شبكة ذي قار
عـاجـل










مع اقتراب انتهاء مهلة مجموعة العمل المالي المسماة "هيئة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب" "FATF" التي منحتها لإيران حتى شهر يونيو/حزيران الجاري لتشديد قوانينها بشأن تمويل الإرهاب ومكافحة غسل الأموال فان هناك جدل يسوده الغموض حول مصادر التمويل الفعلية التي يتحدث عنها الإعلام وكواليس السياسة الأمريكية وتستغله لمصلحتها أبواق الدعاية الإيرانية وحلفائها.

وهنا لا بد من تحديد دقيق والإجابة عن سؤال يؤرق الكثيرين: من يمول من؟ ومن هي "عصابات الدولار" الإيرانية، التي تمول إيران وليس العكس، هذه المقالة تحاول الإجابة عن ذاك، بما توفر من معطيات، وما خفي عنها في العراق، وما هي تلك المافيات وارتباطاتها ضمن هذه الخلطة الفارسية المعقدة؟.

بداية نشهد بما يقول المثل إذا اختلف اللصوص وتنازعوا في ما بينهم ظهرت حقائق وطبيعة السرقات التي ارتكبوها وتعاونوا عليها سرا. ما يجري بين أمريكا ترامب وإيران خامنئي في السر والعلن هو جزء من ذلك الخلاف المستتر، الذي بات كبيرا بالهيمنة وانفجر نتيجة خلافاتهم على حصص مالية ضخمة تقدر بمليارات الدولارات، وما يتوجب أخذه لكل منهما من تلك السرقات الكبرى بات يخرج الى العلن .

غالبية تلك الأموال أخذت أساسا من أموال وثروات العراق المحتل بشكل ثنائي من الطرف الأمريكي ومساعده وشريكه الطرف الإيراني.

قبل الخوض في ادعاءات إدارة ترامب السياسية والدبلوماسية وحتى التلويح بالحرب على إيران؛ فان البداية التي سار عليها ترامب في هذه الأزمة هي الشروع في معاقبة أؤلئك اللصوص الذين تشاركوا مع دولته الأمريكية يوما في نهب أموال العراق، وهم قد تغولوا، وصارت لهم أذرع مالية ضخمة في جميع انحاء العالم؛ مما يشكل خطرا على مصالح الأمريكيين أنفسهم .

سنتوقف عند الكذبة الكبرى التي يروج لها الإعلام الأمريكي؛ خاصة من أن إيران هي التي تمول الإرهاب بمليارات الدولارات، وحان الوقت لإيقافها ، حسب القول الأمريكي، ،ومما يقال أيضا إن إيران هي التي تمول جميع أذرعها المليشياوية وتسلحهم، مما كلفها أموال ضخمة.

ظاهر الحملة الأمريكية يقول ( على الأمريكيين وحلفائهم العمل على تجفيف مصادر تلك الأموال لمنع الإرهاب والقضاء على منظماته الممثلة بأذرع النظام الإيراني ) ، خاصة في العراق ولبنان، وبقية الشبكة الضخمة من البنوك والمنظمات التي باتت عالمية التوزيع امتدت أنشطتها إلى تجارة الأسلحة وخلق الأزمات السياسية وتهريب المخدرات والتحكم في مسارات نقل النفط والغاز وتبييض الأموال عبر القارات، ووصل الأمر بها حتى إلى تغطية تكاليف التسلح الإيراني الصاروخي والنووي ودفع مرتبات أجهزته وعملائه وجواسيسه وحرسه الثوري.

البداية في نهب أموال العراق والشروع بها، أعلنها محمد باقر الحكيم وأخيه عبد العزيز الحكيم وتبنتها منظمة بدر حال دخولهم العراق بعد الغزو الأمريكي 2003 . كانت أول مطالبهما هو تعويض العراق للنظام الإيراني عن خسائره في الحرب العراقية الإيرانية، وقدرت مبالغ التعويضات المُطالب بها حينها 200 مليار دولار، مع الاحتفاظ بقيم الغنائم الخاصة بطائرات العراق المدنية والعسكرية التي لجأت إلى إيران 1991 وعدم إرجاعها إلى العراق، رغم أن الحكومة العراقية التي استلمت السلطة في العراق كانت ذات أغلبية شيعية.

وبتواطؤ أمريكي تم تجاهل عمليات سرقة أموال العراق وتهريب نفطه وفتح الحدود على مصراعيها لإيران لتعبث بكل اقتصاد العراق حيث تسلطت المليشيات ووكلائها على جميع المنافذ الحدودية والموانئ والمطارات، واحتكرت وزارات النفط والطاقة والنقل وإدارة الموانئ والجمارك بيد عملاء إيران ، مزودة بخبرات متقدمة وتعاون مع كوادر متخصصة من حزب الله اللبناني وتوظيف اذرعه الاقتصادية من بنوك وشركات ممتدة عبر دول العالم للقيام بالدور الموكول لهم في تجميع السرقات والأموال ووضعها تحت تصرف النظام الإيراني والحرس الثوري خاصة.

كانت البداية المالية قد دشنت بقصة الكنز المعروفة التي تصل قيمته 20 مليار دولار أمريكي ، إضافة إلى ما يقدر بــ 200 مليون دولار من قطع الذهب والسبائك ، وما أضيف إليها تباعا من مليارات اخرى أغلاها قيمة المنهوبات من الآثار العراقية وخزين البنك المركزي من الذهب والعملات الصعبة، وتفكيك المصانع والمصافي العراقية ومنشئات الطاقة، وتهريبها إلى إيران في عمليات نقل ونهب مكشوفة وشبه علنية.

تبدأ [ حكاية الكنز] في عام 2004 عندما قدمت إدارة الرئيس جورج بوش دعمها لحليفها في الاحتلال ممثلا بالنظام الشيعي الجديد القريب من إيران، الذي أقامته ودعمته إدارة الاحتلال في العراق،وكان بحاجة ماسة وفورية إلى ضخ المال لإدارة السلطة الجديدة التي نصبها الاحتلال.

والمعروف إن إدارة جورج بوش وسفيره بول بريمر قد نقلت أموال ذلك الكنز المنقول جوا إلى بغداد في عهد رئيس الحكومة العراقية الثانية إبراهيم اشيقر الجعفري، واستولى عليه نوري المالكي، رئيس الحكومة الثالثة. وعلى مدى عشرة سنوات كاملة لم يتحدث أحد عن مصير 20 مليار دولار المنهوبة بكاملها، حتى نشرت عنه صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية عام 2014 مقالة عنه، مشيرة إلى قرار الكونغرس الأمريكي باقتراح من الرئيس جورج بوش قدم مشروع تحت باب ( تقديم مساعدة أمريكية إلى النظام العراقي الجديد من تلك المليارات من الدولارات، التي كانت مجمدة في المصارف الأميركية، لحساب العراق من أموال برنامج [النفط مقابل الغذاء] ) .

لا احد يعرف حتى اليوم من الذي دل الرئيس بوش عن تلك الأموال العراقية المجمدة؟ . والجدير بالذكر ( أن كوفي عنان الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة، طلب من مجلس الأمن فتح تحقيق في فضيحة اختلاسات ضخمة تورط فيها موظفو البرنامج من دول كبرى، كروسيا وغيرها... ) وقد طالت تلك التهمة حتى ابن كوفي عنان، في واحدة من ملفات الفساد التي تورط بها موظفو الأمم المتحدة.

وحسب حكاية " نيويورك تايمز" التي تقول ( إن الرئيس بوش بدأ فور علمه، بوجود أموال العراق المجمدة، بشحن مبالغ منها تتراوح نقدا بين 12 و14 مليار دولار، إلى الحكومة العراقية التي كان يشرف عليها منسق إدارة الاحتلال الأميركي السفير بول بريمر. ثم حوَّل أيضا خمسة مليارات دولار، كأموال إلكترونية سائلة، ليصل المبلغ المعلن فقط، إلى 19 مليار دولار ) .

حتى هذه اللحظة لم يكشف احد عن مصير تلك الأموال؟. وكيف تم اختلاسها من قبل إدارة إبراهيم الجعفري وبعده نوري المالكي؟؛ لكن الغريب أن الأمريكيين الذين يعرفون مسارب وانتقال كل دولار أمريكي في العالم، تجاهلوا عن عمد كيفية اختلاس وانتقال كل تلك الأموال وطريقة تهريبها إلى خارج العراق على يد أعوان إيران في العراق، و شارك بها خبراء من حزب الله اللبناني.

كانت المفاجأة الكبرى لإدارة بوش، [حسب مزاعم كاذبة لها ] اكتشافها ( أن الأموال المحوَّلة لم تنفق على الإدارة العراقية، ولا على إعاشة ملايين العراقيين، ولا لتسديد الرواتب المتأخرة؛ بل تواصل فقدان المال المحوَّل وتسربه، بعد تشكيل الحكومة العراقية الثانية برئاسة إبراهيم الجعفري، ثم الثالثة ( حكومة نوري المالكي ) ! ) .

وبدلا من تكليف المخابرات المركزية الأميركية CIA ( سي آي إيه ) أو مكتب التحقيقات الفيدرالي ( المباحث الجنائية FBI إف بي آي ) ، عمد بوش إلى تكليف صديق شخصي له، من رجال الأعمال في تكساس يدعى ( ستيوارت باون ) للتحقيق لمعرفة أين اختفت تلك الأموال العراقية، بعد وصولها إلى بغداد؟. أبقى ستيوارت باون تحقيق لجنته سريا طيلة عشر سنوات تقريبا، ولم يتكلم قط عن الموضوع، إلا نهاية عام 2014، ليعلن أنه أصيب بالذهول عندما اكتشف ( أن مليارات من الدولارات جرى تحويلها، بمعرفة الحكومات العراقية المتعاقبة في السنوات العشر الأخيرة ) ، ووجهتها كانت إلى لبنان تحديداً. وبدلا من إيداعها في المصارف رسميا. فقد أودعت في مستودع محصن وضخم، تحت الأرض في الريف اللبناني!.

يملك ستيوارت باون الآن مستمسكات ووثائق حصل عليها في التحقيق الذي أجراه حول، نقل ما مقداره 1.2 إلى 1.6 مليار دولار فقط وجهت إلى لبنان. لكنه ادعى انه لا يملك إثباتات عن بقية المليارات الأخرى التي تم نقلها، وذلك عبر عنها ( لأسباب خارجة عن إرادتنا ) ، حسب تعبيره، ولكن أبلغ ستيوارت باون المخابرات الأميركية الداخلية والخارجية عن نتائج تحقيقاته، طالبا منها مواصلة التحقيق. ويقول: ( إن هذه الأجهزة المخيفة لم تحرك ساكنا ) . و ( تذرعت بأن «المال عراقي» ، لذا لا يهمهم الموضوع؟ ) .

ورغم إن المخابرات الأميركية تعرف أن سرقات أركان النظام الشيعي العراقي والحكومة العراقية لموارد العراق النفطية كان يفوق بكثير كل ما يمكن توقعه من عمليات نهب لكامل ميزانيات الدولة العراقية بعد الاحتلال والتي تجاوزت 1400 مليار دولار رصيد الميزانيات العراقية .

وينوه ستيوارت باون أيضا بأنه ( تحدث إلى نوري المالكي بخصوص مصير ذلك «الكنز» الذي نقل إلى لبنان. فلم يقم نوري المالكي بأي تدبير أو مسعى لاستعادته؛ بل أبدى، في صدِّه وجفائه، استياءه وامتعاضه من الطريقة العلنية التي نقلت بها أميركا ذلك المال إلى العراق ) . أكثر من ذلك، فقد رفضت السفارة الأميركية في بيروت التعاون مع محققي ستيوارت باون، لمعرفة مكان المستودع والمخزن الذي أودعت فيه تلك الأموال! وحذرتهم من البحث عنه. ربما لأنها تعرف من دون أن تقول هي وحتى ستيوارت باون ( إنه موجود في أرض يسيطر عليها «حزب الله» ورجال إيران في لبنان ) ، حسب توقعات صحفي عربي نشر وتابع هذا الموضوع.

وحسب بعض المحللين المتابعين لهذا الملف ( أن الرفض الأميركي الرسمي للتعاون مع ستيوارت باون في عهدي بوش و اوباما، راجع إلى الموقف الأميركي في عدم إحراج النظام الإيراني، سواء أمام إسرائيل، بخصوص مفاوضات الملف النووي، أو أمام النظام العراقي الجديد، الذي أطلق حرية الميليشيات الشيعية العراقية الثلاث التي تديرها إيران،ودعمها في العودة والدمج مع فلول الجيش العراقي لتشكيل القوى الأمنية الجديدة بعد الغزو،وكي يستخدمها لاحقا لحماية انسحاب القوات الأمريكية وغزو "مناطق أهل السنة" وما رافقها، من ارتكاب أعمال منافية لحقوق الإنسان فيها، بحجة مكافحة "داعش". سادها النهب والترويع. والاعتداءات الجنسية وتهجير السكان بالقوة ) .

بعد كل هذه العراقيل، نقل ستيوارت باون معلوماته إلى سعيد ميرزا النائب العام اللبناني [سابقا] فتظاهر الأخير باستعداده للتعاون، ثم ما لبث أن اعتذر وتهرب عن الموضوع، ربما بعد الاتصال مع السلطات التنفيذية والسياسية اللبنانية. بالطبع، كانت سياسة النأي بالنفس التي «روّجها» نبيه بري، رئيس المجلس النيابي اللبناني وأنصار نظام بشار في لبنان، ( لا تجيز للبنان الغارق بألف مشكلة ومشكلة، الوقوع في مشكلة أخرى، تزعج وتحرج النظام الحاكم في العراق، والمتعاون بشكل وثيق سرا وعلنا، مع إيران و"حزب الله" ) .

بعد اختفاء الكنز جرى تقنين عمليات النهب الكامل على ثروات العراق من خلال منظومات فاسدة اشرف على كل تفاصيلها الحرس الثوري الإيراني ودعمتها بشكل مباشر الأحزاب والقوى الشيعية الحاكمة المدعومة من مرجعية السيد علي السيستاني، والتي ضمنت لابن أخته الدكتور حسين الشهرستاني تسلم وزارة النفط والطاقة، وتعاظم نفوذ نجله محمد رضا السيستاني في كافة اللجان الاقتصادية ومكاتب الوزارات ذات الميزانيات المالية الضخمة. وقد تم التكتم أولا على عمليات النهب البترولي، خلال معالجة قضايا الحقول البترولية المنهوبة في مناطق الحدود عند حقلي مجنون وحقل الفكه وحقول البصرة وميسان، وما صاحبهما من لغط كثير حول شفط ملايين البراميل النفطية يوميا عبر الضخ الأفقي والتسريب والتهريب عبر الحدود لملايين الأطنان من النفط المهرب إلى إيران أو المصدر باسمها ولحسابها عبر موانئ عراقية وايرانية.

تعرف الولايات المتحدة تماما ما كان يوفر ذلك النهب لنظام طهران من ملايين الدولارات يوميا من خلال ميناء البصرة ونقاط التصدير النفطية على شط العرب والخليج العربي التي ظلت حتى اليوم بدون عدادات أو محاسبة أو سيطرة حكومية ، ظل يشرف عليها ويحرسها ويتقاسم وارداتها مع قاسم سليماني وكلاء إيران وقادة مليشياتها في جميع المحافظات من خلال السيطرة على الموانئ وشركات النقل والتصدير .نشير إلى عدد من التحقيقات الصحفية المتلفزة التي بثتها قناة الحرة الأمريكية منذ سنوات الاحتلال الأولى.

كما تعلم إدارات الولايات المتحدة المتعاقبة على حكم البيت الأبيض منذ الرئيس بوش إلى ترامب جيدا إن إيران باتت تمول مجهودها الحربي من واردات الأموال والثروات المسروقة من قبل وكلائها واذرعها في العراق خاصة، وبدورها كانت تمول جماعاتها في سوريا وبقية منظمات الإرهاب الأخرى التابعة لها في العالم، والتي أوكلت لها مهام اخرى، كالتهريب وتجارة المخدرات وتبييض الأموال، وتنظيم شبكات الدعارة والسمسرة والسرقات العمومية؛ فحسب مؤسسة "ستار فور" ، ومقرها ولاية تكساس، نشرت تقارير في 13/2/2012 تقول ( أن إيران تقوم بسرقة كميات كبيرة من النفط العراقي في الجنوب، وبشكل منتظم، وأن هذه السرقات ساعدت الحكومة الإيرانية على تجاوز محنتها نتيجة الوضع الاقتصادي بسبب الحصار الدولي ) .

وحسب ذلك التقرير في خلاصته: ( يسرق يومياً من نفط العراق ما مقداره 20 مليون دولار وأن 10% من نفط الجنوب العراقي يسرق عبر شبكة نظمتها إيران ) ، وهناك مركز عالمي للدراسات التنموية مقره العاصمة البريطانية لندن يفيد: ( بأن إيران تستنزف غالبية حقول النفط العراقية المجاورة لحدودها وبعض هذه الحقول في محافظتي البصرة و ميسان ) .

شكلت موارد صفقة "الكنز العراقي" المسروق القاعدة المالية الضخمة للاستثمارات التالية لها، ومنها انطلق النظام الإيراني بأذرعه المليشياوية عبر توظيف حزب الله اللبناني وتجنيد قدراته الدولية، لتشكيل شبكة استثمارات مالية ضخمة والتغلغل في عصب تجارة دولية تجاوزت دول الشرق الأوسط، وخاصة في بعض دول إفريقيا وأمريكا اللاتينية .

انتهى القسم الأول ويتبعه .. القسم الثاني والثالث وللمقالة بأقسامها الثلاث مراجع وإحالات وهوامش
 





الجمعة ٢٥ شــوال ١٤٤٠ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٨ / حـزيران / ٢٠١٩ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب ا.د. عبد الكاظم العبودي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة