شبكة ذي قار
عـاجـل










عانت أمتنا العربية من تداعيات الاستعمار التركي الذي ساهم في تأخر الأمة وتخلفها عن ركب الحضارة المستمر منذ كارثة الهجمة المغولية التترية على الوطن العربي في القرن الثالث عشر الميلادي، كما مارس تمييزاً عنصرياً ضد العرب ورفض الاستجابة لتطلعاتهم المشروعة.

وما إن لاحت في الأفق بوادر نشوب الحرب العالمية الأولى عام 1914 حتى أدركت جماهير الأمة الخطر المحدق الذي يتهدد أراضيهم وأرزاقهم لو وقعت الحرب، فطلبوا من السلطات أن تجنب بلادهم ويلات الحرب وأن تلتزم الحياد في صراع القوى الدولية الكبرى، ولكن الدولة العثمانية تجاهلت هذه النداءات ودخلت الحرب بجوار ألمانيا وسلمت الضباط الألمان دفة القيادة في الولايات العربية كما أدخلتهم إلى الديار المقدسة في الحجاز رغم الرفض الشعبي لهم.

ومع تصاعد وتيرة البطش بأحرار الأمة لم يجد العرب بداً من إعلان الثورة ضد الاحتلال التركي وحليفه الألماني في حزيران عام 1916، ووجد الثوار أنفسهم في معمعة الحرب وأصبحوا بحكم الأمر الواقع في المعسكر المناوئ لمعسكر تركيا وألمانيا ومن معهم.
وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى في عام 1918، فوجئ أحرار الأمة بتنكر بريطانيا لوعودها لقادة الثورة العربية الكبرى بعدم المساس بالأراضي العربية تثميناً لتصدي العرب الشجاع للتحالف التركي الألماني وتقاسمها السيطرة على الأقطار العربية مع فرنسا، فأشعلوا الثورات ضد المستعمرين الجدد وواصلوا نضالهم من أجل تحرير الأقطار العربية وتحقيق الوحدة العربية.

وسرعان ما دب التناقض الاستعماري سريعاً وظهرت النزاعات الحدودية بين بريطانيا وفرنسا، فغض الانگليز الطرف عن دعم حكام العراق والأردن للثورة السورية الكبرى عام 1925 بالمال والسلاح واحتضانهم لأحرار سوريا ولبنان، بينما شجعت فرنسا العصيان الانفصالي في شمال العراق واحتضنت في سوريا عام 1933 المخربين الفارين من العراق.

ومع اندلاع الحرب العالمية الثانية عام 1939، رفعت جماهير الأمة شعار عدم الانحياز، مطالبةً الحكام العرب بتجنيب أقطارهم ويلات الحرب.

ونتيجةً لمواقف العراق الحيادية، شنت بريطانيا عدوانها الغادر عام 1941 فاندلعت ثورة مايس التحررية، ووجدت حكومة الثورة نفسها جزءاً مهماً من المحور الدولي المناهض للحلفاء دون سابق تخطيط.

لقد هب أبناء سوريا للتطوع دعماً لثوار العراق دون أن تجابههم حكومة فيشي الفرنسية الموالية للألمان بأي عراقيل، مما أغضب الانگليز ودفعهم بعد احتلال العراق لغزو سوريا وطرد حكومة فيشي منها وتسليمها لحكومة فرنسا الحرة.

بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945، شنت فرنسا عدوانها الغادر على سوريا الذي فشل فشلاً ذريعاً نتيجةً لصمود الشعب السوري وقواه الوطنية، فسحبت قواتها وغادرت بلاد الشام في السابع عشر من نيسان عام 1946.

ويتجلى بوضوح التناقض الاستعماري في سوريا بعد جلاء قوات الاحتلال الفرنسي عنها، فقام قائد الجيش السوري حسني الزعيم في الثلاثين من آذار عام 1949 بانقلاب عسكري مدعوم من أمريكا ضد حكم الرئيس شكري القوتلي، ولكن سرعان ما أطاح به سامي الحناوي بانقلاب عسكري مدعوم من بريطانيا في الرابع عشر من آب عام 1949 أوصل هاشم الأتاسي لسدة الحكم، ولكن أمريكا دعمت أديب الشيشكلي في انقلابه العسكري على حكم الرئيس هاشم الأتاسي عام 1951 واستيلائه على الحكم.

لقد أدى التناحر الغربي على سوريا وصراعات عملائهم لتمزيق صفوفهم، فاستغلت القوى الوطنية والقومية الفرصة وفجرت ثورة الخامس والعشرين من شباط عام 1954 التي أطاحت بحكم الرئيس أديب الشيشكلي وأقامت نظاماً ديمقراطياً تعددياً صمد في وجه المؤامرات الغربية وحقق حلم الجماهير في الوحدة مع مصر في شباط 1958، وكان لأبطال البعث الميامين شرف إذاعة بيان ثورة 25 شباط 1954 الأول وإطلاق رصاصتها الأولى والدعوة للوحدة مع مصر.

إن للإدارة الأمريكية دوراً ملحوظاً في إثارة المتاعب للاستعمار البريطاني في اليمن والإستعمار الفرنسي في المغرب العربي، كما استقبلت في البيت الأبيض عام 1962 قادة الثورة الجزائرية واليمنية نكايةً بباريس ولندن.

لقد كان لتنافس القطبين السوفييتي والأمريكي على الهيمنة على مقدرات الوطن العربي؛ دور هام في تحرير القوى الوطنية والقومية التقدمية لأقطارها من الاحتلال والقيود الاستعمارية بفضل سياسة الحياد الإيجابي وعدم الانحياز التي حمل لواءها عراق البعث ومصر الناصرية.

إن التناقض الاستعماري أمر طبيعي لاختلاف مصالح القوى الكبرى، ورغبة الواحدة منها في نيل أكبر الإمتيازات قبل غيرها.

ويبقى الكفاح المسلح هو الضمانة الأمثل للتفاوض الندي المتكافئ بين قوى المقاومة الوطنية والاحتلال الأجنبي.

ويواصل شعب العراق البطل يحدو ركبه صناديد البعث جهاده الملحمي ضد الاحتلال الإيراني وريث الاحتلال الأمريكي؛ مستغلاً تناحر العصابة الحاكمة في المنطقة الخضراء وتغير موازين القوى الدولية.

إن فجر الحرية قادم لا محالة، ولا يمكن لحكم تحميه حراب الأجنبي أن يقهر إرادة الشعب التواق للحرية.

وما ضاع حق وراءه مطالب.
 





الثلاثاء ٨ شــوال ١٤٤٠ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١١ / حـزيران / ٢٠١٩ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب فهد الهزاع نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة