شبكة ذي قار
عـاجـل










قد ترد في سياق الأحداث المتسارعة على أرض الواقع إفتراضات قد تكون ممكنة طالما تعتمد على قاعدة من العوامل والمسببات والدوافع ، وهي في كل الأحوال تظل إفتراضات قد تدخل الاختبار وربما تخضع للتجريبية في مطابخ السياسة والاستخبارات لتمهد الطريق لمفاهيم السياسة في أن ترسم ما يسمى خرائط الطريق ، أقول :

-  لو أن امريكا ، بعد تحشدها الهائل في منطقة الخليج العربي و( تحملها ) كلف هذه الحشود العسكرية ذات الطابع الاستراتيجي ، نكثت بوعودها وبنفسها وتراجعت ، بعد إعلانها إحتواء نفوذ النظام الإيراني في المنطقة ومنع إيران من التمدد والتوسع وتهديد الأمن الإقليمي ، وإرجاعها إلى ما وراء حدودها الطبيعية ، أقول لو افترضنا ذلك ، ماذا سيحصل ؟ .

-  بلا أدنى شك أن أمريكا ستثبت على نفسها بالملموس أنها في لعبة كبرى تلعبها مع الدولة الفارسية على حساب المنطقة العربية ، فهي بذلك ستخسر سمعتها سياسياً ، ومصالحها فضلاً عن سمعتها الإقليمية والدولية ، وتلك مسألة ترتبط بالهيبة الدولية لدولة كبرى تسعى إلى السيادة العالمية وبحاجة إلى الصدقية ، طالما أن مبدأ التحالفات والتعاملات الثنائية ومتعددة الأطراف مهم ويحتاج لبناء الثقة في العلاقات الدولية وخاصة في خضم الصراعات والتسويات ، وما تزال تداعيات الهزيمة في فيتنام والصومال والعراق ماثلة للعيان .

-  كيف سيكون وقع التراجع الأمريكي عن تنفيذ مخططها السياسي - الاستراتيجي القاضي بمنع النفوذ الإيراني من التمدد والتوسع في منطقة تعد من أكثر مناطق العالم تأثراً وحساسية ، طالما تمتلك المنطقة خاصيتين إثنتين - بحسب الرؤية الأمريكية – وهما ، الأولى : أمن الكيان الصهيوني وتأمين مشروعه في المنطقة وحمايته ، والثانية : الهيمنة الكاملة على منابع النفط وكافة متطلبات استخراجه وتسويقه وتجارة مواصلاته البحرية وأنابيب شبكته وإمداداته وحمايتها ، إضافة إلى أهداف استراتيجية أخرى بعيدة المدى .

قد يقول قائل – هناك مصلحة مشتركة بين واشنطن وطهران – وهذا صحيح ، ولكن هذه المقولة خاضعة أساسًا للتوازن في المصالح ، وكذلك خاضعة للمشاريع ، كيف ؟ ، أن لا تتعارض المصالح ، وأن لا تتقاطع بمعنى التصادم في المشاريع ، ويتم ذلك في إطار التوافق الاستراتيجي وليس الاتفاق الاستراتيجي والفرق كبير بين المفهومين ، كما أنها خاضعة لطبيعة المشاريع ( الامبريالية ) و( الصهيونية ) و( الفارسية ) و( التركية ) الموجهة للمنطقة العربية ، والتي تظهر التوافق في البداية وتضمر التصادم في النهاية ، ومن المستحيل أن تكون هناك رؤية مشتركة دون أن يعتريها التصادم في المصالح والنفوذ ، الأمر الذي يجعل مشروع الشرق الأوسط الكبير لا يسمح لأي مشروع آخر ينافس أو يزاحم أو يستحوذ على المصالح الغربية والأمريكية والإسرائيلية .

المشروع الفارسي اندفع بعيدا وتخطى حدوده في التمدد والتوسع بحيث بات يهدد مصالح الغرب في صميم عصب قوته وتطور صناعاته وحتى وجوده ، وهو ( الطاقة ) .

لقد حسبت إيران طاقتها النفطية وطاقة العراق وطاقة الكويت ودول الخليج العربي وطاقة شرق حوض البحر الأبيض المتوسط ، لكي تبني إيران امبراطورية فارسية - تشيعية تفرض سياستها على المنطقة والعالم بقوة السلاح التقليدي ( أسلحة وآيديولوجيا طائفية ) ، وبقوة ( السلاح النووي ) إذا ما تمكنت من الحصول على السلاح النووي !! .

-  ليس كافياً أن تعتمد أمريكا على إيران الواحدة وتخسر 21 دولة عربية وعدد كبير من الدول الإسلامية والعالمية بفعل نكوثها بوعودها وتراجعها عن أهدافها بتحجيم إيران ومنعها من الوصول إلى أهدافها غير المشروعة ، وبالتالي تغيير سلوكها الإرهابي في المنطقة والعالم .

-  ثم ، إلى متى يستمر الوضع المتوتر والإرهاب الإيراني في سوريا ، إذا ما علمنا أن روسيا لاعب عسكري رئيسي وإيران لاعب عسكري - آيديولوجي ثانوي في سوريا ؟ .

-  لقد استنفدت أوضاع سوريا كل أشواطها السياسية - التفاوضية والعسكرية الميدانية ، والآن بلغت المساومات حدها بعد تصفية الحسابات ولم يعد للوجود العسكري الميليشياوي أي قيمة سوقية ( بالمفهوم العسكري ) ، من يبقى في سوريا إذا ما حلت المساومات وتم العمل بها ؟ ، هل يبقى نظام الأسد وهو فاقد الشرعية ؟ .. الآن لم يتحدث أحد عن هذا الموضوع .. هل يبقى النفوذ العسكري الروسي ؟ .. نعم ، ولكن بشروط ( الصفقة ) في أوكرانيا وجزيرة القرم والعقوبات الأوربية والأمريكية المفروضة على موسكو ، والمقابل : رفع الغطاء الروسي عن الوجود العسكري الإيراني في سوريا .

-  الاجتماع الثلاثي الروسي الأمريكي الإسرائيلي سيتمخض عن ذلك .. وسبق هذا الاجتماع اجتماعات متتالية عقدها جنرالات رؤوساء أركان حرب الأطراف الثلاثة المعنيون بالساحة السورية ( أمريكا وروسيا وإسرائيل ) .

وهنا يتوجب التنويه ، بأن الكيان الصهيوني هو الطرف الوحيد الذي سمح لروسيا أن تتدخل وتمارس القوة في الساحة السورية ضمن حدود معينة وعلى وفق دواعي ما يسمى ( الأمن الإسرائيلي ) ، ووافقت على ذلك أمريكا ، وإلا ما كان لروسيا أن تجازف وتلقي بكامل ثقلها في سوريا لولا الضوء الأخضر الذي أعطي لها بعدم الممانعة من بلوغها المياه الدافئة على سواحل البحر الأبيض ، فيما كان هناك صمت أو توافق أمريكي - إسرائيلي على أن يلعب الإيرانيون دوراً ليس في العراق فحسب إنما في الساحة السورية على وجه الخصوص وفي منطقة الخليج العربي بوجه عام ولاعتبارات ما يسمى بنظرية الأمن الإسرائيلية .

-  المرحلة الراهنة اقتضت إنهاء الدور الإيراني ، أو بالأحرى عدم السكوت على السلوك الإيراني الإرهابي في العراق والمنطقة ، ولاعتبارات اقتضتها المصالح الصهيونية والأمريكية على قاعدة إنهاك المنطقة العربية وتحطيم عناصر قوتها في مصر أولاً وفي العراق ثانياً وفي سوريا ثالثاً .

أما دول الخليج العربي الذي تعتبر الخط التمويلي الخلفي ، رغم كل مساوئها المعروفة ، فإنها باتت مرتعًا للاستنزاف الأمريكي ، ومدخلاً لتصفية القضية الفلسطينية ( تابعو كوشنير هو وعمه ترمب ) وخطواتهما في مسألتين ، الأولى : حول القضية الفلسطينية والثانية : التماهل الأمريكي في رد الفعل على أعمال الإرهاب الإيراني المؤثرة على التجارة العالمية وتسويق النفط إلى دول العالم الصناعية وعلى الأمن والسلم الدوليين ، والاكتفاء بعبارات التهديد ما دام الجانب الأمريكي مطمأناً من عدم تعرض النظام الإيراني للوجود الأمريكي لا في العراق ولا في المنطقة ، سواء كان هذا الوجود في شكل جنود أو حاملة طائرات أو فرقاطات أو قواعد عسكرية أو كيانات تمثيلية ، وزخم العدوان الإيراني يأخذ تراتيبية التعرض للوجود الخليجي وصادرات النفط الخليجية والأجنبية عدا الأمريكية !! .

-  وهنا ما الذي نفهمه من هذا التفريق بين التعرض الإيراني للوجود النفطي العربي وعدم التعرض للوجود الأمريكي في العراق والمنطقة ؟ ، هل هو تكتيك إيراني يقابله عدم تسرع أمريكي لحين أن ( الطبخة ) الفلسطينية والخليجية تبلغ مستوى النضج ، بمعنى الرضوخ للأمر الواقع وهو القبول العربي بوجود إسرائيلي محتل لفلسطين ، والقبول العربي بالوجود الإيراني مُقَلَمْ الأظافر ولكنه يخيف ويتحرش ويحرك طابوره الخامس كلما أراد ذلك ؟! .

-  إن من أهم اهداف الامبريالية الأمريكية هي التحكم بانتاج النفط وبامدادات النفط والهيمنة على مخزونه الاستراتيجي وضمان تدفقه إلى الأسواق العالمية وخاصة الأوربية وتحت إشراف شركات النظام الراسمالي وفي مقدمتها الشركات الأمريكية والبريطانية والفرنسية ، فضلاً عن حماية خطوط أنابيب النفط وتسويقه عبر الممرات والمضائق والبحار العالية .

هذا النهج في الاستراتيجية الأمريكية لم يتغير منذ عقود تعتمده الادارات الأمريكية المتعاقبة في سياساتها الاستراتيجية – .

-  ما الذي تستهدفه أمريكا والغرب وحتى الأمم المتحدة من مواقفها الباهتة غير الجدية ؟ ، لا أحد يريد الحرب والكل يعلن أنه لا يريد الحرب ، ولكن إيران قد بدأت الحرب فعلاً بحسب القانون الدولي حيث كررت تعرضها العدواني على ناقلات النفط وخطوط امداداته وعلى جيرانها ، فإيران قد بدأت الحرب من خلال ذراعها في اليمن من جهة وما ارتكبه الحرس الإيراني من تخريب الناقلات وعرقلة خط الملاحة الدولية وباعتراف أمريكا ذاتها ، يعد جريمة حرب ارتكبتها الدولة الإيرانية وفقا للقانون الدولي .

-  ألم يكن من المجدي تدويل العدوان الإيراني نحو مجلس الأمن بشأن التعرض لناقلات النفط الأجنبية والعربية ؟ ، واتخاذ الموقف الأممي الرادع لخروج إيران عن المسار الطبيعي للعلاقات الطبيعية بين الدول وعدم الاحترام والاستهتار بمعايير هذه العلاقات وبمبادئ ميثاق الأمم المتحدة ومبادئ حسن الجوار ؟ ، فلماذا المراوغة الأمريكية والصمت الأوربي الخجول والصمت الأممي المطبق ؟ .

-  هناك افتراضان أساسيان ربما في تفكير قيادة البيت الأبيض وخاصة الخبراء العسكريون الاستراتيجيون ندرجهما كما يلي :

أولاً - " إذا لم يكن بمقدورك أو لا ترغب في وقف صعود قوة ما ، فبإمكانك التعاون معها سعيًا للحد من مخاطر العنف " ، وهذا ما فعلته إدارة ( أوباما ) ظاهرياً ، وباطنياً أن تلك الأدارة كانت مخترقة إيرانياً وهي دولة مؤسسات !! .

ثانيًا- وإذا لم تستطع أن تشن الحرب على العدو لتغيير سلوكه ، فعليك باحتوائه من أجل التغيير في الداخل .

-  تعاونت إدارة أوباما مع إيران تعاونًا مهاناً ومخزياً أوصل سمعة أمريكا في نظر العالم إلى الحضيض ، لماذا ؟ ، لأن أمريكا ابتلعت ( الطعم ) الإيراني وباتت في أحضان الملالي ، فخسرت أصدقائها والمقربين إليها وفرطت بمصالحها وداست على ما يسمى مبدأ كارتر الذي يؤكد على المصالح الحيوية الأمريكية وعدم التساهل لمن يتعرض لها ويجابه بكل الوسائل الممكنة بما فيها القوة العسكرية !! .

-  فإذا نكثت أمريكا بوعودها في تنفيذ خطواتها ، فأنها بذلك تختزل الأزمة الإيرانية الخطيرة بتجزئتها ما بين الملف النووي الإيراني (5+1) ، ومشروع الصواريخ البالستية الهجومية ، وبين السلوك الإيراني الإرهابي الذي يعبث بمصير المنطقة والعالم ويهدد الأمن والسلم الإقليمي والدولي .

-  الإدارة الأمريكية الراهنة يجب أن تدرك جيداً أن أمريكا هي السبب في توسع إيران وتمددها في المنطقة وهي السبب في زعزعة الأمن في المنطقة وعليها أن تدرك أن تراجعها عن هدف تحجيم إيران وتقليم أظافرها الميليشياوية الطائفية سيبقيها في نظر العرب وتعداد نفوسهم أكثر من (350) مليون نسمة والعالم الإسلامي الذي يرفض الإرهاب الإيراني وتعداده أكثر من مليار ونصف المليار ، الدولة الامبريالية السيئة التي أضرت بتصرفاتها الغبية والخطرة التي استكلبت الدولة الإيرانية على المنطقة والعالم إرهاباً وحولته عالماً غير آمن إطلاقاً .

-  وستخسر أمريكا مصالحها في المنطقة ومصالحها لدى أصدقائها وشركائها إذا ما دخلت ( نفقًا تفاوضيًا إيرانيًا ) لا تجد في نهايته بصيص من ضوء سوى ضباب فارسي .. إذا ما ظهرت في الأُفق حزمة من الشروط وشروط مقابلة تطرح دون سقف .. وتلك هي الاستراتيجية الإيرانية التي تأخذ ولا تعطي شيئًا ، فيما تسعى لاكتساب الزمن لأهداف أُخرى منها الحصول على السلاح النووي .

-  إن تجزئة الأُطروحات الإيرانية تؤدي إلى مشكلات تفرخ أُخرى ، لتفرض من ثم نفسها على أي مفاوضات .. فمشكلة تطوير الصواريخ البالستية واستخداماتها العدوانية على دول المنطقة لا تنفصل عن مشكلة الملف النووي وسعي إيران السري للحصول على القدرة والسلاح وكليهما لا ينفصلان عن السلوك الإيراني الذي يمثل إرهاب الدولة .

إن التغاضي أو تجاهل هذه المفاهيم وترابطها ، يؤدي حتما إلى نتائج وخيمة على الأمن والسلم الاقليمي والعالمي .





الثلاثاء ١٥ شــوال ١٤٤٠ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٨ / حـزيران / ٢٠١٩ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب الرفيق الدكتور أبو الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة