات السماح لمندوبهم في أقلام الاقتراع لم تصلهم بعد، فيحتجون على كل هذا التمييز الحاصل بينهم وبين مرشحة التحالف السلطوي – المالي – السياسي – المذهبي التي توفر لها كل ما يلزم من تسهيلات لوجيستيه على أرض المعركة، فيما حجبت عن الآخرين أو تم تأخيرها لما بعد مضي السويعات الأولى من يوم الاقتراع!
يجسِّد ما تقدم بعضاً من حيثيات المشهد الانتخابي السوريالي الفاقع الذي عاشته طرابلس في يومها الانتخابي الفرعي الطويل بعد قرار المجلس الدستوري بإبطال نيابة، من عادت مرشحة فوق العادة، للمدينة تبين أنها تمثل مصالح من رشحها، أكثر مما تملك تمثيلاً لأبناء المدينة، وهذا ما تكشف بوضوح من خلال اطلالاتها الأولى على الناس فأحرجت من رشحها، سواء بعدم معرفتها بالمدينة أساساً، أو بافتقاد الحنكة السياسية المطلوبة، الأمر الذي اضطر رعاه هذا الترشيح إلى لجمها عن كل كلام إبان كل الفترة الانتخابية واكتفوا هم بكل أشكال التصريح والتعبير واستحضار الصقور من العاصمة بيروت لتجديد الخطاب التعبوي، واستدروا العطف من لدن الشهداء الراحلين من صيدا ونسجوا أوسع ما تشهده المدينة من تحالفات شملت خمسة قوى أساسية بماكيناتها الانتخابية الفاعلة فضلاً عن استحضار الدين لتشويه المعارضين والتشهير بهم، ليتضح للقاصي والداني أن كل هؤلاء في واد، والمدينة وأهلها في واد آخر، ومع كل ذلك لم تسفر العملية الانتخابية سوى عن نسبة ضئيلة لم تتعد الاثني عشر ونيف بالمئة من المواطنين نزلت لتقترع ولتتوزع أصواتها بين المرشحة – العائدة إلى النيابة من جديد بغلبة غير مريحة بتاتاً، وخسارة مشرفة للفريق المعارض ولا سيما المتقدمين منهم من المرشحين الشباب، وعلى رأسهم مرشح تحالف "كلنا وطني" متجنبين تجرع الهزيمة في هكذا معارك، وسط التأكيد على تكريس حالة شعبية جديدة في المدينة يمكن التأسيس عليها في الجولات الانتخابية القادمة، ولتعزز على الأرض جملة من الحقائق التي تتلخص بالنقاط الأساسية التالية:

أ- إحصائياً وحسب الأرقام النهائية التي أصدرتها وزارة الداخلية ،

بلغ عدد الناخبين المسجلين في دائرة طرابلس الانتخابية حتى العام 2019 / 241534 ناخباً، اقترع منهم 32963 ناخباً، ووجدت أوراق ملغاة بلغت 2648 ورقة إضافة إلى 1951 ورقة بيضاء، لتصبح الأوراق المتبقية 28364 ناخباً توزعت على المرشحين كما يلي :

1- 19387 صوت لمرشحة الرئيس الحريري المطعون بنيابتها والعائدة للنيابة مجدداً السيدة ديما جمالي.
2- 3295 صوت لمرشح "كلنا وطني" يحي مولود.
3- 2590 صوت للمرشح النائب السابق مصباح الأحدب.
4- 2240 صوت للمرشح المستقل عمر السيد.
5- 503 صوت للمرشح نزار زكا المعتقل في إيران وتم ترشيحه للإضاءة على وضعه.
6- 290 للمرشح طلال كباره.
7- 54 للمرشح محمود الصمدي الذي سبق وانسحب لمصلحة مرشحة الرئيس الحريري.
8- 6 أصوات للمرشح حامد عمشه الذي رشح من قبل تيار المستقبل للاستفادة من عدد المندوبين والمندوبات المخصصين له.

ب- يتضح مما تقدم أن ما يزيد عن السبعة وثمانين بالمئة من ناخبين وناخبات طرابلس لم يتحمسوا لهذه الانتخابات بمن فيهم القوى الطاعنة انتخابياً التي دعت إلى المقاطعة وقوتها التجبيرية الانتخابية أقل بكثير من الذين لم ينزلوا للاقتراع.

ج- إن الذين أدلوا بأصواتهم في صناديق الاقتراع بلغ 28364 ناخباً بلغ عديد الذين صوتوا منهم للمرشحة الجمالي بلغ 19387، بينما بلغ عدد الذين صوتوا للقوى المعارضة وخاصة المرشحين الثلاث الأول منها (مولود، الأحدب، السيد) بلغ مجتمعين 8125 صوتاً، ويضاف إليهم 1951 ورقة بيضا تحتسب من باب الاعتراض أيضاً فيكون المجموع: 10076 صوتاً أي أن ذلك يعني ان انتصار السلطة بكافة أطيافها وماكيناتها الانتخابية الضخمة لم يكن سوى انتصار هجين لا أب ولا أم له لكثرة من ادعوا أبوته وفضلهم على المرشحة الفائزة، بينما تشكل الأصوات التي نالها كل من المرشحين الشابين، مولود والسيد مثلاً، نتائج جيدة جداً قياساً إلى تجربتهما الحديثة ومواجهتهما لجيوش السلطة الانتخابية بكل ما تملكه من أسلحة إعلامية ومالية ونفوذ يصلح لمواجهة شرسة لمرشحين مخضرمين يملكون ما تملكه السلطة على الأقل من إمكانيات ونفوذ، ولم تكن متوفرة لشباب حديثي التجربة كل ما يملكون من راسمال انتخابي هو رفضهم أن تستباح مدينتهم أمام الخطاب السياسي – المذهبي – التعبوي فقرروا المواجهة باللحم الحي إلى درجة أن بعضهم لم يكن له أي مندوب على الصناديق، والمال المطلوب للصرف، ناهيك عما تعرض له أحدهم (مولود) من حملات تعبئة ممنهجة تتهمه بالكفر والالحاد والتشهير وكل ما فيه خروجاً عن أبسط القواعد الأخلاقية للمنافسة الحرة السلمية والمشروعة.

د- ان المعركة الانتخابية الفرعية في طرابلس، قد فتحت كوة كبيرة أمام أبناء المدينة وقد قالوا كلمتهم، سواء بالامتناع عن الانتخاب أو انتخاباً لمصلحة القوى الشابة التغييرية، لتكتشف الأحياء والأزقة في نفسها من مكامن قوة وإرادة صلبة تستطيع مستقبلاً تجييرها لمن تراه الأصلح لتمثيلها وهي تدافع عن مصالحها في مواجهة الإقطاع المالي – السياسي – السلطوي – المذهبي الجديد، ورأس الحربة فيه النيوليبرالية المتوحشة التي لا تقيم أي وزن أو اعتبار سوى لمصالحها الشخصية وشركاتها التجارية العابرة للقارات.

هـ- صحيح أن الكثرة النسبية صوتت للسيدة جمالي، وقد فعلت ذلك بناء لرغبة وأوامر مرجعياتهم السياسية والنيابية، وغالبية هؤلاء المصوتين جاهروا بذلك أمام الأثير الفضائي بأنهم لا يعرفون المرشحة ولا يعرفون ما تمتلك من برنامج انتخابي سوى أنها مرشحة الرئيس الحريري دون أن يكلفوا أنفسهم عناء السؤال عما سيقدمه مؤتمر سادر مثلاً لطرابلس وما هو مصير المنطقة الاقتصادية وحصريتها إلى جانب حصرية معرض الشهيد رشيد كرامي، وماذا عن الوعد بالآف فرص العمل لأكثر من نصف شباب المدينة الذين يشكون البطالة، والى متى ستبقى طرابلس خارجة عن مسيرة الإنماء المتوازن، ومتى تعود عاصمة ثانية للبنان، عن حق، وغير ذلك.

بينما من أدلى بصوته للمعارضة انتخب من يجد فيهم ولديهم الإرادة والموقف لمواجهة كل هذا التجييش المذهبي والسياسي وخطابه التعبوي المناطقي الذي لم يعد ذا لون أو طعم أو رائحة، في ظل طغيان رائحة المكب القديم للنفايات وتوأمه الجديد المنشأ حديثاً، وهذا ما يلزم المعارضة ومؤيديها إلى الانكباب الفوري على أعداد أوسع جبهة سياسية – شعبية – إنمائية معارضة في المدينة تؤسس على النتائج الجيدة التي أفرزتها الانتخابات وتعمل وفق إرادة من انتخب على أساس الموقف والمبدأ والبرامج، وهؤلاء من يجب أن يعوَّل عليهم وعلى وعيهم السياسي منذ اليوم وغداً وكل يوم.





الجمعة ١٤ شعبــان ١٤٤٠ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٩ / نيســان / ٢٠١٩ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب نبيل الزعبي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة